بسم الله الرحمن الرحيم
الآثار السيئة للأدعية المحدثة
لقد تميَّزت الأدعيةُ الشرعية والأذكار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بكمالها في مبناها ومعناها، فألفاظُها وعباراتُها موجزةٌ مختصرةٌ، ومعانيها
ودلالاتُها عظيمة واسعة،متضمِّنةٌ الخيرَ كلَّه، مشتملةٌ على المقاصد العالية،
والمطالب العظيمة، والخيرات العميمة،
ولهذا فإنَّ من الخيرِ لكلِّ مسلم، بل من الواجب عليه أن يجتهد قدرَ الاستطاعةِ في تعلُّمها وحفظِها والتعبُّد بها،
ويَدَعَ ما سواها من الأوراد والأحزاب المخترعةِ التي أنشأها بعضُ شيوخ الضلالة
وأئمة الباطل،
والتي صَدُّوا بها كثيراً من عوام المسلمين وجهالهم عن الأدعيةِ المأثورةِ والأذكار المشروعةِ.
ومَن يتأمَّل واقعَ بعض المسلمين ولا سيما مَن انتسب إلى بعضِ الطرق الصوفية
يجدُ أنَّهم قد انشغلوا بهذه الأذكار المُختَرعةِ والأدعية المبتَدعة، فأصبحوا يتلونَها
ليلاً ونهاراً، وصباحاً ومساءً، تاركين بسببها كتاب الله تعالى،
مُعرضين عن الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ إنَّ لكلِّ
فئةٍ من هؤلاء أوراداً خاصةً يتلونها بطريقة خاصة ونَمط معيَّن،فلكلِّ طريقةٍ
من هذه الطرق الصوفية أحزابُها وأورادُها الخاصة
و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} المؤمنون: {53} _ الروم:{32}
وكلٌّ منهم يعتقد أنَّ أورادَه أفضلُ من أوراد الطرق الصوفية الأخرى.
وما مِن ريبٍ أنَّ هذه الأدعيةَ المبتدَعَة لها نتائجُها المؤسفة وآثارها السيِّئة على المسلم
في عقيدتِه وأعماله التعبُّديَّة، وهي آثارٌ كثيرةٌ يطول حصرُها،
لكن قد أوجزها ولخَّصها الشيخ جيلان بن خضر العروسي في كتابه القيِّم:
" الدعاءُ ومنزلتُه من العقيدة الإسلامية " انظر.. (2/592 ـ 598).
في النقاط التالية:
أولاً: أنَّ الأدعيةَ المبتدعة لا تفي بالغرض المطلوب من العبادات من تزكية النفوس
وتطهيرها من الرعونات، وتقريبها إلى باريها، وتعلقها بربِّها رجاءً ورغبة ورهبةً،
فهي لاتشفي عليلاً ولا تُروي غليلاً، ولا تهدي سبيلاً.
وأما الأدعيةُ المشروعةُ فهي الدواءُ الناجعُ والبلسم الشافي للأدواء النفسية
والأمراض القلبية والأهواء الشيطانية،
فمَن استبدل بها الأدعية المبتَدعة فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ثانياً: أنَّ الأدعيةَ المبتدعَة تفوِّت على العبد الأجرَ العظيم والثوابَ الجزيل الذي
يحصل لِمَن التزم بالأدعية الواردة وحافظ عليها وطبَّقها كما وردت،
فإنَّه يحوز السبق، ويتعرَّض لنفحات الربِّ وجُودِه،بخلاف مَن يدعو بالأدعية المبتَدَعة،
فإنَّه يفوِّت على نفسه الأجر والثوابَ ويعرضها لسخط الله وغضبه.
ثالثاً: عدم إجابة الأدعية المبتَدَعة مع أنَّ الهدفَ والأساسَ للداعي في
الغالب هو إجابةُ مطلوبه، ونيلُ مرغوبه، ودفعُ مرهوبِه، والأدعية المبتَدَعة
لا يُجاب الداعي بها، ولا تكون متقبَّلةً منه، وفي الحديث:
( مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".) صحيح مسلم (3/1343).
رابعاً: أنَّ الأدعيةَ المبتَدَعة تشتمل غالباً على محذورٍ شرعيٍّ،
وقد يكون ذلك المحذورُ من وسائل الشرك وذرائعه؛ إذ البدعةُ تجُرُّ إلى الشركِ والضلالِ،
فمِن الأدعية البدعية التي تجُرُّ إلى الشرك: التوسُّل البدعي،فهو الذي فتح
البابَ لدعاء غير الله والاستغاثة والاستمدادِ بغيره،
وقد يكون ذلك المحذورُ اعتداءً في الدعاء ومجاوزةً للحدِّ، وسوءَ أدبٍ في
خطاب الربِّ ومناجاته، وقد يكون ذلك المحذورُ ما يصحب تلك الأدعية
من بدع أخرى من تحديدها بأوقات معيَّنة وبصفات خاصة،
ورفع الأصوات على نغمات معيَّنة، وإيقاعات خاصة وأسجاع مصطنعة،
وتراكيب ركيكة تمجُّها الأسماعُ، وتستقبحُها القريحةُ السليمةُ.
خامساً: أنَّ الأدعيةَ المبتَدَعةَ مَن التزم بها واعتادها قلَّما يرجع عنها إلى الأدعية المشروعة،
إلاَّ إذا وفَّقه اللهُ وأعانه وهداه إلى الخير، وذلك لأنَّ القلوبَ متى اشتغلت بالبدع
أعرضت عن السنن، حيث إنَّ الملتزمَ بتلك الأدعية المبتَدَعة يعتقدها مشروعةً
ويُدافعُ عنها، ولا يسمع إلى حُجَّةٍ ولا برهانٍ.
سادساً: أنَّ استعمالَ الأدعية البدعية، وتركَ الأدعيةَ المشروعة من باب
استبدال الخبيث بالطيِّب، والضاربالنافع، والشرِّ بالخير، وهذا ـ ولا ريب ـ
غبنٌ فاحش، وتهور ظاهر، وخسارةٌ فادحةٌ.
سابعاً: أنَّ في الأدعيةِ المبتَدَعة المخترعة تشبُّهاً بأهل الكتاب في اختراعهم
للأدعية المخالفة لما جاءت به رسلهم، وفيها أيضاً تشبُّه بهم في النَّغمات
والإيقاعات والتمايلات وغير ذلك.
ثامناً: أنَّ الذي يُلازم الأدعية المبتَدَعة المخترعة لا سيما التي هي مؤلفةٌ
من أحزابٍ وأورادٍ يكون في الغالب جاهلاً لمعناها، وتنصرف همَّتُه إلى ألفاظها،
وإلى سردها سرداً بدون تدبُّر، مع أنَّ المطلوبَ في الدعاء إحضارُ القلب
والإخلاصُ في السؤال، ولا سيما أنَّ كثيراً من هذه الأدعيةِ عبارةٌ عن كلمات
مرصوصة خفيَّة المعنى غامضة الدلالة،
وهذا الداعي بمثل هذه الأدعية غيرُ سائل ولا داع، بل هو حاكٍ لكلام غيره،
ثمَّ إنَّ اختيارَه ذلك الدعاء على غيره من الأدعية لأجل الذي نظمه وإعجابَه به،
ففي ذلك تقديس لهذا الذي جمعها، ورفعٌ له فوق منزلته من حيث يعتقدُ
الداعي أنَّ لأدعيتِه خاصيَّةً لا توجد في غيرها، وإلاَّ لَما داوم عليها ليل نهار،
بل بعضهم يصرِّحُ أنَّ وِرْدَ شيخه أفضلُ الأوراد وأتمُّها وأكملُها.
وبهذا يُعلم مدى جناية هذه الأدعية المخترعَة على المسلمين وعِظمُ خطورتها عليهم،
وأنَّ الواجبَ على كلِّ مسلم الحذَرُ منها والبُعدُ عنها ومجانبتُها،
وأن يقتصرَ على الوارِد والمأثور عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم،
فإنَّه أقومُ قيلاً، وأهدى سبيلاً.
وإنَّا لنسأل الله الكريم أن يرزقنا لزومَ سنَّته واتباعَ هديه واقتفاءَ أثرِه وسلوكَ منهجه،
إنَّه سميعٌ مجيبٌ.
من كتاب فقه الأذكار والأدعية
للشيخ عبد الرزاق البدر
ج 2 ص 313