أحكام شهر شوال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا
عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ...
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:
فهذه بعض الوقفات مع شهر من أشهر الله تعالى، ألا وهو شهر شوّال المبارك، نسأل الله التّوفيق والإعانة..
-لماذا سمّي شهر "شوّال" بهذا الاسم ؟
اعلم أنّ العرب كانت قد سمّت الشّهور يوم سمّتها بحسَب ما يتّفق لها من الأحوال والأحداث، فكما سمّت شعبان لأجل تشعّبهم وتفرّقهم للبحث عن المياه، ورمضان لكثرة الرّمض والحرّ الّذي صادفهم خلاله، كذلك الأمر فيما يخصّ شهر شوّال، فهو مأخوذ من الشّول بمعنى الارتفاع، ومنه الظّاء المشالة، ولا يزال سكان المشرق إلى اليوم يعنون بها ذلك، فيقولون " شالها " أي رفعها، وقد ذكر العلماء سببين لذلك:
الأوّل : أنّ الثّمار والزّروع جفّت فيه، فالخير فيه يرتفع.
الثّاني : أنّ النّاقة تمتنع عن البعير فلا تدعه يطأها، فيقال: " شالت النّاقة "، ولعلّ العرب لذلك كانت تتشاءم من الزّواج فيه، فأتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهدم هذا الاعتقاد، فقد روى مسلم عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ( تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي" قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ ).
-هل لشهر شوّال مزيّة تخصّه ؟
إنّ شهر شوّال من أشهر الحجّ، كما في قوله تعالى: (( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ ))
فيشرع للمسلم أن يدخل في حجّه من أوّل يوم من شوّال، ويظلّ محرما إلى يوم التّروية، أو يريد أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ من هذا الشّهر.
-ما هي العبادات المستحبّة في هذا الشّهر ؟
يستحبّ في هذا الشّهر أمران اثنان على وجه الخصوص:
أ)صيام ستّة أيّام منه ، وذلك لما رواه مسلم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ )).
فأجر الصّائم لها مع رمضان كأجر من صام العمر كلّه، وتوجيه ذلك أنّ الحسنة بعشر أمثالها، فثلاثون يوما من رمضان بثلاثمائة، وستّة من شوال بستّين يوما، فالمجموع ثلاثمائة وستّون يوما، لو التزمها المسلم كلّ عام لصام الدّهر (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))
تنبيه : قد يقال: إنّ شهر رمضان قد يكون تسعة وعشرين يوما، فكيف يتمّ صيام الدّهر ؟
الجواب : اعلم أنّه قد روى البخاري ومسلم عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ )).والمعنى لا ينقصان في الأجر وإن نقصا في العدد.
ب)ويستحبّ أيضا في هذا الشّهر الاعتكاف في أحد المساجد الثّلاثة [المسجد الحرام، والمسجد النّبوي، والمسجد الأقصى]، وذلك لما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ.
-ما حكم من صام ستّا من شوّال قبل أن يقضي ما عليه من صيام رمضان ؟
كره بعض العلماء ذلك لسببين اثنين:
الأوّل : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ ))، والّذي لم يقضِ بعدُ ما عليه من رمضان، لم يصم رمضان، ولم يُتبِعه، بل قدّم عليه أيّاما من شوال.
الثّاني : إنّ على المسلم قبل أن يهمّ بالتّطوّع، عليه أوّلا أن يكمل الفريضة، فهو لا يدري متى يحلّ الأجل. ولا يُعقل أن يهبَ المسلم لصاحب الدّين مالا عل وجه التبرّع قبل أن يوفّيه حقّه ؟!
ومع ذلك فإنّ الصّحيح هو جواز صيام هذه الستّ قبل قضاء دين الصّيام، والدّليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: ( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ )..
فكانت تقضي رمضان في شعبان، ولا يمكن أن يُتصوّر أنّ عائشة لم تكن تصوم ستّا من شوّال ؟
-ما حكم من كان عليه قضاء من رمضان، ثمّ بدا له وسط النّهار أن يفطر ؟
-اعلم أنّ الصّحيح هو جواز الخروج من صوم النّفل، إذ المتطوّع أمير نفسه، وخاصّة إذا كان ذلك لعذر شرعيّ، كإجابة الدّعوة مثلا. ولكنّ الشّروع في قضاء صوم رمضان يجب إتمامه، لوجهين اثنين:
الأوّل : لأنّه صوم واجب، والمقرّر لدى أهل العلم أنّ فرض العين والكفاية يلزم بالشّروع فيه.
الثّاني : ثمّ لقد روى التّرمذي عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: كُنْتُ قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فَأُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: "إِنِّي أَذْنَبْتُ فَاسْتَغْفِرْ لِي !" فَقَالَ: (( وَمَا ذَاكِ ؟)) قَالَتْ:" كُنْتُ صَائِمَةً فَأَفْطَرْتُ"، فَقَالَ: (( أَمِنْ قَضَاءٍ كُنْتِ تَقْضِينَهُ )) قَالَتْ: "لاَ !" قَالَ: (( فَلَا يَضُرُّكِ ))، وفي رواية أبي داود: (( فلا يضرّك إن كان تطوّعا )).["صحيح سنن الترمذي" و"صحيح سنن أبي داود"].
فمفهوم هذا الحديث أنّه يضرّها لو كان قضاءً. فلا يجوز الخروج من صوم قضاء الفريضة.
هذا ما تيسّر ذكره فيما يخصّ بعض أحكام شهر شوّال، ونسأل الله لنا ولكم التّوفيق لطاعته، والثّبات على مرضاته، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.
منقووول