رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(4-من بيشة إلى أبها ) - ::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي :::

العودة   ::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: > :::. أقسام ( دغــش الــبـطــي) الأدبـيـة .::: > :: قسم القـــصص والروايـــات ::

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-05-2005, 12:19 AM   #1
 
إحصائية العضو








العماني غير متصل

العماني is on a distinguished road


افتراضي رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(4-من بيشة إلى أبها )

من بيشة إلى أبها





بتغييرنا للبلد أخذنا معنا مرشدا جديدا من قبيلة شهران.
أما الستون كيلومتر التي نقطعها اليوم فتمر بمنطقة بها صخور من الجرانيت ذات المنحدرات الملساء التي يشبه انعكاس لمعان صخورها انعكاس أشعة الثلج الباهتة. وفي الحقيقة إن لون هذه الصخور كان أسود وهو مكون من أكوام شبيهة بالأحشاء، الكلى أو الكبد المتجمد.
كنا نسير في شعاب رملية يتراوح عرضها بين ستة كيلومترات ومئة متر. وفوق القمة كان هناك جملان واقفان، يقاس شبحهما الذي كان يتراءى لنا من بعيد بمليمترين أو أكثر قليلا، وبعد ذلك بقليل حضر إليهما خيال أحد البدو. فقد كانا يقفان في أحد المراعي لكنهما يذكران بمرحلة انتهت منذ عهد قريب، حيث كان يجلب لها العشب من بعيد. ما أنسبها من ظروف للهجوم علينا، حيث كانت قافلتنا توجد في نفق ضيق وعشوائي. أحب هذا الأمن الذي نشره ابن سعود على أراضيه. فقبل عشرين سنة وفي مثل هذا المشهد كان من الممكن أن تجبر قافلتنا على التوقف والدخول في علاقة قد تنتهي بمعركة. لقد تجاوزت قافلتنا بهدوء خمسة من البدو فوق جمالهم وفي أيديهم بنادقهم. وفي هذه الأثناء لحقنا بفهد بن تركي، ابن الأمير في سيارته الكاديلاك الرمادية. كان مثلنا نازلا إلى بلدته أبها حيث سيحل محل أبيه الذي كان متغيبا عن البلدة. شربنا معه كوب شاي تحت ظل صخرة، وبعد التقاطنا بعض النقوش انصرفنا وقد تركناه مع طفله الذي كان في السادسة من عمره وبرفقته شخصان بالإضافة إلى سيارة الجيب.
وفي المساء نصبنا خيمتنا في بئر ابن سرار..
كان البدو وحيواناتهم يسكنون المياه حول جنبات البئر تاركين بركا على بعض الأمتار المربعة، لكن هذا الإفراط في سكب الماء يناسب الطيور والحيوانات المتوحشة التي تأتي ليلا لتشرب منه، وكأن بينهم اتفاقا ضمنيا في هذا الموضوع، ولذلك تجد البدو نادرا ما ينصبون خيامهم على ضفاف الآبار. وذلك لسببين: الخوف من الهجوم والخوف من البعوض الذي ينقل داء الملاريا.
خرج من الصحراء سربان من الطيور في حجم طائر الزقزاق الذهبي اللون، تشبه دجاج الماء في سلوكه، وهي لا تطير إلا فجرا وعند غروب الشمس، إنها طيور القطا، أكلها جيد، ولذلك أخذت منها ثلاثة أو أربعة أفراخ.
أوشك الليل على الانتهاء، وأنا ما زلت متقرفصا إلى جانب فيلبي، نتداول أطراف الحديث ونجمع الفراشات الليلية التي تتساقط حول الفانوس الذي يشتعل بالزيت، نمسكها بمكبس الطوابع وندخلها في إناء العسل المخلوط بالسيانور (مادة سامة). ومباشرة بعد موتها نضعها، بعد أن نضم إليها أجنحتها، في ورقة ونكتب عليها تاريخ ومكان الحصول عليها.
وعلى الرغم من أن فيلبي قد بلغ الستين سنة من عمره فإنه ينام دائما في العراء محاطا بمتاعه وبجهاز الراديو هذا الجهاز هو الشيء المترف الوحيد الذي يقدمه لنفسه في هذه الصحراء. إنه يتمسك به كما يتمسك ببؤبؤ عينه، كما أنه يستخدمه بكثرة في كل رحلة. وبما أنه يكره الموسيقا فإنه يجعل من نشرات الأخبار التي تصاحب أحيانا بمواعيد الساعة موعدا لضبط أموره.
كان فيلبي يقدم لنا بسخاء كل مساء سيجارا جيدا.
التحقت بالخيمة البيضاء من الخارج والخضراء من الداخل حيث تتوازى أسرتنا نحن الثلاثة. قمنا أنا وريكمان وجاك بتسجيل النقط سويا حول ما حققته الرحلة في اليوم نفسه، كنا نسجل الصور التي أخذناها خلال المرحلة، ونحرر يومياتنا الشخصية وقلما ننام قبل الحادية عشرة ليلا. كل واحد منا خصص له قسم صغير داخل الخيمة يكون محترما من قبل الآخرين، إنها آخر طلل لغريزة حب التملك وهي عادة عدم التنظيم الخاص.
إننا نوجد في منطقة غنية بأفراخ الحجل والأرانب والقطا، التي كان يصطادها رجالنا بانشراح، بالإضافة إلى أنهم يرمونها بالخراطيش المخصصة للرحلة، كانوا يأتونا بعدد من الطرائد مصابة في مناطق مختلفة من جسدها.
سمعنا بإشاعة تقول بوجود تمثال ذهبي في نجران، قد يكون محفوظا لدى بعض ممثلي السلطة المحلية المسلحين أو أنه من بقايا أثر أصحاب الأخدود. سنرى الأمر عندما نصل إلى عين المكان.
وفي مساء يوم 23 نوفمبر توقفنا على بعد مئة متر من واحة خيبر، حيث يعيش السكان في حصون مغلقة تتألف من ثلاثة إلى أربعة أدوار محاطة بأسوار قليلة الارتفاع. كل مجمع سكني تحيط به قطعة من الأرض تابعة له، وتبتعد بمئات الأمتار عن جاره. وكلها محاطة بنخيل ومزارع الذرة التي يصل علوها إلى طول قامة الإنسان. وفي مجرى الوادي كانتا تنبت الكثير من أشجار الخروع. أما الأعراب الذين يعيشون هنا فهم ذوو قامة قصيرة، نحيلون وفقراء.
تمتد الواحة على مساحة أربعين كيلو متر على شكل جزر صغيرة من النخيل ومزارع مسيجة، مفصولة عن بعضها بمناطق غير مزروعة.
وهناك ممرات ضيقة يصل عرضها أحيانا إلى 50 سنتيمتر وهي تتقاطع وتمتد في شكل متواز الواحد إلى جانب الآخر. لقد عثرنا على الكثير من النقوش من بينها ما قد جمعه البدو لفيلبي في رحلة سابقة.
وفي السهل تتناثر قبور بدوية هنا وهناك، وهي عبارة عن أكوام صغيرة مغطاة بالحصى وفوقها حجرة عمودية تدل عليها. إن دفن الموتى أمر يسير في المملكة العربية السعودية، والملك نفسه دفن كما يدفن أفقر واحد من رعاياه.
وعندما تتوافر المياه في هذه المنطقة كان البدو يبنون لها حواجز صغيرة، وقد كان يصعب أحيانا على سياراتنا عبورها. أما اليوم فإن الماء يستخرج من الآبار في قرب من الجلد، ويساق على عربات ذات عجلات من الخشب، التي يسمع صريرها طول اليوم. ويعتقد المالكون لهذه المياه أن هذا الصوت يسمح لهذا بمراقبة سير العمل دون مغادرة المنازل.
لقد قررنا اكتشاف واحات خيبر إلى نهايتها الشمالية، وهو العمل الذي لم يقم به أحد من قبلنا. وكانت السيارة تتخطى الحواجز المائية ثم تنزلق في رمال الوادي الرخوة. وبمساعدة السكان كنا نتمكن من إخراجها منها، ويبقى علينا بعد ذلك نفخ العجلات ورفع السيارة بالرافعة، أو سحبها لملء الحفر تحت العجلات.
وبعد 35 كيلومتر من هذا التمرين الذي مررنا فيه بالكثير من المزارع الصغيرة، حيث كنا نثير إعجاب جميع الأطفال على طول الطريق وزرع الرعب في قلب الجنس اللطيف وصلنا إلى جبل ضور المطل بواجهته ذات اللون البرتقالي على شعيب ضيق. وتطلق كلمة ضور منطقيا على "الخبز المصنوع من سكر الجرانيت ".
كنا نحن أول من وصل إلى وادي المسيرق ذي المجرى الملتوي والضفاف المأهولة بالسكان. وقد اكتسب رجوعنا الإيجابيات والسلبيات نفسها تماما كما في الذهاب.
وفي المساء أخرج جاك من حقيبته موسى حادة وعددا من المقصات، فقص بها شعري، فرددت عليه منتقما بقص شعره هو الآخر. كانت بعض النقوش توجد بمحاذاة مخيمنا مباشرة، وقد أعرب فيلبي عن رغبته في أن يصطحبنا أحد المرشدين المحليين الذي كان شبه أعمى، لكنه كان، أمام اندهاشي الكبير، يخرج من مواقف كثيرة، إذ إنه كان يحدد لنا الطريق الذي يجب اتباعه بأوصاف مضبوطة تقريبا، قائلا: هاهنا. ولم أستطع مقاومة هذه الرغبة الصبيانية بإضافة اسمي إلى اسم أصحاب القوافل الذين مروا من هنا قبل قرون. كان للأحجار الصلبة جدا والخشنة جدا أثر فظيع في الأحذية، فقد استنفد جاك نهائيا زوجا من الأحذية الرياضية في أقل من عشرة أيام، حيث إنها أصبحت مثقوبة ومفصولة الخيوط ولا تصلح إلا للنفاية.
وفي يوم الأحد 25 نوفمبر، كنا على علو 1700 متر.
هانحن أولاء اليوم في عز البرد، وقبل أن تشرق الشمس بخيوطها الأولى على الرمال والصخور، يكون الماء قد تجمد في القرب المعلقة في مقدمة الشاحنات.
وبالنسبة لنظافة الصباح، فقد كان لكل واحد منا الحق في قارورة من الماء، وقد كانت برودة الأظافر تشنج الأصابع، وكان جاك في هذا الوقت يستحم وجسمه عار، فيما كنا، ريكمان وأنا، نحاول أن نتصرف كالأوربيين المتوسطين، فنغتسل في الخارج تحت برد يصل إلى درجة الصفر. بينما كان فيلبي يذهب ليغتسل بعيدا وفي يده إبريق شاي ضخم مزخرف باللونين الأبيض والأحمر.
كان مرافقونا الأربعة عشر ينظرون إلينا باندهاش، مرتدين جلود الخرفان الضخمة على أكتافهم، وأياديهم ممدودة على لهب النار التي يطبخ عليها إبريق القهوة الذي لا نستغني عنه. فهم أيضا يغتسلون ولكن ليس في الفجر.
ها قد أشرقت الشمس، إنها على شكل قرص أحمر كبير في سماء زرقاء. وكانت القافلة تتوقف كثيرا سواء كان ذلك بأمر من فيلبي الذي كان يقوم بتقطيعاته الخرائطية، أو عندما نكون بصدد جمع النقوش والرسوم من فوق الصخور، كما هو الأمر في هذه الهضبة الثمودية التي كنا نظل نجمع فوقها إلى أن نصل إلى قمتها.
لقد فرض علينا تراكم الرمال حول السيارات على حافة أحد الوديان نصب مخيمنا هناك في المساء.
وفي الغد غادرنا غابات الصنوبر الكبيرة المحيطة بجبل شطبة مواصلين تجوالنا نحو جنوب المملكة العربية السعودية. لكن حدود اليمن لا تزال بعيدة، وباعتبارنا مسافرين غير مقتنعين فإننا كنا نسرع الخطى نحو الأراضي غير المعروفة والأماكن التي يقال إن بها الكثير من النقوش.



وبهدوء تام يواصل قطيع الماعز الأسود رحلته الأزلية متدحرجا بطريقته الخاصة بين الصخور متجها نحو أقرب مورد، كانت ترعاه بدوية تلبس ثوبا أصفر متسخا، وهي تغزل الصوف، وعلى ثوبها بقع من قشور الرمان. وقد كنا نحن نمثل بالنسبة إليها حدثا ستحدث به زوجها في المساء تحت الخيمة. المرأة في المنطقة، إذا كانت عربية لا يمكنها أن تتزوج إلا رجلا من عرقها، واذا كانتا سوداء (إفريقية) فإنها تتزوج بحسب رغبتها إما أن تكون زوجة لرجل أسود أو لرجل عربي.
وصلنا إلى شعيب عرضه سبعون مترا استطاعت السيارات اجتيازه بسهولة يسمى وادي ابن هشبل الذي يجب أن تعبره جميع السيارات في اندفاع دون الاهتمام بما سيلحق بالسيارات الأخرى، سنهتم فيما بعد بالسيارات التي تغرق في الرمال خلفنا. هذا الشعيب يقع في الحوض الواسع لوادي بيشة.
توجد بهذا الشعيب قرية صغيرة منازلها مبنية من الطوب الطيني داخل مرتفعات مكونة منها غابة أشجار طماريس النحيلة والمظللة ببعض أشجار النخيل، إنها قرية ابن هشبل التي تطل عليها تلال من الجرانيت طولها 200 متر، وتقع في جبل ضور الدرفا المحاط بحاجز دائري من الأحجار وهو ممسوح بفعل انجراف التربة. كانت النساء يطللن علينا من نوافذ صغيرة تشبه العيون مطلية بالجير الأبيض، هؤلاء السكان يعيشون في خوف أزلي من الرحل الغزاة. كما يوجد هناك برج دائري ومعزول قطره يصل إلى مترين ومدخله إلى 80 سنتيمتر، يقيم فيه الرجال الأكثر شجاعة حيث يقومون فيه بحراسة البلد ويدافعون عن ممتلكاتهم في حالة الهجوم عليهم. لكن هذا كان في الزمن الغابر، زمن الفوضى، أما اليوم في زمن السلم فإن هذا البرج لم يعد يتلقى الصيانة اللازمة وأصبح يفقد جانبا من حيطانه كلما انهمر المطر. مسكينة هذه الحيطان المتصدعة، إنها شاهدة على الزمن العربي الذي لا يراه جميع البدو بالطريقة نفسها.
وفي الكيلومتر 22 من هذه المرحلة انحرفنا عن طريق الشاحنات والسيارات آخذين الطريق القديم الذي كانت تسلكه القوافل المتجهة إلى أبها. لم يسلك هذا الطريق أي أوربي من قبلنا، وكنا نجهل تماما ماذا سيحدث للسيارات التي تتطلب نوعا من الطرق لا تتطلبه الإبل. وعند محاذاتنا الحواجز الوعرة التي تشرف على معبر ضيق، أصبحنا نجانب تباعا قطعا من حجر السماق الأملس ومن الصخور اللامعة.
كان هناك عدد كبير من العظاية يصل طول الواحدة منها إلى عشرة سنتيمترات، حيث كانت تنتقل من السكون التام إلى التوحش تحت الأنوار، لتتوقف بعد ذلك لتراقب تحركاتنا بأرجلها المتقوسة وبرأسها المتجمد.
وبفعل الارتجاجات الكثيرة في الطريق غير المعبد الذي كنا نسلكه كنا نغرق في الرمال ثم نخرج منها لنغرق ثانية. أما الرجال فكانوا قد شرعوا في العمل، كانوا يسحبون الأحجار من الطريق، أو يدلفون بصفائح من القصدير تحت عجلات السيارة، يفعلون هذا وهم يبتسمون لنا في السيارة، وبين شفتي كل واحد منهم سيجارة، يفرحون عندما ينجحون في إخراج السيارة من الرمال. كانوا يغنون ويمشون إلى جانبا السيارة، وهم يمسحون العرق المتصبب على وجوههم، ويزيلون الشوك من أخمص القدم، وينظفون أسنانهم بأعواد الأراك ولا يشربون أبدا في أثناء العمل.
وقريبا سنكون على علو ألفي متر في ممر جبلي حيث تمتد الرؤية فوق أشجار البلوط الموجودة في الهضاب المجدبة (القاحلة) التي تشرف عليها من ناحية الغرب القمم الجبلية المجدبة ذات اللون الأزرق والواقعة في جبل عسير.
بعد ذلك بقليل شرع رجالنا في الصياح بعدما شاهدوا قطيعا من 80 حيوانا يمر بمحاذاة سفح محصحص، وقد كان هذا قطيعا من القردة الكبيرة الغليظة الرأس ذكورها في طول الكلاب من نوع بيرجي، وكذلك أنثاها وصغارها. بعضها يجانب السماء مذكرا بأرواح الجبال وهي ترقب المسافرين. كانت تتقدم ببطء على شكل واد صغير بين الأنقاض. صوتها يجيب أصوات رجالنا كما يرجع الصدى الذي يضعف كلما ابتعد. هذه الليلة ستكون هذه القردة موضوعا لنهب ثقافي، في انتظار القضاء عليها نهائيا. وستضاف إلى اللائحة الطويلة للحيوانات التي تعاني من الانقراض، في بلد يحمل فيه جميع الناس السلاح بالإضافة إلى أن شروط الحماية غير موجودة.
من فرط جهل المرشد فإنه كان ينعت القردة الأولى بالكلاسيكية. ولا عجب في ذلك فهو يعطي الاسم نفسه لواديين أو ثلاثة وديان بالتتابع. وأحيانا يشطح به الخيال فيعطيها أوصافا ونعوتا: كبير، صغير، دائري، أسود، لقد حان وقت التخلص منه وإرجاعه إلى قبيلته.
توقفنا حوالي نصف ساعة لإصلاح المقطورة ثم انطلقت سيارة الجيب. العرب ليسوا ضعفاء في الميكانيكا، لكن بعضهم لا يعرف ماذا يفعل. فعملهم يتمثل غالبا في تقليد الحركات التي شاهدوها أمام أعينهم وخاصة تلك المتعلقة بإزالة قطع الغيار المعروفة. أما في المدن فيوجد ميكانيكيون جيدون وكذلك في المناطق المعزولة، ومع ذلك فهناك الكثير من السيارات التي تخلى عنها أصحابها بدون سبب معقول.
هذا هو مدهمي وهو عبارة عن مزرعتين معزولتين مع بعض المساحات الأرضية المزروعة. إلى هنا كنا قد قطعنا مسافة 61 كيلو متر ونسخنا حوالي خمسين نقشا ورسما بينما كانت الخيمة البيضاء تنصب تحت نظرات الرجال الفاحصة. أما النساء فكن يتجاورن تحت السماء المتعددة الألوان. فقد كن واقفات على الأسقف البيضاء التي يخرج منها دخان النار في هدوء المساء. وكانت رائحة الزعتر المتوحش تزيد من حدة الهدوء الريفي لهذا المكان.
وفي الصباح وبتشجيع منا جاء بعض الأطفال وجلسوا حول النار وهم ينظرون إلينا باندهاش وإعجاب. لا تفلت منهم أية حركة نقوم بها، كل حركة منا كانت تفسر بتمتمات تتوقف إذا اقتربنا منهم. بعض البنات الصغيرات ذوات الوجه السامي جميلات، العيون محاطة بالكحل الأسود والأظافر مخضبة بالحناء الأحمر. كلهم يقبلون منا الخبز، وعما قريب سنصبح أصدقاء. كنت أوزع عليهم بعض الدمى من البلاستيك وكذلك بعض الخرفان من البلاستيك أيضا. كن يمررن هذه الأشياء المذهلة من يد ليد، ينفجرن بالضحك أو يتراجعن خوفا، طالبين المزيد من هذه الأشياء.
على طول الطريق كانت توجد أشجار الشري بأوراقها ذات اللون الأخضر المائل إلى السمرة، وثمارها ذات اللون الأصفر- الليموني في حجم التفاحة، أما أغصانها فتميس إلى أن تبلغ الأرض. إنها كثيرة الماء لكن طعمها لا يزال مرا، وأكلها يصيب بالإسهال كما قال المرشد مازحا.
كانت تلك آخر كلمات المرشد الرسمية، ذلك لأنه أصبح غير كفء تماما. لقد عوضه أحد الشبان الذي رافقنا بشجاعة على الرغم من بكاء أمه عليه. وكنا لا نعدم ممرات صعبة، وأما الأماكن فإننا كنا نصادف فيها أحيانا أطرافا حادة لدرجة أنها كانت تسبب اهتزازا عنيفا للعجلات فتقذف خليطا من الغبار ومن دخان البلاستيك المحترق. أما الحفر فكان فيها ما يشبع رغبة المتسابقين على الدراجات النارية، مع فارق في كون هذا يحدث عندنا ونحن نسير ببطء في مكان وعر حيث تجعلنا هذه الحفر نترنح أحيانا بشكل لا مثيل له.
كانت الممرات والمعابر محاطة بعدد من أبراج الحراسة المبنية من الحجر كانت خالية لا يوجد بها أحد، وقد أصبحت متراكمة ومعزولة، أي عبارة عن أطلال تشرف على عابري هذا الطريق.
شاهدنا في الكيلومتر 24 في وادي مرسل مجرى به ماء يجري طوله 200 متر. وهذا مشهد نادر في المملكة العربية السعودية. أما العشب الذي يوجد على جنباته فجميل وكثير، وكانت به أبقار تحمل فوق رقبتها سناما على شكل بردعة طبيعية، وقد التفت إلى ثعلب وهو يهرب. كانت هناك بعض النساء بثيابهن الخضراء والصفراء والبرتقالية والحمراء مرتديات الحجاب الأسود، وهن ينظرن بسرور إلى هذه المنطقة المحظوظة من الطبيعة.
إن عاصمة عسير قريبة جد ا، الفلاحون يذهبون ويرجعون راكبين حميرهم القوية ذات اللون الأسمر الناصع أو الأبيض، إلا أنهما ذوو عادة سيئة تتمثل في امتطائهم الحيوانات تاركين المرأة تسير خلفهم على الأقدام حاملات فوق رؤوسهن سلالا ممتلئة أو أحزمة من الحطب. يحكى أن الزوجات في ليبيا كن يحظين بالأولوية وخاصة في الحقول المعدنية.
لقد بنيت الحصون الواقعة فوق أبها من قبل الأتراك. وبعيدا من هنا صوب الجنوب، يوجد جبل نهران الذي تعلو قمته بثلاثة آلاف متر تقريبا.
وبعد اجتيازنا لممر صغير شاهدنا المدينة ممتدة نحو الأسفل يفصلها عنا وادي وكنا نحتاط من عبور الجسر المؤلف من خمسة أقواس، مفضلين أسوة بجميع الناس النزول إلى مجرى الوادي ثم الصعود ثانية.
هذه هي أبها، المدينة المربعة الشكل وغير المحصنة بالأسوار من جميع جوانبها، يسكنها حوالي عشرة آلاف نسمة. أما قصر الحاكم المحاط بساحة فيقع قرب مسجد لكنه يعلو على منارته ذات البرج العالي. المدينة مطلية بكلس أزرق وأبيض وليس بها أشجار. البنايات مخططة بخطوط سوداء وهي عادة تدل على نوع من المهارة التي تتمثل في غرس أغصان الأشجار المورقة في واجهة المنازل المبنية باللبن المصنوع من الطين. تتتابع هذه الخطوط من الصخور الشستية بشكل متواز مبتعدة عن بعضها بمقدار متر واحد، وقد وضعت لحماية الجدران من الشمس ومن المطر.
دخلنا أبها من جهة الجنوب، مارين بحدائق ذات أرصفة حيث تتكاثر أشجار التين الشوكي التي تشبه أشجار الكاتوس العملاقة. وطعم ثمارها يشبه طعم الزعرور وهي كثيرة النوى الرقيق الذي يقذف به آكلوه في كل جهة. كما تنبت هناك بعض أشجار الرمان والخوخ التي تكمل هذا الألبوم البستاني. أما الدخول إلى المدينة فيتم في الغالب عبر أسوار قصيرة مبنية من الأحجار غير المتماسكة (غير محشوة بالطين)، حيث يقفز من فوقها المارة والجنود السعوديون الذين يرتدون اللباس العسكري، والزنجيات البشوشات اللاتي يغلب على خصرهن حزامهن العريض، وأشراف الحي.
لقد استقبلنا ابن الأمير فهد بن تركي، أما أبوه فهو الذي التقينا به متوجها إلى مكة ممتطيا أرائك سيارته الفاخرة.
إنه متفتح و يتجول دائما بآلة تصوير فورية. ونتائج هذا التصوير ضعيفة لكنها تدخل الفرحة على المحيطين به. وفي النهاية أصبحت الصورة هي ذاك الشيء المنطقي في العقلية العربية: بلمسة واحدة أصورك، وبلمسة ثانية أقدم لك الصورة. وبهذا المعنى فإن البدو الأكثر أمية كانوا السباقين إلى الوقوف أمام الكاميرا، ذلك لأنهم كانوا يلحون علي أن أطلعهم على الصور، وهو ما لم يكن في إمكاني أن أعطيهم إياه.
إنها حقا لكارثة أن نتناول طعام العشاء في هذا المكان على الطريقة الأوربية. كانت هناك مائدة طويلة مغطاة بمنديل وموضوعة بشكل مقلوب على الأرض المنبسطة، مقابل خزانة ذات أطباق، وهي عبارة عن صندوق كبير من الخشب الأبيض. أما أدوات الأكل فقد جلبت من أفخر معارض لندن، وكان الخدم يجتهدون قدر إمكانهم في توزيع هذه الأدوات غير المعروفة لديهم. أما رفقاؤنا المسفر ومحمد ومحمدون آخرون فكانوا قد شمروا أكمامهم وهم يراقبون من خلال نظراتهم الشزرى ما نفعل. لأنهم لا يكونون طبيعيين إلا عندما يجلسون أمام النار في المخيم وأيديهم في الخروف وهم يأكلون محدثين أصواتا عند امتصاص أصابعهم. لكن الجسورين منهم عادوا إلى عاداتهم القديمة، بينما كان الآخرون يجتهدون في تقليدنا.
المكان يتطور بسرعة وهذا أمر حتمي، وقد أدى هذا التغيير إلى التخلي عن عدد من التقاليد. وما دامت الحاجة إلى الأشياء الجديدة مفروضة؛ فإن التقدم المادي سيمثل في الغالب نوعا من التحسن. وعلى العكس من هذا عندما ترتبك المعتقدات والتقاليد والعادات فمن الصعب أن يكون المرء متفائلا.
لا تقل: إن ديننا يعادل دينهم فالمسلم لا يمكن أن يصبح مسيحيا. إنه لا يعرف إلا خيارين: الله أولا شيء.
أما تقاليدهم وعاداتهم فهي عريقة وصافية وموروثة أبا عن جد، وغالبا ما كانت تتكيف مع نمط العيش. بماذا يمكننا تعويضها؟ العربي يقبل يد أبيه، وعندنا لمسة أخوية على الظهر، وهم يستمتعون بالقهوة، ونحن عندنا الكحول. وهم يتعطرون بالبخور ونحن عندنا الدخان. وهم عندهم خمس صلوات في اليوم ونحن عندنا أقل.
ولذلك فقد أصبح الأرقاء الذين مازالوا هناك إلى اليوم في واحات الصحراء يعدون جزءا من العائلة ويتقاسمون معها نمط العيش. وهم يشعرون بغربة أقل وأقل إساءة إليهما مقارنة مع سكان المدن الصناعية في الصحارى الأخرى التي تعج بالناس.
إن مبدأ العبودية كريه. أليست بعض الدكتاتوريات، وكل الأماكن الممتلئة بالسكان وكل دكتاتوريات البروليتاريا نوعا من العبودية الجماعية المقنعة. وهل هناك أقل إنسانية من هذا؟ أحيانا نعم وأحيانا لا.
ولذلك؛ فإن التقدم الحقيقي الذي يمكن للغرب أن يجلبه لهذه الشعوب لا يجب أن يطبق إلا بالكثير من الحيطة والحذر وببطء. إذ يجب مراعاة التقاليد الحضارية المحلية التي يتغذون منها.
كان باولو وسبيرو وإليا ثلاثتهم تجارا يونانيين شجعانا، فقد ماتوا هنا قبل سنة 1914م وقبورهم التي أصابها الإخوان هي الأثر الوحيد على زيارة أول الأوربيين مع تاميزيه لمدينة أبها. جاء من بعدهم فيلبي سنة 1936م، ومن بعده جاء توتشل سنة 1940م ونحن الأرقام، 10، 11، 12 في الترتيب المحلي.
وفي الكيلو متر رقم 4 جنوب شرق المدينة كنا نتمتع بمشاهدة مثيرة فوق جبال عسير ذات الممرات الموحشة والوعرة. في سنة 1949م سقطت على هذه المنطقة ثلوج بلغ علوها عشرة سنتيمترات. ولو كانت الرؤية واضحة كنا سنشاهد حدود البحر الأحمر من علو2400 م. كان يجلس هناك شيخ عربي متأملا في توالي تموجات سلاسل الجبال المتتابعة: مديرا ظهره إلينا ولما اقتربنا منه انطلق منشدا أغنية مأساوية واضعا أصبعه في أذنه.
وكلما ابتعدنا نحو الجنوب حيث كان يبدو لنا عدد من المنحنيات الزرقاء وكانت تلوح لنا قمم جبال اليمن من بعيد. لقد عبر فيلبي أكثر من ستمئة كيلو متر مشيا على قدميه.
فبعد ثلاثين عاما من العيش في المملكة العربية السعودية ظل فيلبي محافظا على جميع القيم الخاصة بالأوربيين التي تتميز بقوة الملاحظة، والإكثار من العمل المضبوط، والاهتمام العلمي. ومع ذلك نجد الشرق قد خدش سطح الجلد الناعم لهذا البريطاني كما يخدش وجه الآيس كريم، لكن هذا الاختلاط لم يزد شخصيته إلا إنسانية.
إنه يتكلم بغنائية عن إحدى ضواحي أبها، يصفها بأنها عبارة عن علبة صغيرة مؤلفة من عشرة مساكن ضعيفة ومعزولة ولا تبعد عن المنطقة السكنية إلا بكيلومترين، مشيرا إلى الطريق الكبير المؤدي إلى نجران الذي كان عبارة عن طريق غير مسفلت، كما كان يتغنى بحدائق ضاحيتها الغنية التي تتكاثر بها أشجار الرمان النادرة، وأشجار الليمون، وأشجار التين، والمشمش. التي غالبا ما تكون ضامرة. بناء على هذا الوصف فلن تكون حدائق سميراميس المعلقة، على الرغم من بهائها، أمامها إلا أعجوبة ضعيفة من عجائب الدنيا السبع.
لقد أصبح فيلبي اليوم يعرف المملكة العربية السعودية بمصطلحات أكثر دقة: بلد جليل، مشمسة، مظلل وجاف، وبدون ألوان متميزة بعضها عن بعض، لكنه بلد ممتع وجذاب وأضيف إلى هذا أن فيلبي كان يحب بصدق وبعمق هذا البلد الفاتن.
عدنا إلى أبها حيث كان يرمز للغرب بثلاث دراجات هوائية التي كانت تدور حول نفسها في الغبار المنتشر أمام المسجد.
كان هناك طبيبان لبنانيان أو سوريان، ومستوصف، لكن نشاطهم كان محدودا نظرا لقلة الأدوية والمال.
وفجأة مر من أمامنا مواطن يحمل مظلة سوداء وهو يجلس بكل هدوء فوق بردعة حماره المرقشة باللون الأحمر.
وبعد مسح قطرات الندى عن وجهنا مع ظهور أول خيوط الشمس دخلنا منزل أحد الأشراف في المدينة. سكانه نظيفون جدا، والقرآن يتلى على شفاههم، وكانت جدران صالة الاستقبال مكسوة برسوم هندسية مختلفة الألوان. فالنساء متخصصات في هذا العمل الذي يدخل السرور على البيت مع سلامة الطوية.
كانت بعض الطيور تزقزق فوق سقف البيت وفي ساحته، فيما كان فيلبي ورب البيت يتبادلان الاحترام وكل منهما يحث الآخر على تناول أول فنجان القهوة من الخادم الذي كان يقدمها لهم قي آنية. كان الخادم صامتا ينحني نحو كل واحد من الضيوف في صمت حتى لا يشوش على الحوار الدائر بينهم. تؤدي حركة اليد دورا مهما في نقاء هذه المجاملات. وأخيرا علت بسمة على شفتي الخادم. وتنتهي العملية حسب الأصول، فقام فيلبي مسلما شادا على يد مضيفه. في هذه الأثناء كان هناك خيط من الشمس يتسلل من فتحة الستار الأخضر والأحمر.
لقد أخبرنا بوجود نقش منحوت على معدن في مكان ما من المدينة، ولا يعرف أحد قراءته. وقد استرق ريكمان السمع فرد قائلا: ألا يكون هذا النقش حميريا أو سبئيا معينيا أو قتبانيا.
أخذ ريكمان وجاك الطريق متوجهين إلى المكان، وبعد ساعات قليلة عادا وهما يضحكان من اكتشافهما؛ فقد تجردا من معطفيهما عابرين الممرات المحدودبة التي كانت عبارة عن حطام، وفي الأخير وصلا إلى النقش؛ إنه عبارة عن صفيحة من الرصاص نقش عليها باللغة التركية: القيادة العليا للفيلق العسكري. ويتراوح عمرها ما بين ثلاثين وخمسين سنة.
وفي الشارع كان الأولاد والبنات عائدين من المدرسة، حاملين في يدهم شنطا أو محافظ صغيرة. وبعد جيل من الآن سينقص عدد الأميين بشكل كبير في المملكة. كان يدرسهم في هذا البلد أساتذة سوريون وفلسطينيون ومصريون. وقد فوجئت بعد ذلك بشهور في شوارع القاهرة برؤية أحد الأساتذة المصريين الذين كانوا يدرسون بأبها، وهو يتجول بين البيوت التي أحرقها المتظاهرون، ولم يخف عني مفاجأته وسخطه.
وبعد الظهيرة كان ينتظرنا الأمير فهد بن تركي تحت الخيمة في موقع رائع في ضواحي المدينة. كانت بعض أبراج الحراسة المتهالكة تحيط بالطريق، تنطلق منها اللقالق نحو السماء راسمة دائرة كبيرة فوق وادي أبها.
كانت هناك أيضا زواحف جميلة تتدفأ بالشمس فوق الصخور، وتغير لونها بشكل مثير، تنتقل من اللون الأزرق المتوسطي إلى الأسمر الحديدي الذي يشبه الظل.
كما كانت هناك خيمتان منصوبتان فوق العشب على ضفاف مجرى مائي صغير على شكل شلال. وكان ينتظرنا ثلاثون عربيا، أغلبهم مسلح، بينما كان هناك ثلاثة رعاة من البدو يوردون أغنامهم البيض وماعزهم الأسود.
كان الأمير جالسا تحت الخيمة على سجاد أصفر ناصع وهو يتسلى بآلة التصوير الفورية. وخلال هذا الوقت كان رجاله قد ذهبوا للصيد بينما كنا نحن قد ذهبنا للبحث عن الآثار. وبعد ساعتين من تسلق الصخور لم يكن ريكمان لا الأقل جرأة ولا الأقل عنادا، فقد لحقنا بالجمع.

في هذه الأثناء كان أحد الأعراب قد اصطاد صقرا يبلغ طول جناحيه مترا أو نصف المتر، وكان يعبث به كطفل قبل أن يقتله.
كانت هناك بعض اليعاسيب (حشرات بيضاء شفافة) حمراء ترقص رقصاتها الخاصة على ورق أشجار الغابة.
قدموا لنا الأكل تحت الخيمة، وكان عبارة عن خروف لذيذ مخلوط بالأرز وبعض حبيبات العنب المجفف. كنا نتناوله بطريقة البدو، وفي حضور الأشراف الذين استغلوا مناسبة وجودنا.
كان فيلبي وريكمان يحثاننا على إكمال مجموعة النقوش الموجودة في قمة جبل قريب.
وكانت مئتا متر من المنحدرات المحفورة كافية لهضم ما أكلته، وكنت أنتقم من رفقائي حينما أعثر على نقش مهم بإرغامهم على اللحاق بي.
بعد قليل سننزل نحن الأربعة نحو سيارة الجيب الصغيرة إلى عمق الوادي، فرحين بيومنا هذا الذي التقطنا فيه حصوات وأحجارا خلال مسافة كيلومتر.
كانت الشمس تملأ الأرض بألوانها مضفية على أعشابها الوردية والبنفسجية بهاء. أبها مدينة مربعة وعالية ومتنوعة الألوان متكئة على جبال عسير، كنا نراها تمتد تحت أقدامنا من خلال خيال ظل المساء.
كانت درجة الحرارة هذه الليلة على الأقل صفرا مئويا، وما دامت الرياح ساكنة فقد كانت هذه الدرجة جد متحملة تحت الخيمة. كان هناك بعض الكلاب الضالة تنبح حولنا فأجابها ريكمان ببعض عبارات السباب الكنسية التي بقيت بدون أثر.

اليوم هو يوم الجمعة، يوم المسلمين، وقد التحق فيلبي بسكان أبها في المسجد. أما النساء فلا يذهبن للمسجد وكذلك نحن.
كل الناس في المملكة العربية السعودية على دين الإسلام. لكن الأمر كان أكثر سهولة قي دمشق أوفي القدس حيث في الأوقات العادية يكون ثلث الناس من المسلمين، وهم يغلقون متاجر البيع يوم الجمعة، والثلث الثاني من اليهود الذين يحترمون يوم السبت، والثلث الأخير يغلق يوم الأحد.
بعد الصلاة اجتمع الناس في ديوان الأمير حيث بلغ عددنا 75 فردا، وكنا نحتسي القهوة ونتبادل أخبار المنطقة كلها.
وفي إحدى الزوايا كانت توجد حقيبة صغيرة مرفوعة على أرجل وفوقها منظم ملفات، وكان سكرتير الأمير يتردد بين مولاه وهذه الحقيبة الموضوعة في الطرف الآخر من الخيمة.
وفيما كنا نجلس متربعين وبأقدام عارية فإذا بي أفاجأ بأذني تداعب ثوب أحد الشيوخ.
كنا نتبادل عبارات المجاملة بالكشف عن الأسنان الأمامية كل دقيقتين، حتى دون أن ينظر أحدنا إلى الآخر.
- السلام عليكم - وعليكم السلام - القوة - الله يقويك كنت أقفز على بعض العبارات، وفي أحسن الأحوال كنت أتفوه ببعض العبارات المخصصة لمن نعرفهم منذ مدة طويلة: - كيف حال اللي وراك شيرا إلى زوجته أو زوجاته. لكن محدثي كان يتحاشى إجابتي عما أقول، مكتفيا بإجابتي بلازمته التي يعرفها وكأنه لم يسمع شيئا غريبا.
ودعنا بعضنا بعد عناق حار، وقد شرفني أحدهم بتقبيلي على جبهتي، وبعد ذلك ودعنا الأمير الذي كان كرمه جديرا بالتقاليد العربية.
أهدانا الأمير إناءين ممتلئين عسلا وتمرا. كما أن فيلبي أعطى ريالات لكبير الخدم.
وعند عودتنا للمخيم من أجل جمع أغراضنا تبين لنا أن جميع رجالنا غائبون، فقد أرادوا انتهاز هذه الفرصة لتوديع فرحتهم بالمدينة.
وقد قرر فيلبي إعطاءهم درسا، فطلب من كل واحد منا جمع أغراضه بيده، وبينما نحن كذلك فإذا بخدمنا يدخلون علينا مسرعين من أجل وضع حد لما كانوا يعدونه سبا في شخصهم. لكننا كنا نوقفهم بين الفينة والأخرى وقريبا سيبقى منهم فقط عشرة يحملقون فينا بعيونهم وهم صامتون.
كانت عيون فيلبي متقدة وفي فيه غليون خامد، يحركه من مكان لآخر بين شفتيه. وبما أن لكل شيء نهاية فقد انتهى كل شيء في ظرف نصف ساعة، وكنت مسرورا بهذا فقمت بمسح وجهي من العرق بغترتي ذات اللونين الأحمر والأبيض.
فقد أفاد هذا الدرس ولذلك لن نرى مستقبلا مثل هذه الحالة تتكرر.
وداعا أبها، مدينة البيوت المخططة بالأعواد المغروزة على جدرانها.


يتبع

العماني

 

 

 

 

    

رد مع اقتباس
قديم 09-06-2008, 01:45 PM   #4
 
إحصائية العضو







ابو فهد الغييثي غير متصل

وسام الدواسر البرونزي: للأعضاء المميزين والنشيطين - السبب: التميز والنشاط
: 1

ابو فهد الغييثي is on a distinguished road


افتراضي رد: رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(4-من بيشة إلى أبها )

لاهنت على المجهود وبيض الله وجهك ,,,

تقبل تحياتي ,,

 

 

 

 

    

رد مع اقتباس
قديم 09-06-2008, 08:02 PM   #5
 
إحصائية العضو







abuadeeb غير متصل

abuadeeb is on a distinguished road


افتراضي رد: رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(4-من بيشة إلى أبها )

تسلم يمناك يا ابو مبارك لا عدمناك .... وبورك في جهدك المتميز

 

 

 

 

    

رد مع اقتباس
قديم 11-08-2008, 02:45 AM   #6
 
إحصائية العضو







*همس* غير متصل

*همس* is on a distinguished road


افتراضي رد: رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(4-من بيشة إلى أبها )

رائــــع ماقدمت
تقبلوا مــــروري

 

 

 

 

 

 

من مواضيع: *همس*

0 طلب صغير لإدارة المنتدى

التوقيع

في عمق الصمت الداخلي .. تجد جميع الأجوبة !!..

    

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجزيرة تؤكد أن تشويش بث كأس العالم مصدره الأردن عبدالكريم العماري :: القسم الرياضي :: 2 04-10-2010 08:48 AM
تغير مناخ الجزيرة العربيه 2011 م والله اعلم domokh :: قسم المـواضيع الـعامــة :: 8 02-09-2010 09:07 AM

 


الساعة الآن 09:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
---