في دفاتر الحكايا القديمة نقرأ أن شيخاُ بعث إليه بعض السلاطين بأبنائهم ليعدهم لخلافتهم في السيطرة على رقاب العباد والتحكم بمصائرهم .
فجمعهم هذا الشيخ وذهب بهم إلى الغابة ، وهناك وبعد أن خُـيّـل إليهم أنه سوف يتحدث عن تاريخ الشعوب وعن المعارك الفاصلة في عمر الأرض , وجدوه وقد وضع كتبه جانباً ثم قال :
اليوم سوف أعلمكم كيف تطبخون الضفدع حياً . نظر الأمراء إلى بعضهم ليتأكدوا من أنهم سمعوا الهذيان نفسه .. وعندما عادوا إليه بابصارهم التي بدأت تشكك في العمر الإفتراضي لعقل هذا المتأرجح بين الموت والموت ..
كان يتابع كلامه وكأن شيئاً لم يكن : لنرَ من منكم لديه بعض الحلول ؟ ..
ترددت الكلمة بين جدران أدمغتهم استغراباً .. قليلاً أذهلتهم غرابة السؤال .. لكن أحدهم رد بعفوية قائلاً : نطبخه في إناء فيه ماء يغلي !!
بكل هذه البساطة !!! ردد الشيخ في تهكم .. وما الذي سوف يغريه بالبقاء في إناء لا يوجد به إلا ماء .. ويغلي أيضاً .. ترى لوكنت مكانه هل كنت ترغب في البقاء ؟؟!!
سكن الجمع الأميري .. وأحس الجميع بسحابة من الغباء تظللهم ..أما العجوز .. وبعد أن حطم أسوار المقام السلطاني في نفوس صغار التيجان ، وبعد أن زرع في قرارة ذاتهم أنهم بحضرة من هو أعلم منهم بكثير ،
هنا قال .. لا .. بل نقش قاعدته الخبيثة في قلوبهم : لو وضعنا الضفدع في الماء الساخن لقفز منه فوراً .. مهما كانت المغريات .. هو حب البقاء ، ولو وضعناه في ماء دافئ لبقي قليلاً ثم قفز خارجاً .. طلباً للغذاء ، لكن لو وضعناه في الماء الدافئ فوق النار الهادئة ووضعنا في الماء بعض الطعام بطريقة تجعل الحصول عليه صعباً ولكن ليس مستحيلاً فإن الضفدع سيبقى في الإناء حتى يموت مغلياً !!!.
لماذا لا يقفز والماء يغلي ؟؟! قال الشيخ سائلاً نفسه .. لأن ردة فعله التي كان يتميز بها قد تم ترويضها بالماء الدافئ الذي زادت سخونته تدريجياً ، حتى أصبحت ردة الفعل تلك خيطاً من دخان لا يعلم أحد أين ذهب.
ثم أكمل الشيخ رافعاً صوته : هكذا أيتها العقول الفارغة تحكم الأمم .. هكذا توضع الأغلال في أعناق الشعوب .. تلك التي لا طاقة لكم بمواجهتها .. ولا قدرة لكم على تحمل غضبتها .. أشغلوها بالبحث عن طعامها بيدٍ .. وباليد الأخرى حافظوا على استمرار اتقاد النار الهادئة تحتها في إزدياد محسوب .. إحذروا من أن تزيدوا حدة النار فجأة .. إلا بعد أن تروا أطرافها قد تمددت وأصبحت غير قادرة على اتخاذ قرار قفزتها .. ولا يغيبن عن بالكم استمرار وجود الطعام ولكن بالقدر الضروري .. فقط لإشغالها عن التفكير في ما تحت الإناء
ثم أخذ الشيخ في التحرك أمامهم واضعاً يديه خلف ظهره وهو يقول :
هناك عقولٌ لاتستطيع التفكير في أكثر من أمر واحدٍ في ذات الآن .. أشغلوها بأمرها ذاك .
وهناك عقولٌ حُبست في محيط جسدها .. لا تفكر إلا في إشباع رغباته .. إجعلوا تلك الرغبات أفقاً لا نهاية له ..
ثم توقف الشيخ ووجه نظراته إليهم .. حادة .. قوية ..نفذت إلى أعماقهم مثل الخوف ..
وقال :
ولكن الخطر ورعب الخطر .. في عقولٍ تتعب في مرادها التواريخ .. عقولٌ ترى من خلال الأعمال مستقبل النوايا .. وتقرأ الخطى جيداَ فتعرف المصير ..عقولٌ ترفض مبدأ الإناء من أساسه .. وتعرف كل الحيل .. عقولٌ تأبى أن تعيش في غير الرؤوس .. همومها أكبر من أن تحملها أمه .. وطموحاتها أعلى منزلةً من نجمه .. وعزائمها لا يفنيها حتى الموت إذ هي تنزرع في كل من عرفهم وآمن بما آمنوا به
تغرب لا مستعظماً غير نفسه = ولا قابلاً إلا لخالقه حكما
إن واجهتكم مثل هذه العقول .. فقد استعصت على من كانوا قبلكم .. نصيحتى إليكم .. أعطوهم ما يطلبوكم .. ولن يطلبوا غير حقهم .. فإن لم تفعلوا فسوف يعلون ثم لا يعطونكم ما تطلبون
وسلامتكم وتعيشون
هند