دع مـا يـريبـك إلـى مـا لا يريبـك
وعن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وريحانته - رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح .
هذا الحديث عظيم أيضا، وهو في المعنى قريب من قوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث النعمان بن بشير: ( فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) . فهذا الحديث قال فيه الحسن [رضي الله عنه] حفظت من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ( دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك ) .
وهذا أمر، وقوله : ( يَريبك ) بفتح الياء، ويجوز يُريبك بالضم، لكن الفتح أفصح وأشهر.
( دع ما يريبك ) يعني: ما تشك فيه، ولا تطمئن له، وتخاف منه؛ لأن الرَّيب هو الشك وعدم الطمأنينة، وما يخاف منه من يأتيه فلا يدري هل هو له أم عليه؟.
( دع ما يريبك ) يعني: إذا أتاك أمر فيه عدم طمأنينة لك، أو أنت إذا أقبلت عليه، أو إذا أردت عمله، استربت منه، وصرت في خوف أن يكون حراما، فدعه إلى شيء لا يريبك؛ لأن الاستبراء مأمور به، فترك المشتبهات إلى اليقين هذا أصل عام، وهذا الحديث دل على هذه القاعدة العظيمة: أن المرء يبحث عن اليقين؛ لأن فيه الطمأنينة، وإذا حصل له اليقين سيدع ما شك فيه.
فمثــلاً: إذا اشتبه عليه في أمر مسألة ما، هل هي حلال أم حرام؟ فإنه يتركها إلى اليقين، وهو أن يستبرئ لدينه، فيترك المسألة، أو إلى ما هو حلال بيقين عنده، أو مال اشتبه عليه، فيدع ما يريبه منه، ويأتي ما لا يريبه .
وكذلك في العبادات، وإذا قلنا: العبادات، فنعني بها الشعائر؛ لأن العلماء إذا قالوا: العبادة - بالإفراد - أرادوا منها ما يدخل في تعــريــف العبــادة: " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه .. " إلى آخره.
وإذا قيــل: العبادات -بالجمع- فيريدون بها الشعائر: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وأشباه ذلك. ففرق ما بين الإفراد والجمع، كما فرقوا بين السماء والسماوات، ونظائر ذلك.
في العبادات - أيضا- يأتي اليقين، وإذا طرأ الشك عليه فلا يدع هذا اليقين لشك طرأ؛ لأن اليقين لا يريبه، وما وقع فيه من الشك هذا يريبه، ولا يطمئن إليه.
فإذا اشتبــه عليــه - مثلا - في الصلاة هل أحدث ، أم لم يحدث ؟ هل خرج من شيء، أم لم يخرج منه شيء ؟ فيبني على الأصل، وهو ما لا يريبه، وهو أنه دخل الصلاة على طهارة، متيقن منها، فيبني على الأصل، ويدع ما طرأ عليه من الشك إلى اليقين، كان متطهرا فشكَّ هل أحدث أم لا؟ يبني على الأصل، ويدع الشك.
وهــذا أصـل عظيــم - كما ذكرنا- هذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة كما مَرَّ معنا في حديث النعمان بن البشير، فيدخل فيه ترك جميع ما يريب المسلم إلى شيء يتيقن من جوازه، وألا يلحقه به، وأنه لا يلحقه به إثم، أو شيء في دينه أو عرضه.
.