في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تحدث الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وكأنه مبشر أو ناسك إصلاحي، حيث قام بتخطئة الجميع، بإبراز عيوبهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان في بلدانهم، ونسي نفسه تماماً والجرائم التي ارتكبها في حق البشرية جمعاء، ابتداء من مساندته للتخريب المناخي البيئي وانتهاء بالتعذيب في سجن أبو غريب العراقي.
الرئيس بوش تحدث عن الديكتاتوريات القمعية والجرائم التي ترتكبها في حق شعوبها، وركز بشكل خاص علي بورما وكوبا وكوريا الشمالية، وتناسي أن معظم حلفاء أمريكا في العالم، والشرق الأوسط علي وجه الخصوص، هم من عتاة الأنظمة الديكتاتورية وأكثرها دموية وقمعية علي وجه الكرة الأرضية.
فالعالم الذي كان ممثلا في زعماء ومندوبي أكثر من مائتي دولة كانوا يستمعون إلي خطاب الرئيس الأمريكي، امتلأت بهم مقاعد الجمعية العامة في اجتماعها السنوي، لا يمكن أن ينسي معتقل غوانتانامو الذي أقامته الولايات المتحدة في كوبا قبل ست سنوات واحتجزت، وما زالت، مئات الأشخاص الذين يتعرضون للتعذيب ولم يقدموا إلي أي محاكمة.
والعالم لا يمكن أن ينسي مناظر المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب وهم يتكومون عرايا، ويواجهون الكلاب البوليسية المفترسة، أو يصعقون بالتيار الكهربائي، وهي مناظر موثقة بالصوت والصورة، اعترفت بها الإدارة الأمريكية، وقدمت بعض المسؤولين عنها، وهم من صغار الضباط، إلي محاكمات أصدرت في حقهم عقوبات بالسجن.
ولعل الغزو غير الشرعي وغير الأخلاقي للعراق هو أبشع أنواع انتهاك حقوق الإنسان، لأنه أسفر حتى الآن عن مقتل مليون ومائتي ألف عراقي علي الأقل، وتشريد خمسة ملايين أخرى، نصفهم في الأردن وسورية وبعض دول الجوار الأخرى.
الرئيس بوش هو آخر شخص يمكنه أن يتحدث عن الديمقراطية وقيمها، لأن سجله أسود في هذا الخصوص، فهو الذي قام بأكبر عملية إجهاض للديمقراطية الفلسطينية الوليدة، عندما رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وفرض عقوبات جماعية علي الشعب الفلسطيني لأنه اختار حركة حماس وصوت ضد الفساد وممثليه في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
هناك انتهاكات مؤسفة ومؤلمة لحقوق الإنسان في بورما وكوريا الشمالية وكوبا، لا يجادل أحد في هذا، ولكن هناك أيضا انتهاكات لحقوق الإنسان في إسرائيل، حيث يتعرض الشعب الفلسطيني إلي أبشع عمليات الإذلال في التاريخ. فعلاوة علي وجود 11 ألف معتقل في صفوف الاحتلال، يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية أكثر من ستمائة حاجز تقطع أوصال قراهم ومدنهم، وتعرضهم لأبشع أنواع التعذيب النفسي اليومي.
ولا يمكن تجاهل الوضع في قطاع غزة في هذه العجالة، حيث تحول مليون ونصف المليون من أبنائه إلي سجناء، بعد إغلاق جميع المعابر، ووقف كل أنواع المساعدات المالية والطبية، وتواصل عمليات الاغتيالات الإسرائيلية ضد أبنائه.
نحن نرحب بأحاديث الرئيس بوش عن الديمقراطية وحقوق الإنسان شريطة أن يقدم لنا المثل والنموذج، لا أن تكون أحاديثه في هذا الخصوص تجسيدا لازدواجية مرعبة، وانتقائية مخجلة. فحلفاء أمريكا فوق النقد، من حقهم أن يقوموا بما شاءوا من انتهاكات لحقوق الإنسان وممارسة كل أنواع القمع والديكتاتورية، أما معارضوها فهم الشياطين الذين تحق عليهم اللعنة، ويجب أن يكونوا علي رأس قائمة التغيير.
جميل أن يتحدث الرئيس بوش عن مكافحة الإيدز والملاريا والأوبئة الأخرى الفتاكة، ولكن أليس من حقنا أن نسأل عما سيكون عليه حال العالم لو أنه أنفق ما أنفقه علي حرب العراق، أي خمسمائة مليار دولار في هذا الخصوص؟ وهي حرب لم تخلف إلا المزيد من القتل والدمار والتشريد للأبرياء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: القدس العربي
منقوله