الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين المبدلين لشرع خالق الثقلين ، ومن ثم صلاة وسلاماً على النبي الهادي الأمين إمام المحتسبين والمجاهدين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين . ثم أما بعد :-
تابعت ما صرح به معالي وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى الدكتور محمد العيسى وذلك في البرنامج التوجيهي الذي تعقده الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأعضائها الميدانيين في مدينة الرياض حيث قرأنا له دفاعاً عن جهاز الهيئة وهذا أمرٌ يشكر عليه ، ولكننا وللأسف صعقنا حينما جرم فعل المحتسبين أو ما يطلق عليهم أهل العلم "المتطوعون" وهم من لا صفة رسمية لهم في الاحتساب ، و أنا أفضل أن أطلق عليهم في هذا المقال "الناصحون" ، حيث قال معاليه : "الأشخاص الذين يسمون أنفسهم بالمحتسبين يدافعون عن الهيئة وكيانها ولا يرضون بأي أمر يسيء إليها، لكن عملهم يسيء لها ويخالف نظام الدولة". و زاد أيضاً : "نفاجأ بدخول غير المنظمين للحسبة إلى الاحتساب مع وجود رجال الحسبة ولهذا يجب قصر الاحتساب على الجهاز واحترامه" . انتهى حديثه.
ما نُسب لمعاليه تمنيت أنه غير صحيح لأنهُ بهذا يهدم جزءً من الدين و يدعوا لمعصية نبينا صلى الله عليه وسلم فالدين الإسلامي الحنيف بينّ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبُ على كل فرد من أفراد المسلمين فلقد صح الخبر عن حبيبنا –صلى الله عليه وسلم - حيث قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم. يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث : "فليغيره" فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة . انتهى كلامه. و الانتقال من درجة لأخرى لا تكون إلا بالعجز عن الدرجة التي قبلها وهكذا يسقط التكليف ، فعن طارق بن شهاب رضي الله عنه قال : أول من قدم الخطبة قبل الصلاة الخليفة مروان بن الحكم ، فقام إليه رجل ، فقال : يا مروان ، خالفت السنة، فقال مروان : يا فلان ، ترك ما هنالك ، فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من رأى منكم .. الحديث السابق). وفي رواية أن الرجل قد سحب الخليفة مروان مع ثوبه يريد إنزاله من على المنبر ، وهذه أول درجة من درجات الإنكار وقد فعلها عامي في حق إمام المسلمين في ذلك الزمان ومع ذلك لم ينكر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فعله بل أيده وذلك بإيراده الحديث السابق ذكره ، والصحابة كما نعلم جميعاً هم أعلم الناس بدين الله وبفهم نصوصه لأنهم سمعوها من نبي الأمة عليه الصلاة والسلام وحفظوها وفهموها ونقلوها لنا .
معالي الوزير : إن من قلت عنهم أن فعلهم يسيء للهيئة هم ثلة من العلماء وطلبة العلم وأنت تعرفهم وتعرف أن لحاهم قد شابت وهم سالكين هذا المسلك منذ ما يقارب الثلاثين سنة ولست بحاجة لذكر أسمائهم لك لعلمي ويقيني أن ذلك قد يغضبهم ، ولكنني أؤكد لك بأنهم رجالٌ ينكرون بألسنتهم ما يرونه من منكرات تغضب الله عز وجل وتؤلم كل من في قلبه ذرة إيمان وغيرة على محارم الله ، وما قد صرحت أنت به لم أجد لهُ في أقوال العلماء ما يؤيده ناهيك عن الدليل الصحيح الذي يدعم قولك .
معالي الوزير : ما تنهى أنت عنه عامة الناس عن فعله هما سهمان من سهام الإسلام الثمانية فلقد روى الإمام البزار رحمه الله عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الإسلام ثمانية أسهم : الإسلام سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، وحج البيت سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، والجهاد في سبيل الله سهم ، وقد خاب من لا سهم له).
معالي الوزير : كلنا يعلم أن بعض الفقهاء ذهب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عينٌ على كافة أفراد الأمة ، ولهم بذلك أدلتهم الصحيحة في هذا الأمر ومنه حديث أبي سعيد السابق ذكره ، وكذلك حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه حيث قال : بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقّنني : "فيما استطعت والنصح لكل مسلم" والنصيحة هي إنكار للمنكر في الغالب ، فكيف بالله عليك أن تعطل هذا الأمر وتجعل كل من رأى منكر أن يبلغ عنه رجال الهيئة فبعض المنكرات لا تحتمل التأخير وإبلاغ الجهات المختصة بذلك . ولو أخذنا بقاعدتك هذه لكان على كل شخص أن لا يسعف مريض حتى يصل الهلال الأحمر ولا ينقذ غريق حتى يأتي الغواصين ولا ينقذ مسلم من القتل حتى تأتي الشرطة وهو قادرٌ على منع ذلك كله ومعالجته.
معالي الوزير : أخشى أن يكون هذا أمرٌ بُيت بليل والهدف منه القضاء على هذه الشعيرة بالتدريج ، فما خرج هذا التصريح إلا بعد أن حصل ما حصل من منكرات تؤلم القلوب الحية والمؤمنة وذلك في الجنادرية ومعرض الكتاب ، وما صاحب ذلك من اعتقال لأعداد كبيرة من الناصحين المريدين الخير لنا ، و أخشى كذلك أن يعقب هذا التصريح سن نظام يمنع النصح والإنكار العلني لا على الحاكم ولا المحكوم وهذا والله ما لم تأتي به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
وبعد هذا الكلام لا أجد إلا أن أوجه رسالتين أرى أنه من الأهمية أن تكتب هنا :
الرسالة الأولى : هي لك يا معالي وزير العدل ولكل من أيدك أن تتقوى الله وصية الله لأنبيائه وللأولين و الآخرين ، فبتقواه تكون النجاة بإذنه نجاة الفرد ونجاة المجتمع ، ولتعلم يا معالي الوزير أن ما أتيت به لن يعود علينا إلا بالدمار والحسرة والندامة وسنحاسب على سكوتنا إن لم ننصح لك سراً وعلناً وننكر عليك ما أتيت به.
الرسالة الثانية : للمؤمنين عامة والناصحين خاصة أن يتذكروا أن الابتلاء سنة الأنبياء والمصلحين و أن درب الإصلاح والنصح ليس مفروش بالورد والرياحين وأنه كلما زاد بلاءك كلما كان ذلك خيراً لك بإذن الله وتذكر قوله تعالى على لسان لقمان الحكيم : (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) ، و أعلم أنك بإنكارك للمنكرات تحليت بصفة من صفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالله الله بالتأسي بسنة نبينا في إنكار المنكرات وليكن هو قدوتنا بذلك فمن اتبع خطاه لن يخيب بإذن الله.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العاملين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .