صبراً آل وهيبي
هكذا هي الدنيا نزول وارتحال وهي دار ممر لا دار مقر وليس العبرة بالرحيل فكلنا راحلون لا محالة غير أن رحيل الكبار في آثارهم الكبار في عطاءاتهم الكبار في تفاعلهم الإيجابي يكون رحيلاً مراً وذا وقع اليم على النفوس لا لشيء إلا لأنه يترك أثراً كبيرا في النفوس بحجم أولئك الكبار لذا قال الشاعر وهو صادق فيما قاله :ـ
إذا ما مات ذو علم وتقوى
فقد ثلمت من الإسلام ثُلمة
وموت الحاكم العدل المولى
بحكم الأرض منقصة ونقمة
وموت الفارس الضرغام هدم
فكم شهدت له بالنصر عزمة
وموت فتىً كثير الجود محل
فإن بقاءه خصب ونعمة
وموت العابد القوام ليلا
يناجي ربه في كل ظلمة
فحسبك خمسة يبكى عليهم
وباقي الناس تخفيف ورحمة
ونحن نتحدث عن رحيل الكبار نقف وقفة وفاء لرجل وزوجته وثلاث من بناته كان لرحيلهم مصاب جلل ذلكم الرجل هو الشيخ عبدالعزيز بن محمد الوهيبي ذلكم الداعية الى الله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ذلكم الرجل المربي لأهل وجيرانه وجماعة مسجده ذلكم الذي كم كان يعطينا من خلاصة علمه وتجاربه في كل حين وخاصة عندما يصعد كل جمعة منبر جامع الأمير خالد بن سعود بظهرة البديعة فبحكم أني من سكان ذلك الحي أجد من شيخنا الوهيبي حرص الخطيب الواعي على نفع المصلين فهو دائما يتلمس حاجاتنا الى المواعظ ويعرف ما ننتظر منه وذلك ناتج لتلمسه ـ رحمه الله ـ لحاجات الناس وقربه منهم فهو بعد كل صلاة فريضة ومنها صلاة الجمعة يبقى للناس فهذا يستفتيه وذاك يعرض حاجته وذلك يطلب شفاعته وهكذا فلم أرى شيخنا الوهيبي باق في المسجد أو خارج منه لوحده بل تجد معه الواحد والاثنان!!.
والشيخ الوهيبي ـ رحمه الله ـ كان آمراً بالأمر بالمعروف و ناهياً عن المنكر ناصحاً غير فاضح قريب حبيب أديب أريب لا مع من ينكر المنكر بل مع من يقترف المنكر أو يترك المعروف فلا أعرفه إلا حانياً يقتدي في أمره ونهيه بخير البرية صلى الله عليه وسلم وخاصة في موقفه عليه الصلاة والسلام مع الشاب الذي جاء ليأذن له صلى الله عليه وسلم بالزنا فالشيخ ينهج ذات الأسلوب فهو محاور متميز ويملك مهوبة فذة في الإقناع كما أن الشيخ له تواصل مع جميع فئات المجتمع وهو منفتح على الناس فله دروس علمية بل آخر نشاط له قبل وفاة هو درس علمي في بيته كان في صحيح الإمام البخاري في باب صفات أهل الجنة.
كما عرفنا الشيخ مصلح اجتماعي له خبراته وتجاربه ومواقفه التي لن تنسى كم أن له مواقف تتجلى فيها معاني النخوة فمن المواقف التي لا تنسى له ـرحمه الله ـ أن أحد الشباب الطائشين تجاوز على أحد أبناء غير السعوديين المقيمين في حينا فما كان من الشيخ إلا أن ذهب بنفسه وأوقف ذلك التجاوز مباشرة ولم يرض أن يظلم ذلك الشاب المقيم من قبل ذلك الشاب السعودي الطائش!!.
والشيخ من الدعاة المتميزين فدعوته لم تتجاوز أهل بيته الى الآخرين بل بدأ بأهل بيته فزوجته المربية الفاضلة الأستاذة نورة السماري التي قضت في ذلك الحادث هي التي تدير دار أم معبد النسائية لتحفيظ القرآن الكريم في حينا وهي دار مباركة أنشأها الشيخ وله مواقف تذكر فتشكر خدمة لهذه الدار كما أن الكبرى من بنات الشيخ والتي ماتت في ذات الحادث حافظة لكتاب الله جل وعلا والشيخ كما ذكرنا آنفا الشيخ ـ رحمه الله ـ يعمل بقوله تعالى ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) وهكذا يجب أن يكون نهج الدعاة الى الله جل وعلا , والشيخ قد ربى زوجته وبناته وعموم أهل بيته على الستر فقد ذكر لي أحد الثقات أن طاقم الإسعاف الذي قام بنقل الموتى والمصابين في الحدثة متعجبون من ذلكم الحادث فهم يقولون من المعتاد أننا حين نباشر الحوادث لا نسمع إلا صياحا وعويلا إلا حادث آل وهيبي لم نسمع إلا أسترجاعا وطمأنينة وأصوات بُنيات يرددن أسترونا لا ننكشف الله يستر عليكم !!.
الحديث عن الشيخ يطول وخصوصا لمن جاوره ومن صلى خلفه ومن لمس عن قرب مواقفه وشاهد روائعة ونهل من علمه وفضله فلا شك تختلط عليه المشاعر وكذلك المواقف ويبقى تعبيره قاصرا لا لشي إلا لأن هول الصدمة لفراق الشيخ وزوجته وبناته ـ رحمهم الله جميعا ـ وتفضل بالشفاء للمصابات منهن آمين , ولا شك فالمصاب جلل والخطب عظيم ولا نجد ونحن في هذا الموقف وهذا المصاب إلا أن نشد على الأيدي ونقول صبرا آل وهيبي نقول ( إنا لله وإنا اليه راجعون ) .
أحمد بن محمد الجردان
amaljardan@gmail.com