لاحياة من دون ناس

**معلومات** **العضو** · 15-01-2010, 10:24 PM

--------------------------------------------------------------------------------

قديما قال العرب في أثرهم حكاية سموها باسم صاحبها الذي كان يدعي "لطيف"..
فلقد كان لطيف اسماً علي مسمي..
وكان طيب القلب.. بشوشاً.. خيراً
محباً لأهله.. ولجيرانه..
وإلي جانب هذا كان متواضعاًَ ويرتبط بعلاقات مودة مع الجيران.
وبدون أسباب معروفة.. بدت علي "لطيف" علامات عدم التوافق مع جيرانه..
واشتدت أزمته النفسية بداخله
حتي فوجئت به زوجته ذات يوم يجمع أثاث بيتهم.. ويخبرها بأنه قرر أن يعيش بعيدا عن كل الجيران..
وانه اختار لنفسه مكانا بعيدا عن القرية..
وقرر أن يقيم بهذا المكان الصحراوي البعيد كوخاً صغيرا ليعيش فيه مع زوجته..
وبعيدا عن الجيران..
ليهنأ وهو بعيد بنسيم الهواء العليل.. وليرتاح من مشاكله مع جيرانه.
وبالفعل ذهب "لطيف".. وأقام لنفسه كوخاً.. وأغلق جميع نوافذه.. وأبوابه بالخشب الأصم.. كي لا يري أطراف قريته التي تبدو للناظر بيوتها عن بعد.. حتي يخالها الناظر وكأنها سراب.

وعاش "لطيف" مع زوجته أياماً قليلة..
ولاحظ أن انفراده بزوجته في مكان واحد ليل نهار.. خلق نوعاً جديداً وإضافياً من المشاكل.. وأصبحت علاقته بزوجته أكثر توتراً..
مع أنهما لا يريان الناس.. ولا يتعايشان مع جيرانه.
وفوجيء ذات صباح بمن يطرق باب كوخه..
فذعر قلقاً.. وانتفض يسأل زوجته.. من الطارق؟

فأجابته وكيف سنعرفه إذا كنا لا نراه؟! فلقد أغلقت علينا كل الأبواب والنوافذ..
ثم عاد الطارق لطرق الباب مرة ثانية.. فقام "لطيف" وفتح الباب.. فإذا به يجد جمعاً من جيرانه وقد جاءوه مبتسمين.. ويلقون عليه التحية.. ووجوههم تعلوها مسحة المودة واللهفة.. وأضافوا قائلين..
لقد اشتقنا إليك.. وأحببنا أن نراك..
وتعقبنا أثرك حتي وجدنا كوخك..
فحمدنا الله انك وزوجتك بخير.
فما كان من "لطيف" إلا أن دعا جيرانه للدخول إلي كوخه.. وأجلسهم..
وأخذ الزوار يشيدون يحسن تنظيمه وترتيبه للكوخ..
إلا انهم لاحظوا أن كل الأبواب والنوافذ من الخشب الأصم.. فلا يسمح بالرؤية.. وكذلك لا يسمح بمرور الضوء..
وجدوه مستعينا بمصباح صغير في وسط الكوخ.. ولاحظوا أيضا ان هذا المصباح عليه من الأتربة ما يحول دون بث شعاع ضوئه كاملا.
. وانه يحتاج للتنظيف لتزداد قوة إضاءته
فاقترحوا عليه أن يستبدل الأبواب الصماء بأبواب حديدية ذات فتحات واسعة تسمح بدخول الهواء والضوء إلي أرجاء كوخه الجميل..
وبالفعل اقتنع مضيفهم "لطيف" باقتراحهم واستبدل الأبواب والنوافذ..
وما هي إلا أيام قليلة وعاد الجيران للاطمئنان علي "لطيف" وزوجته..
فوجدوه قد جمع أثاثه في أحد أركان الكوخ.. وسألوه ماذا بك؟ فقال ان الفتحات بالنوافذ والأبواب تسببت في دخول الفئران.. والثعابين وغير ذلك من الحشرات الزاحفة..
فاضطررت إلي مطاردتها وتعقب أثرها..
وهنا بادره أحد جيرانه باقتراح بديل بحيث يقوم بتضييق الفتحات في النوافذ والأبواب حتي تحول دون دخول الفئران وغيرها..
وبالفعل قام "لطيف" بتضييق الفتحات حسب اقتراح جاره.
وفعل "لطيف" ما اقترحه جيرانه.. لكنه جلس هادئاً.. وقال لزوجته.. أشكرك انك تحملت مرحلة اكتئابي.. وأثمن لك صبرك عليَّ.
. فلقد استفدت من تجربتي في هذا الكوخ الصغير..

ولقد تعلمت من هذا القماش الخفيف..
والذي نسميه نحن حالياً "الشاش"
نعم تعلمت ان نكون حريصين فيما نفعل حتي لا نؤذي الآخرين برقة القماش
فإن "اللطف" ليس أمراً سهلا لأنه يحتاج منا أن نتعلمه.. وأن نتدرب علي خوض تجربته لأننا في النهاية سنكون المستفيدين.

وقال "لطيف" لزوجته.. إن تجربتنا في البعد عن الآخرين ما هي إلا هروب من الواقع..

وأضاف قائلا: لقد تعلمت منك يا زوجتي العزيزة أن رحابة الصدر وعدم انفعالك وهب لك محبة الجيران..

وأنا بدوري أقول لكم ان الحياة من غير ناس لا يمكن أن تُعاش
__________________