يشاهده أهالي رفحاء وعرعر أولاً ثم حفر الباطن والمناطق الشرقية والوسطى تباعاً
كسوف كلي للشمس يوم الجمعة
د. عبدالله المسند
عنيزة - حوار عبدالرحمن البقمي
تحدث ل "الرياض" الدكتور عبدالله المسند عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم والباحث في شؤون الفلك والمناخ حول اختلاف الفقهاء في القديم والحديث حيال عدد وقائع الكسوف والخسوف التي حدثت في زمن النبى صلى الله عليه وسلم، والاختلاف أيضاً في صور صلاة الكسوف وعدد ركعاتها وتعدد الروايات المنقولة من رواة الحديث، وفيما يلي نص الحوار:
كسوف الجمعة
@ قبل الحديث عن الاختلاف بين الفقهاء حدثنا عن الكسوف القادم؟
- بمشيئة الله تعالى سيحدث كسوف للشمس يوم بعد غد الجمعة الموافق 29رجب 1429ه، عندما يحجب القمر أشعة الشمس وتكون الأجرام الثلاثة (الأرض والقمر والشمس) على خط واحد سيقع كسوف كلي على بعض المناطق من الأرض وجزئي على مناطق أخرى، وسيشاهد الكسوف في السعودية بشكل جزئي.
@ وهل سيشاهد في أنحاء المملكة؟
- الجزء المنكسف فوق أراضي السعودية قليل جداً وتتراوح نسبته بين 1% إلى أقل من 20% حسب الموقع الجغرافي، وكلما اتجهنا إلى غرب السعودية قلت النسبة، وسيشاهد الكسوف أولاً في أقصى المنطقة الشمالية (عرعر ورفحا) ثم الشمال الشرقي (حفر الباطن) يلي ذلك المنطقة الشرقية والوسطى هذا من جهة ومن جهة أخرى لن يشاهد في مكة المكرمة ولا المدينة المنورة ولن يشاهد في الغربية ولا الجنوب الغربي، (انظر صورة رقم2).
توقيت الكسوف
@ متى سيقع الكسوف القادم بالتحديد؟
- كسوف الشمس (وفقاً لأفق الرياض) سيكون على النحو التالي: بداية الكسوف الساعة 1.55ظهراً، بينما وسط الكسوف الساعة 2.20وسينتهي الساعة 2.46ومدة الكسوف حوالي 46دقيقة، وفي السعودية سيشاهد المتابع جزءاً من قرص القمر يحجب أعلى يمين قرص الشمس والله أعلم، (انظر صورة رقم3)
@ هل سبق أن حدث كسوف كلي في السعودية؟
- نعم آخر كسوف (كلي) شوهد في السعودية كان في 25فبراير 1952م، بينما أقرب كسوف (كلي) سيشاهد في السعودية في 2أغسطس 2027م، يليه كسوف (كلي) آخر في 20مارس 2034م والله أعلم.
الكسوف في العهد المدني
@ دعنا نعود إلى قبل 1400سنة، كم عدد الكسوفات التي وقعت في العهد المدني؟
- الفقهاء اختلفوا في عدد حوادث الكسوف والخسوف التي حدثت في العهد المدني، والمسألة تتطلب تحقيقاً علمياً فلكياً للوقوف على عددها في تلك الفترة الغابرة.. ولقد قمت في وقت سابق باستعراض النصوص المنقولة حول صفة صلاة الكسوف هذا من جهة، وبحساب حوادث الكسوف والخسوف في العهد المدني من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة سنة 622م إلى وفاته سنة 632م وتحليل إمكانية الرؤية مكانياً وزمانياً من جهة أخرى ومن ثم الترجيح بين الرأيين.
@ هل تطلعنا على مكمن الاختلاف بشكل مختصر؟
- ذهب جملة من علماء السلف رحمهم الله تعالى ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وكذا الشيخ العلامة محمد بن عثيمين إلى أن صلاة الكسوف وقعت مرة واحدة فقط في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم تتكرر!. قال شيخ الإسلام في معرض حديثه عن مسألة عدد ركعات صلاة الكسوف: (والصواب أنه لم يصلّ إلا بركوعين وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم) أ.ه. وقال
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في المدينة عشر سنوات لم تكسف في عهده الشمس ولا القمر إلا مرة واحدة) أ.ه.. ومن جهة أخرى سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين - حفظه الله - حول تعدد الروايات في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الكسوف؟ فأجاب: (غالب الروايات على أنه صلاها ركعتين؛ في كل ركعة ركوعان وسجدتان، هكذا في صحيح مسلم (صحيح مسلم:28/3) وغيره عن عائشة وأختها أسماء وابن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالرحمن بن سمرة. وروى مسلم (صحيح مسلم:29/3) وغيره أنه صلاها ركعتين؛ في كل ركعة ثلاثة ركوعات وسجدتان كما في حديث ابن عباس وعائشة وجابر وروى مسلم (صحيح مسلم:34/3) عن ابن عباس أنه صلاها ركعتين، في كل ركعة أربع ركعات وسجدتان، وروى علي مثل ذلك.
وروى أبو داود (سنن أبي داود، ومعه كتاب معالم السنن للخطابي: 699/1) أنه صلاها عشر ركوعات وأربع سجدات مع أن أسانيدها صحيحة ثابتة معتمدة في كثير من الأبواب والأحكام) أ.ه.. واستطرد فضيلته قائلاً: (وقد ذهب بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى تخطئة الروايات التي فيها الزيادة على ركوعين حيث انفرد بها مسلم عن البخاري، وعلل بأن الكسوف لم يقع إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم...
لكن نقول: إن تخطئة هؤلاء الرواة الثقات فتحٌ لباب الطعن في حديثهم... والأقرب أن يُحمل هذا الاختلاف على تعدد وقوع الكسوف والخسوف، فإن المعتاد وقوعهما في كل سنة مرة أو مراراً ومن المستبعد أن لا يقع الكسوف والخسوف في زمن النبوة عشر سنين سوى مرة واحدة... وعلى هذا فيجوز للإمام أن يصلي ثلاثة ركوعات أو أكثر في كل ركعة إذا علم أن مدة الكسوف سوف تطول...) أ.ه.. وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى: (حقيقة أن الأحاديث التي وردت في وصف صلاة الكسوف مختلفة جداً وكثير منها صحيح الإسناد وللعلماء فيها مسلكان:
المسلك الأول: الجمع بينهما بحملها على تعدد حصول الكسوف وصلاته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي ذهب إليه إسحاق ورجحه ابن رشد في بداية المجتهد (167/1) وابن حزم في المحلى.
المسلك الثاني: الترجيح قال ابن حجر في الفتح (ج2ص362) نقل صاحب الهدى عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطاً من بعض الرواة فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض، ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح) أ.ه. وقال الشيخ العلامة أحمد شاكر: (ولقد حاولت كثيراً أن أجد من العلماء بالفلك من يظهر لنا بالحساب الدقيق عدد الكسوفات التي حصلت في مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وتكون رؤيتها بها ممكنة وطلبت
ذلك من بعضهم مراراً فلم أوفق إلى ذلك... فإذا عرف بالحساب عدد الكسوفات في هذه المدة أمكن التحقيق من صحة أحد المسلكين: إما حمل الروايات على تعدد الوقائع، وإما ترجيح الرواية التي فيها ركوعان في كل ركعة) أ.ه.
@ وهل تم حساب عدد الحوادث في العهد المدني؟
- الحقيقة أن الاختلاف بين الفقهاء حول عدد وقائع الكسوف والخسوف التي حدثت في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هل هي واحدة أم متعددة؟ وكذا دعوة الشيخ أحمد شاكر السالفة دفعتني إلى أن استعين بالله تعالى وابحث في تلك الفترة الزمنية التي تمثل العهد المدني والممتدة عبر عشر سنوات هجرية تقريباً بدأً من يوم هجرته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين 8ربيع الأول سنة 1ه الموافق 20سبتمبر 622م حتى وفاته يوم الاثنين 13ربيع الأول سنة 11ه الموافق 8يونيو 632م، وذلك لأجيب عن سؤال تردد كثيراً في أوساط الفقهاء.
@ علمياً هل يمكن حساب الكسوف والخسوف قبل 1400سنة؟
- بالتأكيد يمكن وليس ذلك غريباً أو مستحيلاً قال شيخ الإسلام رحمه الله (ولهذا يمكن المعرفة بما مضى من الكسوف وما يستقبل كما يمكن المعرفة بما مضى من الأهلة وما يستقبل؛ إذ كل ذلك بحسبان، كما قال تعالى: (جعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً) وقال تعالى: (والشمس والقمر بحسبان) أ.ه. وحيث إن الفترة الزمنية المطلوب الكشف عنها قديمة جداً فقد تم الاعتماد على أكثر من برنامج فلكي متطور ومقارنة النتائج للوصول لأعلى دقة مستهدفة وجاءت النتائج على نحو ما ورد في الجدول (رقم 1).
إن تحليل معطيات جدول رقم 1يسمح باستنتاج الملاحظات الآتية:
1 أن عدد الكسوفات التي وقعت في العهد المدني (9) كسوفات، بينما بلغ عدد الخسوفات (14) خسوفاً ومجموع الحوادث 23حادثاً.
2- أن جميع الكسوفات التسعة جزئية وليست كلية، بينما الخسوفات منها الكلي ومنها الجزئي.
3- نتائج الحساب الفلكي كدليل علمي تتفق مع نتائج النقل كدليل شرعي وذلك في شأن الكسوف الأخير الذي وقع يوم وفاة إبراهيم رضي الله عنه (632/1/27م)، وهذا مؤشر صريح ومطمئن لدقة وصحة الحسابات الفلكية المتعلقة بحوادث الكسوف والخسوف، ومؤشر أيضاً إلى سلامة مذهب علماء الهيئة في شأن نظام جريان الأجرام الثلاث (الأرض، القمر، الشمس).
4- الكسوفات التسعة الواقعة في العهد المدني لا يعني بالضرورة أنه قد تمت مشاهدتها كلها في المدينة المنورة بل بعضها وقع بعد غروب الشمس على المدينة أو قبل شروقها وبالتالي لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضوان الله عليهم الحدث، وهذه الملاحظة تنسحب أيضاً على حوادث الخسوفات فليس كل خسوف ورد في الجدول ممكن مشاهدته في المدينة، ولأهمية هذه النقطة سوف نحلل فقط الحوادث الواردة في الجدول السابق والتي ربما تشاهد في أفق المدينة ولنفصل القول فيها على النحو التالي: في سنة 622م حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر في 20سبتمبر 622م فإنه في شهر سبتمبر وما بعده (أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر) لم يقع أي حدث.
وفي سنة 623م في 17يوليو من العام نفسه وقع خسوف جزئي للقمر من الساعة 5.23عصراً حتى الساعة 7.48ليلاً، علماً أن الشمس غربت يومها في تمام الساعة 7.09بينما يشرق القمر في تمام الساعة 7.08بمعنى أن القمر يشرق والخسوف الجزئي في مراحله الأخيرة، وأشك في احتمال رؤية ذلك الخسوف الجزئي وهو في مراحله الأخيرة وذلك لأسباب: منها وجود الشفق الأحمر في الجو بُعيد الغروب، ومنها كون الجزء المنخسف وقت غروب الشمس ضئيلاً جداً، ومنها أن أي جرم سماوي يعلو الأفق الشرقي أو الغربي مباشرة يتعرض إلى تشويه في الصورة وذلك لاختلاف كثافة الهواء وتلوثه بالغبار خاصة في فصل الصيف لذا يشاهد القمر فوق الأفق باللون الأحمر غالباً، ومن الأسباب أن فترة الخسوف القصيرة ربما لم تمكن الصحابة رضوان الله عليهم في المدينة من رصد الظاهرة، وربما وُجد سحاب صيفي متقطع حال دون رؤية القمر وخسوفه، ومن المحتمل أيضاً وجود حزام من السحب العالية جداً والموجودة في طبقات الجو العليا وهي سحب تعرف عند علماء المناخ بالسحب الفضية المتخلفة عن احتراق الشهب على ارتفاع يصل إلى 80كم من سطح الأرض ويحصل أحياناً عند شروق النيرين أو غروبهما مباشرة رؤية تلك السحب غير الممطرة تحجب قرص الشمس أو القمر كلياً أو جزئياً، فربما تصدق بعض تلك الاحتمالات وبالتالي يُفوت على الصحابة الرؤية والله أعلم.
وسنة 624م في 30نوفمبر من العام نفسه وقع خسوف جزئي للقمر من الساعة 10.14ليلاً حتى الساعة 12.16ليلاً، وعن مدى احتمال رؤية الحدث من قِبل الصحابة في المدينة فالذي اعتقده والله أعلم أن الاحتمال ضعيف لأسباب:
منها أن الخسوف وقع في النصف الأول من الليل وهو وقت ينام فيه الصحابة بعد عناء نهار شاق وطويل، ومنها أن الخسوف جزئي ولم يختفِ من القمر إلا 25% تقريباً وهذا ربما لا يلفت الانتباه إلى حد ما، ومنها أن الخسوف وقع في شهر نوفمبر وهو من أشهر فصل الخريف وفيه تبدأ السحب في الظهور وبالتالي يُحتمل أن يكون القمر قد اختفى خلف ستار من السحب والله أعلم.
وفي سنة 625م (أ): في 27مايو من العام نفسه وقع خسوف كلي للقمر من الساعة 6.07عصراً حتى الساعة 9.35ليلاً، علماً أن الشمس غربت يومها في تمام الساعة 7.02بينما أشرق القمر يومها عند الساعة 6.55وهو في حالة خسوف خلا مساحة بسيطة من قرصه ما لبثت أن انخسفت بعد دقائق قليلة من شروقه ليصبح الخسوف كلياً، وأحسب أن الصحابة رضوان الله عليهم قد لاحظوا وشاهدوا الخسوف لوقوعه أول الليل ولكونه خسوف كلي، أيضاً الفترة الزمنية طويلة إذ لم ينته إلا الساعة 9.35وبالتالي قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخسوف هذه.
(ب): في 20نوفمبر من العام نفسه وقع خسوف كلي للقمر من الساعة 2.01ليلاً حتى الساعة 5.42فجراً، وعن مدى احتمال رؤية الحدث من قِبل الصحابة في المدينة فالذي اعتقده أن الاحتمال ضعيف لأسباب: منها أن الخسوف وقع في وقت متأخر ينام فيه معظم الصحابة، ومنها أن آذان الفجر ذلك اليوم في تمام الساعة 5.17وعندها كان الخسوف الكلي قد انتهى وبقي الخسوف الجزئي بنسبة ربما لا تلفت انتباه المراقب فضلاً عن غيره، ومنها أن الخسوف وقع في شهر نوفمبر وهو من أشهر فصل الخريف وفيه تبدأ السحب في الظهور.
وفي سنة 626م في 17مايو من العام نفسه وقع خسوف جزئي للقمر من الساعة 4.34ليلاً حتى الساعة 7.55نهاراً، واحتمالية رؤية الخسوف من قِبل الصحابة ضعيفة لأسباب: منها أن دخول وقت صلاة الفجر يسبق الخسوف حيث يدخل الوقت في تمام الساعة 4.08والخسوف بعده ب 26دقيقة تقريباً وذلك عندما ينتشر ويستطير الشفق الأبيض، وعندما يتعاظم الخسوف يكون متزامناً مع ظهور الشفق الأحمر الأمر الذي يجعل ظاهرة الخسوف الجزئي غير لافتة للانتباه، ومنها أن الخسوف جزئي ووقع في شهر مايو وهو من أشهر فصل الربيع واحتمال وجود سحب حالت دون رؤية الخسوف وارد، ومنها أن القمر وقت
الخسوف سيكون فوق الأفق الغربي من المدينة ومن المعلوم أن الجهة الغربية من المدينة فيها جبال عالية مثل جبل سلع وجبل جمة وغيرهما التي قد تحجب ظاهرة الخسوف، ومنها أن لون القمر عند الغروب عندما يكون فوق الأفق الغربي يميل إلى الحمرة وتكون صورته غير صافية بسبب ما في الجو من عوالق صلبة وكذا بسبب اختلاف كثافة الهواء والله اعلم.
وسنة 627م في 21إبريل من العام نفسه وقع كسوف جزئي للشمس من الساعة 11.26نهاراً حتى الساعة 1.32نهاراً، وقد يكون الصحابة رضوان الله عليهم لاحظوا الكسوف سيما أن النسبة المنكسفة من قرص الشمس تبلغ حوالي 20%. (انظر الصورة رقم 5- 6)
وسنة 628م (أ): في 25مارس من العام نفسه وقع خسوف جزئي للقمر من الساعة 6.40مساءً حتى الساعة 8.47ليلاً، علماً أن الشمس غربت يومها عند الساعة 6.36بينما أشرق القمر عند الساعة 6.31وتعاظم الخسوف الساعة 7.44حيث اختفى حوالي 20% من قرص القمر فقط، وعن مدى احتمال رؤية الخسوف من قِبل الصحابة فالذي أعتقده والله أعلم أن الاحتمال ضعيف لأسباب: منها أن نسبة الخسوف ضئيلة ربما تصل إلى 20% فقط، ومنها أن الخسوف وقع في وقت لا يزال الشفق الأحمر في السماء الأمر الذي يُضعف من سلطان القمر، ومنها أن الخسوف وقع في شهر مارس وهو من أشهر فصل الربيع واحتمال وجود سحب حالت دون رؤية الخسوف وارد، وما قيل من أسباب في خسوف 623م ينسحب على هذا الخسوف.
(ب): في 3أكتوبر من العام نفسه وقع كسوف جزئي للشمس من الساعة 6.29صباحاً حتى الساعة 7.52صباحاً، وتُشرق الشمس في ذلك اليوم عند الساعة 6.15وبعد أن ترتفع الشمس قيد رمح يبدأ الكسوف الجزئي الذي يحجب ما نسبته 5% تقريباً من قرص الشمس، وعن مدى احتمال مشاهدة الكسوف من قِبل الصحابة رضوان الله عليهم من عدمه، ثمة أسباب ربما تحول دون ذلك: منها أن الجزء المنكسف ضئيل جداً وغير ملفت للانتباه، ومنها أن الكسوف وقع في شهر أكتوبر وهو من أشهر فصل الخريف وفيه تبدأ السحب في الظهور لذا من المحتمل أن تكون الشمس قد اختفت خلفها والله أعلم.
وسنة 629م في 15مارس من العام نفسه وقع خسوف كلي للقمر من الساعة 2.22ليلاً حتى الساعة 6.01فجراً، ولكون الخسوف كلياً واستمر لفترة زمنية طويلة فاحتمال رؤيته من قِبل الصحابة في المدينة وارد، سيما أن وقت الفجر دخل في ذلك اليوم عند الساعة 5.11وقد بقي 70% من القمر منخسفاً إلا أن يكون في السماء سحاب يحجب القمر عن الرؤية لأن الخسوف وقع في شهر مارس وهو من أشهر فصل الربيع وفيه تكثر السحب.
وسنة 630م في 4مارس من العام نفسه وقع خسوف جزئي للقمر من الساعة 5.18مساءً حتى الساعة 8.02ليلاً، علماً أن الشمس غربت يومها في تمام الساعة 6.27بينما أشرق القمر عند الساعة 6.24وتعاظم الخسوف الساعة 6.40حيث اختفى حوالي 70% من قرص القمر، وعن مدى احتمال رؤية الحدث من قِبل الصحابة في المدينة فالذي أعتقده والله أعلم أن احتمال عدم الرؤية وارد لأسباب: ذكرناها بالتفصيل في خسوف عام 628م.
وفي سنة 632م.. في 27يناير من العام نفسه الموافق 29شوال من السنة العاشرة بعد الهجرة وفي يوم وفاة إبراهيم ابن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقع كسوف للشمس شاهده النبي والصحابة رضوان الله عليهم وما لبثوا أن فزعوا لصلاة الكسوف حتى انجلى الكسوف، ودونكم تفصيل ما حدث بالنسبة للشمس والقمر في ذلك اليوم المشهود. (انظر جدول رقم 2والصورة رقم7).
وكان شروق القمر في المدينة المنورة ذلك اليوم حوالي الساعة السابعة وأربع دقائق يلي ذلك شروق الشمس وذلك عند الساعة السابعة وسبع دقائق وبعد مضي إحدى وثمانين دقيقة من شروق الشمس بدأ الكسوف من الجهة الجنوبية العلوية (الغربية) من الشمس انظر شكل رقم (3) في الصورة الرئيسة أعلى الصفحة. حتى حجب جرم القمر ما نسبته 75% تقريباً من قرص الشمس وذلك في تمام الساعة العاشرة وثلاث دقائق، فأصبحت الشمس على هيئة هلال انظر شكل رقم (3)، وانتقلت المدينة في دقائق معدودة من وضح النهار إلى ما يشبه الفجر الأمر الذي بعث في نفوس الصحابة رضي الله عنهم الذعر والوجل والخوف، وانخفضت درجة الحرارة فازداد الجو برودة سيما وأن الحدث وقع في أبرد الشهور (يناير) واستمر الكسوف حتى الساعة 11.39أي قبل آذان الظهر بساعة، واستغرقت فترة الكسوف ثلاث ساعات واثنتي عشرة دقيقة، هذا ما جادت به المعطيات الحسابية الفلكية لذلك الحدث والله اعلم.
وأخيراً وبعد استعراض مفصل لحوادث الكسوف والخسوف الواقعة في العهد المدني نجد أن الحوادث على ثلاثة أنواع:
أولاً: حوادث وقعت في العهد المدني ولم تُشاهد في المدينة بل في بقاع أخرى من البسيطة. ثانياً: حوادث وقعت في العهد المدني واحتمال مشاهدتها في المدينة احتمال ضعيف بسبب عوامل ومتغيرات طبيعية بسطها في محلها. ثالثاً: خسوفان وكسوف واحد مرجحه أن تكون قد شوهدت مع الخسوف الأخير وبالتالي يكون عددها أربع حوادث وهذا يتفق مع عدد صور صلاة الكسوف الواردة في الأحاديث الصحيحة (ركوعان، وثلاث ركوعات، وأربعة ركوعات، وخمس ركوعات) والله أعلم.
@ في نهاية هذا الحوار هل يمكن أن تقدم ملخصاً للأقوال الراجحة في معظم الاختلافات التي ذكرتها؟
- الخلاصة أعتقد أن صلاة الكسوف أديت أربع مرات وعلى أربع صور في العهد المدني وذلك لتكرر الحوادث، وهذا المسلك ينسجم مع حقيقة دورة الكسوف والخسوف الطبيعية، وأيضاً الجمع بين الروايات أسلم من رد الأحاديث الصحيحة! وتخطئة بعض الرواة! سيما أن في المسألة سعة لحمل الروايات على تعدد الوقائع، لذا أميل إلى قول من قال من العلماء أنه يجوز للإمام أن يصلي صلاة الكسوف ركوعين في كل ركعة ركوعان، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة والله أعلم.