بسم الله الرحمن الرحيم
أول جمعة في الإسلام :
_عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ
الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى
بَعْدَ غَدٍ ))[1] .
قَوْلُهُ : ( فَهَدَانَا اللَّه لَهُ ) يَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِأَنْ نَصَّ لَنَا عَلَيْهِ , وَأَنْ يُرَاد الْهِدَايَة إِلَيْهِ بِالاجْتِهَاد,
وَيَشْهَد لِلثَّانِي مَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِبنَ قَالَ " جَمَعَ أَهْل
الْمَدِينَة قَبْل أَنْ يَقْدَمهَا رَسُول اللَّه وَقَبْل أَنْ تَنْزِل الْجُمُعَة , فَقَالَتْ الأَنْصَار : إِنَّ لِلْيَهُودِ
يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلّ سَبْعَة أَيَّام , وَلِلنَّصَارَى كَذَلِكَ , فَهَلُمَّ فَلْنَجْعَلْ يَوْمًا نَجْتَمِع فِيهِ
فَنَذْكُر اللَّه تَعَالَى وَنُصَلِّي وَنَشْكُرهُ . فَجَعَلُوهُ يَوْم الْعَرُوبَة , وَاجْتَمَعُوا إِلَى أَسْعَد بْن زُرَارَةَ
فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمَئِذٍ , وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى بَعْد ذَلِكَ ( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ )الآيَة,
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلاً فَلَهُ شَاهِد بِإِسْنَادٍ حَسَن أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَابْن مَاجَهْ
وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَغَيْر وَاحِد مِنْ حَدِيث كَعْب بْن مَالِك قَالَ " كَانَ أَوَّل مَنْ صَلَّى بِنَا
الْجُمُعَة قَبْل مَقْدَم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة أَسْعَد بْن زُرَارَةَ " الْحَدِيث .
فَمُرْسَل اِبْن سِيرِينَ يَدُلّ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الصَّحَابَة اِخْتَارُوا يَوْم الْجُمُعَة بِالاجْتِهَادِ ,
وَلا يَمْنَع ذَلِكَ أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَهُ بِالْوَحْيِ وَهُوَ بِمَكَّة فَلَمْ
يَتَمَكَّن مِنْ إِقَامَتهَا , ثُمَّ فَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيث عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ , وَلِذَلِكَ جَمَعَ
بِهِمْ أَوَّل مَا قَدِمَ الْمَدِينَة كَمَا حَكَاهُ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره , وَعَلَى هَذَا فَقَدْ حَصَلَتْ الْهِدَايَة
لِلْجُمُعَةِ بِجِهَتَيْ الْبَيَان وَالتَّوْفِيق .
وَقِيلَ فِي الْحِكْمَة فِي اِخْتِيَارهمْ الْجُمُعَة وُقُوع خَلْق آدَم فِيهِ , وَالإِنْسَان إِنَّمَا خُلِقَ
لِلْعِبَادَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يَشْتَغِل بِالْعِبَادَةِ فِيهِ , وَلأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَكْمَلَ فِيهِ الْمَوْجُودَات وَأَوْجَدَ
فِيهِ الإِنْسَان الَّذِي يَنْتَفِع بِهَا فَنَاسَبَ أَنْ يَشْكُر عَلَى ذَلِكَ بِالْعِبَادَةِ فِيهِ .
وَفي الحديث أَنَّ الْهِدَايَة وَالإِضْلال مِنْ اللَّه تَعَالَى كَمَا هُوَ قَوْل أَهْل السُّنَّة,وَأَنَّ سَلامَة
الإِجْمَاع مِنْ الْخَطَأ مَخْصُوص بِهَذِهِ الأُمَّة , وَأَنَّ اِسْتِنْبَاط مَعْنًى مِنْ الأَصْل يَعُود عَلَيْهِ
بِالإِبْطَالِ بَاطِلٌ , وَأَنَّ الْقِيَاس مَعَ وُجُود النَّصّ فَاسِد , وَأَنَّ الاجْتِهَاد فِي زَمَن نُزُول الْوَحْي
جَائِز,وَأَنَّ الْجُمُعَة أَوَّل الأُسْبُوع شَرْعًا , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ تَسْمِيَة الأُسْبُوع كُلّه جُمُعَة
وَكَانُوا يُسَمُّونَ الأُسْبُوع سَبْتًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الاسْتِسْقَاء فِي حَدِيث أَنَس,وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
كَانُوا مُجَاوِرِينَ لِلْيَهُودِ فَتَبِعُوهُمْ فِي ذَلِكَ , وَفِيهِ بَيَان وَاضِح لِمَزِيدِ فَضْل هَذِهِ الأُمَّة
عَلَى الأُمَم السَّابِقَة زَادَهَا اللَّه تَعَالَى .[2]
[1] رواه البخاري (876) .
[2] الفتح (2/414) .
م/ن