قصتي مع أحد الشيعة الإمامية :
كنت في سنة ماضية في طريقي من تركيا إلى السعودية مروراً بسوريا ، وفي أثناء السير بعد أن صلينا المغرب والعشاء في منطقة يقال لها: البهلولية - بين سلمى والللاذقية – وفي أثناء السير تعرض لنا سائق باص أحسب أنه سكراناً فاتجه بسيارته إلينا ونحن في طريقنا فتركنا له الطريق وخرجنا بسيارتنا يميناً حتى تركانا جميع الطريق له ورغم ذلك اصطدم بنا، وكاد أن يلقينا بواد سحيق .
ولكن عناية الله لا تقف أمامها قوة .
واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.
عناية الله أغنت عن مضاعفة *** من الدروع وعن عال ٍ من الأطم
ثم حدثت من أقارب هذا السائق أمور من النصب والاحتيال ، كانت خاتمتها إلى توقيفي لمدة أربعة أيام في مخفر البهلولية – والخير فيما اختار الله – وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
وأشهد شهادة حق إني وجدت تكريماً من منسوبي هذا المخفر ، فقد أسكنوني معهم في السكن ولم يدخلوني غرفة التوقيف ، وقالوا: والله إنا نستحي منك يا حاج أن ندخلك النظارة – غرفة التوقيف – وامتنعوا عن التدخين في الغرفة التي كنت فيها تقديراً لوجودي بينهم – المخفر عدة عرف -
وهذه مقدمة ؛ وأما موضوع العنوان فهو: أن من بين الذين في الغرفة التي كان قدري أن أكون فيها شاب ذو خلق عالٍ - وجميع الثلاثة الذين معي في الغرفة أخلاقهم عالية – المهم هذا الشاب وهو الذي تدور عليه القصة ، فقد كان مثالاً للأخلاق والأدب ، لكن لفت نظري أننا حينما أردنا أن نصلي صلاة العصر بعد أن فرش هو لنا سجادة الصلاة خرج ولم يرجع إلا بعد أن انتهت الصلاة .نسيت جزء من المقدمة وهو: أنني حينما جلست معهم وقد دخل وقت صلاة العصر قلت لهم : يا أخوتي لماذا لا نصلي جماعة فلا يليق أن نصلي فرادى فدعونا نصلي جماعة؛ لننال أجر الجماعة فوافقوا ومنهم ذلك الشاب. نرجع إلى قصة الشاب ، فقد رجع علينا بعد انقضاء الصلاة، فقلت له يا أبا فلان الله يهديك تفرش السجادة، ثم تنشغل حتى فاتتك صلاة الجماعة ، فلم يرد إلا بابتسامة ، وتبسم زملاؤه ، ثم وقف وقتاً ليس بالقصير وهو يتحدث معنا في أمور أخرى، وعينه إلى دولاب عرفت فيما بعد أنه لحاجياته الخاصة ؛ وكأنه يريد أن يخرج من ذلك الولاب شيئاً ويستحي أن يخرجه، أو لا يعلم ماذا سأقول له عند إخراجه، ولكنه شد العزيمة على إخراجه ففتح الدولاب ثم أخرج شيئاً عجباً ثم اتجه إلي ... ..
ثم أخرج شيئاً عجباً ثم اتجه إلي وقال: ما رأيك بهذه ?
فقلت: ما هذه يا أبا علي ؟ فقدمها إلي فإذا هي طينة وقد كتب عليها : ( محمد -صلى الله عليه وسلم- علي، فاطمة، الحسن، الحسين – رضي الله عنهم )
قلت له وعملت نفسي جاهلاً: يا أبا علي ما هذه وما العمل بها؟
قال: هذه طينة طيبة تربتها من كربلاء التي قتل فيها الحسين – عليه السلام –
فضحكت وقلت: لِمَ لم تأخذها من المدينة أحسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن فيها؟ أقول ذلك من باب المداعبة ؛ لأنني سأنتهز الفرصة وأناقشه عنها .
فهز رأسه وضحك وقال: لا أدري. فرددتها إليه.
وقلت: صل وفقك الله.
وجلس يصلي كثيراً ، حتى قضى صلاته وجلسنا نتناول الشاي ونأكل بعض الخبز الذي أتي إلينا به في الصباح.
وإذا ذكرت حال المخفر فلن أستطيع وصفه بوصف تتصوره العقول ولكن لا بأس من وصف ذلك المخفر.
أولا: غرفتنا فيها طاولة قد وضع عليها بساط من البلاستيك يغطي ما بداخلها ، فهي ثلاجتنا وموضع أوانينا فالأكل من الحمص والإدام نأكل شيئاً منه في الصباح ونضع الباقي تحت هذه الطاولة ونغطيه ببساطها لنكمل أكله في المساء.
ثانياً: غرف المخفر وما أدراك ما المخفر يتكون من غرف متعددة متقابلة بينهما طريق مغطى ، ينتهي بدورة مياه .
ثالثاً: دورة المياه ليست على اسمها فالماء لا يدور بل مستقر على أرضها، فإذا أراد أحدنا الاغتسال أخذا المساحة لنقل الماء إلى خارج هذه الدورة عبر شق يصب خارج المخفر، والمنطقة باردة ، ومن توفيق الله كان الجو صيفاً وكان البرد ليس قارساً ، فيتحمل الغسل في هذا الجو.
رابعاً: الغرف فكانت كلها أسرة بالية وبطاطين لا يطاق الإلتحاف بها وكنت أضع عمامتي على المخدة وألف بقيتها على رأسي ، وقد قدموها لي والجود من الموجود.
خامساً: المكتب -مكتب المدير- يذكرني بكتاب المعاريض عند القطاعات الحكومية فالطاولة مكسرة وجلدها مقطع والكراسي من حديد أكل عليه الدهر وشرب.
سادساً: غرفة التوقيف التي تسمى النظارة فهي أرض مبلطة بالإسمنت وكما بنيت لا وقاء ولا غطاء.
كل هذا حسنه خلق الزملاء في الغرفة.
نرجع إلى قصتي مع صاحبنا ، فبعد أذان المغرب ذهب زملاؤنا الذين يساكنونا الغرفة ؛ لأننا أصبحنا زملاء في هذه الغرفة (وكانوا يطلقون علي لقب النقيب ممازحة )؛ لأنني أصبحت أعطي أوامراً ( ممنوع التدخين ، قوموا نصلي جماعة ، أغلقوا الموسيقى ) نرجع إلى قصتنا : زميلي هذا الذي تدور عليه القصة لم تكن عنده دورية في تلك الليلة فجلسنا وحدنا في غرفتنا ، وأحسب أنه استأنس بي وأنا كذلك ، فأصبح لا يخرج من الغرفة حتى مر بنا أحد الزملاء من الغرف المجاورة ، وقال: أبو علي أظنك انبسطت مع الحج. فلما صلينا المغرب قلت له: يا أبا علي ذكرت اليوم بعد العصر أن الطينة التي تصلي عليها إنها من كربلاء المكان الذي مات فيه الحسين رضي الله عنه وأرضاه.
يا أبا علي: أتحسب أنك تحب الحسين أكثر مني ؟ أتعلم من الحسين ؟ الحسين ابن بنت رسول الله فاطمة الزهراء إحدى سيدات نساء الجنة رضي الله عنها ؛ والتي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن فاطمة بضعة مني ) أتدري أن الحسين محبته من الإيمان وبغضه من النفاق والخذلان؟
يا أبا علي: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن الحسن والحسين رضي الله عنهما: ( سيدا شباب أهل الجنة ) فاستغرب من هذا الثناء ،- حسبنا الله على من جعل في قلوب المسلمين غلاَ وحقداً ملأها بالكذب والدسائس ، فهذا الرجل استغرب أن أثني على الحسن والحسين رضي الله عنهما - فقلت : أتستغرب محبتي لهما؟
فقال بعفوية : فمن قتل الحسين؟
لا إله إلا الله فالرجل قد صور له بأنني وقومي قد قتلنا الحسين رضي الله عنه .
قلت له: الذي قتله هو من دعاه لينصره ثم تخلى عنه لجيش يزيد.
يا أبا علي: أتعلم إن الحسين رضي الله عنه لما أراد المسير إلى العراق وقف له عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين
وقالا له: يا ابن بنت رسول الله لا تذهب إلى أهل العراق فقلوبهم معك وسيوفهم مع يزيد، ولكنه رضي الله عنه لم يأخذ بنصحهما لثقته فيمن دعاه، فذهب إلى العراق وحل قضاء الله.
ثم قلت له: أليست حادثة مقتل الحسين قبل ألف ومائتين سنة؟ فلِمَ التحدث عنها هذه المدة الطويلة ولِمَ يحمل أجيال المسلمين جريرة فعل هم منه براء بل يتبرأون ممن صنعه؟ أليس هذا من أجل تأجيج المشاعر وإيغال الصدور؟ ثم قال: أتعلم أن قادة ذلك الجيش استاقوا نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام وقد عروا أجسادهن وكانوا يضربونهن حتى أدخلن بلاد الشام؟
قلت: أنا لا أصدق هذا القول، ولكن دعني أسألك أنت؛ لو أنك قائد لجيش وحاربت دولة كافرة ثم كانت الغلبة لك، هل ستقوم بهذا الفعل في حق نساء ضعيفات؟ قال: أعوذ بالله أن أفعل.
قلت: فكيف تصدق أن هذا يفعله مسلمون وإن كانوا مجرمين بحق نساء بيت سيد المرسلين.
ثم قلت له: ما رأيك في علي رضي الله عنه أشجاع هو أم جبان ؟
قال : كيف تسأل هذا السؤال؟ وهل يعقل أن مسلماً يسأل هذا السؤال في حق أمير المؤمنين عليه السلام ؟
ثم انطلق يتحدث عن شجاعة علي رضي الله عنه: علي الذي كان يبارز الأبطال وهو صغير يقال عنه هذا القول ، بل شجاع لا يشق له غبار ولا يقف في وجه الشجعان ولا يبارزه الفرسان.
قلت: صدقت وأنا أعتقد ذلك ، ولكن ما رأيك بمن يقول: إنه جبان . قال: مجرم كائد لأمير المؤمنين عليه السلام.
قلت : أنا اعرف أناساً يقولون ذلك. فهم قد اتهموه بالجبن حتى قالوا: إنه زوج ابنته لعمر رضي الله عنه مدارة.
ثم قلت: هم يزعمون أن عمر كافر وزوجه علي ابنته ؛ ألا يعتبر هذا القول رمي لعلي رضي الله عنه بالجبن والخور ؟ أمثل علي الفارس المقدام يفعل هذا ويقال عنه هذا؟
ثم قلت : لو كان علي يعتقد فسق عمر ليس كفره لما زوجه ابنته ولو قتل دونها.
ثم قلت : يا أبا علي ما رأيك في قائد الثورة في إيران الخميني ؟ أساذج هو أم ذكي ؟؟
ثم قلت : يا أبا علي ما رأيك في قائد ثورة إيران الخميني ؟ أساذج هو أم ذكي ؟؟
فسكت.
فتحدثت أنا ، فقلت : يقال: عنه ذكي فطن ؛ فلو لم يكن كذلك لما قاد ثورة وأجج جموعاً وأسس نظاًماً جديداًعلى أنقاض نظام سابق؛ أليس كذلك ؟؟
قال: بلى .
فقلت: لو فرضنا أن الخميني لما مات تبين أن وزراءه وأعوانه الذين كانوا معه من بداية ثورته حتى مات يضحكون عليه ولم يعلم بذلك ، وكانوا يستغفلونه ويعملون من خلفه أموراً لا يرضاها وهو لا يدري ، أيكون الخميني ذكياً فطناً أم غبياً ساذجاً ؟؟
قال: هذا مستحيل.
قلت: أنا أقول لو فرضنا؟
قال: لو حصل هذا وهو مستبعد يعتبر غبي ساذج.
قلت: فما تقول فيمن يقول على النبي صلى الله عليه وسلم ساذج غبي ؟
قال: أعوذ بالله أن يقول هذا مسلم.
قلت : لا بل قد قيل.
أليس من يدعي أن كبار الصحابة الذين رافقوا الرسول صلى الله عليه وسلم منذ بعثته أو بعد البعثة بقليل حتى قبض عليه الصلاة والسلام ، وقال: كانوا يخادعون الرسول صلى الله عليه وسلم ويبطنون ما لا يرضاه ويكيدون المكائد ؛ أليس هذا من رمي النبي صلى الله عليه وسلم بالغباء والسذاجة.
لا بل من اتهام الله جل وعلا بالتقصير في إخبار نبيه عليه الصلاة والسلام بما يكيده هؤلاء؛ فالوحي ما انقطع إلا بموت المصطفى صلى الله عليه وسلم.
يا أبا علي: سبحان الله تقول: يستحيل أن يخادع الخميني ، وهو بشر لم يؤيد بوحي ، وهؤلاء يقولون : إن هؤلاء الرجال كانوا يخادعون المصطفى المجتبى المختار عليه الصلاة والسلام ؟؟
أيكون الخميني أذكى وأكثر فطنة من نبي الله صلى الله عليه وسلم ؟؟
ألا يخشى الله من يقول هذا القول ويتفوه به.
قال: طيب من اقتحم منزل فاطمة الزهراء عليها السلام وضربها على بطنها حتى أسقطت جنينها؟
قلت: علي رضي الله عنه مات قبل فاطمة رضي الله عنها أم هي ماتت قبله ؟
قبل الشروع في إجابة الزميل الشيعي نذكر شيئاً من الأحداث التي صاحبت أيام التوقيف:
طلبت قبل التوقيف من مسئولي المخفر التحقيق في الموضوع حتى ننهي القضية ونرجع إلى بلادنا ؛ قالوا: لا بد من توقيفك حتى يتم التحقيق .
قلت: لا حل إلا هذا.
قالوا: هو ذاك.
قلت: التوقيف التوقيف.
ومرت الأحداث السابقة ، ثم أحالوني إلى القاضي.
القاضي له يوم محدد يداوم في مقر محكمة منطقة البهلولية والتي فيها المخفر الذي أنا موقوف فيه. فأهل المنطقة لا يعلمون الوقت الذي يحل فيه القاضي على المحكمة ، وإنما يتابع جند المخفر مبنى المحكمة الذي يقابل المخفر ، فإذا رأوا كاتبة الضبط ( وهي التي يسمونها الدلفينة ) لطريقة لباسها وضخامة جسمها، فإذا رأوها أتت صباحاً علموا أن القاضي سيأتي في ذلك اليوم ، فكنت أنتظر وفي اليوم الثاني من التوقيف إذا صوت الجند يتندرون مع بعضهم ( وصلت الدلفينة وصلت الدلفينة ) فعلمت بأن القاضي سيأتي.
وجاء القاضي وأخذوني إليه وبجانبه كاتبته ، ثم نظر في تقرير المرور ، وجاء والد المتسبب في الحادث ، وهو من كبار المحامين عندهم واسمه حسن .
فعرض القاضي علينا الصلح، ولمعرفة الخصم بأننا من السعودية ونريد الخلاص للرجوع إلى البلاد تشدد في مسألة الصلح، وأصبحنا كأننا ارتكبنا جناية بحق ولده ، فطلب ثلاثمائة ألف ليرة ( حوالي اثنين وعشرين ألف ريال) ونصلح نحن سيارتنا والتي كلفت بعد ذلك أكثر من ستين ألف ريال.
فأصبحت أفاوضه على التخفيف، وهو يرفض، فلم نصطلح ورفع القاضي الجلسة على موعد بعد يومين في اللاذقية.
رجعت إلى المخفر.
وفي اليوم التالي فإذا امرأة تتصل على المخفر وتسأل عني ، فقلت: من هذه المرأة وماذا تريد، لا حول ولا قوة إلا بالله ، فهل انتهينا من مصائب رجالهم فنقع في مصيبة أخرى.
لكن هذا الاتصال حصل به بعد تفريج الله بعض الفرج .
المرأة لها قرابة في السعودية وأحد زملائنا له علاقة في قرابة هذه المرأة فلما عرفوا بقضيتنا اتصلوا عليها، وكانت امرأة لها قوة ؛ حيث إنها من أهل ( القرداحة بلد الرئيس ) والعالم هناك إذا سمعوا صوت شخص من أهل هذا البلدة ارتعدت فرائصهم، المهم اتصلت علي ولما أجبت على الهاتف ، قالت: أنت فلان ؟
قلت: نعم .
قالت: بلغني أمر توقيفك، ثم أردفت أين فلان؟ -تسأل عن صاحبي الذي أهله لهم علاقة في قرابتها والذين يسكنون في بلادنا.- ؟
قلت: ذهب إلى حلب.
قالت: وتركك هنا.
قلت: ليس في المنطقة هذه سكن مريح ؛ فهو يذهب في الليل ويعود إلي في الصباح.
ثم قالت : لا تنزعج فغداً إذا ذهبت للمحكمة فاسأل عن ابن عمي المستشار في المحكمة ( فلان ) فأقد أخبرته بخبركم .
وشكرتها ، ثم أنهينا الاتصال.
وذهبت في اليوم التالي إلى المحكمة والتقيت بالقاضي ، وبالخصم وطلبت منه التخفيف إلى مائتي ألف، فرفض .
ثم صعدت إلى الدور الثاني ، وسألت عن المستشار ، فدخلت عليه ، وأخبرته بتفاصيل القضية، ثم استدعى الخصم ( حسن ) وقال له : ألا تعلم بأن هؤلاء أصدقاء لقرايبنا؟
فقال حسن: ابني في غيبوبة والسيارة تلفت ، وسنتكلف أكثر من هذا المبلغ ( طبعا هذا كذب لأنه سيأخذ من شركة التأمين ما يريد) . قال المستشار: على كيفك، لكن اعلم إنه يهمني أمرهم ، وأمره بالخروج. فخاف الرجل ، وذهب إلى القاضي ، وقال: أنا أريد أن تأتي بهم لنصطلح بعيداً عن المستشار. فدعاني القاضي ،
وقال: الأستاذ حسن موافق على المائتين ألف. وأنا لما علمت خوفه ، قلت: زملائي رفضوا المائتين ألف ، ويقولون: مائة ألف. فرفض في البداية ثم وافق. وذهبت إلى المستشار وأخبرته الخبر، فغضب ، وقال: لا تدفع شيئاً هو الذي عليه الخطأ ، واصبر في السجن حتى تنتهي الإجازة ( كانت الإجازة ستبدأ بعد يومين – عيد لشيء لا أعرفه – المهم هي لمدة أسبوع) يقول: سأجعله يتحمل تكاليف سيارتكم.
ولكنا لا ستعجالنا وافقنا على دفع مائة ألف ظلماً، فدفعناها. وتم الصلح وأمر القاضي بالاكتفاء بما مضى من السجن وإطلاقي.
ثم ذهبوا بي إلى المخفر على أمل إنهاء الإجراءات في ذلك اليوم ، و جلس زميلي الشيعي لإنهائها ،
ولما جاء العصر فإذا هو يأتي وهو يكاد يبكي، ويقول: للأسف ستبقى إلى غد فإجراءات إطلاقك لم تنه ، يقوله وهو متأثر جداً ، ويقول: والله يا حاج إني جلست معهم إلى الآن لأنهيها ولكنهم أخروها .
قلت : خيراً إن شاء الله .
وفي اليوم التالي ذهب من الصباح ، ولم يرجع إلا وقد أنهاها.
وتم خروجي بعد أيام في هذا المخفر وهذه الذكريات.
وكنت قد كتبت أبياتاً من الشعر في ذلك الموقف موجهة إلى القاضي:
أيها القاضي ( .اسمه... ) الضيف في **** أرضكم يرجو يلاقي مبتغاه
من جوار المصطفى قد زاركم**** فيعاقب دون ذنب قد جناه
سبعة من رحلتي لو حملت **** فوق رضوى قال آهٍ ثم آه
أسهر الليل بسجن مظلم **** جفن عيني نومه الهاني قلاه
في طريقي أتلفت راحلتي **** ويقال اطلب من الجاني رضاه
فإذا يرضى تلقيت المنى *** وإن لم يرض فلا ترجو النجاة
أيكون المعتدي مبتسماً **** وتكونون له ردءاٍ وجاه
والذي في الظلم قد بات بكم *** مجرماً كمم باللاصوق فاه
ثكلتكم أمكم ماذا جرى *** أوهذا العدل تباً من قضاة
إلى آخره.
نرجع إلى حيثي مع الزميل الشيعي:
قال: طيب من اقتحم منزل فاطمة الزهراء عليها السلام وضربها على بطنها حتى أسقطت جنينها؟
قلت: علي رضي الله عنه مات قبل فاطمة رضي الله عنها أم هي ماتت قبله ؟
قال: بل فاطمة عليها السلام ماتت قبل أمير المؤمنين رضي الله عنه.
قلت: علي رضي الله عنه كان في البيت عندما تعدي على فاطمة رضي الله عنها ؟
قال: نعم.
قلت: كيف تم الاقتحام ؟
قال: لما سمع علي وفاطمة عليهما السلام طرق الباب ذهبت فاطمة لفتحه، فلما فتحت الباب قام عمر ومن معه بضربها.
قلت: هذا القول لا يصدق؛
لثلاثة أمور:
1-كيف علي رضي الله عنه يأمر فاطمة العفيفة بأن تفتح الباب للرجال ؛ فهذا لا يرضاه رجل من عوام الأعراب فما بالك بعلي الذي عرف بالنخوة والشجاعة والحمية والغيرة على الأعراض، والذي تربى في بيت النبوة من صغره رضي الله عنه.
2-فاطمة العفيفة لا ترضى لنفسها هذا ، وهي التي تقول: جمال المرأة ألا يراها الرجال ولا ترى الرجال.
وهي التي أوصت بأن يجعل على كفنها مثل القوس ويوضع عليه اللحاف من حرصها على الستر. رضي الله عنها وأرضاها.
3-قد اتفقنا جميعاً واتفق المسلمون على شجاعة علي رضي الله عنه الفذة التي لا يشق لها غبار؛ فكيف يرضى بهذه الذلة وأن تضرب زوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقبع في حجرته لا يحرك ساكناً.
أليس هذا القول فيه اتهام لعلي رضي الله عنه بالجبن والخور والرضا بالذل والمهانة ؟؟
أما يعلم من لفق هذه التهمة بقصد إيغال الصدور على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه وقع في جريمة أخرى ، وهي التهم التي ذكرناها بحق علي وفاطمة رضي الله عنهما؟
قلت: يا أباعلي: ما الذي تفهمه من قوله تعالى
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ )
قال: يعني أن الرجل الطيب لا يتزوج إلا امرأة طيبة والخبيث لا تزوج غالباً إلا خبيثة .
قلت له: الذي أفهمه إن الله أمر الطبيبين ألا يتزوجوا إلا طيبات وأمر الطيبات من النساء ألا يتزوجن إلا طيبين من الرجال.
قال: هذا كلام معقول.
قلت: يا أبي علي : أريد أسألك سؤلاً لكن لا تزعل مني.
قال: لن أزعل منك.
قلت:اتفقنا وألا أسكت.
قال: بل تكلم. كيف أزعل منك يا حاج ؟
قلت: لأن السؤال فيه حرج.
قال: أبداً وإن كان ما فيه.
قلت:يا أبا علي لو أن زوجتك اتهمت بالزنا ، أهذا مفخرة ورفعة لك بين الرجال ، أم مذمة ومنقصة لك بين أهل وقومك؟
قال: وبدا عليه الحرج: أعوذ بالله قل غير هذا يا حج.
قلت: أنا أقول لو يعني افتراضاً وأعيذك بالله أن تكون زوجتك كذلك. لكن أجبني .
قال: والله عيب و ما فيه رجل عربي يرضى أن تكون زوجته كذلك، ولا فيه عربي أصيل يبقي امرأة زانية في بيته.
وإن أبقاها فهو حقير.
قلت: والله إني أعرف أن هذه إجابتك. منذ أن قابلتك .
يعني اتفقنا يا أبا علي على أن الخبيثة لا يقبل بها إلا خبيث وأن الطيب لا يقبل إلا طيبة.
واتفقنا أن الرجل الذي يحمل معنى الرجولة لا يقبل امرأة فاسدة في بيته.
قال: أكيد.
قلت: فما تقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أهو أكرم الرجال وأغيرهم على أهل بيته ، وأن بيته أفضل بيت في قبائل العرب؟
قال: قل غير ذلك يا حاج ، هذا السؤال كفر.
قلت: إي والله الذي يعتقد خلاف ذلك فهو خارج من الملة ؛ لكن أنت قلت كلاماً قبل قليل ؛ وهو: والله عيب و ما فيه رجل عربي يرضى أن تكون زوجته كذلك، ولا فيه عربي أصيل يبقي امرأة زانية في بيته.
وإن أبقاها فهو حقير.
ألم تسمع بقوم يرمون رسول الله صلى الله عليه بهذه التهم ويرمونه بتهم نفيتها أنت عن أي رجل يحمل معنى الرجولة، فما بالك برجل أكرمه الله بالرسالة إضافة إلى ما يتمتع به من المزايا الأخرى التي واحدة منها تكفي لمن يحملها أن يرتفع شأنه وقد إكتملت فيه هذه المزايا صلى الله عليه وسلم.
فهم يتهمون الرسول صلى الله عليه سلم في عرضه ، في عائشة رضي الله عنها ويرمونها بالفاحشة.
أليس هذا من استنقاص مقام النبوة . ومن تكذيب القرآن الذي نزل بتبرأة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. ؟؟؟
أليس هذا هو الكفر بعينه؟
قال: أعوذ بالله أستغفر الله . ثم أردف : عائشة التي يذكرونها ويسبونها هي أم المؤمنين زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم. الله ما كنت أعرف -واغرورقت عيناه بالدموع-.
ثم قال: هل فيه كتب تتحدث عن هذا الموضوع وتبينه؟
قلت: نعم ، بل فيه كتاب صدر حديثاً لأحد علمائكم ويسمى الموسوي واسم الكتاب ( لله ثم للتاريخ ) .
قال:معك يا حاج ؟
قلت:ليس معي الآن ، ولكن سأرسله إليك إذا رجعت إلى السعودية.
قال:تكفى أرسله علي ولا تنس، ولكن أرسله علي في بلدي على العنوان ( وكتب العنوان ) ولا ترسله علي في المركز ؛ لأن بعض الزملاء قليلي أدب ، يفتحون أي رسالة تأتي لزميل.
قلت: أخشى تقع في يد أحد من أهلك فيغضبوا عليك ؟
قال: أبداً عندنا عادة أن أي رسالة تأتي لأحد أفراد الأسرة يحتفظ بها ولا يفتحها إلا الذي هي باسمه.
ولما رجعت أرسلت إليه الرسالة وفي طيها الكتاب ، ولكنها لم تصله إما لتعثرها في البريد أو لأمر آخر الله أعلم به.
وبقيت أنا وإياه وزملاء الغرفة على اتصالات مستمرة إلى وقت قريب، أتصل أو يتصلون في الأعياد للتهنئة.
الخلاصة: أن على طلبة العلم نشر الدعوة بين أبناء الفرق الأخرى ومناقشتهم والتودد إليهم؛ حيث أن في المسلمين أعداد هائلة مغرر بهم لو يأتيهم الحق من غير تلبيس ولا تدليس لاتبعوه.
رزقنا الله وإياكم الإخلاص في القول والعمل ، ورزقنا السداد والرشاد، وأرانا الحق حقاً ورزقنا اتباعه وأرانا الباطل باطلاً ورزقنا اجتنابه.
وصلى الله على النبي المختار وجمعنا به في دار القرار.