السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .......
هذا بحث عن الإعداد الإيماني للجهاد:
والمراد به تعليم الفرد والجماعة الحق، وتربيتها على التخلق والعمل به.
أهميته:
وتتضح أهمية الإعداد الإيماني في النقاط التالية:
1) هو المحور الذي تقوم عليه الجماعة المسلمة؛ ويرتكز عليه أي كيان يريد القيام بفريضة الجهاد في سبيل الله، ويتأتى ذلك بتطبيق الحقائق الإيمانية من المودة والأخوة والإيثار والتراحم ونحو ذلك داخل الصف المسلم ليكون كما أراد الله "بنياناً مرصوصاً".
2) أنه أساس لازم لجميع التكاليف الشاقة كالجهاد ونحوه؛ فإذا أتم المرء أو الجماعة هذا الإعداد صارت مؤهلة لأداء هذه الفريضة وصارت أهلاً للتأييد والتثبيت الإلهي، ولذا فقد خاطب الله نبيه: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً} إلى قوله {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} [سورة المزمل:1 - 5].
3) به تتقوى صلة المرء بربه، ويستمد منه العون؛ ويأتيه الفرج بعد الكرب، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} [سورة الطلاق:2،3].
4) به يجبر النقص والضعف في العدد والعدة لدى المسلمين أمام أعدائهم؛ قال تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} [سورة البقرة: 249]، فإن اتصاف هذه الفئة القليلة بالصبر وتحليها به عوضها النقص العددي لديها فنصرها الله تعالى.
5) هو من الأسباب الهامة في توحيد المسلمين ولمّ شملهم؛ قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} [سورة آل عمران: 103].
فالإيمان بالله والاعتصام بكتابه وسنة رسوله أسباب لتأليف القلوب واجتماعها، بينما البغضاء والحسد وغيرها من أسباب التفرق والضعف والهزيمة، قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} [سورة الأنفال:46].
ونختم هذه الفقرة في بيان أهمية الإعداد الإيماني لأداء فريضة الجهاد ببيان صفات المجاهدين المشتملة على فضائل الأعمال الظاهرة والباطنة وذلك في قوله تعالى بعد آية البيعة: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} [سورة التوبة: 112].
صوره:
وصور الإعداد الإيماني كثيرة ومتعددة بتعدد شعب الإيمان القلبية والظاهرة، العلمية والعملية، وبذكرها يطول المقام، ولكن جماع هذه الصور في أمرين عظيمين هما:
1) العلم الشرعي.
2) التزكية.
قال تعالى: {يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم} [سورة البقرة: 129].
وسنقتصر على ذكر بعض هذه الصور خشية الإطالة، ومن هذه الصور:
أولاً؛ الإخلاص:
وهو إفراد الله جل وعلا بالعبادة وحده لا شريك له، وتنقية النفس من شوائب الشك والشرك، وذلك بإصلاح النية لله تبارك وتعالى، ففي الصحيحين عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمته فعرفها، قال فما عملت فيها؟، قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكن قاتلت ليقال جرئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار) [رواه مسلم، وهو جزء من حديث طويل].
واعلم رحمك الله؛ أن الثواب الذي أعده الله لعباده المؤمنين موقوف على شرطين أولهما الإخلاص والثاني المتابعة، وإن من العجب كل العجب أن يجني المرء على نفسه بأن يوردها المهالك لأجل أن يقال جريء أو شجاع أو شهيد، أو يخرج اسمه على صفحات الجرائد والمجلات، أو يحظى بمقابلة صحفية أو تلفزيونية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) [رواه أحمد والترمذي من حديث كعب بن مالك].
فالحرص على الرياسة والمال يفسدان دين المرء أشد من إفساد الذئبين الجائعين إذا أرسلا في زريبة الغنم، فتأمل عافاك الله!
وكفى بالإخلاص بشرىً وفضلاً قول الله تعالى في شأن الصحابة المخلصين: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريبا} [سورة الفتح:18]، وهذا بسبب إخلاصهم وصدق نيتهم مع أنهم لم يقوموا بما عزموا عليه لكن هذا فضل الله على عباده المخلصين، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة).
ثانياً؛ الثقة بالله:
على العبد الصالح والمجاهد الصادق أن يعلم؛ أن النصر من عند الله، قال تعالى: {وما النصر إلا من عند الله} [سورة الأنفال:10]، وأن القوة المادية لا قيمة لها إذا لم يوفق الله القدير أهلها، {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} [سورة آل عمران: 160].
وأن النصر والإيمان لا يفترقان، وأن التناسب بينهما طردي، فعلى قدر قوة الإيمان تكون سرعة النصر، وإذا تخلف النصر فلابد أن يفتش المرء في نفسه، وأن يصلح عيوبها بدلاً من تعليق الفشل على الآخرين، مع الأخذ في الاعتبار كافة الأسباب، قال تعالى: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} [سورة الروم: 47].
وأن يعلم أن نصر الله للفئة المؤمنة يكون في الدنيا والآخرة، ولكن ربما لا يلحق النصر فئة معينة عاملة أو يتأخر بعض الشئ فلا ينبغي أن يلحق العبد شك في وعد الله ووعيده، فإنما نحن عمالٌ في هذه الدنيا وللعامل الأجر وليس له أن يسأل متى تخرج الثمرة ولا إلى أين {وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [سورة آل عمران: 171]، قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [سورة غافر:51]، وقال تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} [سورة النور:55].
ثالثاً؛ الأخوة الإيمانية:
قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [سورة الحجرات: 10] فينبغي على العبد المجاهد أن يعلم أن كل من قال لا إله إلا الله موقناً بها قلبه عاملا بمقتضاها هو أخ له في الله، فالأخوة الإيمانية رابطة راسخة ومتينة تكسب الفرد قوة في نفسه، وتزيد الجماعة المسلمة عزة وكرامة، وهي منة من الله تعالى، قال تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم} [سورة الأنفال:62،63].
وفي الحديث الذي رواه البخاري: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، والأخوة ليست شعاراً يرفع ولا لافتة توضع على الجبين، وإنما هي سلوك يتحلى به المسلم ويظهر أثره بين إخوانه، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
رابعاً؛ التميّز:
إن الله تبارك وتعالى أوجب تميز المؤمنين عن الكفار والمنافقين وأهل الأهواء، فقال تعالى: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد} [سورة الكافرون:1 - 3]، أي فاصلهم يا محمد في عبادتك ومنهجك وعقيدتك، فلابد للعبد المجاهد أن يتميز عن بقية المجتمع الجاهلي من حوله في المخبر والمظهر، وفي المقاصد والأهداف وفي المقاييس والموازيين تماماً كما يتميز في الملبس والمأكل والمشرب.
ومن أوضح صور المفاصلة والتميز الجهاد في سبيل الله، قال صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق) [رواه مسلم عن أبي هريرة].
تقبلوا تحياتي..........
أخوكم \ بوسالم الشرافي ......