المقَـدّمَة
الحمد لله رَبِّ العالمين, وأَشهد أَن لا إله إلا الله الحق المبين, وأَشهد أَن محمداً عبده ورسوله ونبيه الأَمين صلى الله وسَلَّم عليه وعلى آله وصحبه ومـن اهتدى بهداه إِلى يوم الدِّين.
أَما بعد: فمن نعم الله علينا وعلى عموم المسلمين انتشار السنة, والعمل بها, مع احترام أَئمة العلم الهداة في القديم والحديث, والتخلص من التعصب الذميم. لكن قد يَجْنَحُ المستدل فَيُغْرِقُ في الاستدلال, وقد يَشْتَطُّ فَيَبْتَعِدُ عن مدارك الأَحكام, وقد يحصل الغلط, والوهم, والاشتباه في الفهم. وَقَدْ غَلِطَ الكبار في فهم بعض السنن. وَلاَ لَوْمَ وَلاَ عِتَاب. ولهذا حرر المحققون: أَن ((تراجم المحدِّثين))( 1) على السنن ليست حجة عليها, بل الحجة في الحديث والسنة. إِذ المُتَرْجِمُ قد يُصيب وقد يُخطئ, وإن كان خطؤهم قليلاً جداً, وهذا كالشأْن في فقهيات المذاهب, فالدَّليل حجة عليها, لا العكس. وإِذا كانت هذه أَخطاء تكون لدى أَهل العلوم كافة: مفسرين. محدِّثين. فقهاء. مؤرخين. لسانين. أُدباء. والتنبيه عليها محمدة في الإِسلام, ومنقبة لأَهل العلم والإيمان, فَلاَ ضَيْرَ وَلاَ مَلاَم إِذا رأَينا شيئاً من هذا لدى بعض أَهل عصرنا فحصل التنبيه عليه, ولا يأْنف من قبول الحق إِلا ((عَائِلٌ مستكبر)).
فأَقول: كُنَّا نَرَى من ينتصر لقول شاذ, فَيُظْهِرهُ وَيَسْتَدِل لَهُ, ويدعو إِليه, أَو يأْخذ برخصة فيها غثاثة فيُشهرها ويبذل جهوداً في سبيل تعميمها وإِبلاغها. وقد كفانا العلماء مؤونة الرد بالتقعيد الناهي عن حمل ((شاذ العلم وغثاثة الرخص))(2 ). لكن في المعاصرة بدت مفاهيم بين الواجب والمستحب, في العبادات الظاهرة المتكررة, والشعائر المعظمة, لا عهد للعلماء بها منذ صدر الإِسلام حتى عصرنا, وإِن تنزلنا ففي بعضها قول مهجور على مدى القرون, وكفى خطأً بقولٍ: خُرُوْجُهُ عن أَقوال أَهل العلم( 3). وكان فيما بدا: أَعمال, وحركات, وهيئات, وصفات في ركن الإِسلام العملي الأَعظم بعد الشهادتين: ((الصلاة)), أَبْرَزَتِ المصلي في بعضها: في حال من ((التكلف)) والله تعالى يقول عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾, ويقول: النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((بعثت بالحنيفية السمحة)).
وفي حال من ((التحفز)), والصلاة: خشوع وانكسار من العبد بين يدي ربه ومعبوده – سبحانه وتعالى -. وفي بعضها استدراك على أُمة محمد صلى الله عليه وسلم في هجر هذه السنة وَفَوَات العمل بها منذ صدر الإِسلام حتى ظهر القول بها في عصرنا.
وفي هذا تأْثيم لأُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم. وكثيراً ما تكون هذه الفهوم المغلوطة, من التَّوَغُّلِ في فهم السنن تارة, وعدم الالتفات إِلى المعاني والأُصول اللسانية, والحديثية والفقهية تارة أُخرى, وهذا من خطر التجريد في دليل التقرير, والغفلة عن سُنَّةِ الوسطية والاعتدال في الصلاة, والإِعراض عن كتب الفقه والخلافيات للوقوف على علل الأَحكام ومداركها, وخلافهم فيها. وما الحامل على هذه التنبيهات إِلاَّ المحبة للسنة وأَهلها, ودفع ما ليس منها عنهم وعنها, وحتى لا يتشفى بهم كل مبتدع, ولا يبلغ مأْربه منهم كل متقول, وهي تنبيهات لا تنقص من أَقدارهم, ولا تحط من فضلهم في إِحياء السنن, والعمل بها. فإِلى بيان بعضها:
* * *
(1) انظر: ((إحكام الأَحكام)) لابن دقيق العيد: (1 / 293 - 296), و ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم: (4 / 89).
(2) بسطت هذا في: المبحث الثالث من كتاب: ((التعالم)).
(3) ((تفسير ابن جرير)): (11 / 55).