السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نستطيع أن نقول إن دخول الإسرائيليات في التفسير ، أمر يرجع إلى عهد الصحابة رضوان الله عليهم غير أنهم لم يسألوا أهل الكتاب عن كل شيْ ، ولم يقبلوا منهم كل شيْ ، بل كانوا يسألون عن أشياء لا تعدو أن تكون توضيحاً للقصة وبياناً لما أجمله القرآن منها ، مع توقفهم فيما يلقى إليهم ، فلا يحكمون عليه بصدق أو بكذب ما دام يحتمل كلا الأمرين ، امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وما أنزل ألينا الآية) رواه البخاري . كما أنهم لم يسألوهم عن شيْ مما يتعلق بالعقيدة أو يتصل بالأحكام ، اللّهم إلا إذا كان على جهة الاستشهاد والتقوية لما جاء به القرآن . كذلك كانوا لا يعدلون عما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك إلى سؤال أهل الكتاب ، لأنه إذا ثبت الشيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فليس لهم أن يعدلوا عنه إلى غيره . ومهما يكن من شيء فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يخرجوا عن دائرة الجواز التي حدها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما فهموه من الإباحة في قوله صلى الله عليه وسلم : (بلغوا عنى ولو آية ، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري . أما التابعون فقد توسعوا في الأخذ عن أهل الكتاب فيما يخالف الشريعة الإسلامية فكثرت على عهدهم الروايات الإسرائيلية في التفسير ، ويرجع ذلك لكثرة من دخل من أهل الكتاب في الإسلام ، وميل نفوس القوم لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية ، فظهرت في هذا العهد جماعة من المفسرين أرادوا أن يسدوا هذه الثغرات القائمة في التفسير بما هو موجود عند اليهود والنصارى ، فحشوا التفسير بكثير من القصص المتناقضة . ثم جاء بعد عصر التابعين من عظم شغفه بالإسرائيليات ، وأفرط في الأخذ منها إلى درجة جعلتهم لا يردون قولاً ، ولا يحجمون عن أن يلصقوا بالقرآن كل ما يروى لهم وإن كان لا يتصوره العقل . واستمر هذا الشغف بالإسرائيليات ، والولع بنقل هذه الأخبار التي أصبح الكثير منها نوعاً من الخرافة إلى أن جاء دور التدوين للتفسير ، فَوجد من المفسرين من حشوا كتبهم بهذا القصص الإسرائيلية ، الذي كاد يصد الناس عن النظر فيها والركون إليها .
نسأل المولى عز وجل السداد والتوفيق .