بسم الله الرحمن الرحيم
قامت قائمة البعض في الأيام القليلة الماضية , وأجلبوا بخيلهم ورجلهم على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وانقسم الناس إلى منافح ومهاجم - ولابد أن يكون الحال كذلك - فهو صراع بين حق أبلج وباطل لجلج , وهذا الانقسام والتمايز بين الصفوف يمكنك اكتشافه , واكتشاف موقف الفئتين من خلال آيتين كريمتين من كتاب الله تعالى - طالما وقفت عندهما كثيرا- تجلو لك الحقيقة , وتبعد عن عين غشاوتها , فأما الفئة الأولى فتتضح صفتهم في هذه الآية :
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
وأما الفئة الثانية فتتضح صفتهم في هذه الآية :
(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ)
تضاد عجيب بين الفئتين , إيمان يقابله نفاق , وأمر بمعروف يقابله نهي عنه , ونهي عن المنكر يقابله أمر به . ولكي تتعرف السبب الحقيقي خلف هذا التضاد ؛ فانظر إلى تتمة الآيتين , فأما الآية الأولى فتتمتها :
(وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم) . فمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هم ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويطيع الله ورسوله .
وأما تتمة الآية الثانية التي تبين لك صفات من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف فقوله تعالى : (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) , فلما كانوا يأمرون بالكفر والمعاصي وتركوا طاعة الله ( نسوا الله ) فقد ترتب على ذلك : ( فنسيهم ) أي : تركهم سبحانه من رحمته ؛ فلم يوفقهم إلى خير.وبذلك تتضح لك الصورة أن الصراع بين الفئتين ليس صراعا – كما يدعيه البعض – لتحسين حال الهيئة , بل هو صراع بين الحق والباطل , بين الطاعة والمعصية ؟؟؟
إن الهيئة جهاز له أخطاؤه كباقي الأجهزة , لكن الحملة التي أقيمت ضدهم لم تكن بهدف الإصلاح , ومن نقدهم ليس لهم شرع يتبع , ولا قول يستمع , بل هم حثالة المجتمع وزنادقته , ولن نطلب ديننا وصلاح أمرنا عند أمثالهم , وليت الصارخ منهم رفق بنفسه , أو أقامها مقام هؤلاء الفئة المجاهدة ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
أََقِلُّوا عليهم لا أباً لأبيكمُ ** من اللَّوْم أو سُدُّوا المكان الذي سَدُّوا
هذه الفئة التي تتظاهر بالإسلام تريد أن تذهب به إلى حيث لا مصلحة للمسلمين , ولهذا تصادر جميع الآراء التي لا توافق هواهم , فزوروا الحقائق , وجرءوا الناس , حتى استطال البعض في شتم الهيئة وسبها , وتطاول بعض الرعاع باليد والضرب , متناسين أن أبا عبيدة بن الجراح قال للرسول صلى الله عليه وسلم : يارسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة قال (رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف ونهى عن المنكر) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ).
إن رجال الهيئة ليسوا بمعصومين من الخطأ , وهذا حال البشر , فقد أخطأ من هم خير منا , فحماس البعض عندما يرى المنكر قد يدفعه للثوران , وعدم ضبط النفس , وقد ثار الصحابة رضوان الله عليهم بمن بال في المسجد , وهناك من قتل من قال لا إله إلا الله ظانا أنه إنما قالها متعوذا , ولهذا قال له صلى الله عليه وسلم : هلا شققت عن قلبه, لكن يبقى باب التوبة والمراجعة والتصحيح فاتحا مصراعيه , إلا أن هناك فئة قدمت سوء الظن , واعتبرت أي خطأ من الهيئة صيدا ثمينا , وأنه من باب ( غلطة الشاطر بعشرة ) ويجب استغلالها وتوظيفها بما يحقق رغباتهم وأهوائهم , متناسين أو جاهلين أن إثم الوقوع في (الشاطر ) ليس كالوقوع في غيره ؟؟
إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي عده البعض ركنا سادسا من أركان الإسلام , يترتب عليه الكثير من العواقب الوخيمة , ومنها عذابنا – وقانا الله وإياكم - فقد سألت زينب بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم إذا كثر الخبث ) , كما يترتب عليه عدم استجابة الدعاء وتسلط شرار الأمة على خيارها – وهو ما يسعون إليه- فقد ورد في الحديث : (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لكم )
إن نظرة فاحصة لكل ذي لب في تعرف أحوال تلك الفئة التي تتهجم على الهيئة , تغني عن الأبحاث والمقالات في معرفة الحق واستبانة سبيل المجرمين .
نسأل الله تعالى أن يرد كيد الخائنين في نحورهم , وأن يدرأ عنا شرورهم