--------------------------------------------------------------------------------
( نصيحة عامة)
من محمد بن إبراهيم إلى من تبلغه هذه النصيحة من المسلمين- رزقني الله وإياكم الفقه في الدين، ومزيد التمسك بما بعث به سيد المرسلين، ومنّ علي وعليهم باقتفاء آثار الصدر الأول من سلفنا الصالحين المصلحين، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإن من أعظم فرائض الدين التذكير بآيات الله وأيامه في خلقه، والتحدث بنعمه، والتحذير من أسباب نقمه، لما في ذلك من أسباب حصول الخير الكثير، والسلامة من حلول العقوبات والتغيير، قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ).
وقال تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ )
وقال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
وقال تعالى: ( وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ).
وأعظم نعمة أنعم الله بها على عباده بعثه عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وهما العلم النافع والعمل الصالح، وأصل ذلك وأساسه عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه، فأشرقت ببعثته قلوب من استجابوا له بعد ظلامها، وخشعت ولانت بعد قسوتها، ونالوا بذلك من القوة بعد الضعف، والعز بعد الذل، والعلم بعد الجهل، ما فتحوا به البلاد وقلوب العباد، وعلت بذلك كلمة الله، وصارت كلمة الكفر إلى السفال والفشل والإذلال، وعزل سلطان الجاهلية والإشراك، فلله الحمد على ذلك.
إلا أن إبليس – أعاذنا الله منه – لشدة عداوته لبني الإنسان، وعظيم تغلغله بالكفر والطغيان، ومزيد جده في الصدف عن طاعة الرحمن، وإن كان قد صدر منه ما صدر من اليأس لم يدع الجد في إطفاء هذا النور، والتنفير من الحق والترغيب في أنواع الكفر والإلحاد والفجور، والدعوة إلى البدع والإكثار من الأز إلى المعاصر والشرور، وبث الشبه والشهوات، وألوان المغريات، على أيدي حزبه ومن استجابوا من شياطين الإنس ، ومن أنواع الخدع بزينة الدنيا وزخارفها الفتانة وضروب الشهوات، وشتى أسباب الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، من أجناس الملاهي وصنوف المسكرات، حتى ثقل على القلوب سماع القرآن وحصل التهاون بوعيده، وعدم الاهتمام بزواجره وتهديده، لا سيما بعد ما تصرمت أيام القرون المفضلة، فإنه قد اشتد الخطب، وانفتح باب الشر على مصراعيه، ولم يزل في مزيد، وإن كان ربنا تبارك وتعالى قد منّ ببقاء أصل هذا النور وتأييد هذا الحق بما أجراه على أيدي علماء الصدق ورثة الرسل من تجديد هذا الدين وإقامة حجج الله على عباده، ومع ذلك فالأمر على ما وصفته من تأثير مساعي إبليس وجنوده على الأكثر حتى اشتدت الكربة، وصار الدين في غاية الغربة، ولا سيما أزماننا هذه التي صار فيها عند الأكثر المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة، ربي على ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطفى طوفان المادة، وأخفى غبار الشبهات والشهوات وضوح الجادة، وفشا الجهل، وتكلم في الأمور الدينية من ليس لها بأهل، حتى صرح من صرح من جهلتهم فيما يكتبونه وينشرونه بمزيد الحث والتحريض على ما هو من أعظم ما يهدم الإسلام، وينسى أصوله العظام، وأصبحت القلوب إن لم تمت في غاية من أنواع الأمراض مرض الجهل ومرض الشهوة ومرض الشبهة، حتى استولت عليها القسوة والظلمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فيالها من أمراض ما أصعبها مع الإعراض عن الأدوية المحمدية، وما أسهلها وما أخفها وما أسرع برأها متى عولجت بالدواء الذي بعث به طبيب القلوب الأكبر صلى الله عليه وسلم، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجهل مرضاً لما ينشأ عنه من عمى القلوب الذي هو المرض – أيّ مرض – وفيما بعث به صلى من الكتاب والسنة لهذه الأمراض أنجع دواء وأنفع شفاء، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ).
وقال تعالى: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً).
فهلم إخواني نداوي هذه الأمراض بأدوية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبر أوامرهما ونواهيهما ووعدهما ووعيدهما وزواجرهما، ومذاكرة بعضنا مع بعض، وقيامنا لله مثنى وفرادى لنتذكر ونتفكر ونتناصح ونتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر، ونحب في الله ونبغض في الله، ونوالي في الله ونعادي في الله، ونتعاون على البر والتقوى، ونبحث في أدوية تلك الأمراض التي تحصيلها من أسهل شيء عندما تحصل القلوب على الصدق في طلب هذا الدواء، والإقبال على الله في التماس السلامة من تلك الأدواء، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا).
هلم إخواني نشخص سائر أمراض قلوبنا ونشخص أدويتها، ونجاهد نفوسنا على معالجتها من تلك الأمراض المهلكة،ويحض بعضنا بعضاً، ويحذر كل منا نفسه وأخاه من وبيل أخذ الله وشديد عقابه الدنيوي والأخروي، ومن الإقامة على أسباب تغيير ما منّ الله به من التوحيد، وتحكيم الوحي المحمدي والعز والتأييد، والأمن والصحة والهدوء، ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ).
وفي الأثر: "أن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله إلا حول الله عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون".
إخواني: إن ربنا تبارك وتعالى لم يغير على قوم نوح بإهلاكهم بالطوفان وسائر من أوقع بهم عقابه وأحل بهم سطوته إلا بعد أن غيروا بمعصيتهم رسله وفسقهم عن طاعته فاستوجبوا التدمير: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ).
هلم إخواني لإمساك بعضنا بيد بعض وتنشيط بعضنا لبعض إلى اليقظة والانتباه من هذه الرقدة التي طالما انتهز عدونا فيها الفرصة.
هلم إخواني للتوبة النصوح إلى ربنا ورجعونا مما يسخطه إلى ما يرضيه قولاً وفعلاً، ومعاملة لبعضنا مع بعض بإخلاص وصدق، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(طبعت في مطابع الرياض – ووزعت في المساجد)
رابطة العالم الإسلامي .
(4538- نصيحة عامة)
المجلد الثالث عشر موسوعة فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله
.