23-06-2005, 03:33 PM | #1 | ||
|
هجرة دواسر البحرين وعودتهم وسياسة الانجليز معهم
هجرة الدواسر من البحرين (1923-1928م) د. فتوح عبد المحسن الخترش أستاذ مساعد – قسم التاريخ جامعة الكويت تمهيد : يرتبط البحث في هجرة قبيلة الدواسر العربية من البحرين الى الدمام عام 1923 والعودة إليها عام 1928 وما وافق ذلك من أحداث ومواقف ، بمعرفة العلاقات التي كانت سائدة بين البحرين وجاراتها من الامارات العربية وبخاصة سلطنة نجد ، والدور الذي لعبته بريطانيا إزاء هذه القضية مما ينبئ عن أبعاد سياستها في البحرين خاصة ، والخليج عامة. لقد وقفت بريطانيا – متمثلة في سلطة الحماية من خلال المعتمد السياسي البريطاني في البحرين والمقيم السياسي في بوشهر ، وحكومة الهند ووزارة المستعمرات موقفا معادياً لقبيلة الدواسر ، وحاولت بطرق شتى أن تعمق هوة الخلاف بينها وبين شيخ البحرين ، وأن تستثمر هذا الخلاف بما يخدم مصالحها في محاولة تقوية طرف على حساب طرف اخر ، ومن خلال محولاتها المستمرة للتدخل في شئون البحرين الداخلية ، متجاهلة الثقل الوطني والاقتصادي والاجتماعي والديني لهذه القبيلة ، التي تمثل شطراً نشطاً منتجاً من شعب البحرين العربي . وتبدو من خلال أحداث هذه القضية ومواقفها قوة الرابطة العربية بين قبائلها إزاء المكر الاستعماري والحرص على الوحدة الوطنية ، والموقف الذي وقفته السلطة الوطنية البحرينية متمثلة في شيخها حمد بن عيسى آل خليفة ، الذي لم يستجب للضغوط البريطانية وكان له الفضل في حل فضية الدواسر وعودتهم الى وطنهم وأرضهم . أصل الدواسر وموطنهم : جاء في معاجم اللغة أن الدواسر هو الضخم الشديد ، وكتيبة دوسر : ودوسره أي كتيبة مجتمعة . وجمل دوسر ، دوسري ، ودوسراني ، ودواسري : ضخم شديد مجتمع ذو هامة ومناكب . وجاء أيضاً ، الدوسر : القديم وكانت قبيلة بنو سعد بن زيد تلقب في الجاهلية بقبيلة دوسر. كذلك ورد أيضاً أن الدوسر هو الاسد ، ووادي الدواسر أي ( وادي – السباع) والدواسر قبيلة من أكبر قبائل العرب مركز سكناها وادي الدواسر في نجد الجنوبية على أنها منتشرة في كافة أنحاء الجزيرة العربية ، منها الحضر سكان المدن والقرى ،ومنها البدو ، وهي تنسب الى ( مرهبة الدوسر ) وقد أوصل الهمداني في كتابه الاكليل نسب مرهبه الى حاشد من قبيلة همدان الكبرى. والمعروف أنهم سكنوا جنوب نجد في منطقة واسعة مترامية الاطراف تعد من أخصب مناطق جزيرة العرب وأكثرها مياهاً وأصلحها إنتاجاً أطيبها مرعى. وقد ذكر الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس – صاحب معجم اليمامة ، بأن الدواسر قبيلة قحطانية أزدية شهيرة ويلتحق بها بطون وأفخاذ وأسر عدنانية جمعتهم الدوسر بالحلف . وحدودهم من الشرق الدهناء ، ومن الشمال الشرقي تمتد هذه الحدود حتى نأخذ قسماً من العرقلة ، ومن الخرج تذهب مغربة مارة ببرك فالدبيل فالسوادة (هضب الى زيدان ) ومن الغرب مدافع بيشه وتثليث ، ومن الجنوب تستدخل حدودهم قسماً كبيراً من الربع الخالي وأسفل نجران . وكان يسكن هذه البلاد قبل الدواسر عقيل وجعدة وقشير وعامر وتميم وحنيفة وغيرهم من القبائل ، وثم هاجر كثير منهم بعد انتهاء حكم بني الاخيضر في اليمامة ، وتوالي الجدب والقحط عاماً بعد عام مما هياً الفرصة لأقوام آخرين أن يزحفوا اليها ويسكنوها . فجاءها الدواسر من تهامة ومن السردات كما جاء غيرهم ، إلا أن الكثرة كانت للدواسر ، فعمروها و أخصبوها وتسمت بهم وصارت لهم موطناً. هجرة الدواسر من نجد : خرجت أعداد كبيرة من الدواسر من مواطنهم الأصلي في نجد ، باحثين عن مقر لهم كشأن من ينزح من القبائل في شبه الجزيرة العربية طلبا لمواطن أخرى يجدون فيها ما افتقدوه في مواطنهم الأصلية . والأرجح أنهم استقروا بعد طول ترحال في الشواطئ الشرقية للخليج في الاحساء . ثم انتقلوا بعدها الى شبه جزيرة قطر حيث جاوروا العتوب قبل ان ينتقلوا مع آل خليفة الى البحرين ، يدل على ذلك أمران : الأول : - إتقانهم لأعمال البحر فيكونون قد أتقنوها أثناء اقامتهم في الزبارة كما أتقنتها قبائل العتوب ، والثاني استعانة آل خليفة بهم في فتح البحرين إذ انطلقوا من الزبارة عام 1783 . ويذكر الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس في مهجم اليمامة ، بلاداً كثيرة نزلها الدواسر الصخابرة ، والشكره ، والبياض ،والبير ، وتمرية ، ودقلة ، وكلها من مواطنها الاصلية . ويذكر خالد الفرج في ترجمة كتبها لعبد الله الفرج ، أن قبيلة الدواسر كانت تسكن بلدة ((نزوى)) من وادي الدواسر ، وهاجرت أواخر القرن الحادي عشر من الوادي لأسباب مجهولة ، وتجولت في ضفاف الخليج الى أن سكن والد عبدالله الفرج مدينة الزبارة من بلاد قطر التي كانت عامرة في ذلك الوقت . ولم يكن الدواسر القبيلة الوحيدة التي نزحت من مواطنها واستقرت في البحرين ، فقد ذكر المؤرخون جماعات عربية أخرى فعلت فعلها وهاجرت من مواطنها وسكنت البحرين : مثل السادة ، و آل بو علي وبني ياس . كذلك لم ينتقل الدواسر الى البحرين في هجرتهم الأولى من نجد دفعة واحدة ، والأرجح انهم توافدوا على دفعات كانت أهمها وأكبرها تلك الدفعة التي تحدثنا عنها وشاركت في فتح البحرين واستقرت في البدع وعمرتها . واستطاع الدواسر بعد استيطانهم في الساحل الشرقي من الخليج واستقرارهم في البحرين أن يصبحوا من القبائل البحرية التي تعمل بالغوص على اللؤلؤ والزراعة وأسسوا لأنفسهم مجتمعاً مزدهراً في منطقة البدع بالبحرين ، فغدت (( البدعية )) أو (( البدعة )) كما كان يطلق عليها مدينة عامرة بهم وبأنشطتهم التجارية والبحرية حتى لم يكن يسكنها أحد سواهم . ومن الواضح أنهم أتقنوا ركوب البحر والأعمال البحرية من غوص وملاحة كغيرهم من القبائل النجدية حين جاوروا آل خليفة في الزبارة . علاقة الدواسر بآل خليفة : جاور الدواسر آل خليفة في الزبارة ، ولا شك في أن تقبل آل خليفة لهذا الجوار تأكد حين استعانوا بالدواسر أثناء الحملة على البحرين وما ينبئ عن وجود علاقة سابقة بين الطرفين . وحين نعود الى أيام ((نجد )) حين كان الطرفان فيها ، لا نجد ما يشير الى علاقة حسنة بينهما ، بل على العكس ، نجد العلاقة يشوبها شئ من الخصومة. فقد ذكر الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة ، أن السبب في ارتحال آل الصباح وأخونهم آل الخليفة من موطنهم الأصلي من الهدار هو النزاع الذي حدث بينهم وبين بني عم لهم مما أدى الى خروجهم من البلد ( أي أخرج آل الصباح وآل خليفة خصومهم كما تقول الرواية ). ثم ان هؤلاء الخصوم استعدوا الدواسر على آل خليفة والصباح ، فزحف الخصوم والدواسر على الهدار وتم لهم الاستيلاء عليها ، أخرجوهما ولازال قسم من الدواسر وبقية من (( جميلة وائل )) يسكنون الهدار الى الآن . وسواء صحت هذه العبارة أم لم تضح ، فإن العلاقة القديمة بين الدواسر وآل خليفة كانت قائمة بشكل أو بآخر ، باعتبارهم كانوا في موطن واحد ، أو في جوار سابق ، وأنهم في الموطن الجديد في قطر أقرب الى بعضهم البعض من سواهم ، فتجاوروا وتحالفوا وحاربوا معاً في صف واحد ، يضاف الى ما عرف عن الدواسر في الجزيرة العربية من مسلك حسن ومن ثروة طائلة . وباستقراهم في البحرين ترك أثر فعال في التكوين الطبوغرافي للسكان إذ اسهموا في ترجيح كفة المواطنين السنة إزاء الغالبية الشيعية التي كانت سائدة من قبل والتي كانت تتألف من الجماعات العربية التي سكنت ساحل الاحساء والبحرين في العهود الأموية والعباسية . وقد سبق أن الدواسر سكنوا منطقة البدع فعمروها واشتغلوا بأعمال البحر وبالزراعة وبالتجارة ، وكان أكثر عملهم البحري في الغوص على اللؤلؤ فكانت لهم مراكب كثيرة وكان منهم نواخذة كثيرة ، استعملوا رجالاً منهم كغواصين . واشتغلوا وبالتجارة البحرية ، وامتلكوا المراكب الكبيرة والصغيرة . أما عملهم الزراعي فكان أكثر في مزارع النخيل التي امتلكوها في البدع ، وكان لنشاطهم هذا أثر في ازدهار الحياة الاقتصادية للبحرين ، وقد نالوا لذلك رضى حكامها آل خليفة الذين وجدوا فيهم مواطنين عاملين منتجين ، كما لم يجدوا لديهم أية مطامع في السلطة ، فلم يكونوا كحلفائهم الجلاهمة الذين أسسوا في فترة لاحقة مقراً لهم على ساحل قطر. وقد أدت خصائص الدواسر هذه الى تأهيلهم على امتيازات كثيرة ، فأعطيت لهم الأراضي وأعفوا من الضرائب التي كانت مفروضة على من سواهم . وهذه هي الأحداث التي تسجل حركة قبيلة الدواسر منذ منتصف عام 1923 حتى عودتهم الى البحرين – فبراير 1928 وهي تشكل نموذجاً لدراسة تاريخ هجرة وعودة الدواسر الى البحرين . ولكي نعرف إرهاصات هذه الحركة لابد لنا أن نعرف أن البحرين قد واجهت حركات لم تكن بقوة هذه الحركة وأهمها أحداث عام 1919 وأحداث 1922 وغيرها وهي أحداث جرت بسبب محاولة حكومة الهند البريطانية ممثلة بالمعتمد البريطاني ( الذي عرف باسم مستشار حكومة البحرين ) في تطبيق قوانين الهند البريطانية في القضاء والضرائب وإدخال إصلاحات جديدة لأنظمة الغوص والإدارة المالية والشرطة والتعليم . ولقد رفضت تلك الإجراءات إلا أن بريطانيا أقرتها في النهاية رغم المعارضة الشعبية والتأييد من قبل شيخ البحرين الشيخ عيسى بن علي . أسباب مشكلة الدواسر: عارض الدواسر فرض قوانين حكومة الهند عليهم مستندين الى عوامل أهمها: 1) أنهم درسوا الوضع السياسي في شرق الجزيرة العربية بحنكة ودراية ووجدوا أن ابن سعود تعتبر حليفا قوياً يمكنهم الاعتماد عليه حين يرفعون لواء الثورة أو يهددون بالهجرة . فإن ابن سعود كان في هذه الفترة يمثل قوة ضاغطة على جميع إمارات المنطقة إن كانت البحرين ، أو الكويت ، أو قطر رغم أن تلك الامارات كانت تحت الحماية البريطانية الا نفوذ أبن سعود كانت مؤثراً عليها مما كان يثير حفيظة الانجليز. 2) عرف الدواسر وزنهم الوطني والاجتماعي والديني لكونهم يشكلون قوة بشرية تقف دائماً الى جانب حكام البحرين وقدروا أن هجرتهم سوف تؤثر في التركيبة السكانية باعتبارهم العنصر العربي السني الأكثر عدداً ووزناً. 3) يشكل الدواسر قوة مالية كبيرة جدا في شرق الجزيرة العربية نتيجة لتجارتهم البحرية وعملهم بالغوص على اللؤلؤ وامتلاكهم مزارع النخيل الواسعة في البحرين ولتشغيلهم لأكبر قطاع عمالي في سفنهم . 4) تعتبر قبيلة الدواسر من القبائل التي لها امتداد بشري على الساحل الشرقي للجزيرة العربية في الاحساء والدمام والعقير ومن ثم تهديدهم بالانتقال معتمدين على قوة قبيلتهم ووزنها البشري في الساحل الشرقي. وهناك أسباب أخرى وردت في الكتابات لقليلة المحدودة التي تناولت موضوع هجرة الدواسر بطريقة أو أخرى وإن كانت تتفق جميعاً في سياقها العام. فقد ذكر خالد سعود الزيد – أن قبيلة الدواسر ثارت لقيام ميجر ديلي بانقلاب على الشيخ عيسى بن آل خليفة وقبضه على كافة السلطات بيد من حديد وكبته للحريات وأسره لزعماء البلاد وزجهم في السجون ، وأن هذه القبيلة نزحت عن البحرين غضباً لعزل هذا الشيخ فسكنت الدمام . كما أشار الشيخ عبد العزيز الرشيد الى هجرة الدواسر حين ضرب بهم المثل في الآباء ، إذ قال في معرض الحديث عن آباء آل الصباح حين هجروا موطنهم الأصلي في نجد : ( ولنا في صدق هذه النظرية دليل شاهده الكل وهو هجرة الدواسر من البحرين وسكناهم الدمام ) فالواضح من هذين النصين أن الدواسر كانوا ممن عارضوا التدخل البريطاني السافر في شئون البحرين الداخلية ، وأنهم عانوا من هذا التدخل حين تعرضوا لضغوط مست مصالحهم وأنهم كانت لهم مطالب معينة أيدها شيخ البحرين ورفضها المعتمد البريطاني وأنهم هددوا بالنزوح والهجرة من البحرين ، ونحن نستشف ذلك من الرسالة التي بعث بها المقيم البريطاني في بوشهر إلى حكومة الهند حول قبيلة الدواسر . لدى البدء بعملية الإصلاح في البحرين عام 1923 ، قامت هذه القبيلة بأعمال مزعجة ووجد أن من الضروري معاقبتهم بفرض غرامة مالية قدرها 15ألف روبية على شيخ القبيلة . ولقد تم دفع الغرامة ، ولكن بدلاً من التسليم بالحكم الجديد آثرت القبيلة ترك بلدتها البدع والهجرة إلى الدمام على ساحل القطيف ، تاركة ممتلكاتها في البحرين وكذلك حقوقها من الناحية النظرية لا العملية في استعمال مغاصات اللؤلؤ البحرينية . وفي الحقيقة كان توقيع هذه العقوبة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وتظهر إحدى الوثائق البريطانية وهي مراسلة تمت بين المعتمد البريطاني في البحرين إلى المقيم السياسي في بوشهر يدعي شيخ البحرين أن الدواسر غادروا البحرين خوفاً من الحكومة ، وأنهم اشتركوا في هجوم على قرية (عالي ) التي يسكنها كثير من الشيعة ، واتهموا بقتل اثنين من رجال الدين وخافوا من عقوبة الحكومة . من ذلك كله يتضح وجود أسباب مبدئية أساسية لثورة الدواسر التي عبروا عنها بالنزوح والهجرة معلنين بذلك عن سخطهم واستنكارهم لإجراءات تسلطية يقف وراءها الميجور ديلي الذي لم يكن له الحق في التدخل بشئون البلاد ، وهناك أيضاً أسباب ثانوية وأكثر مباشرة كتوقيع العقوبة المالية اعتبروها بمثابة استهتار بهم وبوزنهم ونكراناً لسابق فضلهم ، وامتهاناً لكرامتهم كمواطنين مميزين ، ولم تمنع معرفتهم بوقوف الانجليز بشخص ديلي وراء تلك العقوبة من التغاضي عنها لكنهم أخذوا من الظاهر أكثر من معرفتهم بالباطن إذ أن القرارات وتوقيع مثل تلك العقوبات كانت تصدر باسم شيخ البحرين على الرغم من وقوف سلطة الحماية البريطانية وراء إصدارها. ولعل هذه ينطبق على ما جاء في الوثيقة الخاصة باشتراكهم في الهجوم على ( عالي) واتهامهم تقتل شخصين إذ لم يعاملوا في معالجة هذه الحادثة كما ينبغي أن يعامل أمثالهم ، وربما أشاع الانجليز بهذه الحادثة أنها من الأعمال الاجرامية ، بدليل وصف مماثل ورد في إحدى مراسلاتهم التي تمت فيما بعد ، وقد أكثر سلطة الحماية من استعمال أوصاف ونعوت ألصقتها في الدواسر أكثر من مرة كقولها أنهم (عصاة، ومتمردون بل وجناة) ، قسوة وقع ذلك نفوسهم فقاموا بالنزوح بعد أن لوحوا به فلم يؤبه لهم ، بل هددهم الانجليز – على لسان شيخ البلاد ( ولو شكلياً ) بأنهم سيدفعون الثمن باهظاً فيما لو نفذوا تهديدهم ونزحوا عن البلاد . بداية المشكلة فقد قام الدواسر كعادتهم كل عام بالخروج الى رحلة الغوص صيف 1923 ، وبعد انتهاء ذلك الموسم رجعوا بسفنهم الى الدمام ، ولقد وجدوا ترحيباً ودعماً من ابن سعود الذي أعطاهم أموالاً وأسلحة باعتبارهم قوة جديدة تضاف الى قوته في المنطقة، ومهدداً في المستقبل بضرب جزيرة البحرين من خلال حقوقهم وأملاكهم فيها ، وقد أثار وجودهم في الدمام حالة من الرعب والخوف نظراً لقرب مدينة الدمام من ساحل البحرين ، لذلك فقد حاول شيخ البحرين الاستعانة بالقوة البريطانية البحرية للرد على تهديدهم . وقد تدارست بريطانيا الوضع ووجدت أن الدعم السعودي للدواسر تعتبر أمراً خطيراً للأنباء التي وردت الى المعتمد في البحرين في 30 يناير1924 ومفادها ان الدواسر قد حصلوا على أموال واسلحة وان ابن سعود بدأ يعدهم لكي يستعيدوا أملاكهم في البحرين في بالوسائل السياسية أو بالقوة. ولقد رفع الدواسر رايات الحرب في الدمام مما جعل الحكومة البريطانية تضع السفينة كروكس مقابل ساحل الدمام وطلب المقيم البريطاني في بوشهر من وزارة المستعمرات في 31 يناير 1924 السماح له بتوجيه تحذير الى ابن سعود بأنه ( مادام الدواسر قد غادروا البحرين بإرادتهم ، ومادام ابن سعود قد سمح لهم بالإقامة في أراضيه فإن بريطانيا لا تستطيع القبول بأن له الحق بإعادتهم ثانية الى البحرين . وكذلك فإننا نعتبر أن من واجبه - مادام قد آواهم - أن يمنعهم من الإغارة على البحرين . ثم طلب المقيم السياسي من حكومته أن توافق على أن تطلب من ابن سعود إجلاء الدواسر من الدمام الى مكان أبعد منها حتى لا يشكلوا أي تهديد للبحرين . رد الفعل السعودي كان لمضمون هذه الرسالة الذي وضع موضع التنفيذ وللتحذيرات الأخرى التي تبعتها أثرها على ابن سعود الذي زعم أنه يناصر الدواسر لكنه يقف دون تصفية أملاكهم في البحرين عن طريق البيع أو التأجير أو المصادرة ، إلا أنه لم يقم يعمل حاسم لمناصرة الدواسر في هذه الأزمة لانشغاله في أزمات داخلية أخرى. هذا كان يجري والسفينة كروكس – التي كانت هي السفينة الوحيدة في الخليج في هذه الفترة – ترابط أمام ساحل الدمام تحول دون قيام الدواسر بأية مغامرة خشية مواجهة البحرية البريطانية ، خاصة بعد أن علموا أن حكومة الهند طلبت من قائد وحدات مسقط البحرية البدء بتجنيد وتدريب بعض الرجال على المدمرات لحين تعيين قائد في البحرين . ونتيجة لإنذارات البريطانية المتلاحقة التي وجهت لابن سعود ملوحة بالضغط عليه عن طريق عدم تزويده بالإمدادات والمؤن التي كانت تأتيه من الهند والعراق وبأن بريطانيا قد تضغط في سبيل استعمالها إذا ما استمر في تجاهل المادة السادسة من معاهدته المبرمة مع الحكومة البريطانية ، تراجع ابن سعود عن موقفة تجاه الدواسر وعرض عليهم تغيير موطن سكنهم من الدمام الى الجبيل فرفضوا هذه العرض لأسباب منها : اولاً : أنهم رأوا أن الجبيل منطقة نائية عن البحرين . ثانياً : أن انتقالهم الى الجبيل سيجعلهم تحت سلطة أبن سعود ، وقد يتعرضون في المستقبل لبطشه وسيطرته عليهم. ثالثاً : إن وجودهم في الدمام سيمكنهم من إرهاب شيخ البحرين وبالتالي سيكون في مقدورهم العودة إلى أملاكهم في البدع وقتما يشاءون. لكن هذا السبب الأخير بدأ يفقد أهميته بالنسبة الى الدواسر عندما وجدوا أن البحرية البريطانية لا تكتفي بالتجول قبالة الدمام ، بل أنها بدأت تصوب مدافعها نحو مستوطناتهم الجديدة . بينما أخذوا في الوقت نفسه يواجهون فتوراً في الدعم السعودي نظراً لمرض ابن سعود في تلك الفترة من مارس 1924 ولو وجود حركة عصيان من جانب جماعة الاخوان . ويتضح هذا الموقف من الدعم السعودي من خلال رسالة سلطان نجد المؤرخة في 22 فبراير 1924 المرسلة الى المقيم السياسي في بوشهر رداً على رسالته في 14 فبراير حيث أنكر ابن سعود الشائعات التي راجت حول تشجيعه لقبيلة الدواسر او انه تحدث اليهم حول استعادة ممتلكاتهم في البحرين ، ولقد أطلق على أفراد القبيلة المناوئين لشيخ البحرين لقب (المهاجرين ) ويبدو أنه كان يعتزم إعطاء الموضوع طابعاً دينياً وينصب نفسه حامياً للتقاليد الإسلامية. وفي الحقيقة أن تطبيق أصول الشرع كان فيما مضى الملجأ الأخير الذي يلجأ إليه الدواسر ، فكلما حادوا عن الصواب كانوا يلجئون دائماً الى التسليم بما يقرره الشرع، وبما أنهم كانوا قبيلة كبيرة في البحرين ، فقد كانت الأحكام عليهم تصدر بالبراءة حيث كان القضاة المحليون يخشون إصدار أحكام ضدهم. احتياطات البحرين إزاء الدواسر : زادت دوريات الحراسة البحرية أمام ساحل الدمام وجبيل مستعينة بسلاح البحرية البريطانية ، كما أنها منعت الدواسر في موسم غوص اللؤلؤ في بداية صيف 1924من محاولة استعمال مناطق مغاصات اللؤلؤ التي بدأت تستغلها القوارب البحرينية وذلك لمنع أي هجوم دوسري متوقع على تلك القوارب . وبالرغم من تلك الإجراءات المشددة فقد حدث خلال شهر مارس 1924 أن قام قارب يستخدمه بعض الصيادين من أهل البحرين وضربهم الى درجة جعلت إصابة بعضهم خطيرة ، كما قامت حكومة البحرين بمنع قبيلة الدواسر من استخدام نبع خورفشت الذي تستغله سفن الغوص في التزود بالمياه العذبة خلال الموسم ، وهو من الينابيع التي تقع في قاع البحر ، وكان للدواسر في السابق الأولوية على غيرهم في استغلال هذا النبع . أما بعد هجرتهم فقد حرم عليهم استعماله ، هو غيره من الينابيع الأخرى الواقعة في الشمال أمام الدمام ، وقد أتخذت ضدهم إجراءات أخرى بقصد التضييق عليهم فلم يسمح لهم بالغوص إلا في مغاصات محدودة وقليلة الجودة ، وقد تمت الإجراءات التنفيذية لهذا كله من قبل الحكومة التي استعانت بالبحرية البريطانية التي استعانت بدورها بمرشدين من أهل البحرين لتمييز السفن البحرينية عن سفن الدواسر ، وذلك بقصد منع هذه الأخيرة من استعمال نبع خورفشت ومغاصات اللؤلؤ البحرينية. موقف الإنجليزمن هجرة الدواسر : على الرغم من أن الانجليز سعوا الى تحذير الدواسر من مغبة تنفيذ وعيدهم والقيام بهجرتهم ، إلا انه مما لاشك فيه أن هجرة الدواسر لاقت قبولاً ضمنياً من قبل سلطة الحماية البريطانية باعتبارها حركة انفصالية تتم في بلد صغير تحاول هي من طرفها الهيمنة على شئونه بشكل أو بآخر لهذا قام الانجليز بجهد بلحوظ لتكريس هذه الهجرة واستثمار نتائجها السلبية في البحرين ، وفي مواجهة ابن سعود مستفيدة من الخلل الذي أصاب التركيبة السكانية في البحرين ، لإضعاف سلطة الحاكم الشيخ حمد ومستفيدة أيضاً مما قد يسببه وجود قبيلة الدواسر في الدمام من إحراج ابن سعود ، أو مما يثيره وجودهم من مشاكل متوقعة ، لابد أن يستثمرها حاكم البحرين ، على الرغم من تخوف الانجليز من قيام ابن سعود بالتدخل في شئون البحرين . لذا نجد أن الانجليز يحاولون قطع الكثير من الخيوط التي من الممكن أن تؤدي الى أي تقارب بين الدواسر وحاكم البحرين الشيخ حمد ، وتعميق هوة الخلاف بين الطرفين وقد ظهر ذلك جلياً من مجموعة الاقتراحات . التي تم تنفيذها لفصل الدواسر عن البحرين من جهة ومحاولة الانجليز يرون أن في إبعاد الدواسر عن البحرين إضعافاً للحركة الوطنية المناهضة لسياستهم ، وبهجرتهم يتم الاستغناء عنهم نهائياً ، وبخاصة إذا استجاب ابن سعود لطلبهم – الانجليز- وأسكن الدواسر في الجبيل بدلاً من الدمام ، وهذا بالتأكيد مما كان سيفت في عضد رجال الحركة الوطنية البحرينية ، إذ المعروف أن رجال الحركة البارزين هم من المواطنين السنة ، وفي مقدمتهم الشيخ عبدالوهاب الزياني ، الذي لم يخف المعتمد البريطاني تخوفه في حالة عودة الدواسر، فقد ورد في خطاب المعتمد البريطاني الى المقيم السياسي قوله (.......ومن شأن السماح بعودة الدواسر أن يلحق الضرر بسياسة الاصلاح وبتأمين نوع من الحكم أو النظام بالنسبة للشيعة وبخاصة بعد الانذارات الشديدة التي وجهها الدواسر لهم قبيل مغادرتهم البحرين، ورغم بعض المكايد والدعاية التي قام بها نفر من أمثال عبدالوهاب الزياني ، فقد ادخلت تحسينات كثيرة إزاء مواقف السنيين تجاه حكم الشيخ حمد ، كما أجريت الإصلاحات في الإدارة ، بالاضافة الى فرض الاحترام لأوامر حكومة الشيخ حمد وتعليماتها بأسلوب لم يكن معهوداً طيلة فترة حكم الشيخ عيسى ، أن عودة الدواسر ستقلب كافة الموازين ، وتجعل الأمور أسوأ مما كانت عليه في الماضي . ثم يعبر المعتمد البريطاني صراحة عن الرأي الرسمي لسلطة الحماية في شأن عودة الدواسر حين يقول : ( إنني أتصور أنه لا توجد كارثة إن أمكن أن تصيب جزر البحرين أكثر من عودة قبيلة الدواسر إليها). وجدير بالذكر أن الانجليز لم ينسوا موقف الدواسر من مناصرة الحركة الوطنية البحرينية ورجالها ، فقد الدواسر بكل ثقلهم في صف الوطنيين ، وما الغرامة المالية البالغة (15) ألف روبية التي فرضها الانجليز باسم حكومة البحرين على شيخ الدواسر والتي ذكرناها من قبل ماهي إلا عقوبة لهذه القبيلة على ما قام به رجالها من مناصرة الحركة الوطنية ، وقد أشار المقيم السياسي في بوشهر في رسالته رقم 517س بتاريخ 4 ديسمبر 1926 ، إلى ذلك حين قال في الفقرة (121) من رسالته : ( لدى البدء بعملية الاصلاح في البحرين عام 1923 قامت هذه القبيلة بأعمال مزعجة ) . وغني عن الذكر أن الانجليز الذي يصفون عملية خلع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بأنها عملية إصلاحية لا يتورعون عن تسمية الدواسر بالجناة كما ورد في المراسلة رقم 21/1/15 بتاريخ 24من مايو 1924 ، كما وصفوهم في المراسلة نفسها بأنهم يعارضون أية إصلاحات – ( أي تدخل الانجليز في شئون البحرين ) – و .. ( أن البحرين قد تخلصت منهم وارتحت ) . على حد قول المراسلة المذكورة . ولاريب أن هذه المواقف وغيرها تشير إلى الموقف العدائي من جانب الانجليز نحو الدواسر وسعيهم إلى إبعاد هذه القبيلة عن البحرين ، ولقد سعى الانجليز إلى الانتقام من الدواسر في حالة تمكنهم من العودة . محاولة الدواسر العودة إلى البحرين كانت أول بادرة تظهر من الدواسر للعودة إلى وطنهم تلك الاشارة التي أخبر بها الشيخ قاسم بن مهزاع قاضي البحرين المعتمد البريطاني بأن الدواسر أرسلوا إليه يطلبون من التوسط للمساعدة في أمر عودتهم إلى البحرين . فقد اكتشف الدواسر من خلال تجربتهم الخاصة بترك البحرين والعيش تحت سلطة ابن سعود ، انهم فقدوا أشياء كثيرة ، وامتيازات حيوية بالنسبة لهم فقد قلت مواردهم، وتبددت ثروتهم ، وكان يضيع وضعهم المميز المرتبط بعملهم باستخراج اللؤلؤ وما دره عليهم ذلك من أموال. وكانت حكومة البحرين قد أعلنت لهم أكثر من مرة ونشرت ذلك بين الناس بأنه في حال تركهم البحرين سيواجهون المشاكل التالية : 1) سيكون الغواصون القاطنون في البحرين والعاملون سابقاً مع الدواسر في حل من رد الديون إليهم ، والسماح لهم بالتعاقد مع نواخذة جدد ، ( ولقد نفذ هذا البند وأخذ هؤلاء الغواصون ( البروه) ووجدوا لهم أعمالاً جديدة). 2) ستصادر ممتلكاتهم في البحرين من قبل الحكومة البحرينية وتباع. 3) سوف يمنعون من الغوص في مغاصات البحرين ، ومن التزود بالمياه من نبع (خورفشت). وبالنسبة للبند الثالث شددت حكومة البحرين من رقابتها بساعدة البحرين البريطانية خوفاً من اختلاط سفن الدواسر بالسفن البحرينية التي صارلها الحق في ارتياد مغاصاتهم الأول في موسم الغوص وخوفاً من حدوث بعض الأعمال الاستفزازية نتيجة الاحتكاك والتنافس على الاستفادة من تلك المغاصات. أما بالنسبة للبند الثاني ، فقد اتخذت خطوات لبيع ممتلكات الدواسر في البدع ، الا انها تأجلت بغية الاعداد للترتيبات اللازمة خوفاً من ردة الفعل المرتقبة منهم أي من الدواسر كقيامهم بعملية غزوا استنقاذاً لاملاكهم ) ، وفي المقابل فإن المساعي التي بذلها الانجليز لحصول الغواصين الذين كانوا يطالبون الدواسر بالمال قد فشلت بسبب عدم إمكان حمايتهم حين الاقتراب من المناطق النجدية مما قد يتعرضون له، بينما أبدى سلطان نجد ( ابن سعود ) شجبه لتبرير بيع ممتلكات الدواسر المصادرة بالجملة في البدع بالبحرين . ونتيجة للأسباب التي سبق ذكرها ، وللأوضاع التي نشأت من استمرار إقامة الدواسر في الدمام وجد هؤلاء أن عليهم مواجهة نتائج مكلفة قد يطول أمدها فيما لو استمروا في إقامتهم خارج البحرين ، خاصة أن الانجليز أخذوا يمارسون ضغطاً ملحوظاً على شيخ البحرين لتصفية ممتلكاتهم ، وقد بيع بعضها بالفعل ، كبعض الدور في المنامة ، كما جرى تأجير عدد لا بأس به من أملاكهم في البدع . بينما واجهوا إجراءات صارمة حدت من انتفاعهم في مواسم الغوص. ولا يستبعد أن تكون بعض الاتصالات قد جرت سراً بين شيوخ الدواسر وشيخ البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ، وأن الشيخ حمد بدأ يكتشف نوايا الانجليز من جراء محاولاتهم المركزة لتكريس هجرة الدواسر وإبعادهم عن الدمام والتشدد في تطبيق العقوبات التي سبق وأنذروا بها ، في الوقت الذي شعر فيه الشيخ بفداحة ابتعادهم عن البحرين ، وأهمية وجودهم في بلاده ، سياسياً واقتصادياً. كما أنه لا يستبعد أن يكون ابن سعود قد باشر وساطة غير معلنة بين الشيخ حمد والدواسر ، إلا أن أول بادرة معلنة ظهرت للتصالح والعودة كانت في سبتمبر عام 1926 ، حين قام وفد من شيوخ الدواسر بزيارة البحرين ، منتهزين فرصة تواجد المقيم السياسي ، في بوشهر بالبحرين ، فقابلوه ، وكان الوفد يتألف من ثلاثة من شيوخهم هم الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم والشيخ عيسى بن سعد وهذان من شيوخهم المسنين وكان الثالث من الشباب وهو الشيخ احمد بن عبدالله وهو ابن زعيم سابق للدواسر هو (عبدالله بن حسن ). قام هذا الوفد اولاً بمقابلة حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى وشرح شيوخ الدواسر أوضاعهم الجديدة في الدمام للشيخ والتي كان منها قيام أمير القطيف بفرض ضرائب على الدواسر ، مع أن ابن سعود سلطان نجد كان أمر بإعفائهم من هذه الضرائب من قبل انضمام عدد من رجالهم لخدمة في جيشه ، مما يعكس تحول رغبة ابن سعود في استبقاء الدواسر او إبقائهم ،وميله الى إقناع شيخ البحرين بتسهيل عودتهم ، وتحاشيه التعرض لضغوط الانجليز الذين ربما ألحوا عليه في استبعادهم عن الدمام الي مكان ابعد عن جزر البحرين ( الى الجبيل ). ومهما كانت الأسباب ، فقد أبدى شيخ البحرين تعاطفاً ملحوظاً مع وفد الدواسر ، وكشفت التقارير فيما بعد انه أجرى مع أعضاء الوفد ترتيباً لم يجر الإفصاح عنه ويقضي بأن يحمل شيوخ الدواسر توصية من شيخ البحرين الى ابن سعود كي يتوسط الأخير لديه (أي لدى شيخ البحرين ) باعادة الدواسر ليكون ذلك بمثابة مساندة له في مواجهة الانجليز ، ومبرراً لتسهيل عودتهم . الوفد يقابل المعتمد البريطاني قابل وفد قبيلة الدواسر المقيم السياسي بالبحرين ، لكنه أفهمهم أن حياتهم في البحرين لن تعود كما كانت من قبل ، فالامتيازات السابقة التي كانت ممنوحة لهم كالاعفاء من الضرائب والحرية التي كانوا يتمتعون بها في مناطقهم ، كل ذلك سيلغى وسيعودون كغيرهم من المواطنين ، يدفعون الضرائب حالهم حال غيرهم من المزارعين والتجار ، ويمثلون أمام محاكم شيخ البحرين ، بل عليهم أيضاً القبول بما استجد بعد هجرتهم ولم يكن على عهدهم من قبل كوجود مراكز الشرطة التي اقيمت في بلدتهم وربط تعيين شيخ قبيلتهم محاكم البحرين ، يرشح من يراه مناسباً أو يستبدله بمن يشاء عند اللزوم ، كما صار عليهم القبول بما سيتخذ من إجراءات لحماية المستأجرين البحارنة الشيعة والغواصين الملونين والقبول بمساواتهم في ظل المواطنة مع سواهم ومع أنفسهم . وواضح من هذه المطالب والشروط أن لسلطة الحمايةاليد الطولى في وضعها وهي تنسجم مع ما ذهبنا إليه من ان هذه السلطة وجدت في تكريس هجرة الدواسر توافقاً مع مصالحها في البحرين والمنطقة ، إذ كان يهمها في حال عودتهم على الأقل أن تبقى شرعية حكم الشيخ حمد بن عيسى مصانة وأن لا يكون في وجود الدواسر في بلدتهم داخل البحرين ما يهدد بقيام حركات مماثلة كالتمرد والتحدي والمغالاة واقلاق الأمن العام . بعد أن عرض المقيم السياسي البريطاني شروطه على وفد الدواسر ، بدا له أن الشيخين المسنين عبداللطيف بن ابراهيم وعيسى بن سعيد يميلان للموافقة والإذعان، بينما رفض الشيخ الشاب أحمد بن عبدالله تلك الشروط وأخبر المقيم السياسي أن بني قومه يفضلون البقاء في الدمام على الاذعان لتلك الشروط ، وإزاء اصرار هذه الشيخ الشاب أذعن الشيخان الآخران ، ولم تسفر هذه المقابلة عن أي تقدم ، سوى ما كان من كسب عطف حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى ورغبتة في مساعدتهم . وقد عبر عن تعاطفه مع شيوخ الدواسر حين حرص على إبقاء أخ الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم الدوسري في حاشيته الخاصة . لكن هذا التعاطف من قبل شيخ البحرين ، المقرون بالترتيب الذي اتفق عليه مع شيوخ الدواسر والذي انطوى – سرا- على حمل الوفد رسالة الى ابن سعود ليقوم بالوساطة المعلنة ، هذا التعاطف قوبل من جانب الانجليز بالتشدد ، ومحاولة الضغط على الشيخ حمد لقبول النصيحة البريطانية الخاصة بالتمسك بالشروط التي أملاها المقيم السياسي على الدواسر ، معتبرين أن ذلك في مصلحة الشيخ الحاكم ، الذي ينبغي عليه الإمساك بقوة بزمام الأمور ( حين يعمل بتلك النصيحة ) وأنه حين يفعل ذلك فإنما يحافظ على (شرعية مركزه) كحاكم . الوساطة السعودية نجحت الخطة التي رتبها الشيخ حمد مع شيوخ الدواسر ، وحين جاءت وساطة ابن سعود سلطان نجد ، كان يسود اعتقاد بأن الشيخ حمد لا مانع لديه من عودة الدواسر ، بل إنه يرغب في عودتهم ، لكن الحكومة البريطانية هي التي تعارض ، وحين فطن الانجليز الى هذا ، أحسوا بالحرج وأخذوا يفكرون في الخروج من هذا المأزق الذي وضعهم فيه الثالوث : ابن سعود وشيخ البحرين وشيوخ الدواسر. فقد أبلغ الشيخ حمد حاكم البحرين المعتمد البريطاني بأن ابن سعود هو الحاكم العربي الأكبر الوحيد ، وأنه من الطبيعي على الشيخ الأصغر من أمثاله ( أي أمثال الشيخ حمد ) أن يكنوا له الاحترام ويحاولوا إرضاءه). الانجليز يغيرون موقفهم كانت حجة الانجليز في الضغط على الشيخ حمد لعدم الاستجابة لدواعي عودة الدواسر ورد ممتلكاتهم انهم سيجلبون المتاعب للشيخ ، وأن أمر اعادتهم لا يعدو أن يكون إذعاناً من الشيخ لتمرد قد يتكرر في المستقبل . ولم يتورع الانجليز عن وصف الدواسر بأنهم ( من الرعايا المشاغبين ) واتهامهم بأنهم تصرفوا (بوقاحة). ولكن الشيخ حمد الذي ظل فترة من الزمن مدارياً ومحاولاً الموازنة بين ( النصيحة البريطانية ) غير المخلصة ، وبين رغبته الوطنية المخلصة في رأب الصدع ووصل ما انقطع بينه وبين قبيلة من رعاياه كان لهم سابق فضل على البلاد ، تمكن بعد الوساطة السعودية من أن يعلن رأيه حتى أمام الانجليز ، واستطاع أن يعلن أيضاً أنه يعتبر قضية الدواسر قضية عربية ، بدليل قوله الى المقيم السياسي البريطاني : ( بأنه شعر بالخزي أمام القبائل العربية من جراء مصادرة أملاك الدواسر وقراهم ). وفي ذلك اللقاء أفصح الشيخ حمد بن عيسى للمقيم السياسي عن رغبته في إعادة الدواسر مبيناً الدواعي الوطنية كذلك فضلاً عن الدواعي القومية ، واستطاع الشيخ اقناع المقيم السياسي بأن آل خليفة من السنة ويحكمون سكاناً من الشيعة ، ومن المصلحة الوطنية ان لا يضعفوا أنفسهم بفقدانهم لدعم (سني) قوي ، يتمثل في وجود قبيلة الدواسر. إزاء هذه الدواعي كلها وجد الانجليز أنفسهم في موقف يزيد من حرجهم إذ اصبحوا في نظر العرب سلطة أجنبية تتدخل في الشؤون الداخلية للبحرين ، وتمنع حاكم البلاد من الترحيب بقبيلة عربية يرغب هو في الصفح عنها ، وأنهم أي الانجليز تسببوا في تحويل بلدة عامرة بما حولها من قرى ومزارع وشواطئ الى أطلال وخرائب البدع. ولهذا كله ، سارع الانجليز الى اعلان عدم معارضتهم لقرار الحاكم الخاص بإعادة الدواسر ، لكنهم لم ينسوا أن يضربوا على ذلك الوتر الذي فقد رنينه وهيبته في سمع الحاكم ، وهو مسألة العودة المشروطة. الدواسر يعودون بلا شروط قام المقيم البريطاني بإبلاغ حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ، بعدم معارضة بلاده لعودة الدواسر ، ولكنه تساءل : كيف يستطيع الشيخ السماح بعودة قبيلة أصرت على نيل امتيازات خاصة مما تسبب باضطرابات لا يستهان بها الا إذا أيقن أفراد القبيلة أنهم لم يعودوا قادرين على الاحتفاظ بتلك الامتيازات واتباع أساليبهم السابقة ؟ أجاب الشيخ حمد بأنه أبلغ الدواسر بضرورة القبول بوجود نقطة للشرطة في بلدتهم ، وهو الامر الذي رفضوه أولاً ثم قبلوا به. ولم يقتنع المقيم السياسي ، وعاد يردد الذريعة البريطانية التي تضمنتها النصيحة الخاصة بأن على الدواسر أن يعودوا كأفراد عاديين دونهما أية صلاحيات أو سلطات موروثة ، ووعده الشيخ ب ( إيضاح) هذا الأمر لهم . كل هذا كان يجري في الوقت الذي أقام فيه وفد من رؤساء الدواسر وشيوخهم ضيوفاً على الشيخ حمد ، ينزلون على الرحب والسعة في ( بيت الصيد) حيث كان يقيم ، ويبدوا أن الشيخ نصح أعضاء الوفد بالقيام بزيارة مجاملة للمقيم السياسي البريطاني لتقديم الشكر على إعادة ممتلكاتهم إليهم . ولم ينس المقيم أن يكرر على أسماعهم (إن الامر برمته متوقف على قبولهم قوانين البلاد وما داموا خاضعين لهذه القوانين كغيرهم من رعايا البحرين وبلا امتيازات فإن الشيخ حمد سيكون مسروراً لرؤيتهم ثانية في البلاد . هذا وذكر المقيم السياسي البريطاني في أحد تقاريره أن رؤساء الدواسر (قبلوا بالشروط دونما أي تحفظ ) وانتهت المقابلة عند هذا الحد. بعد هذه المقابلة عاد الوفد الى مكان إقامتهم مع الشيخ حمد ، وجرى آخر مشهد من المصالحة وكان على الطريقة العربية ، فقبلوا الشيخ وقبلهم وأظهرالدواسر آيات الفرح والبهجة ، وانطلقت الزوارق البخارية الى المحرق لتعلن النبأ السار.. البدع في سنوات الهجرة هجر الدواسر بلدتهم ( البدع ) عام1923 , وعادوا إليها 1928 ، وفي خلال تلك الفترة ظلت مهجورة لم يسكنها أحد سوى حفنة قليلة من الأشخاص . وفد حاول الانجليز إقناع شيخ البحرين بإسكان البحارنة فيها وبيعهم بيوتهم وممتلكات الدواسر من الأراضي والمزارع فيها بأثمان رمزية ، بغية تكريس هجرتهم وقطع خط الرجعة عليهم كي لا يفكروا أو يتكنوا من العودة نهائياً ، وتصبح مواطنتهم البحرينية في خبر كان ، لما في ذلك من خدمة لمصالح الانجليز وتحقيق لأعراضهم وأطماعهم في البحرين وسائر المنطقة . لكن هذا الأمر لم يتحقق للأسباب التي سبق أن ذكرناها والتي من أهمها حرص القيادة البحرينية الوطنية على عدم التفريط بجزء من سكان البلاد وشعبها باعتبارهم عرباً وسنة ، ولسابق فضلهم في فتح البلاد ونشاطهم الاقتصادي من زراعة وتجارة وأعمال غوص ، واستجابة للدواعي القوية وانسجاماً مع الخلق العربي . وبسبب هجرة الدواسر من البدع ، تعطلت حقولها فلم تعد صالحة للزراعة إلا بعد استصلاح ، كما أن آبارها غيضت ، ومبانيها آلت للخراب .................................................. .................................................. .........................................الخ نتائج هجرة الدواسر وعودتهم لم يتفهم الانجليز جوهر الموقف الذي جرى بين طرفين عربيين تجمعهما فضلاً عن أواصر القربى رابطة الولاء الوطني والرابطة الدينية ولم يدركوا كنه الإباء العربي وروح المرؤة والمودة التي كثيراً ما تحل محل الضبط القانوني والالتزام الحقيقي . لقد خرج الدواسر من ديارهم ووطنهم مغضبين ، وهو تعبير عروبي يفرضه الاباء حين لا يتمكن العربي من دفع ما يلحقه من حيف أو ظلم أو غبن ، وفي التاريخ العربي قديمه وحديثه مواقف تشبه موقف الدواسر , وما هجرة العتوب من مواطنهم النجدية أصلاً الا استجابة لداعي الاباء وانطلاقاً الى حيث تتحقق الكرامة في النفس والعيش حتى ولو كان في ذلك العناء والخسارة والشواهد كثيرة منها على سبيل المثال هجرة تجار اللؤلؤ من الكويت الى البحرين في عهد الشيخ مبارك الصباح وهجرة عشيرة آل بوعينين من قطر الى الجبيل سنة 1327 هجرية . ولكن الانجليز فسروا هجرة الدواسر على أنها تمرد قبلي على حاكم يحاولون بسط سلطانهم عليه ، ظنوا وأنهم سيتمكنون من كسب الجولة مع الدواسر على أحد الوجهين ، فان أذعنوا لتهديداتهم التي وجهت اليهم قبل هجرتهم ، فمن أجل المزيد من الحجر على تصرفاتهم وكبت أصواتهم ، وإذا نفذوا هجرتهم فإلى غير ردة ، يعملون – عن طريق الضغط على ابن سعود- على إبعادهم أكثر ، ويستثمرون تركهم ديارهم لاضعاف سلطة الحكام الوطني – (الشيخ حمد )- كما قدمنا من قبل . والانجليز في الحالين يصدرون عن كراهية لهذا القبيلة الكبيرة ، والتي وقفت في صف الوطنيين والحركة الوطنية المناوئة لتصرفات سلطة الحماية ومحاولاتها المتواصلة للتدخل في شئون البلاد الداخلية وبخاصة خلال أحداث سنة 1923. لكن ما حدث نأى كثيراً عن توقعات الانجليز الى أفق مصالحهم . فقد خاب أملهم في بسط سلطانهم على الحاكم فيما يتعلق بقضية الدواسر وعودتهم وإعادة أملاكهم وحقوقهم وقد استطاع هذا الحاكم ( الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ) أن يتعامل مع الانجليز ومع الدواسر بمنتهى الحيطة والذكاء والدهاء , وتمكن من استثمار نفوذ ابن سعود في كياسه وبراعة ، بينما استعان في مواجهة الانجليز بمنطق وطني صادق وحازم وموضوعي لايخلو من دبلوماسية بارعة ، وذلك حين حمل شيخ الدواسر أنفسهم رسالة الى ابن سعود دعاء فيها الى التوسط لتبرير وقوفه الى جانبهم وليقوي مركزه ويحرج غرماءه . وكانت النتيجة أن غير الانجليز موقفهم من قضية الدواسر كلية ، بل ومن سياستهم عموماً تجاه الشيخ حمد. وللتاريخ بقيه للحديث عما جرى،،،،،،،،،،،،،،،
|
||
|
23-06-2005, 04:06 PM | #2 | ||
|
آخر تعديل فهد الغريري يوم 24-11-2005 في
11:04 AM.
|
||
|
23-06-2005, 04:19 PM | #4 | ||
|
تسلم ياولد العم وشاكر لك مرورك وتعليقك الكريم
وابشر باللي طلبته بالمرات الجايه تقديري واحترامي ابن مشخص
|
||
|
23-06-2005, 04:21 PM | #5 | ||
|
مرحبا ومسهلا وتعقيبك على الموضوع يزيدني شرف تقبل تحياتي
|
||
|
23-06-2005, 05:20 PM | #6 | ||
|
لاهنت اخوي بن مشخص على الموضوع الطيبه وفي انتظار تعليقات الاخوان الملمين بهذه الحادثة التاريخية
|
||
|
25-06-2005, 04:21 AM | #7 | ||
|
تسلم يالعماني ولك مني جزيل الشكر على مرورك وتعقيبك الجميل
|
||
|
04-07-2005, 09:42 AM | #8 | ||
|
لا هنت ياأبن العم على هالمعلومات القيمه عن قبيلة الدواسر في البحرين والخليج ....تقبل تحياتي
|
||
|
24-11-2005, 10:12 AM | #9 | ||
|
يعطيك ألف علفيه على هل موضوع بس ودي اسأل سؤال الشيخ أحمد بن عبدالله الحسن الدوسري من أي الدواسر
|
||
|
12-02-2006, 01:39 AM | #10 | ||
|
الشيخ احمد بن عبدالله ال حسن الدوسري من الشكرة وهو امير الدواسر بالدمام وكان امير الدمام
|
||
|
19-02-2006, 05:18 PM | #11 | ||
|
اخي العزيز ولد الشيوخ احمد بن عبدالله ال حسن كان يقول على جماعتة وهم الحسن وشيخ دواسر الشيخ عيسى بن احمد والشيخ شاهين بن جمعه والشيخ شاهين هو امير الدواسر في الدمام ولك تحياتي
|
||
|
20-02-2006, 01:04 PM | #14 | ||||
|
تسجيل حضور و متابعه
|
||||
|
27-12-2008, 01:09 AM | #15 | ||
|
رد: هجرة دواسر البحرين وعودتهم وسياسة الانجليز معهم
اخوي ولد الشيوخ بالنسبه للشيخ احمد بن عبد الله قدم للدمام باذن و بضيافه الملك عبد العزيز ال سعود هاذا لمعلوميتك وسمح له ولجماعته بالاقامه بالدمام فهل يعقل ان الشيخ احمد ابن عبد الله يحكم الدمام قبل ابن جلوي 30 عام هاذه مبالغه ولولا الملك عبد العزيز ال سعود الله يرحمه واكرامه للدواسر ورفع الضرائب عنهم لاما اقاموا بالدمام والخبر وتقبلو تحياتي
|
||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
إعلانات نصية |
منتديات صحيفة وادي الدواسر الالكترونية | |||