دعـوا (ابن بجـاد ) يَعبث بالديـن ، كي يسـلم لكـم الوطـن!
هـل من الممـكن أن نسـمع غـداً لعبـدالله بن بجـاد العـتيبي تصـريحـاً يقـول فيـه : (إن إقـدام البـراك على تكفـيري دليـلٌ على احـتقاره للمـرأة )؟!
من الجـائز أن نسـمع هـذا. فقـد عـوَّدَنا ذلك الصـنف من البشـر، كـلما وقـعوا في زاويـة حـرجـةٍ وانكشـفت أوراقـهم وسقـط قنـاعهـم، فزعـوا للتـباكي على واحـد من اثـنين : إما (الوطـن ) ، أو (المـرأة ) .. وابن بجـاد في قضـيته الأخـيرة بـدأ بالنـواح على الوطـن، لكـنه لم يشـرع إلى الآن في الخـيار الثـاني.
ابن بجـاد في صـراخـه الأخـير يريـد أن يقـول للنـاس : أنا الوطـن ، و الوطـن أنا .. فمـن تعرَّض لي ، فإن الوطـن كـله في خـطرٍ.
بدأت القصـة قـبل أكثـر من شـهرٍ حـين كتب المخـذول في زاويـته بجريـدة تركي السـديري ، شـارحاً معنى كـلمة (لا إله إلا الله ) ، فأكـد أنها مجـموعـة من الحـروف المصـفوفة وراء بعضـها ، خـاليـة من أي معـنى ، فلا هـي تثـبت معـبوداً فـرداً ، ولا هي تنفـي ديـناً بـاطلاً. فمـن زعـم أن هـذه الكـلمة تقتضي ألا معـبود بحـقٍ سـوى الله ، أو أن من معـناهـا نفي و إبطـال سـائر الديـانـات ، فقـد شـوَّه معـنى (لا إله إلا الله ) ، فهـو ـ بالتـالي ـ متعصِّـب ومتشـدِّدٌ!
زنـدقـةٌ مكشـوفةٌ وردة جليـةٌ تصـادم مبـادئ الإسـلام ومقـدماته البـدهيـة.
وقـبل ذلك ببضـعة أسـابيع كان مفـتونٌ آخـر، وهـو (يوسف أبا الخـيل ) يكتـب في الجـريدة نفسـها لونـاً آخـر من ألـوان الزنـدقة، حـين أعـلن أن اليهـود والنصـارى إذا كانـوا موحـدين ، فلا يضـرهم تكذيبـهم بالقـرآن ، ولا بنـبوة محـمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، بل هـم من النـاجين يـوم القـيامة ، إلا إذا حـاربوا أهـل الإسـلام!
كُتبَ هـذا الزيـغ بجريـدة تركي السـديري. ولأن الله أخـذ على أهـل العـلم الميـثاق بالبيـان ، فقـد أفتى الشـيخ عبدالرحمن بن ناصر الـبراك مبيـناً أن هـذا الضـلال يمثـل مروقـاً صـريحاً من حقـائق الديـن ، وهـدماً لقـاعدته الكـبرى.
غيـر أن ابن بجـاد ورفيـقه يريـدان من الشـيخ ، ومن سـائر أهـل العـلم أن يبـدلوا دين الله إكـراماً لسـواد وجـهيـهما.
فلا خـلاف بيـن علـماء الإسـلام كـلهم ، أن من أنـكر أمـراً من ضـروريات دين الإسـلام وقـطعيـاته، فإنـه يكـون بهـذا كافـراً مرتـداً. وليس في ضـروريات الدين المجـمع عليـها أوضـح من نفي جـميع المعـبودات سـوى الله ، وإبـطـال سـائر الأديـان سـوى ديـن الإسـلام، وإثـبات عـموم رسـالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لجمـيع البشـر بمـن فيـهم اليهـود والنصـارى.
هـذا هـو دين الإسـلام ، فمن لم يقـنع به ، فلينسـب نفسـه لدينٍ غـيره. فإن أبى إلا الانتسـاب لدين الإسـلام مع نقضـه قـاعـدته ، فمن واجـب أهـل العـلم و الفـتيا رفض هـذا الانتسـاب المـزوَّر. كـما أن واجب من بسـط الله يـده بالولايـة والسـلطة اســتتابته من ذلك الضـلال.
أصـدر الشـيخ البـراك فـتواه ، وكـما هـو متـوقع ، فـزع ابن بجـاد للـتباكي على أمـن الوطـن الذي انـتهـكه الشـيخ! وفـزع إلى حـيلة مسـتهلكة منتـهية الصـلاحيـة ، فأعـلن بكـل خسـةٍ ودنـاءةٍ أن فـتوى الشـيخ (تنسـجم انسـجاماً تامـاً مع توجهـات القـاعدة وتحريض قـادتها على القـتل واسـتهداف المخـالفين )!
ضـحكت كثـيراً وأنا أقـرأ هـذا السَّـفه ، لأن ابن بجـاد يعـرف جـيداً أن الشـيخ أكبـر وأجـل من (بعـبع ) القـاعـدة التي اعـتاد ابن بجـاد إلصـاق الآخـرين بها إذا تجـرأوا على التعـرض لجـنابه الرفـيع. لكـن لا بـدَّ من الفجـور في الخصـومة ، حتى تكـتمل خصـال النفـاق.
ابن بجـاد في حماسـته للدفـاع عن نفسـه ذكر أن فـتوى الشـيخ البـراك : (تنـتمي للقـرون الوسـطى )!
وأنا أحـمد الله ـ سـبحانه ـ الذي أنطقـه بمثـل هـذا. فالقـرون الوسـطى ـ لو كان هـذا الأعـجم يعـي ـ هي القـرون التي بُعـثَ فيـها محـمد بن عـبدالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وهي القـرون التي عـلَّمَ فيـها الرسـولُ أمـته كـلمة التوحـيد. فوعـت الأمـة كلـها أنَّ (لا إله إلا الله ) تقتضـي بـطلان كلِّ معـبودٍ سـوى الله. وأن شـهادة (محـمد رسـول الله ) تعنـي بطـلان كل شـريعـة سـوى الشـريعة التي أنزلت على محـمد بن عـبدالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فـفتوى الشـيخ البـراك تنـتمي لذلك النـور المـبين المنـزل من عـند رب العـالميـن في تلك القـرون الوسـطى ، التي اشـتملت على خـير القـرون وأزكـاها عـند الله. لكن لأن ابن بجـاد يردِّد كـلام غـيره كالببـغاء ، فقـد اسـتعار تعبـير النصـارى عن تلك الفـترة المظـلمة من تاريخـهم التي كانـوا يحـيون فيـها كالبـهائم.
وقـد ذكـرني حـديثه عن القـرون الوسـطى بقـول المفـتونة وفاء سـلطان : ( إن المسـلمين سـقطوا رهـينة كتاب محـمد، وعـجزوا أن يخـرجوا خـارج حـدود عقـلية القـرون الوسـطى )!!
هـكذا قالت الفـاجرة وهي تعـي ما تقـول. فكـلامـها أوضـح وأصـرح ، وأما قـول ابن بجـاد فهـو أغـبى وأحـمق.
والذي أوحى إليـه بنسـبة فـتوى الشـيخ للقـرون الوسـطى ، هـو عـينه الذي أوحى لقريش أن تقـول : ( إن هـذا إلا أسـاطير الأوليـن ).
وقد رأيـته يجهـد نفسـه ويهـلكها كي يلصـق بالشـيخ المغـالاة في التكفـير. وهـو يعـلم ـ علم اليقـين ـ أن الشـيخ أبعـد النـاس عن مثـل هـذا الوصـف. فالشـيخ كانَ ولا يـزال يعـلِّم النـاس العـدل في القـول والعـمل. وهـو من الكـبار الذين كانـوا ينـهون الأغـمار عن المغـالاة في التكفـير في الوقـت الذي كان ابن بجـاد يسـتروح لمطـالعـة رسـائل جهـيمان، ويـدور في النـوادي مبشـراً داعـياً إلى تكفـير خـيار النـاس وصـلحائهم من أمثـال درتي هـذه البـلاد : الشـيخ ابن باز ، والشـيخ ابن عثـيمين ـ رحمهمـا الله ـ .
ومـع معـرفة الجـميع بسـيرة ابن بجـاد السـوداء المظـلمة، فإنـه يأتي اليـوم بكـل صـفاقة وقـلة حـياء ليـرمي بلاءه على غـيره.
التكفـيرُ شيء ، والغـلو فـيه شيءٌ آخـر.
وتـكفير من يعبث بالديـن حـكمٌ شـرعيٌّ سـواءٌ أحبَّ ذلك ابن بجـاد أو كـرهـه.
و هـذه الحـكم جـزءٌ من ديـن الإسـلام . لن يـبطله غـلو الغـالين فيـه ، ولا إنكـار المسـتهترين له.
وأولى النـاس بالكـلام في مثـل هـذا البـاب من كـان في مثـل مقـام الشـيخ البـراك ـ رعاه الله ـ .
أما ابن بجـاد ، فإنه يحسـن لنفسـه لو كفَّ تخـليطه عن النـاس. فمـن عـرف سـيرة الرجـل يراه مفـتوناً بالاسـتخدام السيئ لمـادة ( ك ف ر ). فهـو يتنقَّـل دهـره ما بين الغـلو في (التكفـير ) إلى الولـوغ في (الكفـر ). أما الوسـطية والاعـتدال فلا وجـود لهـما في تاريخـه. ولعـله لو طـال به الزمـان لخـط بيـن عـينيه (ك ف ر ) كي يقـرأها كل مـؤمنٍ ومـؤمـنةٍ.
ولقـد ذكرني كـلامـه عن الشـيخ البـراك بمقـالةٍ أخـرى سـبق نشـرها بجريـدة تركي السـديري، زعـم كاتبـها أن أبا بكـر الصـديق ـ رضي الله عنه ـ أول من اخـترع أيديولوجيـا التكفـير!
الجريـدة نشـرت هـذا الكـلام القبيـح، ثم اعـتذرت عـنه بعـد ضـغطٍ رسـميٍّ.
لكـن ما كـتبه ابن بجـاد الآن في الجريـدة نفسـها لا يخـتلف عن عـن مضـمون تلك المقـالة الشـوهاء. فالصـديق ـ رضي الله عنه ـ كفَّـر بني حنـيفة مـع أنهـم يتلفـظون بالشـهادتيـن. فيجب أن يكـون متشـدِّداً متعصـباً حـسب الوحي الذي أُنزل على ابن بجـاد من الأرض السـابعـة!
فإذا كان من رأيـه ورأي صـنوه (أبا الخـيل ) أن كلـمة (لا إله إلا الله ) لا تنفي سـائر الأديـان والتـأويلات، فما العـيب إذن في دين مسـيلمة ، وقـد كان يشـهد بكـلمة التوحـيد ويؤمن بالنـبوة. ولم يكـنْ يسـجد لصـنمٍ أو يعـبد وثـناً؟! فلمـاذا لم يحـترم الصـديق رأيـه ورأي قـومه ومعـتقدهـم الذي اخـتاروه لأنفسـهم؟ وبأي حـقٍّ اسـتباح الصـديق تكفـيرهـم، وهـم يتلفـظون بالشـهادتين؟!
ليشـرحْ لـنا ابن بجـاد هـذا. فنحـن ـ معاشـر المتعصـبين ـ نصـحِّحُ فعـل الصـديق ونعـد تكفـيره لأولـئك القـوم من مآثـره ومناقبـه. بل هـو قـدوةٌ لـنا في فعـله هـذا الذي صـدر مـنه في القـرون الوسـطى التي يكـره ابن بجـاد كل ما ينـتمي إليـها.
نحـن نقـتدي بالصـديق فنعـتقد كفـر من ادعى النـبوة ومن يصـدق دعـواه حتى لو أتى بالشـهادتين.
كـما ندين ـ أيضاً ـ بكفـر من يجـعل كلمـة التوحـيد حـروفاً مصـفوفةً خـاليةً من معـاني الوحـدانـية.
فلعـل ابن بجـاد يكتشـف الآن أن فكـر الصـديق ينسـجم مـع أفـكار القـاعـدة. كما اكتشـف هـذا في فكـر الشـيخ البـراك.
بل لعـله أيضاً يسـحب ذلك على جـميع عـلماء الإسـلام من المذاهـب الأربعـة وغـيرها الذين جعـلوا في الفـقه باباً كامـلاً اسـمه (حـكم المرتـد ) يطبـقونه على أناسٍ ينطقـون بالشـهادتين.
فالصـديق والصـحابة معـه ، والتـابعـون من بعـدهـم ، وكـذا الأئمـة الأربعـة وأتبـاعهـم ، وسـائر علـماء الإسـلام. جمـيع هـؤلاء يجـب أن يكـونوا متعصـبين متشـدِّدين ـ حسـب تخـليط ابن بجـاد ـ، ويجـب أن يكـون تفـكيرهـم منسـجماً مع تفـكير القـاعدة. لأن كل واحـدٍ منهـم يحـكم بالكـفر والردة على من يأتي بالشـهادتين ، إذا أنـكر أمـراً من قطعـيات الشـريعـة وضـرورياتهـا.
فإما أن يلصـق ابن بجـاد هـؤلاء بفكـر القـاعدة ، أو أن يعـيد النـظر في الوحي المنـزل إليـه من الأسـفل.
وقـد رأيـته بعـد صـدور الفـتوى يعـلن أنه لن يتوقـف عن الكـتابة ، ويقـول : إنه لن يمسـك عن طـرح أفكـاره وقنـاعـاته. وحـين قرأت هـذا خُـيِّلَ إليَّ أن الرجـل يخشـى على البشـرية أن تخسـر فكـره العـميق وفقـهه الدقـيق إن هـو أمسـك عن الكـتابة. ولعـله يظـن أنه لو لم يكـتب فسـوف تتفـطر السـماء ، وتنشـق الأرض ، وتنهـد الجـبال ، ويخسـف الشمس والقـمر ، ويخـتل نظـام الكـون برمـته. مـع أني أقـطع أنـه لو توقف ، فلـن يفـتقده سـوى كلمـة (الدوغـمائيـة ) التي لن تجـد أحـداً يرسـمها بيـده و يلوكهـا بلسـانه من بعـده.
على أن الشـيخ عبـدالرحمـن البـراك لم يطـلب منـه الكف عن الكـتابة. وإنمـا دعـاه للإقـلاع عن كـتابة ما يفسـد إيـمانه ويهـدم ديـنه . لكـنه لا يريـد ذلك ، وقـد يلـتمس له بعض محـبيه العـذر. فهـو إن توقف عن كتـابة عبثـياته التي يسـميها فـكراً، فلن يـدفـع له تركي السـديري قرشـاً واحـداً. وعـندها قد يجـد نفسـه مضـطراً للعـودة إلى بيـع التمـر عـند إشـارات المـرور تحـت الشـمس ولهـيبها.
وهـو بالتـأكيد لا يريـد العـودة لذلك ، فبيـع الدِّيـن لمن يـزيـد ، أخـفُّ على نفسـه من بيـع التمـر السـكري على الأرصـفة، و ما يتـبع ذلك من مطـاردات مفتشي البـلدية ودوريـات الشـرطة.
ابن بجـاد مخـلوقٌ مفـتونٌ . إن تحـمِلْ عليـه يلهث أو تتـركه يلهث. فهـو لم ينتـفع بنصـح أهـل العـلم له في طـور ولوغـه في التكفـير ، و الآن لا يريـد أن ينتـفع بنصـحهم له عن الولـوغ في الكـفر. وهـو بهـذا وذاك لن يضـرَّ إلا نفسـه ، والهـداية بيـد مقـلب القـلوب. وقـد أصـرَّ قبـله إبليس على الفجـور والجحـود مع علمـه ويقـينه. فمـن الواضـح أنـه اخـتار التـطوع في جيش إبليس ، ولو على رتبـة (عريف ).
قال العــزيز الحـكــيم : ((ومن يهـن الله فما له من مكــرمٍ )).