الصـــومال يغـــرق في حمـــامات الــدم!
تقرير: شريف الغمري - الأهرام
** المتابعون للتطور الخطير, الذي حدث في الصومال بسقوط العاصمة مقدشيو ومناطق كبيرة من المحيطة بها تحت سيطرة ميليشيات المحاكم الشرعية الإسلامية اعتبروا ذلك تطورا خطيرا قد تكون له نتائج بعيدة المدي وسلبية بالنسبة لطريقة إدارة الولايات المتحدة للحرب علي الإرهاب.
فالولايات المتحدة تعتبر أن الميليشيات التي سيطرت علي العاصمة مقديشو مرتبطة ارتباطا وثيقا بتنظيم القاعدة, بينما هي تؤيد وتمول قوات التحالف الصومالية التي كانت تسيطر علي الحكم في الصومال في الفترة الأخيرة من خلال ما اسماه الخبراء المتابعون للموقف في هذه المنطقة من افريقيا' الحرب بالوكالة' أي أن الولايات المتحدة تخوض هذه الحرب عن طريق وكلاء تدعمهم ماديا دون أن تشارك مشاركة مباشرة بجنودها.
وكانت الضربة المفاجئة والقوية للتحالف قد تمثلت ليس فقط في هزيمة هذا التحالف وإنما في هروب قاداته من العاصمة مقديشو. وليس معروفا حتي الآن ما إذا كان هذا الهروب اعترافا بالهزيمة أم أنهم لجأوا إلي دول مجاورة في محاولة لتجميع صفوفهم والحصول علي تعزيزات جديدة.
وكان هذا التحالف قد تكون بمساعدات مالية ومخابراتية من جانب الولايات المتحدة للقتال ضد ميليشيات المحاكم الإسلامية والذين إتهمتهم الولايات المتحدة بإيواء مقاتلين أجانب ينتمون لتنظيم القاعدة في الصومال, وتولي قيادة التحالف أربعة أشخاص ممن يسمون أمراء الحرب تحت إسم' التحالف من أجل إقرار السلام ومكافحة الإرهاب'.
وكانت الصومال قد شهدت عدة نزاعات داخلية منذ إستقلاله عن بريطانيا في يونيو عام1960, وفي عام1988 شهدت الصومال حربا أهلية واسعة النطاق بين قيادات الحكومة في العاصمة مقديشو وبين متمردين صوماليين, وفي مايو1991 دخلت الصومال في حالة من الفوضي بعد سقوط نظام حكم الجنرال محمد سياد بري وحدوث مصادامات بين قيادات متعددة يحاول كل منها جمع سلاح وأنصار للسيطرة علي السلطة في البلاد, وبعد قتال استمر عشر سنوات أجري استفتاء حول توحيد الصومال بعد أن كانت قد انقسمت إلي جزءين, وجاءت نتيجته أن97% أيدوا وحدة البلاد, لكن ذلك لم يمنع إستمرار النزاعات الداخلية, والتي كان من أبرزها الصراع الدموي بين أنصار محمد فرح عيديد وعلي مهدي محمد عام1991 والذي قتل فيه الآلاف, إلي أن وقع أمراء الحرب في أوائل عام1992 اتفاقا برعاية الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار, وبمقتضي هذا الاتفاق عاد فرح عيديد إلي مقديشو معارضا انتشار قوات الأمم المتحدة التي كانت قد أرسلت لمراقبة وقف إطلاق النار, ووافق مجلس الأمن في نفس العام,1992, علي إرسال قوات بقيادة الولايات المتحدة إلي الصومال, وهي المهمة التي قتل فيها18 جنديا أمريكيا ومئات الص
وماليين في القتال الذي نشب في ذلك الوقت, مما دعا الولايات المتحدة إلي إنهاء مهمتها هناك في مارس1994, وفي عام2000 تكونت حكومة وطنية مؤقتة في محاولة لتوحيد المقاتلين الصوماليين, ووافقت الأطراف المشاركة في هذه الحكومة علي دستور إنتقالي لمدة5 سنوات تجري بعدها انتخابات, وبعد انتهاء المهلة جرت الإنتخابات التي تم فيها انتخاب عبد الله يوسف رئيسا للصومال, وعين علي جيدي رئيسا للوزراء, وأخيرا ما حدث منذ يومين في5 يونيو2006 حيث استطاعت ميليشيات المحاكم الشرعية الإسلامية فرض سيطرتها علي العاصمة مقديشو بعد قتال دموي إستمر منذ فبراير الماضي وقتل فيه350 شخصا, وكانت هذه الميليشيات الإسلامية قد اتهمتها الولايات المتحدة بإيواء عناصر من تنظيم القاعدة. ورغم أن الولايات المتحدة لم تؤكد أو تنفي تأييدها لقوات التحالف في الصومال إلا أن حكومة الرئيس بوش اكتفت بالقول أنها تؤيد وتدعم الذين يقاتلون الإرهاب. وأكد الخبراء المتابعون للموقف في الصومال أن الولايات المتحدة كانت تتعاون معهم في هذه الحرب.
وكانت الدول الأفريقية تشعر بلقلق من تدهور الموقف في الصومال لكنها في نفس الوقت كانت لا تؤيد الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة لأمراء الحرب هناك والذين يسيطرون علي قوات التحالف ويقاتلون ضد الميليشيات الإسلامية, هذا في الوقت الذي أصبح فيه هذا الدعم الأمريكي معروفا, وتحدث عنه جون بريندارجاست الخبير الأمريكي في الشئون الصومالية وعضو مجموعة إدارة الأزمات الدولية بقوله أن أمراء الحرب كانوا يحصلون من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية علي100 ألف دولار شهريا, وأنه تأكد من صحة هذه المعلومة من خلال اجتماع عقده مع أعضاء في تحالف أمراء الحرب.
وكان رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نجوسو الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الأفريقية قد طالب الولايات المتحدة مؤخرا أن تجد طريقا لإنهاء الأزمة الصومالية وقال أنه يجب عليها أيضا ألا تقدم أي معونات لأمراء الحرب, وقال عقب اجتماع له مع بوش أنهما ناقشا موقف الصومال وكيف يمكن أن تعمل الولايات المتحدة علي إنهاء العنف هناك, وأضاف نجوسو أن الإتحاد الأفريقي يجاهد لإيجاد حل للأزمة, كما حذر من إنهيار الدولة الصومالية.
إن الخبراء الأمريكيين المتابعين لما حدث في الصومال يشعرون بأن التطور الخطير الذي حدث هناك يعكس ضعف أفكار الحرب علي الإرهاب التي تتبناها حكومة الرئيس بوش كأولوية لسياستها الخارجية والتي لم تشارك كل الدول التي تتعرض للإرهاب في إيجاد مفهوم موحد متفق عليه لما هو الإرهاب, وإنفردت هي بوضع مفوهمها للإرهاب وإدارة الحرب ضده بالرغم من عدم معرفتها المباشرة بثقافات وتقاليد وأوضاع الدول والتي يمكن أن تكون من أسباب نمو الإرهاب وإنتشاره. فالموقف داخل الصومال وخلال الخمسة عشر عاما الماضية تحول إلي حالة من الفوضي الكاملة وهو ما أوجد ظروفا داخلية كان من الممكن أن تجعل الصوماليين يبحثون عن أي طريق لإنقاذ حياتهم من عمليات القتل والنهب والاغتصاب التي كانت قد تفشت في ظل هذه الفوضي, ولعل هذا هو السلاح الأقوي الذي ساعد ميليشيات المحاكم الإسلامية علي التقدم بهذه الطريقة نحو العاصمة والسيطرة عليها.
فهل يعني ذلك أن الحرب قد انتهت في الصومال وأن الإستقرار سيسود؟, الواضح من الظروف المحيطة بالصومال والعوامل المؤثرة عليها داخليا وخارجيا أن سقوط العاصمة مقديشو في أيدي ميليشيات المحاكم الإسلامية هو مجرد نصر في معركة في حرب طويلة من المنتظر أن تتجدد مما يؤدي إلي إغراق الصومال في حمامات دم جديدة.
أخوكم /عـــــــــابد
[size=4]((أستغفرالله))[/size]