11-03-2011, 03:06 PM | #1 | ||
|
العبدُ حرٌ ماقنع--والحرَعبدٌ ماطمع
قال الله تعالى ( من عمل صالحا من ذكرٍأوأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبه )
وروي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني يا رسول الله وأوجز فقال صلى الله عليه وسلم :" عليك بالإياس مما في أيدي الناس ، وإياك والطمع ، فإنه فقر حاضر ، وإياك وما يعتذر منه " ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :" كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس" وروى عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافا ، وقنعه الله بما آتاه " وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إرضَ بما قسم الله لك تكُن أغنى الناس " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا " وروى جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :" إن أحدكم لن يموت حتى يستوفي رزقه ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ، ودعوا ما حرم " وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام :" يا حكيم، إن هذا المال خَضِرٌ حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبَارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلي " وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير، فرآه الصحابة وقد أثر الحصير في جنبه، فأرادوا أن يعدوا له فراشًا لينًا يجلس عليه فقال لهم :" ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها " قال ابن السني في تعريف القناعة هي : الرضا بما قسم الله تعالى يُقال قنع الرجل قناعة اذا رضي . وقال آخر : القناعة الاجتزاء باليسير من الأغراض المحتاج إليها . وقال الجاحظ : القناعة هي : الاقتصار على ما سنح من العيش و الرضا بما تسهل من المعاش و ترك الحرص على إكتساب الأموال و طلب المراتب العالية مع الرغبة في جميع ذلك و إيثاره و الميل إليه و قهر النفس على ذلك و التقنع باليسير منه . وقال المناوي : القناعة عرفاً : الاقتصار على الكفاف .. و قيل : الاكتفاء بالبُلغة .. وقيل : سكون الجأش عند وعدم المألوفات .. و قيل : الوقوف عند الكفاية .. وقيل : ان القناعة عزة للنفس حيث تجعل صاحبها حرًّا فلا يتسلط عليه الآخرون.. وقد أُهْدِيَتْ إلى السيدة عائشة رضي الله عنها سلالا من عنب، فأخذت تتصدق بها على الفقراء والمساكين، وكانت جاريتها قد أخذت سلة من هذه السلال وأخفتها عنها، وفي المساء أحضرتها، فقالت لها السيدة عائشة رضي الله عنها : ما هذا؟ فأجابت الجارية : إدخرتُه لنأكله ! فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها : أما يكفي عنقود أو عنقودان ؟ وقد تمثل أحدهم شعراً بقوله :
ولاتجزع إذا أعسرت يوما=فقد أيسرت في الزمن الطويل ولا تظن بربك ظن سوء=فان الله أولى بالجميل وأن العسر يتبعه يسار ٍ=وقول الله أصدق كل قيل فلو ان العقول تسوق رزقا=لكان المال عند ذوي العقول وقال شاعرٌ آخر :
هـي القنـاعة لا تـرضى بهــا بـدلا=فيهــا النعيـم وفيهــا راحـة البـدن ِ ِأنظـر لمـن ملــك الدنيـا بأجمـعـها=هـل راح منها بغيــر القطـن والكفـن وقال الكندي:
العبدُ حرٌ ماقنع=والحرَعبدٌ ماطمع
وقال بشر بن الحرث : خرج فتى في طلب الرزق فبينما هو يمشي فأعيا،فأوى إلى خراب ٍ يستريح فيه ،فبينما هو يدير بصره إذ وقعت عيناه على أسطر مكتوبة على حائط فتأملها فإذا هي :
إني رأيتك قاعداً مستقبلي=فعلمت أنك َ للهموم قرين هوّن عليك وكن بربك واثقاً=فأخو التوكل شأنه التهوين طرح الأذى عن نفسه ِ في رزقه ِ=لما تيقن أنه مضمون قال : فرجع الفتى إلى بيته ولزم التوكل وقال : اللهم أدبنا أنت.. قال الجاحظ : إنما خالف الله تعالى بين طبائع الناس ليوفق بينهم في مصالحهم ، ولولا ذلك لاختاروا كلهم الملك، والسياسة ، والتجارة ،والفلاحة،وفي ذلك بطلان المصالح وذهاب المعايش.. فإن في قناعة المرء بما وهبه الله تعالى سعادة النفس وهدوء البال والشعور بالأمن والسكينة، وبها يتحرر من عبودية المادة واسترقاق الحرص والطمع وعنائهما المرهق، فالقانع أسعد حياة وأرخى بالا وأكثر دعة وإستقراراً من الحريص المتفاني في سبيل أطماعه وحرصه، وهو لا ينفك عن القلق والمتاعب والهموم، وفي هذا يقول الإمام ابن الجوزي: من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه... فمن قنع بما أعطاه الله رضي بما قُسِم له، وإذا رضي شكر، ومن تقاله قـصر فـي الشكر، وربما جزع وتسخط ... وقيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟ قال : قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك.. ويقول الشاعر:
ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له=ولن ترى قانعا ما عاش مفتقرا
وقد كان محمد بن واسع رحمه الله تعالى يبل الخبز اليابس بالماء ويأكله ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد.. ويقول الشاعر :
أفادتني القناعة كل عــز ٍ وأي غنى أعز من القناعة=فصيرها لنفسك رأس مال ٍ وصيرها مع التقوى بضاعة
وقال الشافعي :
وإذا مت لست أعدم قبرا=أنا إن عشت لست أُعدم قوتا نفس حر ترى المذلة كفرا=همتي همة الملوك ونفسـي فلماذا أخاف زيدا وعمرا=فلماذا أخاف زيدا وعمروا وقال سعد بن ابي وقاص لإبنه : يابني إذا طلبت الغنى فأطلبه في القناعة فإنها مالٌ لاينفذ، وإياك والطمع فإنه فقرٌ حاضر،وعليك باليأس،فإنك َلم تيأس من شئ إلا أغناك الله عنه ... وأصاب داود الطائي فاقة كبيرة فجاءه حماد ابن ابي حنيفه بأربعمائة درهم من تركة أبيه ، وقال : هي من مال رجلٌ ما أقدّم عليه أحداً في زهده وورعه وطيب كسبه ،فقال : لو كنت أقبل من أحد ٍ شيئاً لقبلتها تعظيماً للميت ، وإكراماً للحي ، ولكني أحب أن أعيش في عز القناعة . وقال عيسى عليه الصلاة والسلام : إتخذوا البيوت منازل ، والمساجد مساكن ،وكلوا من بقل البريّة ، وأشربوا من الماء القراح ، وأخرجوا من الدنيا بسلام . وقال المبرد:
إن ظن زيدٌ بما في بطن راحته ِ=فالأرض واسعة والرزق ُ مبسوط إن الذي قدر الأشياء بحكمته=لم ينسنّ قاعداً والرحل محطوط قال عبد الواحد بن زيد : ما أحسب أن شيئاً من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا،ولاأعلم درجة أرفع من الرضا وهو رأس المحبة، قيل له : متى يكون العبد راضياً عن ربه ؟ قال : إذا سرته المصيبة كما تسرّه النعمة .. وكان عبدالله بن مرزوق من ندماء المهدي فسكر يوماً ففاتته الصلاة ، فجاءته جارية ٌله بجمرة فوضعتها على قدمه فانتبه مذعوراً ،فقالت له : إذا لم تصبر على نار الدنيا فكيف ستصبر على نار الآخرة ، فقام فصلى الصلوات وتصدق بما يملكه ، وذهب يبيع البقل فدخل عليه فضيل وأبن عيينه فإذا تحت رأسه لبنه وماتحت جنبه شئ ، فقالا له إنه لم يدع أحداً شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه فما عوضك عمّا تركت له ؟ قال : الرضا بما أنا فيه .. وكان عيسى عليه الصلاة والسلام يقول : الشمس في الشتاء جلالي ، ونور القمر سراجي،وبقل البرية فاكهتي ،وشعر الغنم لباسي،أبيت حيث يدركني الليل ،ليس لي ولدٌ يموت ، ولابيتٌ يخرب ،انا الذي كببت الدنيا على وجهها.. قال الشاعر :
إن القناعة من يحلل بساحتها=لم يلقَ في ظلها هماً يؤرقه
وقال عيسى عليه الصلاة والسلام : أنظروا إلى الطير تغدو وتروح ،ليس معها شئ من أرزاقها لاتحرث ولاتحصد والله يرزقها، فإن زعمتم إنكم أكبر بطوناً من الطير ، فهذه الوحوش والبقر والحُمر لاتحرث ولاتحصد والله يرزقها .. وقيل وفد عروة بن أذينه على هشام بن عبدالملك فشكا إليه خلته فقال له الست القائل :
لقدعلمت وما الإسراف من خُلقي=إن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى إليه فيعييني تطلّبهُ=ولو قعدت أتاني ليس يعنيني وقد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق، فقال ياأمير المؤمنين لقد وعظت فابلغت ، وخرج فركب ناقته وكرّ إلى الحجاز راجعاً ، فلما كان من الليل نام هشام على فراشه فذكر عروة فقال في نفسه : رجلٌ من قريش قال حكمة ووفد عليّ فجبهته ورددته خائباً ، فلما أصبح وجه إليه بألفي دينار ، فقرع عليه الرسول باب داره بالمدينة وأعطاه المال، فقال : بلغ أمير المؤمنين مني السلام ، وقل له كيف رأيت قولي: سعيت فأكديت فرجعت، فأتاني رزقي في منزلي .. ولما ولي عبدالله بن عامر العراق قصده صديقان له أنصاري،وثقفي فلما سارا تخلف الأنصاري وقال : الذي أعطى ابن عامر العراق قادرٌ على ان يعطيني ! فوفد الثقفي وقال أحوز الحظين فلما دخل على عبدالله بن عامر قال له : مافعل زميلك الانصاري قال : رجع إلى أهله فأمر للثقفي بأربعة آلاف دينار وبعث إلى الانصاري بثمانية آلاف دينار فخرج الثقفي وهو يقول :
فوالله ماحرص الحريص بنافع ٍ=فيغنى ولازهد القنوع بضائر خرجنا جميعاً من مساقط روسنا=على ثقة ٍمنا بجود ابن عامر فلما أنخنا الناجعات ببابه ِ=تخلف عنيّ اليثربي أبن جابر وقال ستكفيني عطية قادر ٍ=على مايشاء اليوم للخلق ِ قاهر فإن الذي أعطى العراق ابن عامر ِ=لربي الذي ارجو لسد مفاقري فقلت خلا لي وجهه ولعله=سيجعلُ لي حظ الفتى المتزاور فلما رآني سأل عنه صبابةً=إليه كما حنت ظؤار الأباعر فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعاً=ولاضائراً شئٌ خلاف المقادر وقيل : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام وقال : أتدري لما رزقت الاحمق ؟ قال : لا ، يارب قال : ليعلم العاقل أن طلب الرزق ليس بالإحتيال .. وأوحى الله تعالى إلى يوسف عليه الصلاة والسلام : إنظر إلى الأرض ، فنظر إليها فأنفجرت فرأى دودة على صخرة ومعها الطعام ، فقال له أتراني لم أغفل عنها ، وأغفل عنك وأنت نبي ، وإبن نبي. ودخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسجد وقال لرجلٌ كان واقفاً على باب المسجد أمسك عليّ بغلتي ، فأخذ الرجل لجامها ومضى ، وترك البغلة ، فخرج علي وفي يده درهمان ليكافئ الرجل بهما على إمساكه بغلته فوجد البغلة واقفه بغير لجام ،فركبها ومضى ودفع لغلامه درهمين ليشتري بهما لجاماً ، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين ،فقال علي بن ابي طالب رضي الله عنه : إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر ، ولايزداد على ماقدّر له .. وصلى معروف الكرخي خلف إمام ،فلما فرغ من صلاته قال الإمام لمعروف : من أين تأكل ؟ قال أصبر حتى اُعيد صلاتي التي صليتها خلفك ، قال : ولِمَ ؟ قال : لأن من شك في رزقه ، شك في خالقه .. وقال ابو حازم : مالم يُكتب لي لو ركبت الريح ما أدركته .. وقال عمر ابن ابي عمر :
غلا السعر في بغداد من بعد رخصه ِ=وإنيَ في الحالين بالله واثق ِ ِفلست أخاف الضيق والله واسع ٌ=غناه ُ ولا الحرمان والله رازق وأنشد أعرابي :
أيا ملك ٌ لاتسأل الناس وألتمس=بكفيك فضل الله فالله أوسع ولو تسأل الناس التراب لأوشكو=إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا وقيل : إذا وجدت الشي في السوق فلا تطلبه من صديقك .. وقيل لأعرابية من أين معاشكم ؟ قالت : لو لم نعش إلا من حيث نعلم لم نعش... وقال أعرابي : أحسن الأحوال حالٌ يغبطك بها من دونك ، ولايحقرك معها من فوقك .. وقال المعري :
إذا كُنت تبغى العيش فأبغ ِتوسطا=فعند التناهي يقصر المتطاول ِ توفى البدور النقص وهي أهلةٌ=ويدركها النقصان وهي كوامل ِ وقال آخر :
فما صفا البحر إلا وهو منتقص=ولاتعكّر إلا في الزيادات
وقيل : ينبغي أن يكون المرء في دنياه كالمدعو إلى وليمة ،إن أتته صحفة تناولها ، وإن لم تاته ِلم يرصدها، ولم يطلبها.. وقال شقيق البلخي : قال لي إبراهيم إبن أدهم : أخبرني عمّا أنت عليه قلت : إن رزقت أكلت ، وإن مُنعت صبرت قال :هكذا تعمل كلاب بلخ ! فقلت : كيف تعمل أنت قال : إن رزقت آثرت، وإن مُنعت شكرت !! وقيل : جاء فتح الموصلي إلى أهله ِبعد العتمة، فلم يجد عندهم شيئاً للعشاء ،ووجدهم بغير سراج فجلس ليلته يبكي من الفرح ويقول : بأي يد ٍكانت مني ّ، تركت مثلي على هذه الحالة . والله تعالى أجل وأعلم وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
|
||
|
11-03-2011, 09:13 PM | #2 | ||
|
رد: العبدُ حرٌ ماقنع--والحرَعبدٌ ماطمع
جزاك االه على الطرح الرائع يا ابو فهد
|
||
|
11-03-2011, 09:16 PM | #3 | ||
|
رد: العبدُ حرٌ ماقنع--والحرَعبدٌ ماطمع
موضوع ممتاز وانتقاء اجمل منك يابوفهد ,,,خالص تقديري واحترامي لشخصك الكريم
|
||
|
11-03-2011, 09:42 PM | #4 | ||
|
رد: العبدُ حرٌ ماقنع--والحرَعبدٌ ماطمع
القناعة كنز لايفني
|
||
|
11-03-2011, 10:42 PM | #5 | ||
|
رد: العبدُ حرٌ ماقنع--والحرَعبدٌ ماطمع
لاهنت يابوفهد وجزاك الله الجنة وغفر لك ولوالديك ولجميع المسلمين
|
||
|
12-03-2011, 03:55 PM | #7 | ||
|
رد: العبدُ حرٌ ماقنع--والحرَعبدٌ ماطمع
|
||
|
12-03-2011, 04:03 PM | #8 | ||
|
رد: العبدُ حرٌ ماقنع--والحرَعبدٌ ماطمع
القناعة كنز لايفني
|
||
|
15-03-2011, 12:55 AM | #12 | ||
|
رد: العبدُ حرٌ ماقنع--والحرَعبدٌ ماطمع
لاهنت يابوفهد على هذا الموضوع الرائع
|
||
|
15-03-2011, 11:28 AM | #14 | ||||||||||||||||||||
|
رد: العبدُ حرٌ ماقنع--والحرَعبدٌ ماطمع
|
||||||||||||||||||||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
إعلانات نصية |
منتديات صحيفة وادي الدواسر الالكترونية | |||