القطيف في عهود الاضطرابات الكاتب(محمد بن سعيد المسلم)يرحمه الله - ::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي :::

العودة   ::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: > :::. الأقســــام الـتـاريـخـيـــة .::: > :: القسم الـتاريخــي الــعام ::

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-03-2017, 09:45 PM   #1
 
إحصائية العضو








ساقان الدواسر غير متصل

ساقان الدواسر is on a distinguished road


:t-t-5-: القطيف في عهود الاضطرابات الكاتب(محمد بن سعيد المسلم)يرحمه الله

القطيف في عهود الإضطرابات

المصدر: واحه على ضفاف الخليج
(67 هجريه.......1211هجريه)
الكاتب :محمد بن سعيد المسلم
يرحمه الله




المتتبع لتاريخ بلاد البحرين منذ بداية العهد الاموي وما تلاه من عهود، يجد ان هذه المنطقة لم تكن تعرف حياة الاستقرار الا في فترات قليلة من تاريخها، فقد عصفت بها الاحداث والاضطرابات في اغلب عهودها، ويبدو ان لموقعها الجغرافي، وبعدها عن مراكز الخلافة الاسلامية اثرا بينا في زعزعة الاستقرار، وطمع المغامرين في الاستيلاء عليها، وفيما يلي عرض موجز لتلك الاحداث:


1. الخوارج:



رغم المفارقات الشديدة بين عقيدة اهالي هذه المنطقة وبين عقيدة الخوارج، فان بعض سكانها رحبوا بقدومهم، وربما كان تخلصا من الحكم الاموي، ومن ضمنهم قبيلة الازد، وذلك حين قدم نجدة بن عامر الحنفي بمجموعة من اليمامة عام 67هـ لاحتلال بلاد البحرين، وقد رفض بنو عبد القيس الدخول في طاعته، وقالوا لا ندع نجدة يتولى امرنا وهو حروري مارق وصمموا على قتاله، فهاجم مدينة القطيف، وتغلب على اهلها، ووضع السيف في رقابهم، ودخلها عنوة، فصادر اموالهم، وسبى نساءهم، ثم اتخذ مدينة القطيف قاعدة لحكمه، وفي سنة 69هـ وجه مصعب بن الزبير قوة كبيرة من البصرة فهاجم مدينة القطيف على حين غرة، فردهم نجدة على اعقابهم، وغنم جميع اسلحتهم ومؤنهم ومعداتهم.

وحين اشتدت شوكته حاول ان يبسط نفوذه على شبه الجزيرة العربية، فبعث جيشا الى عمان، فاستولى عليها، ثم قام بجولة في البوادي لجمع الصدقات، حتى وصل الى اليمن، فخافه اهل صنعاء، فاستسلموا له، ثم قصد مكة المكرمة فهادنه عبد الله بن الزبير، فاتفق معه على ان يكف احدهما عن الاخر ثم توجه الى المدينة المنورة، فاستعد اهلها لقتاله فعاد ادراجه ويمم شكر الطائف فاستولى عليها، كما استولى على تبالة والسراة ونجران ثم قفل راجعا الى البحرين، وعمد الى مقاطعة الحجاز اقتصاديا، فكتب اليه بن العباس يستعطفه ويذكره بقصة ثمامة بن اثال، لما اسلم وقطع الميرة عن المشركين من اهل مكة لمناواتهم للمسلمين، فكتب اليه الرسول ان اهل مكة اهل الله فلا تمنعهم الميرة، فجعلها لهم، وانت قطعت عنا الميرة ونحن مسلمون. فاجراها لهم.

غير ان الامر لم يستقم طويلا لنجدة، اذ دب الخلاف بينه وبين اتباعه، فنقموا عليه امورا مخالفة لمبادئهم، لا سيما مكاتبته ومداهنته عبد الملك بن مروان، فعزلوه ثم قتلوه عام 72هـ وولوا قيادتهم ابا فديك عبد الله بن ثور، وحين استعادت الدولة الاموية قوتها اهتم عبد الملك بن مروان بامر سيطرة الخوارج على بلاد البحرين، فوجه قوة كبيرة لقتال ابي فديك، فحاصرهم في حصن المشقر وتغلب عليهم، ودانت له بلاد البحرين بعد مصرع ابي فديك وفناء معظمهم، فاسند ولايتها الى الاشعث بن عبد الله بن الجارود العبدي، ثم ضمها الى الحجاج بن يوسف (والي العراق) حيث ولى عليها من قبله حسان بن سعيد وقطن بن مدركة.

ولكن الخوارج ما لبثوا ان استعادوا سيطرتهم على البلاد سنة 86هـ بقيادة مسعود بن ابي زينب العبدي، وحكموها حتى عام 105هـ ففي هذه السنة طمحوا في التوسع وغزوا اليمامة، وكان واليها من قبل الامويين سفيان بن عمرو العقيلي، فالحق بهم هزيمة بعد معركة عنيفة، اسفرت عن مصرع قائدهم مسعود وفناء معظمهم، واعاد بلاد البحرين الى النفوذ الاموي حيث ضمت اليه ولايتها، ثم اسندت ولايتي البحرين واليمامة الى علي ابي المهاجر سنة 125هـ.


2. الثورة العباسية:
لم تكن ثورة العباسيين التي اطاحت بعرش بني امية سنة 132هـ الا انتصارا لأهل البيت ، وانتقاما لهم من اعدائهم، وما كان لبس السواد الذي اتخذه العباسيون شعارا لدولتهم الا حدادا على اهل البيت ضحايا الحكم الاموي، فكانت دعوتهم في البداية باسم الرضا من أهل البيت ، فلقيت صدى مستحبا في العالم الاسلامي وتجاوبا في جميع اقطاره، وكانت بلاد البحرين بحكم تعاطفها مع اهل البيت في مقدمة تلك الاقطار، فخلدت الى السكينة الى حين، وقد اسند السفاح (اول الخلفاء العباسيين) ولايتها الى عمه داود بن علي، ثم عزله وولى خاله زياد بن عبد الله بن المدان، ثم الحق ولاية البحرين بالبصرة سنة 133هـ وولى عمه سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، وبعد موت السفاح جعل المنصور ولاية البحرين واليمامة سنة 136 للسري بن عبد الله الهاشمي، ثم عزله وولى عليها سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب بن ابي صفرة ثم اسند ولايتها سنة 144هـ الى قثم بن العباس.

ويبدو ان هناك سرا يكمن في تغيير الولاة في هذه المنطقة وعدم ثباتهم، ولا يبعد ان يكون هو عدم قدرتهم على اخماد اصوات المعارضة وسيطرتهم على الموقف بعد ان ظهر زيف الثورة العباسية التي انقلبت الى انقلاب فتنكرت للعلويين الذين من اجلهم قامت الثورة، وسامتهم قتلا وتشريدا، وطاردت انصارهم ومؤيديهم، مما ادى الى قيام حركات معارضة وثورات مضادة.

وقد تفجر الموقف في عهد المنصور عن ثورة عنيفة ببلاد البحرين سنة 151هـ يتزعمها حكيم بن سليمان العبدي، فوجه المنصور جيشا بقيادة عقبة بن سلم (امير البصرة) للقضاء عليها، فقتل كثيرا من اهلها ومن بينهم قائدهم سليمان بن حكيم العبدي، وسبى النساء والاطفال وكانهم غنائم دار حرب وكفر وبعث ببعض السبي والاسرى الى المنصور فاعدم بعضهم، ووهب بقيتهم للمهدي، فمن عليهم واعتقهم، ومع هذا لم يقتنع المنصور بتلك الاعمال الوحشية، فاتهم عقبة بن سلم بعدم قيامه بمهمته على الوجه الاكمل، فعزله عن ولاية البصرة لانه لم يستقص على اهل البحرين كما يقول بن الاثير- اي لم يتتبع جذور المعارضة.

وبطبعة الحال اقتضى الوضع ان تظل هذه المنطقة تحت الرقابة المشددة، وقد وليها في عهد المنصور سنة 157هـ تميم بن سعيد بن دعلج، فعزله المهدي، سنة 158هـ واسند ولايتها الى عبد الله بن مصعب، ثم الى سويد القائد الخراساني سنة 164هـ، ثم الى المعلى (مولى المهدي) سنة 165هـ حيث عزله الهادي سنة 169هـ، وولى مكانه محمد بن سليمان بن علي، الذي استمرت ولايته حتى سنة 173ه، وقد خلدت هذه المنطقة خلال هذه الفترة الى الهدوء، وهو السكون الذي يسبق العاصفة، ففي سنة 191هـ تفجرت ثورة بالبحرين يتزعمها سيف بن بكير احد بني عبد القيس، وقد وجه الرشيد اليه محمد بن يزيد بن مريد، فقتله بعين النورة وقضى على ثورته في مهدها.

وحين ال الامر الى المامون حدث شيئ من الانفراج، بحكم ميوله للعلويين، واستمر الى عهد المنتصر والواثق، فوليها في عهد المامون داود بن ماسحور سنة 206هـ، كما وليها في عهد الواثق اسحق بن ابراهيم بن خميصة القيسي من اهل اليمامة سنة 231هـ، اما في عهد المتوكل الناصب العداء لاهل البيت ، والشديد البغض لعلي بن ابي طالب ، والمتتبع كل موال له باهدار دمه ومصادرة امواله، فقد اسندت ولايتها الى الشمط مروان بن ابي الجنوب مكافاة له على شعر قاله في النيل من اهل البيت وذم شيعتهم، وهو يعرف ما يفرض عليه الموقف من تتبعه الموالين للعلويين والعمل على اضطهادهم، مما ادى الى انفجار ثوره بالبحرين، ومهد لظهور صاحب الزنج.


3. صاحب الزنج:



ذكر الطبري وابن الاثير في حوادث سنة 249هـ ان رجلا مغامرا غير معروف النسب جاء من سامراء بالعراق الى البحرين، وادعى انه من ال ابي طالب تارة، ومن عبد القيس تارة اخرى، فزعم في بادئ امره انه علي بن عبد الله ابي محمد بن الفضل بن الحسين بن عبد الله بن العباس بن علي بن ابي طالب، ودعا اهلها الى طاعته، فاستجاب له خلق كثير من اهلها، لتعاطفهم مع العلويين، واحاطوه بهالة قدسية، وقاتلوا صاحب السلطان دونه، فنفذ فيهم حكمه، ولكنه ما لبث ان انكشفت حقيقته، وظهر زيفه، فتنكروا له وانشقوا عليه، فغادرهم الى الاحساء، ولجا الى حي من بني تميم، ثم الى بني الشماس من بني سعد فاقام بينهم مدة، ثم التحق بالبادية، ومعه جماعة من اتباعه من اهل البحرين، منهم يحيى بن محمد الازرق البحراني ويحيى بن ابي ثعلب وهو تاجر من اهل هجر وسليمان بن جامع وهو قائد جيشه، واخذ يدعو لنفسه، وزعم انه يحيى بن عمر بن الحسين المقتول بالكوفة، فانخدعوا به، فتبعه خلق كثير، فزحف بهم على حواضر البحرين، فتصدى له العريان في بني عبد القيس ومحارب من حفصة في بني عامر، والتقوا عند قرية تسمى الردم لبني عامر بن الحارث بن عبد القيس وجرت بينهم معركة عتيفة، اسفرت عن هزيمة صاحب الزنج وفناء معظم جيشه ولجوء الباقين الى الفرار، وعلى راسهم قائدهم، حيث لحق بالعراق وهناك في البصرة قاد ثورة الزنج المشهورة.


4. دولة القرامطة:



وكانت ثورة الزنج (254 – 270هـ) التي سيطرت على البصرة والاهواز وما جاورها، هي الشغل الشاغل للدولة العباسية، وقد سنحت الفرصة لهذه المنطقة ان تستقل، فيتولى ادارة الحكم فيها رؤساء وطنيون من ال مسمار من بني عبد القيس، وتصادف هذه الحقبة الوقت الذي تغيب فيه الامام المهدي المنتظر عام 265هـ حيث صار الاتصال به بواسطة السفراء، وظلوا بين حين واخر يتطلعون الى خروجه، ليملا الارض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، وقد عرف القرامطة منهم هذا الشعور، فاستغلوه لتحقيق مطامحهم في المجد والسلطان.

فيحدثنا ابن الاثير وابن خلدون: انه في سنة 281هـ قدم الى القطيف رجل يدعى يحيى بن المهدي، فنزل على ضيافة رجل يسمى علي بن المعلى بن حمدان، فاظهر له يحيى بانه رسول الامام المهدي، انتدبه ليدعو شيعته الى امره، ويبشرهم بقرب ظهوره فاستجاب له علي بن المعلى، فدعا الشيعة من اهل القطيف، وتلا عليهم الكتاب، الذي تسلمه من يحيى فانخدعوا به، واجابوه بانهم على استعداد لمناصرته، اذا ظهر امره، وفي نفس الوقت ارسل مبعوثيه الى القرى والارياف يبلغهم بالامر، فابدوا استعدادهم لذلك، واجابوه بالاجماع، وكان على راس المؤيدين له الحسن بن بهرام المكنى بابي سعيد الجنابي، وهو احد الوجهاء، وقد جمع ثروة طائلة من عمله في تجارة المواد الغذائية وضمان مكوس فرضة القطيف من قبل ولاتها علي بن ابي الحسن بن مسمار واخوته من بني عبد القيس.

وتقول الرواية: ان يحيى بن المهدي غاب مدة قصيرة، ثم عاد بكتاب اخر من الامام المهدي، كما زعم يشكرهم فيه، ويامرهم بان يدفعوا له ستة دنانير وثلثين عن كل رجل، ثم غاب وعاد بكتاب ثالث يامرهم بدفع خمس اموالهم، فانصاعوا لامره، كما اخذ يتردد على قبائل قيس، ويوافيهم بكتب يزعم بانها من الامام المهدي الذي سيخرج قريبا، وان يكونوا على اهبة الاستعداد.

ولكن حركته ما لبثت ان انكشفت على حقيقتها، وظهر دجله، فقبض علي الوالي سنة 283هـ واعتقله، اما ابو سعيد الجنابي فهرب الى مسقط راسه جنابة، وقد لجا يحيى الى البادية بعد اطلاق سراحه فقام بالتبشير لدعوته بين قبائل كلاب وعقيل والخريس، وحين علم ابو سعيد بامره لحق به، واستخدم ثرويه في استمالة الاعراب ورؤساء القبائل، فاستجابوا لنصرته، فقام بشن غارات ارهابية متتالية على نواحي القطيف، وحين استفحل امره ازمع على احتلال القطيف، فلم تستطع قوات علي بن ابي الحسن بن مسمار الصمود امامه، فانهزموا واعتصموا بحصن الزارة التي يراسها الحسن بن العوام من قبيلة الازد، فضيق عليهم الخناق حتى اذعنوا للتسليم، فاعدم من كان بها، واحرق المدينة ودمرها تدميرا كاملا، فلم تقم لها قائمة منذ ذلك اليوم.

ثم قام بتصفية خصومه، فاعدم ابا زكريا البحراني، ولجا كثير من الاهالي الى الهرب، حيث التحقوا بجيش عباس الغنوي، الذي سيره المعتضد العباسي سنة 287هـ للقضاء على القرامطة، فاشتبك مع قوات ابي سعيد الجنابي في معركة عنيفة بموضع الاعباء في سبخة الرياس، انتهت بانتصار ساحق للقرامطة وفناء الجيش العباسي ووقوع قائده العباس في الاسر، ثم بعدها قويت شوكته فاحتل هجر عام 287هـ وقضى على جميع المناوئين له، والحقها بمناطق نفوذه، ويذكر ابن الاثير ان بن بانوا امير البحرين كبس حصنا للقرامطة سنة 291هـ، فظفر بمن فيه، وهزم جيشهم واحتل مدينة القطيف بعد مصرع نائبه وهو احد قرابة ابي سعيد الجنابي، ولكن ابا سعيد سرعان ما استعاد نفوذه على بلاد البحرين قاطبة.

وقد اغتيل ابو سعيد الجنابي سنة 301هـ، فتشكلت على اثر اغتياله هيئة من القادة العسكريين، سميت بالعقدانية، تولت مباشرة الحكم من بعده تسع سنوات، وهي كانت بمثابة مجلس وصاية، حتى يتمكن ولي عهده ابنه سعيد من القيام باعباء الحكم، ولكن ابنه الاصغر سليمان تغلب غليه فنحاه عن الحكم وقيل قتله وكان عمره لا يتجاوز السادسة عشرة، فبايعه العقدانية وكتب اليه المهدي اول الخلفاء الفاطميين بالولاية، فاصبحت سلطته تستمد شرعيتها من الخلافة الفاطمية المناوءة للخلافة العباسية.

وفي عام 314هـ حدثت ازمة حادة بين العقدانية واهل البحرين فاضطر ابو طاهر سليمان ان ينقل قاعدة حكمه الى الاحساء، حيث اسس مدينة المؤمنية، وفي سنة 315هـ احتل عمان، وقد قام اثناء حكمه باعمال وحشية شنيعة، فهاجم المدن الامنة، وتصدى لحجاج بيت الله الحرام بالقتل والنهب نكاية بالعباسيين، وقد توج اعماله الشنيعة بانتهاكه حرمة البيت الحرام سنة 317هـ، فاقتلع الحجر الاسود واخذه معه الى هجر، حيث بقي هناك حتى 339هـ، وعلى اثر ذلك ساءت العلاقة بينه وبين الفاطميين، الذين تبراوا من مسؤولية اعماله، فكتب اليه عبد الله المهدي يوبخه ويلعنه قائلا لقد حققت كلمة الكفر والالحاد على شيعتنا ودولتنا مما فعلت، وامره ان يرد الحجر الاسود والاموال التي سلبها من الحجاج، فلم يستجب، وقد استغل الخليفة العباسي (الراضي بالله) فرصة سوء العلاقة بينه وبين الفاطميين، فانتدب محمد بن ياقوت سنة 322هـ فقدم الى هجر وفاوضه في الاعترف بالخلافة العباسية ورد الحجر الاسود وعدم معارضة الحجاج، فاستجاب للاولى ولم يستجب للثانية، فاصبحت سلطة القرامطة تستمد شرعيتها من الخلافة العباسية، فضربت لهم الاتاوة في بغداد وفي دمشق من قبل بني طغج، وفي مصر من قبل الاخشيديين، وكان لهم في بغداد ممثل نافذ الامر.

وتوفي ابو طاهر سنة 332هـ وخلف عشرة ابناء، ولكنه جعل ولاية العهد لاخيه احمد ابي المنصور، وهو الذي قام برد الحجر الاسود وفي عهده تحسنت العلاقة بين القرامطة وبين الفاطميين فخطبوا لهم وحملوا شعاراتهم وفي سنة 358هـ قام سابور اكبر ابناء ابي طاهر بانقلاب ضد عمه ابي المنصور فاعتقله، غير ان احد اخوته ثار عليه فاخرج عمه ابا المنصور من سجنه فعاد الى الحكم واعدم سابور، ونفى اخوته المتامرين الى جزيرة اوال، ولكن ابا المنصور لم يعش طويلا فتوفي سنة 359هـ وولى بعده ابنه الحسن الملقب بالاعصم، وفي عهده احتل الفاطميون مصر ودمشق، وقطعوا الاتاوات التي كانت تدفع للقرامطة، فساءت العلاقة فيما بينهم مرة ثانية، وتوطدت العلاقة بينهم وبين العباسيين، فخطبوا لهم على المنابر ولبسوا السواد، وذهب الاعصم الى بغداد سنة 360هـ لمساعدته في اعلان الحرب ضد الفاطميين، لاستعادة مصر ودمشق، فامده الخليفة العباسي (المطيع لله) بالمال والعتاد، فزحف على دمشق ترفرف على قواته الاعلام السود، شعار الدولة العباسية، فاحتلها وقتل قائد الفاطميين جعفر بن فلاح، ثم جرت بينه وبين الفاطميين مناورات ومعارك عنيفة في ديار الشام ومصر، يحالفه النصر تارة، ويجانبه اخرى حتى عام 336هـ حيث انتهت بهزيمته وهربه الى طبرية ثم الرملة حيث وافته منيته هناك.

وبعد وفاة الاعصم قام القرامطة بانقلاب ضد اسرة ابي سعيد الجنابي، فنفوهم اجمعهم الى جزيرة اوال، واعلنوا ولائهم للفاطميين ، واستبدلوا شعارات الدولة العباسية بشعارات الدولة الفاطمية، وشكلوا لادارة شؤون الدولة مجلسا مؤلفا من ثمانية اعضاء، يسمى (السادة) واسندت رئاسته الى اثنين منهم، وهما اسحق وجعفر، ونكاية بموقفهم المعادي للعباسيين قام حكام بغداد بقطع الجرايات عنهم، وقبضوا على ممثلهم ابوبكر بن شاهويه، فتوترت العلاقة فيما بينهم، فقام القرامطة بتجهيز حملة عسكرية سنة 375هـ ، فاحتلوا الكوفة. فتصدى لهم صمصام الدولة فاجلاهم عن العراق، وعادت فلولهم الى الاحساء، فلم يغز لهم جيش منذ ذلك الحين، ثم الب بنو بويه عليهم رجلا قوي الشكيمة من بني المنتفق سنة 378هـ فحشد جمعا كبيرا، وسار بهم الى البحرين، فخرج القرامطة للقائه، والتحموا معه في معركة طاحنة، اسفرت عن هزيمتهم ومقتل قائدهم وفناء معظمهم واعتصام فلولهم بحصن الاحساء، فحاصرهم مدة، فلما يئس من فتحها عدل عنها الى القطيف، فصادر جميع ما فيها للقرامطة من اموال ومواشي وعبيد، وسار بها الى البصرة قانعا بالغنائم.

وزاد الطين بلة الخلاف بين الرئيسين اسحق وجعفر، واستئثار كل منهما بالسلطة، مما ادى الى اضعاف هيبتهم وانحلال دولتهم، فطمعت في ملكهم تلك القبائل الموالية لهم، والتي كانوا يستخدمونها في حروبهم، وعلى راسها بنو ثعلب، فزحف الاصفر بن ابي الحسن الثعلبي على الاحساء سنة 398هـ وملكها واذهب دولتهم التي عمرت نحوا من 112 عاما.


5. دولة بني ثعلب وبني عقيل وابن العياش:



كانت اهم القبائل التي يستخدمها القرامطة في حروبهم وغزواتهم، هي قبيلة بني ثعلب وقبيلة بني عقيل وقبيلة بني سليم، وكانوا يدفعون لهم جرايات سنوية، فحين ضعف امرهم وقلت مواردهم وعجزوا عن دفع الجرايات، طمعت في دولتهم تلك القبائل الموالية، فانقضوا عليها والتهموها واستبدلوا شعارات الدولة الفاطمية بشعارات الدولة العباسية، وخطبوا للخليفة في بغداد، واستطاع بنو ثعلب الاكثر عددا والاقوى شكيمة ان يستاثروا بالحكم دون سواهم، مما ادى لحدوث منافسة شديدة بينهم وبين بني سليم، فاستعانوا عليهم ببني عقيل، فاجلوهم عن اراضي البحرين، حيث نزحوا الى مصر ثم الى افريقية، ثم ما لبثوا ان اختلفوا مع قبيلة بني عقيل، فاجلوها هي الاخرى الى العراق، وصفا الجو لبني ثعلب حيث اسسوا دولة على انقاض دولة القرامطة بزعامة الاصفر بن ابي الحسن الثعلبي سنة 398هـ.

وقد طالت ايامه، وامتد ملكه، حتى تغلب على الجزيرة والموصل ونافس بني عقيل، الذين استولوا بعد نزوحهم على الكوفة وبعض البلدان العراقية، فحاربهم سنة 438هـ براس عين من بلاد الجزيرة للاستيلاء على ملكهم، ولكنه اصطدم بنصير الدولة صاحب ميافارقين وديار بكر، فالب عليه امراء تلك المناطق فهزمه واعتقله، ثم اطلق سراحه. حيث عاد الى البحرين وبها توفي، وبقي الملك متوارثا في اعقابه الى ان ضعفت دولتهم، فسنحت الفرصة لبني عقيل في العودة، بعد ان استولت على ملكهم بالعراق الدولة السلجوقية، فرجعوا واستولوا على دولة بني ثعلب.

وفي منتصف القرن الخامس الهجري ضعفت دولة بني عقيل وادركها الانهيار، فتغلب على القطيف يحيى بن العياش وعلى جزيرة اوال ابو البهلول العوام بن محمد بن يوسف الزجاج، وقد حاول يحيى بن العياش ان يبسط نفوذه على جزيرة اوال والاحساء، وكانت تعوزه القوة العسكرية المساندة، فيما كانت الدولة العباسية تطمح الى سيطرتها على بلاد البحرين، وتشاء الصدف ان يلتقي ابن الزراد الذي كان يعمل في خدمة كجكينا احد حجاب ملكشاه السلجوقي برجال من اهل القطيف في البصرة سنة 468هـ، فذكروا له ان السلطان لو امد صاحبهم ابن العياش بمئتي فارس لاسستولى على الاحساء وخطب للسلطان فيها، وحمل له الشيئ الكثير من خرجها سنويا.

ووعدهم ابن الزراد بان يقوم بالسعي لتحقيق هذا الامر، وللتاكد من موافقة ابن العياش اصطحبهم الى القطيف، يرافقه احد البدو يسمى (غداف) من اصحاب ابن مهارش العقيلي، وحين اجتمع بابن العياش اكد له ما قالوه فكتب الى السلطان، واطمعه في الاستيلاء على بلاد البحرين، ثم زار ابن الزراد القطيف مرة ثانية، وعاد الى بغداد، بينما كان كجكينا يعد الحملة العسكرية، وحين وصلت الى مقربة من القطيف على بعد اربعة فراسخ بعثوا لابن العياش لاستقبالهم، فاستنكر هذه الحملة، واوجس خيفة منها، وقال لهم ان الذي تقرر بيني وبين ابن الزراد هو ان يرسل السلطان مئتي فارس من العجم، يكونون تحت امرتي وقيادتي كسائر جندي، اما هذه التعبئة العسكرية والطبول والاعلام والمجانيق فلست في حاجة اليها، وبامكاني ان احتل الاحساء واخطب للسلطان واجمع له الزكوات وافي بما تعهدت به دون اية مساعدة، فلم يوافق كجكينا قائد الحملة على اقتراحه، ودارت بينهما مراسلات ومناورات انتهت بالاشتباك المسلح، وكادت الدائرة تدور على ابن العياش، لولا انه عمد الى استمالة قبيلة قيس وقباث فانتهبوا معسكر كجكينيا، وعادت الحملة تجر اذيال الخيبة والفشل الى البصرة.

وتوفي يحيى بن العياش، فخلفه ابنه زكريا، فجهز اسطولا وابحر به الى جزيرة اوال واقتحمها وقتل ابا البهلول، وضمها الى مملكته، بينما نجح عبد الله العيوني في استقدام القوات العباسية، وقد اسرع ملك شاه السلجوقي الى استجابته، فبعث جيشا بقيادة اكسك سالار لمساعدته والانتقام من ابو العياش الذي غدر بهم، فزحف على القطيف اولا واحتلها، وفر ابن العياش الى جزيرة اوال، فصادر جميع امواله وممتلكاته، ثم قصد الاحساء لمساعدة عبد الله العيوني، فحاصرها مدة طويلة ثم عاد الى بلاده، وترك قوة صغيرة لمساعدة العيوني، الذي استطاع بعد جهد ان يسيطر على الاحساء.

اما زكريا بن العياش فبعد رحيل القوات العباسية استعاد نفوذه على القطيف واستمال القبائل، وجهز جيشا وزحف به نحو الاحساء، وهناك جرت بينه وبين العيوني معركة فاصلة، مني فيها ابن العياش بهزيمة نكراء وتبعه عبد الله العيوني الى حاضرة ملكه (القطيف)، فهرب الى جزيرة اوال، فلاحقه، ففر منها الى العقير واستنجد ببعض البوادي، واتجه بهم نحو القطيف وهاجمها، واشتبك مع عبد الله العيوني في معركة عنيفة اسفرت عن معرع ابن العياش وضياع مملكته حيث ورثها العيونيون.


6. الدولة العيونية:



بعد انحلال دولة بني عقيل تحفز سنة 466هـ للسيطرة على الاحساء رجل مغامر طموح، يسمى عبد الله بن علي العيوني، ينتمي الى بني عبد القيس فاستعان بالدولة السلجوقية في بغداد للقضاء على من اسماهم بالقرامطة، واقامة الخطبة للخليفة العباسي، فاستجابوا له، وامدوه بقوة عسكرية تحت قيادة اكسك سالار، فتمت له السيطرة على الاحساء، وقد حاول زكريا بن العياش ان يبتزها منه – كما ذكرنا – وزحف بجموعه على الاحساء، فمني بهزيمة فادحة، فلاحقه العيوني، وتمكن من احتلال القطيف وجزيرة اوال، كما اخضع القبائل المناوئة، فتمت له السيادة على بلاد البحرين قاطبة.

وتوفي عبد الله في حدود سنة 500هـ، فخلفه ابنه الفضل (500 – 513هـ)، واتخذ مدينة القطيف عاصمة له مدة سبع سنوات، ثم نقلها الى جزيرت اوال، وبنى قصوره في موضع يسمى (زاد برد)، وقد استتب الامر في عهده، فقضى على قطاع الطرق، وتعقب دابر المفسدين، وامتد ملكه من الكويت حتى ظاهرة عمان، ومات مقتولا على يد احد خدمه في جزيرة تاروت.

ثم تولى بعده ابنه ابو سنان محمد بن الفضل (513 – 531هـ) وجعل عاصمته القطيف ، وقد حرم على البداة الحلول فيها اثناء الصيف، حفاظا على امنها واستقرارها، وفي عهده واجه تحديات من بني عامر وبني وائل الذين تحالفوا على اسقاط حكومته، فانتصر عليهم، وفي اثناء زيارته للاحساء قام عماه علي والحسين باغتياله، وكان هذا الحادث بداية سيئة في الاسر العيونية، اعقبتها سلسلة من الاقتيالات.

وعلى اثر مقتل ابي سنان تجزات دولة العيونيين، فاختص علي بحكم الاحساء والحسين بحكم القطيف واوال (531 – 542هـ)، وفي عهده قدم اخوه علي حاكم الاحساء، ويكنى بابي المنصور الى القطيف، فاحتفى به واقطعه منطقةالظهران، وكانت ذات اشجار ونخيل وثمار كثيرة ومداخيل من البر والبحر.

وتوفي الحسين، وتولى بعده غرير بن محمد بن الفضل (542 – 549هـ) فقام بمهاجمة الاحساء للاخذ بثار ابيه، فقتل حاكمها ابو المنصور علي بن عبد الله وعاد ادراجه الى حاضرة ملكه القطيف، وفي عهده غزا ملك جزيرة قيس باكرزاز بن سعد بن قيصر جزيرة اوال سنة 549هـ فاحتلها، ثم غادرها بعد مدة.

وقد اغتيل غرير على يد ابن عمه هجرس بن محمد بن عبد الله الذي حكم بعده سنة واحدة (549 – 550هـ) ومات حتف انفه، فخلفه شكر بن الحسين بن عبد الله المكنى بابي مقدم (550 – 568هـ)، وفي عهده قام باكر زاز بعدة هجمات على جزيرة اوال، انتهت اخيرا بهزيمته، وبعد وفاة شكر تولى اخوه علي بن الحسين بن عبد الله (568 – 573هـ) وقد اغتاله اخوه الحسن بن الحسين الملقب بالزير (573 – 576هـ) بجزيرة اوال، في المسجد المعروف بسبسب، واتخذ الجزيرة عاصمة له، ومات مقتولا بسهم على يد احد الاعاجم.

ثم انتقل الملك الى سلالة الفضل، فملك محمد بن ابي الحسين احمد بن محمد بن الفضل (576 – 577هـ) فلم يليث في الحكم سوى سنة واحدة، واضطر الى الاستقالة تحت ضغط رؤساء القبائل، فعمد اهل القطيف الى اسناد الحكم لرجل منهم يسمى (النقيب العلوي)، فلم يستطع البقاء في الحكم سوى اربعين يوما، فاختاروا مسيب بن الفضل بن عبد الله، فلم يمكث في الحكم سوى شهرين، وعجز في التوفيق بين ارادة الاهالي ورغبات رؤساء القبائل.

وبتاييد ال جحاف وال شبانة ورؤساء قبيلة بني عامر تولى الحسن بن شكر بن علي بن عبد الله (577 – 580هـ) فاقطعهم الكثير من الاملاك ومنحهم الاموال، وفي عهده قدم محمد بن ابي الحسين (الحاكم الاسبق) ومعه رئيس قبيلة بني عقيل، فنزل قرية صفوى الواقعة شمال القطيف، فاوجس الحسن بن شكر خيفة منه، فاستنفر اهل القطيف عربها وعجمها والقبائل الموالية له كال شبانة والجحاجفة وحاول طرده، واشتبك معه في معركة عنيفة واستطاع محمد بن ابي الحسين ان يلحق بهم هزيمة نكراء.

وعلى اثر ذلك اضطربت الاوضاع في القطيف فقام حاكم الاحساء باحتلالها واسند حكمها الى اخيه عبد الله بن منصور بن علي بن عبد الله (580 – 587ه) وفي عهده عاد باكر زاز ملك جزيرة قسي كرة اخرى بمهاجمة جزيرة اوال، فلم يستطع عبد الله بن منصور التغلب عليه، ففقدت الجزيرة امنها واستقرارها فهاجر كثير من اهاليها الى القطيف.

ونتيجة للاوضاع المضطربة قدم محمد بن ابي الحسين واستولى على القطيف واوال (587 – 605هـ)، واخرج عبد الله بن منصور والحقه باخيه في الاحساء، ثم ما لبثت الاحساء ان دانت لحكمه، فتوحدت في عهده بلاد البحرين، ويعتبر عهده من ازهى عهود الدولة العيونية، حيث امتد نفوذه الى نجد وبوادي الشام، فعهد اليه الخليفة العباسي بخفارة الحجاج، وقرر له عوائد سنوية، فقضى على قطاع الطرق، واستتب الامن في عهده، وسارت القوافل بدون خفارة، حتى كان مثار اعجاب الشاعر بن المقرب، فمدحه بعدد من القصائد الرائعة.

وفي اخريات ايامه حيكت المؤامرات ضده، فانسلخت من حكمه الاحساء سنة 601هـ، كما تامرت عليه القبائل التي كانت موالية له، كبني عقيل وال كعب بالاشتراك مع غرير بن الحسن بن شكر (ابن الحاكم السابق) على ان يكون له حكم البلاد ولرؤساء تلك القبائل جميع مايملك الامير محمد بن ابي الحسين بالاضافة الى امتيازات اخرى، فاغتالوه بين صفوى والاوجام.

وتولى غرير بن الحسن بن يشكر (605 – 606هـ) حكم البلاد، وكان كارثة على اهل القطيف واوال، اذ صادر املاك الاهالي وصار يقطع الرجل من بني عامر العين الجارية بما تسقي من نخيل وبساتين، كما قسم جميع الحظور عليهم، واقطعهم بساتين اوال، ومنحهم امتيازات صيد اللؤلؤ وملكهم سفن السفر والغوص. وصار لعبة في ايديهم.

غير ان حكمه لم يستمر سوى سنة واحدة، اذ قام الفضل بن محمد بن ابي الحسين باخذ ثار ابيه، فذهب الى بغداد سنة 606هـ فامده الخليفة العباسي الناصر لدين الله (572 – 622هـ) بالمال والسلاح، وقد لعب الشاعر بن المقرب دورا بارزا بسفارته في اقناع الخليفة بالمساعدة، وحين وصولها استمال رؤساء القبائل بالاموال، فهاجم مدينة القطيف، وقتل غرير بن الحسن بن شكر، وتمت له السيطرة على البلاد.

وفي عهده (606 – 616هـ) مالبثت الاوضاع ان تردت من سيئ الى اسوا اذ وقع تحت ضغط رؤساء القبائل الذين لم يقتنعوا منه بما اقطعهم من الاملاك وما منحهم من الاموال والامتيازات، فاضطر الى الاحتماء بملوك جزيرة قيس، وارتمى في احضانهم، فعقد معهم معاهدة، واقطعهم الكثير من الاملاك في تاروت والقطيف، من جملتها مقاسم تاروت الحسيني والحساسي ومقسم القصر، ومن مقاسم القطيف بستان القصر وبستان المشعري ودالية الدار والفايدية ونصف طراز الغاصة والتخلي عن جزيرة اكل وجزيرة الطيور وجزيرة الجارم وبحر الجورة وسماهيج ومقاسمتهم المصايد والخراج والعشور بالاضافة الى ضريبة مقدارها خمسمائة دينار سنويا تدفع لهم وجلود المدبغة ماعدا مائتي جلد. بالاضافة الى عدد من الجزر وضريبة سنوية الى غيرها من الامتيازات التي تمس السيادة الوطنية.

وبعد ان كان الشاعر بن المقرب يعقد عليه الامل بان يسلك نهج ابيه اصيب بخيبة مريرة، فعاد يندد بسياسته، فتردت العلاقة بينهما ففارقه، كما تالبت القبائل على اسقاط حكمه، فعزلوه، وتولى بعده ابن اخيه مقدم بن ماجد بن ابي الحسين (616 – 617هـ) وكان مرضيا عنه، فمدحه ابن المقرب وعقد عليه الامل غير انه توفي بعد سنة من حكمه، وتولى فاضل بن معن بن جعفر بن الفضل (617 – 620هـ) ولم يلبث في الحكم سوى ثلاث سنوات ومات، فتولى بعده اخوه جعفر بن معن شهرا واحدا، وحاربه المساعيد فاخرجوه من البلد، ثم تملك محمد بن مسعود بن احمد بن ابي الحسين (620 – 623هـ) ويلقب بعماد الدين، وفي عهده توحدت بلاد البحرين، وكانت ولايته باتفاق اهل الحل والعقد وقد انتهج سياسة حازمة تجاه رؤساء القبائل الذين خسروا مكاسبهم في عهده، فتامروا على اسقاط حكومته مع ابن عمه منصور بن علي بن محمد بن ابي الحسين، الذي اتغق معهم على ان يكون لال عصفور رؤساء بني عقيل حكم الاحساء، ويكون له حكم القطيف واوال، فتم لهم ما ارادوا، وخرجت الاحساء من حكم العيونيين منذ ذلك الحين.

وتولى منصور بن علي حكم القطيف واوال (623 – 626هـ)، وفي اخريات ايامه استولى ابو المظفر الهرموزي على جزيرة قيس وانتزع الحكم من بني قيصر وانفذ عماله الى جزيرة اوال لقبض الجرايات التي كانت تدفع لملوك جزيرة قيس منذ عهد الفضل بن محمد، ولم تمضي سوى برهة قليلة حتى اكتسح الزنجيون جزيرة قيس، وسيطروا على الخليج، وانفذوا عمالهم الى جزيرة اوال وكان تدخلهم اشبه شيئ بالاحتلال المباشر.. الامر الذي دفع محمد بن ابي الحسين الى القيام بثورة ناجحة ضد ابن اخيه منصور، قنحاه عن الحكم، وقام بطرد الفرس، والغى امتيازاتهم وقد ادى ذلك الى قيام دولة الزنجيين بتوجيه حملة عسكرية لاحتلال القطيف فمنيت بالفشل، وفي عام 630هـ قام الامير محمد بتطهير الجزيرة من النفوذ الفارسي، وجعلها عاصمة لدولته، باعتبارها اهم ثغر فيها، وفي سنة 636هـ قام الفرس بتجهيز حملة عسكرية كبرى، واستطاعوا انزال قواتهم في الجزيرة حيث جرت معركة فاصلة، اسفرت عن مصرع الامير محمد (626 – 636هـ) واحتلال جزيرة اوال، وبمقتله طويت اخر صفحة من تاريخ الدولة العيونية التي عمرت نحوا من 170 عاما.


7. دولة بني عصفور وبني جبر:



بعد ان دق منصور بن علي بن محمد بن ابي الحسين اول مسمار في نعش دولة العيونيين، بالتامر مع رؤساء قبيلة بني عامر على اسقاط حكومة ابن عمه محمد بن مسعود بن ابي الحسين عام 623هـ، واتفق معهم على ان يكون له حكم القطيف واوال، ولهم حكم الاحساء، تم لبني عصفور رؤساء بني عامر تحقيق حلمهم للوصول الى الحكم، ثم ما لبثت الدولة العيونية ان تساقطت منها اخر ورقة حين هبت عليها عاصفة الزنجيين، فاكتسحت اوال والقطيف سنة 640هـ ولكن تلك العاصفة ما لبثت ان انحسرت بعد عام واحد، فاستولى بنو عامر بن عقيل على بلاد البحرين قاطبة.

ويحدثنا ابن خلدون نقلا عن ابن سعيد بانه سال اهل البحرين حين التقى بهم في المدينة المنورة سنة 651هـ عن البحرين، فقالوا: الملك فيها لبني عامر بن عوف بن عقيل، وبنو ثعلب من جملة رعاياهم، ومنهم بنو عصفور اصحاب الاحساء، وقد توطدت العلاقات بينهم وبين سلاطين مصر المماليك الذين ارتفع شانهم في العالم الاسلامي بعد دحرهم التتر، فوفد منهم جماعة على السلطان بيبرس برئاسة محمد بن سنان العقدي بن غفيلة بن شبانة بن قديمة، فاكرم وفادتهم واسبغ عليهم انعامه، ثم توالت وفودهم، وصدر الامر السامي السلطاني الى ال فضل رؤساء بوادي الشام بتسهيل مهماتهم وتامين ذهابهم وايابهم، وكانت الامرة فيهم لبني عصفور، ودارهم الاحساء والقطيف.

ولا نعرف من حكم البلاد من امرائهم، وكلما نعرف انهم حكموا البلاد حوالي سبع وسبعين سنة، ويبدو ان دولتهم كانت ذات طابع اقطاعي، وهو نظام عرفته هذه المنطقة في اغلب ادوار تاريخها، فالحاكم يكتفي بالسيادة العليا على البلاد، ويقنع بالجرايات السنوية والعوائد المالية، ويترك تصريف شؤونها الداخلية لرؤسائها المحليين.

ويحدثنا المؤرخون ان سعيد بن مغامس امير البصرة قام باحتلال القطيف سنة 700هـ ثم تغلب عليه جروان احد بني مالك بن عامر فملكها سنة 705هـ فخلفه ابنه ناصر، ثم من بعده ابنه ابراهيم حتى سنة 820هـ ففي ذلك العام امر ابراهيم رجاله بالقبض على سيف بن زامل العقيلي الجبري (من بني عامر)، فلم يتمكنوا من اعتقاله، فسار سيف ذاته الى مجلس ابراهيم يرافقه بعض حاشيته، وحين احتدم الجدل بينهما امتشق سيف حسامه وقتله، واعلن نفسه حاكما على البلاد، وسار فيها بالعدل والاحسان، فاكتسب مكانة شعبية، وبعد وفاته خلفه اجود، الذي اتسعت مملكته وامتدت الى عمان ونجد وهرمز، ثم تنازل عن جزيرة هرمز للسلطان سرغل بن نور شاه حين شغب عليه اخوته، فتحالف معه عسكريا مقابل هذا التنازل، فايده عليهم، ويعتبر عهده من ازهى العهود التي مرت على المنطقة، حيث ساد فيها العدل وانتشر العلم وعم الاصلاح، فكان يقرب العلماء ويكرمهم، ويصفه السمهودي في كتابه (وفاء الوفاء) وصفا مشرفا، وانه رئيس اهل نجد وسلطان البحرين والقطيف، وقد طالت مدة حكمه، واتخذ مدينة الاحساء حاضرة له، وبنى له قصرا على مقربة من قرية المنزلة وحج سنة 893هـ ومعه 15 الفا من قومه، كما حج مرة ثانية سنة 912هـ في اتباع يزيدون على 30 الفا، وفي هذه السنة اسند الحكم لابنه محمد، ووصف بانه سلطان البحرين والاحساء والقطيف، وفي اواخر تلك السنة نفسها استنجد به شريف مكة بركات محمد حين استفحل عبث البدو القاطنين قرب جدة، فسار في جيش مؤلف من خمسين الفا، وحين وصل الى مكة المكرمة وجد سلطان مصر الفوري قد قام بالمهمة وقضى على دابر المفسدين، فخلع على قائد الحملة العسكرية المصرية خلعة سنية، ثم ادى مراسم الحج وقفل عائدا الى بلاده.

ثم بعده تولى اخوه مقرن بن اجود، ويوصف بانه سيد عربان الشرق على الاطلاق، وقد حج عام 927هـ وحمل معه كثيرا من الهدايا الى مكة المكرمة كاللؤلؤ والمسك والعنبر والحرير وفيرها من التحف الثمينة، وقد تصدق على اهلها بنحو خمسين الف دينار، ولكنه عند عودته داهمته جيوش الاحتلال البرتفالية، فاشتبك معهم في معركة، وقع فيها اسيرا، وقد حاول ان يفتدي حياته بمبلغ مليون دينار فلم يقبلوه وقتلوه واحتلوا جزيرة البحرين، واحتلوا قلعتها وصادروا جميع امواله، كما احتلوا مدينة القطيف غير انهم واجهوا مقاومة من الاهالي في ذلك فانسحبوا منها.

وقد خلفه اخوه علي بن اجود، وبقي في الحكم مدة شهر واحد، ثم حدث شقاق بينه وبين اخوته، فتغلب عليهم ناصر بن محمد بن اجود، فحكم مدة ثلاث سنوات، ثم تنازل لقاء مبلغ من المال لقطن بن علي بن هلال بن زامل الذي حكم مدة سنة تقريبا، وبعد وفاته خلفه ابنه، فعجز عن القيام باعباء الحكم، فتنازل لغصيب بن زامل بن هلال، فلم يمكث في الحكم سوى سبعة اشهر، ثم استفحل الخلاف والتناحر بين الامراء الجبريين، فاستعان بعضهم بامير البصرة الشيخ راشد بن مغامس، فزحف على القطيف والاحساء، فاحتلها وانتزع الحكم من الجبريين، واعلن نفسه حاكما على البلاد سنة 931هـ واقام بها، وترك اخاه محمد واليا على البصرةوهذه قصيده من مخطوط يقول صاحبه انها تقارب الخمسة قرون وتصور تلك الاحداث والقصيده أحداث حرب اليتيم

الصقعبي بدت خوافيه الاشجان
مما جرى بالقاف همه يسليه
واضجعمي حارب نهد عقب شيبان
فرق بني عمه وقتل بني خيه
ونعم بجرم وتغلب واولاد خيران
خيرت نهد عيت تنتف خوافيه
ونعم بسليم كلها وابن عمران
اللي بماله من بغى الصلح يرضيه
والشيخ بن ثامر اللي نقل كل الاديان
ساق الحماله كلها عن عوانيه
حرب اليتيم استلحقتهم بعدوان
عقب المهابه حقهم ينطمع فيه
ولا والله الا يا راشد عقب ساقان
خربت هجر والصلح قد مات راعيه
والوجه منقوض ليا تم شعبان
وكلن يخلص ذمته من مقاضيه
صلح مع ابن....... ذل ونقصان
وراعي..... متحيز في شماليه
ان زارهم لاقوه خيل وصبيان
سربت نهد عنده خبر ما تداريه
وان صد عنهم مالهم فيه غرضان
لاه وجعل الله على الطول يلهيه
والمنتفق لو جابهم فيه قيمان
والله ان يعين عندهم ما يحاتيه
خلا بني...... مع الناس عدوان
ذا يطلبه ثار وهذا محافيه

وحين احتل العثمانيون العراق سنة 941هـ/1534م تقدم راشد بن مغامس لمبايعة السلطان سليمان القانوني واعلان الطاعة له، فاقره على ولاية البصرة فقط، فاغتنم حاكم هرمز الفراغ السياسي في المنطقة، فاستولى على القطيف، ولكن ابنه مانع بن راشد ال مغامس قام باسترجاعها باقوة، رغم معارضة الاهالي، بل هاجر بعضهم مع عوائلهم الى البحرين، وعلى راسهم حسين بن رحال، ثم قام بمحاولة لاحتلال البصرة، فاغتنم البرتغاليون وحاكم هرمز فرصة غيابه فوجهوا اسطولا لميناء القطيف بقيادة برنالد سوزا فاحتلوها وسقطت القلعة في ايديهم، وقتلوا واسروا معظم رجالها، ثم انسحبوا حين علموا قدوم مانع في جيش كثيف، وقد بقيت القطيف تحت حكم ال مغامس، حيث تولاها من بعده ابنه راشد، الى ان احتلها الاتراك سنة 957هـ.


8. البرتغاليون:



تعتبر الدولة البرتغالية اول دولة غربية تعرفت على منطقة الخليج العربي عام 912هـ/1506م حينما احتلت جزيرة هرمز، وما حل عام 921هـ/1515م حتى استولت على اغلب موانئ الخليج، وفي عام 927هـ احتلت جزيرة البحرين ثم القطيف، وقامت بتاسيس مراكز دفاعية في المواقع الاسترتيجية، حيث انشات عددا من القلاع في تاروت ودارين وعنك والدمام والبحرين، لا تزال اثارها موجودة حتى الان.

وقد كانت القطيف في مقدمة المقاومين للاحتلال البرتغالي، فوفد منهم جماعة الى بغداد، حاملين معهم رسائل الترحيب بالسلطان العثماني سليمان القانوني سنة 941هـ/1535م وطلبوا تطهير بلادهم من البرتغاليين الكفار، كما استنجد حاكم دلهي لتطهير ثغور الهند منهم، فاصدر امره الى واليه في مصر ببناء اسطول في البحر الاحمر، ففي سنة 957هـ/1550م ابحر الاسطول الذي يتالف من سبعين سفينة مجهزة بالمدافع، يقل فرقة عسكرية تتالف من عشرين الف مقاتل، فاحتل عدن واليمن وعمان، وسقطت في يده اغلب القلاع البرتغالية، ثم دخل الخليج، فحاصر جزيرة هرمز الحصينة، فلم يستطع فتحها، ثم انسحب منها الى قطر فاحتلها، وواصل زحفه برا الى القطيف، وحين وصوله قام اهل القطيف – كما يقول ويلسن – بطرد البرتغاليين من البلاد واستخلصوا القلاع والحصون، وسلموها للاتراك، فاضطر البرتغاليون للانسحاب الى جزيرة البحرين، ولكنهم ما لبثوا ان جهزوا حملة عسكرية كبيرة بقيادة انطونيو نورنها، فهاجموا القطيف واتلوها، ودكوا قلاعها، حتى ساووا بها الارض، وقد احفظت الاتراك هذه الاعمال، فصمموا العزم على تطهير الخليج من البرتغاليين، فجهزوا قوة بحرية كبيرة بقيادة بربك يعاونه فراسر احد القراصنة المدربين، فتمكن من طردهم من سواحل القطيف، كما قاموا بارسال قوة عسكرية بقيادة محمد فروخ باشا سنة 958هـ، فاسترجعت القطيف والاحساء، واعادت بناء القلاع التي خربها البرتغاليون في القطيف، ثم تساقطت القلاع والمراكز البرتغالية في الخليج تساقط اوراق الخريف، ولم تبق في ايديهم سوى جزيرة هرمز (قاعدتهم الحصينة)، وهي اخر ورقة سقطت عام 1625م حين احتلها الشاه عباس الصفوي بمساعدة الاساطيل الانجليزية.


9. الاتراك:



لقد قلنا ان القطيف كانت في مقدمة المقاومين للاحتلال البرتغالي، باعتباره امتدادا للحروب الصليبية، فقاوموه اشد المقاومة، وكانوا يرون الخلاص في الانضواء تحت ظل الحكم العثماني باعتباره القوة الاسلامية الكبرى، التي تقاوم الغزو الصليبي، ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فحين استولى الاتراك ارهقوا المواطنين بالضرائب الباهظة، مما ادى الى ارتفاع الاسعار وارتكبوا اعمالا تعسفية فادحة ضد الاهالي، والانكى من ذلك انهم اثاروا النعرة الطائفية، لا سيما حينما تحالف البرتغاليون مع غريمتهم الدولة الصفوية، التي ما زالت الحرب سجالا بينهما، فتردت الاوضاع من سيئ الى اسوا، وادت الى نشوب ثورات اهلية، استمرت طيلة عهدهم، والى نزوح بعض من الشخصيات المهمة مع عوائلهم الى الخارج، وكان من جملتهم الشاعر جعفر الخطي الذي انتظم في بعثة سياسية الى البحرين وايران للاستنجاد بالدولة الصفوية، وقد عزت السلطات العثمانية تلك الاضطرابات الى تغلغل النفوذ البرتغالي والى عملاء الدولة الصفوية، حتى انها عمدت الى اغلاق طرق الحج عبر موانئ الاحسء والعراق.

وقد الحقت القطيف في بداية حكمهم بولاية البصرة، واعتبروها سنجقا تابعا لادارتها بما فيها الاحساء، حين ثم اشتد الصراع بينهم وبين البرتغاليين اكتسب ميناء القطيف اهمية قصوى، واعتبر الميناء الثاني بعد البصرة، فجعلت القطيف ايالة (ولاية) مستقلة في شؤونها الادارية، وكان الهدف من فصلها اتخاذها قاعدة حربية لمقاومة التغلغل البرتغالي في الخليج العربي، وحين توطدت اقدامهم في المنطقة، قسمت اداريا الى عدد من السناجق، منها سنجق القطيف وسنجق صفوى وسنجق الاحساء وسنجق المبرز وسنجق العيون وسنجق البادية، وخصص لكل سنجق مبلغ معين كمصاريف ادارية، حيث خصص لسنجق القطيف مائة وسبعين اقجة، ولسنجق البادية مبلغ عشرون الف اقجة، ثم رفع الى مائتي الف اقجة، وقد منحت لرئيس قبيلة بني خالد (سعدون)، ليقوم بالمحافظة على الوفاق بين القبائل في شرق الجزيرة العربية، والحيلولة بينها وبين مهاجمة المدن والحفاظ على الامن وتامين طرق التجارة وحماية قوافل الحج.

ومع كل هذا لم يكن الحكم العثماني مستقرا في المنطقة بل واجه كثيرا من الصعوبات والمتاعب الاقتصادية والثورات المحلية، التي يشترك فيها الحضر والبداة والمتمردون من الجند، حتى ان نفذه في كثير من الاحيان لا يتعدى القلاع والمدن الكبيرة، اما البادية والقرى فيسيطر عليها البداة، وعلى راسهم بنو خالد، الذين كثيرا ما حصل منهم القيام بالتمرد واعلان حركة العصيان، وحتى اثناء مهادنتهم فان الاتراك يكتفون منهم بالسيادة الاسمية.

ونتج عن مواجهتهم لتلك المتاعب وتكبيدهم الخسائر المادية ان تخلوا في اخر عهدهم عن مسؤولية الحكم المباشر للمنطقة، وتركه للقوى المحلية المتعطشة للسلطة، والاكتفاء بالسيادة الاسمية، وعلى الصعيد الخارجي تم الوفاق بينهم وبين البرتغاليين الى درجة مشاركتهم في التجارة ومساهمتهم في الدفاع عن البصرة ضد الايرانيين، وقد ادى ذلك الى تقلص نفوذهم في المنطقة، والى استغلال الولاة بحكمها اخر الامر.

ويفهم من الوثائق التاريخية ان الاتراك في اغلب عهدهم كانوا يتمشون على نظام الاقطاع في الشئون المالية، اما الادارية فيعينون ولاة من قبلهم، تعززهم قوات عسكرية لحفظ الامن والدفاع الخارجي فكان اولهم محمد باشا فروخ الذي بنى عددا من المساجد ما زالت اثارها باقية حتى عهد قريب، منها مسجد الدبس بالهفوف الذي بني عام 963هـ ومسجد المنارة بقلعة القطيف، كما تدل على ذلك لوحة من الحجر الجيري، كانت مثبتة باعلى مدخل المنارة، مؤرخة بغرة المحرم 968هـ، ثم بعده علي بن احمد بن لاوند البريكي، ومن اثاره مسجد القبة بالهفوف، الذي بني سنة 974هـ، ومنهم على باشا الذي تزوج من الاحساء، وانجب عددا من الابناء، منهم يحيى الذي بعثه واليا على القطيف، ولا يبعد ان يكون تجديد بناء سور القلعة في عهده سنة 1037هـ، ومنهم محمد الذي احتال على انتزاع الولاية من ابيه، وكان اخر الولاة العثمانيين عمر باشا، وقد استمر حكم الاتراك حتى سنة 1080هـ.


10- سيطرة بني خالد:



بدا حكم الاتراك في بداية القرن الحادي عشر الهجري يفقد سيطرته على الولايات الخاضعة لنفوذه، لاسيما المناطق البعيدة عن الحواضر المركزية، فقد استطاع الولاة ان يستبدوا بحكم الولاياتتحت مظلة الباب العالي، وساعد على تردي الاوضاع تفشي نظام الاقطاع واكتفاء الدولة بالجرايات السنوية والسيادة الاسمية، وهذه الاوضاع دفعت كل طوح ان يجرب حظه للاستيلاء على السلطة، ففي البصرة حين عجز واليها علي باشا ان يخمد ثورة القبائل سلمها سنة 1005هـ لموظف يسمى افراسياب يعمل بوظيفة كاتب الجند مقابل مبلغ من المال وشرط عليه ان تكون الخطبة للسلطان، فاستقل بها وكون امارة توارثها من بعده اولاده، فوليها ابنه علي باشا (1011 – 1055هـ)، ثم حفيده حسين باشا الذي استطاع ان يمد نفوذه الى هذه المنطقة، وان يبعد الوالي التركي محمد باشا بالاتفاق مع براك بن غرير رئيس بني خالد، فاستولى على القطيف سنة 1073هـ، اذ سير لها قوات برية وبحرية واحتلها عنوة، وفتك باهلها واباحها لجنده، ثم زحف على الاحساء فاحتل المبرز وفعل بها مثل ما فعل بالقطيف، ثم اتجه جيشه الى الاحساء سنة 1074، بقيادة براك بن غرير الخالدي الذي استاثر بحكمها بعد الاستيلاء عليها، ولكن حسين باشا سرعان ما استردها اذ سير جيشا بقيادة وزيره يحيى اغا سنة 1075هـ فاحتلها وبقيت تحت حكمه حتى سنة 1076هـ ففي هذه السنة استدعي حسين باشا يحيى اغا للتوجه الى البصرة لمعالجة الموقف مع الاتراك، وتسوية المشاكل، حيث اجبروه على التخلي عن ولاية القطيف لمحمد باشا، وقد ترك عمر باشا من قبله على الاحساء، فاهتبل براك بن غرير فرصة ضعف الدولة الافراسيابية التي انهكتها الحملات العسكرية فانقض على الاحساء واستولى عليها سنة 1077هـ.

وقد عز على ال شبيب الذين كانوا اقوى بوادي المنطقة في ذلك الحين اسيلاء بني خالد على البلاد، وتسنمهم الملك، فجهز رئيسهم راشد بن مانع ال مغامس جيشا لمحاربتهم، واشتبك معهم في معارك عنيفة، اسقرت عن انتصار بني خالد، ومصرع راشد ال مغامس، وفناء عدد كبير من جيشه، وفرار الباقين الى العراق.

ولما كان محمد باشا المتهم الاول في تحريض قبائل المنتفق ضد بني خالد راوا الفرصة سانحة للاستيلاء على القطيف، لا سيما بعد ان تقلص الوجود السياسي والعسكري التركي بالمنطقة، فاحتلوها سنة 1080هـ.

وبنو خالد قبيلة من جملة القبائل التي استقدمها الاتراك حين استيلائهم على هذه المنطقة في منتصف القرن العاشر الهجري لتعزيز قواتهم العسكرية، وقد اسكنوها الرجراجة بالقرب من الهفوف، ثم اسندوا اليها ولاية سنجق الصحراء للمحافظة على الوفاق بين القبائل وتامين الطرق الصحراوية، واجروا لها المخصصات السنوية، حتى انها فاقت المبالغ المخصصة للقطيف اخيرا.

وقد اختلف النسابون في اصل هذه القبيلة، فقيل انها تنتمي الى خالد الحجاز، وان اصلها من بيشه، وقيل من خالد حمص، قدمت من بوادي الشام مع الاتراك، وقيل انها تنحدر من بني عبد القيس الذين انتشرت فروعهم في بوادي هذه المنطقة وحواضرها، وهناك من عدها قحطانية ونسبها الى طيئ من قحطان، ومنهم من عدها عدنانية فنسبها الى عامر بن صعصعة من هوازن، ومن المرجح ان هذه القبيلة التي كانت في اصلها من بوادي المنطقة المنحدرة من بني عبد القيس.. اصبحت في الاخير تتكون من مجموعة من القبائل المتحالفة، التي انضمت اليها واتحدت معها تحت اسم (بني خالد)، وقد اقامت دولة عمرت نحوا من 130 سنة، وامتدت رقعتها من جنوب قطر الى شمال الكويت، ومن الساحل شرقا الى تخوم نجد غربا، ويتميز عهدها بالنظام الاقطاعي والتسامح الديني، ويصفه الغربيون باستتباب الامن وازدهار التجارة، كما جاء في تقارير كل من مانيستي وجونز، ويبدو انها تركت الحبل على الغارب عفي مياه الخليج باعتبارها دولة غير بحرية، وركزت اهتمامها في الداخل فاخضعت منافسيها، واكتفت بالسيادة على البلاد وصحاريها، فاقطعت افخادها ولاياتها، ونشا من جراء ذلك حيف على المواطنين من ظلم الولاة وجشعهم حتى قال فيهم شاعر قطيفي، مؤرخا قيام دولتهم بهذين البيتين:

رأيت البدو ال حميد لما تولوا احدثوا في الخط ظلما
اتى تاريخهم لما تولوا وقانا الله شرهم طفى الما

ومن المحتمل ان الشاعر قال هذين البيتين ابان احتلال القطيف، في الحملة التي اشترك فيها بنو خالد مع الافراسيابيين سنة 1073هـ حين ارتكبوا ابشع الجرائم والظلم والوحشية، كما يذكر مؤرخهم، وقد تركز الحكم في اسرة ال حميد، فتعاقب على حكم البلاد 12 اميرا فكان اولهم:

1- براك بن غرير بن مسعود ال حميد (1080 – 1093ه وهو الذي اعلن نفسه ملكا على البلاد بعد جلاء الاتراك، وبعد ان استقر له الامر اتخذ مدينة المبرز بالاحساء عاصمة له، فبنى له قصرا فخما ومسجدا ما زال يعرف بمسجد براك وقد قضى على جميع منافسيه، كما قام بعدة غزوات في نجد، وامتد نفوذه من جنوب قطر حتى حدود البصرة.

2- محمد بن براك (1093 – 1103هـ) خلف اباه على العرش فقام بتخطيط حدود مملكته، واقطع كل قبيلة منهم املاكا واراضي، كما اسند حكم الولايات لهم، فولى ال مسلم حكم قطر، والمهاشير حكم القطيف وهو الذي بنى الكويت لمراقبة الحدود الشمالية، وليكون مستودعا للذخيرة والمؤونة كما قام بغزوات عديدة في نجد.

3- سعدون بن محمد (1103 – 1135هـ) وقد نسج على منوال ابيه، فاخضع بلاد نجد، وكانت القبائل التي تحل في منطقة نفوذه تقدم له الهدايا من نجائب الابل واصائل الخيل، ولولوعه بالصيد كان كثير الرحلات، وربما ابتعد عن الاحساء مسافة شهر، وتوغل في بلاد الشام، وهو الذي وهب حصن الكويت لال الصباح ليقوموا بالدفاع عن هذا الثغر، وكانوا يؤدون له الضريبة، وكان هذا الحاكم خاتمة الوفاق في بني خالد، فبعد وفاته دب الشقاق في صفوفهم وتفشى فيهم اغتيال بعضهم البعض، مما ادى الى انهيار دولتهم والقضاء عليهم، فقد انقسم بنو خالد بعد موته الى حزبين متنافسين حزب اندفع لتاييد ولديه دجين ومنيع، وحزب انحاز الى جانب اخويه علي وسليمان، وقد ادى ذلك الى الاشتباك المسلح، فانتصر علي وسليمان فتولى الحكم بعده اخوه علي.

4- علي بن محمد (1135 – 1143هـ) كان ضعيف الشخصية، فلم يتمتع بالحكم سوى ثمان سنوات فتامر عليه داحس ودجين (ابنا اخيه سعدون) فقتلاه.

5- سليمان بن محمد (1143 – 1166هـ) حكم بعد اخيه علي وكان قوي الشخصية فدانت له البلاد، وامتد نفذه الى نجد، وفي عهده بدا نجم الامام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الظهور، وهو الذي كتب الى عثمان بن معمر امير العيينة بالتخلي عنه، وقيل بقتله.

غير ان مشاكله الداخلية شغلته عن المد المتنامي للدعوة السلفية، وقد ادت تلك المشاكل الى زحزحته من الحكم، وانتصار الحزب المناوء، ويوصف بانه كان زير نساء ماتك للاعراض، فلم تسلم منه حتى قبيليه، الامر الذي جعله يخسر القوى المؤيدة له، فطرده شيوخ قبيلته من الاحساء، ولحق بنجد، ومات بالقرب من الخرج.

6- عريعر بن دجين بن سعدون (1166 – 1188هـ) وفي ايامه اشتد العداء بينه وبين السلفيين، اذ انتشرت الدعوة في نجد، واصبحت قوة يحسب لها الف حساب، فصمم على القضاء عليها في مهدها، قبل ان يستفحل خطرها، فتهدد مناطق نفوذه، فقام بتنظيم حملة عسكرية على الدرعية سنة 1172هـ وتحركت جيوشه من الاحساء وبعض البلاد النجدية المؤيدة له، ولكنه فشل في التغلب عليها، فعاد ادراجه الى الاحساء، وفي عام 1176هـ قام الامام عبد العزيز بن محمد بن سعود برده على ذلك الهجوم، فشن غارة على مدينة المبرز وقرية المطيرفي، وعاد بالغنائم الى نجد، وقد جرحت كبرياءه هذه الغارة فتحالف مع امير نجران حسن المكرمي، واتفق معه على زحف مشترك لاكتساح الدرعية والقضاء على الدعوة السلفية في مهدها، غير ان قوات امير نجران وصلت فبل قوات عريعر، فهاجم الدرعية، واشتبك معهم في معارك عنيفة، ثم توصل الفريقان الى ابرام صلح، فعاد المكرمي الى بلاده، وحين قدم عريعر لم يجد حليفه، فهاجم الدرعية، وشدد عليها الحصار دون طائل، مما يدل على ضعف وسائل الحصار عنده، فقفل عائدا الى الاحساء، ثم عاد كرة اخرى سنة 1188هـ فاحتل القصيم، ثم اتجه الى الدرعية، فوافاه اجله في موضع يسمى الخابية وهو في طرقه اليها.

7- بطين بن عريعر (1188 – 1189هـ) كان اكبر انجاله وولي عهده، وكان مرافقا له في هذه الحملة، فتولى قيادة الجيش، وقد حاول تنفيذ خطة ابيه، غير انه ما كان واثقا في ولاء جيشه، فعدل عن مهمته، وعاد الى الاحساء، ويوصف بانه كان فاسد الراي، سيئ السيرة مستبدا في حكمه، فلم يستقم له الامر سوى ستة اشهر، ثم اغتاله اخواه دجين وسعدون في منزله.

8- دجين بن عريعر (1189 – 1189هـ) لم يتمتع بالحكم طويلا اذ دس اليه اخوه سعدون السم فمات بعد ولايته بايام قليلة.

9- سعدون بن عريعر (1189 – 1200هـ) كان قوي الشخصية وقد استطاع ان يسيطر على البلاد، رغم عدم حصوله على تاييد الاغلبية من زعماء بني خالد، وصار في مقدوره ان يرد اي هجوم يقوم به الموحدون على اراضيه، وقد اختلف معه اخواه دويحس ومحمد، وايدهما خالهما عبد المحسن السرداح ففارقوه والتحقوا بامير المنتفق بالعراق، وفي عهده تركزت الدعوة في نجد، واستفحل العداء بينه وبين الدرعية، فهاجم نجدا، وقابلته الدرعية بهجوم على الاحساء بقيادة الامام سعود بن عبد العزيز وفي عام 1199هـ خرج ببني خالد جريا على عادته في فصل الشتاء لتاديب القبائل المخلة بالامن، ففوجئ اثناء غيابه بانباء تفيد عن قيام ثورة اهلية مسلحة ضده في الاحساء، فعاد اليها، وخرج الاهالي لقتاله، غير انهم لم يصمدوا، ففروا منهزمين، ودخل سعدون البلاد، ونكل برؤوس الثورة، وقتل عدة رجال من رؤسائها، وحين سمع اخواه دويحس ومحمد وخالهما عبد المحسن السرداح بانباء تلك الثورة عادوا الى البلاد، ويذكر مؤلف كتاب (لمع الشهاب) ان الامام عبد العزيز كان وراء تحريضهم ضده، لتفتيت وحدتهم ولكي يشغلهم بمشاكلهم الجانبية، ليكتفي شرهم ويسهل التغلب عليهم، فاعلن دويحس الثورة ضده والخروج من طاعته، وانحازت الى جانبه المهاشير وال صبيح، كما استنجد بثويني رئيس المنتفق، فاستطاع ان يلحق باخيه هزيمة فادحة في معركة (جضعة) سنة 1200هـ فاستولى على معسكره، واضطره الى الفرار لاجئا الى الدرعية الى ال سعود اعدائه التقليديين وطلب منهم ان يمدوه بقوة عسكرية لاستعادة عرشه، فلم يستجيبوا له، وسمح له بالاقامة فيها غمات بعد عام.

10- دويحس بن عريعر (1200 – 1207هـ) صفا له الجو بعد ان كسب الجولة، فتربع على عرش الاحساء، ولكن خاله عبد المحسن كان الملك الحقيقي غير المتوج، فكان بيده الحل والعقد، ومع ذلك فقد كان هذا الحاكم يعتبر خاتمة لعهد الاستقلال لدولة بني خالد، التي كانت تشرف على الاحتضار بسبب اتساع شقة الخلاف في صفوفهم، حتى اصبحت الفرصة مهياة لاكتساحها، ففي سنة 1202هـ اصدر الامام عبد العزيز امره الى ابنه سعود بشن غارات على الاحساء، تمهيدا لاحتلالها وفي نفس العام هاجم سليمان بن عفيصان ميناء العقير بعد عودته من قطر فاستولى على ما فيه، وبعد عامين زحف الامام سعود على بلاد الاحساء، وكان يرافقهزيد بن عريعر الخالدي فاشتبك مع بني خالد في معركة (غريميل) التي استمرت ثلاثة ايام، اسفرت عن هزيمة دويحس وخاله عبد المحسن السرداح وفرارهما الى العراق وفتح الاحساء سنة 1204هـ، حيث عين زيدا واليا عليها.

11- زيد بن عريعر (1204 – 1208هـ) بعد فتح الامام سعود الاحساء واسناد ولايتها الى زيد بن عريعر، تحركت في زيد النزعة الاستقلالية لاستعادة امجاد اسرته، فتنكر للسلفيين وقطع الجرايات السنوية واعلن استقلال دولته، والتف حوله المؤيدون من بني خالد وغيرهم، ولكن صفوف بني خالد ما لبثت ان تصدعت حين استقدم عبد المحسن السرداح عام 1206هـ فاغراه بالامارة ثم فتك به، عندها انقسم بنو خالد الى حزبين: حزب في الجنوب يؤيد زيد بن عريعر، وهم الحضر المقيمون في مدن الاحساء، وحزب في الشمال من الصمان الى الكويت يؤيد اسرة السرداح (ال عبد الله)، الذين اجمعوا على ولاية ابن القتيل براك بن عبد المحسن، وازاء هذا الانقسام الذي ادى الى تضعضع وحدتهم راى الامام سعود ان الفرصة مهياة للقضاء عليهم وانهاء دولتهم.

فوجه ابراهيم بن عفيصان سنة 1206هـ في ثمانية الاف من قواته للاستيلاء على القطيف، وكانت تعتبر اقوى ممالك بني خالد، كما يقول صاحب كتاب لمع الشهاب، وكان اميرها عبد الله بن سليمان المشهوري يسانده زعيم القطيف احمد بن غانم، فحاصر بن عفيصان سيهات فوجه اليه عبد الله المشهوري القوة المرابطة في القطيف بقيادة ابنه علي، فهزمت وانسحبت الى الظهران، حيث لبث هناك عشرة ايام، يشن غارات متتالية على اطراف القطيف حتى اذعن للتسليم اكثر قراها، ثم فتح سيهات عنوة، ويبدو ان المشهوري لم تكن لديه قوة كافية للدفاع عن البلاد، فخشي ان يزحف بن عفيصان على قلعة القطيف، التي هي اقوى معقل، فيطوقها بالحصار، فخرج بقواته للقائه، وكانت معارك عنيفة بالقرب من الجارودية استمرت اثني عشر يوما، انتهت بهزيمة المشهوري، فحال بن عفيصان بينه وبين الاعتصام بالقلعة، ففر عن طريق الصحراء، واتجه شطر جزيرة تاروت، فاعتصم بقلعتها، وكانت محكمة البناء محاطة بخندق، وترك قلعة القطيف في مهب الريح في قوة صغيرة، لا تتجاوز مائتي رجل من بني خالد الذين تحصنوا بها، فشدد بن عفيصان الحصار عليهم، فكاتبه احمد بن غانم، وعرض عليه التسليم، وحين رفض بنو خالد القاء السلاح عمد ابن عفيصان الى نصب السلالم وثقب السور بالبارود، ففتحها عنوة، ولم ينج من فتكه الا اشياع بن غانم، وفي رواية اخرى ان البلاد اذعنت للتسليم فصالحه اهلها على خمسمائة احمر، وقيل ثلاث الاف زر ذهب. ثم بعث ابن عفيصان اخاه في الف فارس لاحتلال تاروت، فزحف على قلعتها فلم يستطع فتحها، ثم جاء ابن عفيصان بنفسه، فاحتلها عنوة وهرب منها عبد الله المهشوري، حيث لحق بالمنتفق في العراق، وحيت تم فتح القطيف عاد ابن عفيصان الى الدرعية، واسند امارتها الى زيد بن نبهان ومشيختها الى احمد بن غانم بامر من الامام عبد العزيز.

وفي السنة التالية 1207هـ اخذ الامام سعود يصفي حسابه مع بني خالد ليقوض اخر معقل لهم في الاحساء وباديتها، فشن غارة على بني خالد النازلين قرب الجهرة والخاضعين لبراك بن عبد المحسن السرداح، فانزل بهم خسائر فادحة في الاموال والارواح، ثم شن عليهم غارة اخرى في نفس العام بناحية شرقي الصمان، فاوقع بهم وقتل اكثرهم، ولم ينج منهم الا براك في شرذمة قليلة، حيث لحقوا بالمنتفق، ثم عاد جيشه نحو الجنوب، ولكن زيد بن عريعر اخذ زمام المبادرة، فقدم عليه في راس وفد، فاقنعوه، فعين المرشدين، وامرهم بهدم المشاهد الشركية، غير انهم بعد شهر نقضوا البيعة وصمموا على المقاومة، وفي الاثناء قدم دويحس واخوه محمد من الزبارة واتفقوا مع زيد بن عريعر على تخليص البلاد من النجديين، فقاموا بقتل عاملهم محمد الحملي ووكيل بيت المال حسين شبيب والمرشدين (المعلمة) ويبلغ مجموعهم ثلاثين رجلا وجروهم بالحبال في الاسواق، وحين بلغ الامام نبا نقضهم البيعة وفتكهم برجاله وهو بالطف قرب الاحساء، لم يجد بدا من العودة الى الدرعية والاستعداد للانتقام، ففي عام 1208هـ شن هجوما قويا على الاحساء وقراها وترك البلاد نهبا للبادية، ولم يستطع زيد بن عريعر الوقوف امام زحفه فانهزم وتحصن بالقلاع، فلم يتمكن سعود من اقتحامها، وفي تلك الاثناء توسط براك بن عبد المحسن السرداح الذي انخرط في صفوف الموحدين لفك الحصار، واخذ الامان من الامام عبد العزيز فاستجاب له وعينه واليا على الاحساء وشيخا لبني خالد.

12- براك بن عبد المحسن (1208 – 1211هـ) وكما راودت زيد بن عريعر النزعة الاستقلالية كذلك كان الامر بالنسبة لبراك، الذي تخلى عن الولاء لال سعود ونصاع لراي دويحس ومحمد، فاتفقوا لاعادة مجدهم الداثر وتثبيت دولة بني خالد كاقوى دولة في شرقي الجزيرة، وازاء هذا الانتقاض وجه الامام سعود حملة عسكرية سنة 1211هـ فشن هجوما واسع النطاق، فاستولى على الاحساء وهدم قلاعها وابراجها واقام حصونا جديدة خارج المبرز والهفوف، كما عين على الاحساء حاكما من قبله، يقال له (ناجم) وهو شخص لا ينتمي الى اسرة مشهورة، اما برا فاستطاع ان يفلت من قبضته حيث لحق بالعراق وبهذه الحملة كانت نهاية صولة بني خالد وزوال دولتهم التي عمرت نحوا من 130 عاما.

 

 

 

 

 

 

التوقيع

ناصر بن عبدالرحمن آل ساقان بن خلف آل مانع آل عمارالدوسري

    

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مشايخ واعيان وادباء قبيلة الدواسر يهنئون القيادة والأمة الإسلامية بحلول عيد الفطر المبارك عبر الموقع الرسمي لقبيلة الدواسر الإداره :: قسم اللقــاءات والفعاليات والتغطيات الخاصة:: 6 11-08-2013 01:20 AM
بيان آل البيت النبوي من أهل الحرمين الشريفين في ( تعظيم و إجلال الأزاوج و الأصحاب ) الدردور :: القسم الإسلامـــي :: 6 07-02-2011 12:05 PM
سين و جيم الجزء الخامس و الأخير الدردور :: القسم الإسلامـــي :: 14 22-12-2010 07:51 AM
بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية : قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يخرج صاحبه من الملة علي العبدالهادي :: القسم الإسلامـــي :: 12 14-10-2010 09:32 PM

 


الساعة الآن 07:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
---