بسم الله الرحمن الرحيم
اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا , فأذن الله لها بنفسين : نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ.
فأشد الحر الذي نجده في فصل الصيف إنما هو نفس من نفس جهنم فكيف بجهنم ذاتها !
التي اوقد عليها أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ.
وَقَدْ رَأَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَحِمَهُ اللهُ- قَوْماً فِي جِنَازَةٍ، قَدْ هَرَبُوا مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ، وَتَوَقَّوُا الْغُبَارَ، فَبَكَى وَأَنْشَدَ:
من كان حين تُصيبُ الشمسُ جبهته *** أو الغبارُ يخافُ الشَيـنَ والشَعثـا
ويألفُ الظـــلَّ كي تبقى بشاشته *** فسوفَ يسكنُ يومـًا راغمًا جدثًا
في ظــــل مَقْفَرَةٍ غبراءَ مظلمةٍ *** يُطيلُ تحت الثرى في غمها اللبثـا
تجهـزي بجَهَــازٍ تبلُغيـن بــه *** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثـا
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "أكثروا ذكر النار فإن حرها شديد وقعرها بعيد وإن مقامعها من حديد وإن عذابها في مزيد".
واليوم الناس بعضهم يوصي بعضا بعدم الخروج تحت وطأة الشمس حتى لا يتعرضوا لضربة شمس تؤذيهم ... وتصدر القرارات بمنع العمل تحت أشعة الشمس في وقت الظهيرة,
وكل هذا مناسب للحفاظ على صحة الإنسان , وأمور تدعو لها شريعتنا الغراء.
ولكن ينبغي أن نعلم أنه سيأتي يوم يقف الناس جميعا تحت حرارة هذه الشمس وهي لا تبعد عنا سوى ميل ,
لا أقول سنقف يوما أو يومين أو شهرا أو سنة أو مائة سنة ,
لكننا سنقف خمسين ألف سنة حفاة ، عراة ، غرلاً ، بهماً ، في موقف عصيب ,
لا أحد يهتم بغير نفسه الكل ينتظر حسابه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا))
فحق على العاقل أن يراجع نفسه .. وأن يفكر في مصيره ..
و أن يسأل نفسه وهو يتقي حرّ الدنيا: ماذا أعدّ لحرِّ الآخرة ونارها؟
يا غافـلاً عن منايا ساقها القـدرُ ** مـاذا الذي بعد شيب الرأس تتنظرُ
عـاين بقلبـك إن العين غافلـةٌ ** عـن الحقيقـة واعلم أنها سـقرُ
سـوداء تزفر من غيظٍ إذا سُعرت ** للظالميـن فمـا تُبقـي ولا تـذر
لو لم يكن لك غير الموت موعظةٌ ** لكان فيـه عن اللـذات مزدجـر
وفي هذه المواقف العصيبة وهذه المشاهد المروعة .. وهذا اليوم الذي مدته خمسين ألف سنة .. وهذه الشمس التي تدنو منا ميلا ..حتى قالوا الراوي : فما أدري أهو ميلة المكحلة أم ميل المسافة.
تأتي البشائر من النبي صلى الله عليه وسلم .. لعباد الله الصالحين
فيقول صلى الله عليه وسلم ( يوم القيامة على المؤمنين كقدر مابين الظهر والعصر)
ويقول ( إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا)
ومع هذه البشائر النبوية ... تأتينا الوصايا النبوية التي تدلنا على طرق الخير التي تقينا من أهوال هذا اليوم العظيم .. ومن حر هذا اليوم العصيب .
فيقول صلى الله عليه وسلم : ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إمَامُ عَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ الله، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ؛ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دعته امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصدقة فأَخْفَها حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)). رواه البخاري ومسلم
فاجتهد في طاعة الله واسعى في تحقيق ما استطعت من صفات هؤلاء السبعة ,
لعلك تظفر بهذا الفضل العظيم .. فتستظل في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله .. وتفوز بجنة عرضها السموات والأرض