فضيلة الشيخ العلامة :
بكر عبدالله أبو زيد
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد :
فإن الاسم عنوان المسمى، ودليل عليه، وضرورة للتفاهم معه ومنه وإليه، وهو للمولود زينة ووعاء وشعار يدعى به في الآخرة والأولى، وتنويه بالدين، وإشعار بأنه من أهله – وانظر إلى من يدخل في دين الله ( الإسلام ) كيف يغير اسمه إلى اسم شرعي، لأنه له شعار – ثم هو رمز يعبر عن هوية والده، ومعيار دقيق لديانته، وهو في طبائع الناس له اعتباراته ودلالاته، فهو عندهم كالثوب، إن قصر شان، وإن طال شان.
ولهذا صار من يملك حق التسمية ( الأب ) مأسوراً في قالب الشريعة ولسانها العربي المبين، حتى لا يجني على مولوده باسم يشينه.
ومن أبرز سماته : أن لا يكون في الاسم تشبه بأعداء الله، ذلك النوع من الاسم الذي تسابق إليه بعض أهل ملتنا، نتيجة اتصال المشارق بالمغارب، أو عرض إعلامي فاسد، على حين غفلة من أناس، وجهل من آخرين، وخفض جناح وتراخ في القبض على فاضل الأخلاق.
وسبحان الله ! كم وقع في حبائلها من أناس يشار إليهم.
كم من عظيم القدر في نفسه .*.*.*. قد نام في جبة ملاح
ألا إنه ليرثى لحالهم، إذ كيف تراه متسلسلاً من أصلاب إسلامية كالسبيكة الذهبية، ثم تموج به الأهواء فيصبغ مولوده بهوية أجنبية، مسمياً له بأسماء غضب الله عليهم من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من أمم الكفر ؟!
فعلى المسلمين بعامة، وعلى أهل هذه الجزيرة العربية بخاصة : العناية في تسمية مواليدهم بما لا ينابذ الشريعة بوجه، ولا يخرج عن سنن لغة العرب، حتى إذا أتى إلى بلادهم الوافد، أو خرج منها القاطن، فلا يسمع الآخرون إلا : عبدالله، وعبدالرحمن، ومحمدًا، وأحمد، وعائشة، وفاطمة … وهكذا من الأسماء الشرعية في قائمة يطول ذكرها، زخرت بها كتب السير والتراجم.
أما تلك الأسماء الأعجمية المولدة لأمم الكفر المرفوضة لغة وشرعاً، والتي قد بلغ الحال من شدة الشغف بها : التكني بأسماء الإناث منها، وهذه معصية المجاهرة، مضافة إلى معصية التسمية بها، فاللهم لا شماتة.
ومنها : آنديرا، جاكلين، جولي، ديانا، سوزان - ومعناها : الإبرة أو المحرقة - فالي، فكتوريا، كلوريا، لارا، لندا، ليسندا ، مايا، منوليا، هايدي، يارا.
وتلك الأسماء الأعجمية - فارسية أو تركية أو بربرية - : مرفت، جودت، حقي، فوزي، شيريهان، شيرين، نيفين …
تلك التفاهة الهمل : زوزو، فيفي، ميمي ..
وتلك الأسماء الغرامية الرخوة المتخاذلة: أحلام، أريج، تغريد، غادة، فاتن، ناهد، هيام، وهو بضم الهاء : ما يشبه الجنون من العشق أو داء يصيب الإبل، وبفتحها : الرمل المنهار الذي لا يتماسك.
وهكذا في سلسلة يطول ذكرها.
أنادي بلسان الشريعة الإسلامية على المسلمين أن يتقوا الله، وأن يلتزموا بأدب الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن لا يؤذوا السمع والبصر في تلكم الأسماء المرذولة، وأن لا يؤذوا أولادهم بها، فيحجبوا بذلك عنهم زينتم : الأسماء الشرعية.
وما هذه إلا ظاهرة مرضية مؤذية، يجب على من بسط الله يده أن يصدها عن مواليد المسلمين، فليزمهم عن طريق الأحوال المدنية بالأسماء المشروعة فحسب، فلا يسجل إلا ما كان شرعياً.
وإذا كانت القوانين تصدر في فرنسا وغيرها لضبط اختيار أسماء المواليد حتى لا تخرج عن تاريخهم، ولا تعارض مع قيمهم الوطنية، وإذا لزم المسلمون في بلغاريا بتغيير أسمائهم الإسلامية، فنحن في الالتزام بدين الله ( الإسلام ) أحق من أمم الكفر.
وعليه، فهذه صفحات طيبات مباركات، أهديها إلى كل مسلم له مولود في الإسلام، لأدله على هدي النبوة وأنوارها، وميدان العربية ولسانها، في تسمية المولود، وله من عاجل البشرى في ذلك أجر ومثوبة على حسن الاختيار وفضل الاقتداء بالإسلام والسنة، فهو مبارك على نفسه ومولوده وأمته، ولأنتشله من دائرة التبعية الماسخة والمتابعة المذلة في أدواء المشابهة، والأسماء الغثة المائعة ، وتلك التي قد يبدو لها جرس وبريق وهي تحمل معاني مرذولة مخذولة، استجابة لثقافة وافدة تناهضه في دينه وخلقه ولغته، وتشحنه بأنواع الأذايا والبلايا الصارفة له عن عزته مسلماً، فتحوله إلى عامل يساهم - وبدون مقابل- في نشر أسباب الوهن والإيذاء والاسترخاء لأمته.
إن حجب الاسم الشرعي عن المولود سابقة لتفريغه من ذاته، وانقطاع للعنوان الإسلامي في عمود نسبه، فضلاً عما يتبع ذلك من الإثم والجناح.
وأقول : إنني تأملت عامة الذنوب والمعاصي فوجدت الذنوب والمعاصي إذا تاب العبد منها، فإن التوبة تجذمها وتقطع سيئ أثرها لتوها، فكما أن الإسلام يجب ما قبله وأكبره الشرك، فإن التوبة تجب ما قبلها متى اكتملت شروطها المعتبرة في شرعًا ، وهي معلومة أو بحكم المعلومة .
لكن هناك معصية تتسلسل في الأصلاب، وعارها يلحق الأحفاد من الأجداد، ويتندر بها الرجال على الرجال، والولدان على الولدان، والنسوة على النسوان، فالتوبة منها تحتاج إلى مشوار طويل العثار، لأنها مسجلة في وثائق المعاش من حين استهلال المولود صارخاً في هذه الحياة الدنيا إلى ما شاء الله من حياته، في : شهادة الميلاد، وحفيظة النفوس، وبطاقة الأحوال، والشهادات الدراسية، ورخصة القيادة، والوثائق الشرعية .. إنها تسمية المولود التي تعثر فيها الأب، فلم يهتد لاسم يقره الشرع المطهر ويستوعبه اللسان العربي، وتستلهمه الفطرة السليمة.
وهذه واحدة من إفرازات التموجات الفكرية التي ذهبت بعضها بالآباء كل مذهب، كل بقدر ما أثر به من ثقافة وافدة، وكان من أسوئها ما نفث به بعض المستغربين منا من عشق كلف وظمأ شديد لأسماء الكافرين، والتقاط كل اسم رخو متخاذل، وعزوف سادر عن زينة المواليد : الأسماء الشرعية.
وهكذا سرت هذه الأسماء الأجنبية عنا من كل وجه : عن لغتتنا، وديننا، وقيمنا، وأخلاقنا، وكرامتنا، مطوحة الغفلة بنا حينا، والتبعية المذلة أحياناً، فتولدت هذه الفتنة العمياء الصماء في صفوف المسلمين، وانحسرت هذه الزينة عمن شاء الله من مواليدهم.
فهذا الوليد في أي دار من دور المسلمين حجبت عنه زينته (الاسم الشرعي) وجلل بلباس أجنبي عنه (اسم أعجمي) قاتم، كدر، يؤذي الأسماع خبره، ويرهق البصائر مخبره.
وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه، فإن المولود يعرف دينه من اسمه، فكيف نميز أبناء المسلمين وفينا من يسميهم بأسماء الكافرين ؟!
فعجيب – والله – ممن يحجب عن مولوده شعاره فيلج هذه المضايق، ليختار اسماً منابذاً للشرع، شططاً عن لسان العرب، متغلغلاً في قتام العجمة المولدة، فكأنما ضاقت عليه لغة العرب فلم يجد فيها ما يتسع لاسم مولوده.
وقديماً قال بعضهم يهجو رجلاً اسمه خنجر :
أمن عوز الأسماء سميت خنجراً .*.*.*.*. .......................
ونحن نقول للمتهافتين في عصرنا :
أمن عوز الأسماء سميت فاليا .*.*.*.*.*. وشر سمات المسلمين الكوافر
وأعجب من هذا أنك لا ترى منتشراً في الكافرين من يتسمى بالأسماء الخاصة بالمسلمين، ألا أن هذه عزة الكافر وهي مرذولة، أما عزة المسلم فهي محمودة مطلوبة، فكيف نفرط فيها، ونتحول إلى أتباع لأعدائنا، نتبع السنن، وهجر السنن ؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومع هذه الفلتات والتفلتات، فهناك أمور ضابطة تصد هذا الزحف، وتحمي الصف، فالشكر لله تعالى أولاً، ثم لحماة دينه وشرعه ثانياً، كل بقدر ما بذل ويبذل من توجيه وإصلاح، ففي قلب جزيرة العرب هناك مجموعة من القرارات الضابطة في المضامين الآتية :
1 - التزام الأسماء الشرعية للمواليد.
2 - المنع البات من تسجيل أي اسم غير شرعي.
3 - المنع من تسجيل الاسم المركب من اسمين : لما فيه من الإيهام والاشتباه.
4 - التزام وصلة النسب ( لفظة : ابن ) بين الأعلام.
وهنا أذكر حقيقة تاريخية مهمة ، هي : أن التزام لفظة ( ابن ) بين اسم الابن وأبيه مثلاً كانت لا يعرف سواها على اختلاف الأمم، ثم لظاهرة تبني غير الرشدة في أوربا صار المتبني يفرق بين ابنه لصلبه فيقول (فلان ابن فلان )، وبين ابنه لغير صلبه فيقول : ( فلان فلان )، بإسقاط لفظة (ابن)، ثم أسقطت في الجميع، ثم سرى هذا الإسقاط إلى المسلمين في القرن الرابع عشر الهجري فصاروا يقولون مثلاً : محمد عبدالله !
وهذا أسلوب مولد، دخيل، لا تعرفه العرب، ولا يقره لسانها، فلا محل له من الإعراب عندها.
وهل سمعت الدنيا فيمن يذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : محمد عبدالله ! ولو قالها قائل لهجن وأدب، فلماذا نعدل عن الاقتداء وهو أهدى طريقاً وأعدل سبيلاً وأقوم قيلاً ؟!
وانظر إلى هذا الإسقاط كيف كان داعية الاشتباه عند اشتراك الاسم بين الذكور والإناث ، مثل : أسماء وخارجة ، فلا يتبين على الورق إلا بذكر وصلة النسب : ( ابن ) فلان أو ( بنت ) فلان.
وأخيراً أقول : من هذا وذاك وغيرهما من الأسباب رأيت أن أبين للمسلمين هدي الإسلام في تسمية المواليد وأهميتها، وأنها ذات خطر شديد المرمى، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وإن الأمر سهل ميسور - ولله الحمد - فلا يحتاج إلى بحث ولا قواميس، ولا معاجم، إذ هو أمر التقت فيه دلالة الشرع مع سلامة الفطرة، فما على المسلم إلا أن يعبد اسم مولوده باسم من أسماء الله تعالى، أو يدير فكره ونظره في محيط أسماء أنبياء الله ورسله الصالحين من عباده من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم ممن اهتدى بهديهم، ونحو ذلك مما يجري على سنن لسان العرب، فيختار ما لا يأباه الشرع، وإن ضاقت عليه الدائرة، فليسترشد بعالم يعرف جودة رأيه، وصفاء اعتقاده، وسلامة ذوقه وحسب، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعرضون أولادهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيسميهم، وهذا دليل على مشروعية مشورة أهل العلم وطلبته في ذلك.
وهذه أيضاً واحدة من وسائل الربط بين العلماء وعامة المسلمين.