في عزبة "الخزان" شرق مدينة أسنا بصعيد مصر لا شىء سوى الحزن و الذهول وملامح الصدمة والأسى التي ارتسمت على الوجوه.. البسمة فارقت الشفاه.. والكل غير مصدق لما جرى.. في منزل العم عبد الله بدر يوسف العامل الاجرى البسيط - والذي يقيم في منزل ريفي بسيط من الطوب اللبن برفقة أمه وشقيقته وزوجته وأولاده الأربعة سحر 12 سنة ومنى 10 سنوات ومحمد 8 سنوات ومصطفى 5سنوات - .. فقد قام مصطفى القاتل ذو الخمس سنوات بذبح شقيقته الرضيعة "أم هاشم" ابنة الثلاثة شهور دون أن يدرك هول فعلته.. فقد قام مصطفى بذبح أم هاشم على غرار ما تقوم به أمه كل يوم خميس بذبح دجاجة أو ديك أو بطة أو إوزة كل اسبوع وتحديدا يوم الخميس.. ومصطفى كان قد شاهد أمه كثيرا وهي تذبح الطيور فأراد أن يقلدها فذبح أخته ليقود المنزل إلى جحيم مستعر ويحول عزبة الخزان الى مسرح لمأتم كبير. الرعب أيضا عرف طريقه الى الأمهات في المنطقة بل وفي كل أسنا، حتى في السوق تسمع النسوة يقلن "الواد ذبح اخته" هكذا تتحدث السيدات البسيطات في عزبة الخزان.
اللواء عادل لبيب محافظ قنا قرر من جانبه قيام الأجهزة المعنية في المحافظة ومؤسسات المجتمع المدني بتنظيم حملة توعية للأمهات بعزبة الخزان وغيرها من القرى للتحذير من وضع الآلات الحادة وأدوات المطبخ في متناول يد الاطفال وسبل المعالجة الصحيحة لظاهرة الغيرة لدى الصغار من قبل الوالدين.. وكانت جمعية رعاية مرضى الفشل الكلوي في أسنا برئاسة / حسين سدود أول مؤسسة مدنية تبدأ في تسيير قوافل لتوعية الأمهات في قرى أسنا فى إطار قرار المحافظ. مصطفى القاتل ذو الخمس سنوات وذو الملامح الوديعة لا يزال يلعب غير عابيء بما جرى على عكس ما رواه لنا والده عم عبد الله بدري الذي أكد لنا أن مصطفى عدواني ويميل للعنف وانه كان شديد الغيرة من شقيقته الضحية ابنة الثلاثة شهور ..قال لنا عم عبد الله وهو يغالب دموعه أن الحادث وقع وهو خارج البيت وان الناس قالوا له "الحق في حادث في بيتك" وعاد ليجد المأساة أمامه أن .. الرجل مفجوع ولا يدري ماذا يفعل، إذ أن مصطفى ابنه كما أن أم هاشم ابنته.
الام صابرة حلمي اكتست بالسواد وغطى الحزن وهول المأساة على ملامح وجهها الوجع بكل معانيه يسكن جسدها وعقلها وقلبها.. عمرها 35 عاما تزوجت منذ 15 عاما.. الأم المنكوبة روت تفاصيل ما جرى فقالت: في الساعة الثامنة صبيحة يوم الحادث قامت مثل كل يوم لمباشرة عملها في المنزل من أعمال نظافة ورعاية للماشية والطيور وكان برفقتها مصطفى الذي راح يلعب في المنزل بعيدا عنها وفي كل يوم خميس اعتادت ذبح دجاجة.. وكان مصطفى يقول لها انه سيذبح "أم هاشم" ويقطعها ثم يطبخها ويوزعها علينا كما تفعل هي في الفرخة وأنها كانت تحذره وتخيفه من فعل ذلك.. المهم إن مصطفى جاء صارخا ماما.. ماما.. ألحقي أم هاشم بتنزل دم أنا دبحتها زي الفرخة.
ولما أسرعت الى حيث كانت تنام الصغيرة أم هاشم وجدتها غارقة في دمائها فراحت في نوبة من الصراخ والعويل تجمع على أثرها الجيران وابلغوا الشرطة.. وبعد حديثها معنا راحت الأم في نوبة بكاء شديدة فشلت جهود جيرانها في إيقافها وصورة أم هاشم لا تفارق خيالها وكما ودعت البسمة شفاء عم عبد الله وزوجته الأم الحزينة فقد فارق النوم عيونهما.
السؤال هنا هل تكتفي السلطات بالتوعية؟ ماذا عن الطفل؟ هل سيخضع لتقييم نفسي للتأكد من سلامة قواه العقلية ولتوعيته ومساعدته على فهم ابعاد الفعل الذي ارتكبه لكي لا يتحول الى سفاح مستقبلاً؟... والعائلة الا تحتاج الى مختصين لمساعدة افرادها على التأقلم مع ما حدث وارشادهم للأسلوب الأمثل للتعايش مع المأساة؟ كيف يمكن للأم والأب ان يكونا على علاقة سوية مع الطفل القاتل؟ والطفل عندما يكبر كيف له ان يتعامل مع عقدة الذنب؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها وبحاجة لأجابة.
منقول