08-05-2005, 02:26 AM | #1 | ||
|
رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(9-وادي الدواسر)
كان فيلبي أول من قام برحلة استكشافية سنة 1918م، ثم جاء من بعده عالمان في الآثار سنة 1932م، ومن بعدهما جاء المستكشف ثيجر في سنة 1948م، هؤلاء هم الذين بدؤوا وأنهوا قائمة الأوربيين الذين سبقونا إلى اللدام في وادي الدواسر.
خلال الألف كيلومتر اللاحقة سنتمكن من عبور المنطقة التي لم يكن قد تم استكشافها بعد، وهي التي تقع على التخوم الغربية لنفود الدحي الذي لا يزال هو نفسه غير معروف. وفي صباح يوم 24 يناير كنا قريبين من اللدام. وفي جهة الشرق كنا قد وصلنا إلى صخور طويق المتحللة ذات لون الايس كريم. وعندما تكون الشمس خلف هذه الصخور؛ فإنها تنفتح على ممر يعد الثاني من نوعه بعد ممر قرية، الذي يبدأ من وادي الدواسر. كانت واحات النخيل والتجمعات السكنية قد بدأت تتضح أمامنا. كانت منازلها قصيرة، ومبنية من اللبن الطيني، وقلما تكون على دورين، وأسقفها مسطحة، تشبه صناديق الورق المقوى مقلوبة على وجهها. تنقسم المساكن إلى مجموعتين متراصتين، تفصل بينها مساحة شاسعة. الحي الجنوبي يسمى اللدام، والشمالي يسمى الخماسين. وبمجرد أن وضعنا أقدامنا على عتبة باب قصر الأمير الذي كان في انتظارنا شرع في تقبيل فيلبي بحرارة وأخوة فيما استقبلنا نحن بشكل رسمي، ثم قدم لنا المراسلات التي لحقت بنا من جدة لكنها كانت ممزقة، الله وحده يعلم كيف تمزقت، وكانت لي فيها أربع رسائل آخرها كانت بتاريخ 26 نوفمبر. كان معنا لدى الأمير بعض الرجال من بينهم رجل كان مصابا في وجهه بمرض الجدري، كانوا يكثرون من النظر إلينا بعيون جاحظة. أما النساء المحتجبات فكن يخدعن حب استطلاعهن بفرقعات من الضحك الذي يأخذ شكل الإثارة العصبية. بينما كان الأطفال أكثر انسجاما معنا. وضع لنا الأمير حمد بن مقبل تحت تصرفنا منزلا نظيفا، لكن غرفه كانت مظلمة، مما جعلنا نفضل عليه الخيمة التي كانت منصوبة على المساحة الفارغة الفاصلة بين المدينتين. وحسب التقاليد فقد كنا نتناول الطعام في بيت الأمير، حيث كنا نذهب إليه ثلاث مرات في اليوم إلى قصره المبني من الطوب، وبه بابان من الخشب. قضينا الليلة عند أحد أعيان الواحة متكئين على الحيطان المدهونة بالجير. وكان يوجد ساعة منبه داخل إطار به صورة مكة. وفي إحدى الزوايا كان يشتغل أحد الخدم في ثمانية أباريق ذوات منقار يشبه منقار الصقر، وفي يده منفاخ يوقد به النار فوق الفحم داخل الغرفة المشرعة الأبواب. وقد كان التدخين ممنوعا في الديوان، لكن مسفر الأول أسر إلي بأنه عثر على سجائر تباع عند أحد الباعة في البلد. بدأت يومي بسماع صوت أزيز الحصى وهو يمر بين أذني، فقد كان هناك بعض الأطفال بالقرب منا، لكنهم هربوا لتوهم بمجرد أن رأونا. وبعد دفع ثمن السجائر التي حملها إلي مسفر خفية، قمت بمراجعة مصروفاتي منذ خروجنا إلى الصحراء، فوجدتها قد بلغت 7 سنتات أمريكية يوميا. كان السكان يتكلمون بخليط من الخوف والفرح عن الليلية- الكابوس. ويتعلق الأمر بسيول كانت قد انهمرت عليهم بعنف لا مثيل له سنة 1917م، والتي بلغت إلى هذه المنطقة فأغرقت الأسر والحيوانات، كما اقتلعت الأشجار والنباتات وغمرت الآبار. وعلى النقيض من هذا، وبعد فترة كانت الأرض قد اخضرت جاعلة الناجين منهم يعيشون في جنة فوق الأرض. في هذه الأثناء كنت أتلقى سيلا من الأسئلة التي كان يطرحها علي البدو المحيطون بنا تتعلق كلها بظروف الحياة في بلجيكا: ما أسم قبيلتك؟ اسمها فلاماند - قل لنا، يا فيل (مختصرفيليب). - كم عدد الجمال التي تملكها قبيلتك؟ - ولا واحد، لكننا نملك الكثير من البقر والغنم. إلى هنا كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، لكنها ستنقلب لما أكدت لهم بأن رعاة القطعان يسكنون في المنازل، أما العشب الأخضر فلا ينقطع على مدار السنة، وهو يوجد قرب البيت، كما أنهم يغذون بقرتين في الهكتار الواحد، وقد كانت شروحي تلاقى بنوع من الريبة، والتهكم، مع أنهم كانوا يوهموني بأنهم يثقون في كلامي. وبعد الزوال قمنا بعبور جميع أرجاء الواحة على متن السيارة وبرفقتنا سكرتير الأمير، وكان حضوره معنا يسمح لنا بالتستر على آلات التصوير بين أرجلنا. كان نبات القمح الغض ينمو بين أشجار النخيل العالية. كما كانت هناك بعض الناعورات البدائية تقف على ست عجلات متوازية، تطلق الماء على أجنحتها التي كانت تتلاعب به. كانت الطريق ممدودة بين حوالي عشر عرصات، آخرها اسمها كمدة، وكانت فقيرة، وتقع بين أعواد من الطماريس التي كانت تلمع بلونها الفضي تحت الشمس. كان السكان يجمعون منها الحبوب ويحضرون منها طلاء أحمر جيدا. ويظهر أن هذه الصناعة في طريقها إلى الانقراض؛ لأنهم وجدوا أن المواد الكيميائية تؤدي الغرض بشكل أحسن منها. وخلف كمدة توجد تلال بها أشجار العبل التي تحيط بمجرى وادي الدواسر غير الواضح قبل أن يندثر في سلسلة جبال طويق، حيث يكمل الخشمان الأصغر والعمور شكل هذا الثعبان الملتف حول نفسه. التقينا بشاحنة قادمة من الرياض، وعند الرجوع أخفيت آلة التصور بين أوراق شجر الطماريس، حتى أتمكن من التقاط صور لبدويتين كانتا ترعيان بعض الماعز. كانتا تتحدثان بصوتهما الحزين، وتغنيان بصوت رقيق وجد صاف. كان فيلبي قد بقي في المخيم من أجل قراءة رسائله، حيث كان يجب عليه أن يفرغ منها قبل السفر الذي سيكون بعد الغد. كانت درجة الحرارة تحت الخيمة تصل إلى 22 درجة، وهي حرارة لطيفة مقارنة بالأيام العادية، وكنا ننتظر أن يصل ميزان الحرارة إلى حوالي 40 درجة، وربما إلى خمسين درجة في الشهور المقبلة. سيقودنا مسار الرحلة إلى ما بعد الحدود المعروفة، إلى مربع طوله يتراوح تقريبا ما بين 21 إلى 24 درجة شمالا، وعرضه يتراوح ما بين 43 و 46 درجة، ومساحته تساوي ثلاثة أضعاف مساحة بلجيكا. كان جميع رجالنا يحيطون بالشاحنات، فرحين بالذهاب، لأن السكان كانوا قد رفضوا بيعهم المواد وغسل الثياب. ولم يعربوا عن هذا الرفض إلا بعد أن كانت بينهم مبادلات، كما أنهم كانوا قد غسلوا لهم ثيابهم. وقد أجمع السكان على هذا الموقف كل من منطلقه الخاص، إما لأسباب تجارية، أو بسبب كرهه للأجنبي الذي لا قيمة له في نظرهم. وقريبا ستندثر بدورها هذه البيوت المكعبة الموجودة في عرصات الفرعة. وستتحول اللدام إلى مجرد ذكرى. كان مسفر الأول ومسفر الثاني ينشدان أغاني تقليدية تتخللها جمل يرددونها جماعة، وعندما بلغنا قمة هضاب أبرق المقاريب غادرنا طريق القوافل الكبرى الرابطة بين بيشة واللدام. وفي منطقة ظهر عليها أثر الفياضانات الوهمية كانت تلوح لنا في السراب حوالي 30 جملا ترعى في أعشاب السمر والرمد والحلم النادرة. وفوق رؤوسنا كان يرفرف طيران من طيور الشوحة في هدوء، وهما على علو قريب من سطح السيارات، إلى درجة أننا كنا نشاهد خيالهما يعبر الرمال أمامنا. لم يكن المرشد متمكناً، إذ كانت معلوماته محصورة في أسماء الوديان والآبار. كان الإطار الذي نسير فيه واضحا جدا: السماء زرقاء صافية، وخط الأفق واضح جدا، وخلفه كانت تلوح لنا بعض النتوءات السود البارزة فوق سطح الأرض، وأحيانا كانت تظهر لنا بعض ألواح الجرانيت مضفية قليلا من الحمرة على السهل. كنا نسرع خلف الغزلان السبعة التي كانت تركض أمامنا بسرعة 90 كلم/ س، فيما كانت قطعان الحيوانات الأخرى تتكاثر من حولنا. وقد علمت بألم بأن رجالنا قد اصطادوا ذكرا عجوزا منها، وعندما سألتهم لماذا يصطادون الذكر بدل الأنثى ظهرت عليهم علامة الحيرة في الاختيار مؤكدين على أن هذا الاختيار لا يقوم أساسا على الكم. كان السهل الممتد الذي كنا نقطعه مليئا بفروع وجذوع الأشجار الميتة التي كانت مكومة على ضفاف الضايات الجافة التي كانت قد امتلأت بالماء عندما انهمر عليها السيل المشهور بالليلية الذي قدم عبر مجرى وادي تثليث. كان هناك منحدر في إحدى التلال الكبيرة ذات اللون الأخضر المائل إلى لون الليمون الذي يشبه لون بهاق الصخور أو الرغوة، وهذه ظاهرة تتكرر في أماكن كثيرة. وهي عبارة عن صخور من الحصى المتكتل الذي يعلوه العديد من الحصى المنحدر من الإسمنت. وبعد التقاطنا صورة للمرشد فوق إحدى هذه الصخور جئت به لينظر هذا المشهد على عدسة المصورة. وباندهاش صاح قائلا: وأنا؟ أين أنا؟ لماذا أزلت صورتي من المصورة؟ هناك أشياء صغيرة يصعب شرحها لمثل هؤلاء. لكن صاحبنا القحطاني نسي بسرعة هذه المشكلة، وعليه الآن أن يجيب عن الأسئلة الكثيرة التي يوجهها إليه فيلبي. كان فيلبي يغضب بسرعة من عدم كفاءة المرشد الذي كان بدوره يغضب عندما كنا نرفض نصب خيمتنا قرب خيام عائلته مما كان يضطرنا إلى الدخول معه في حوار على الشكل التالي: - إذا كان الأمر كذلك فإني سأترككم. - حسنا، اذهب. - لا، لن أذهب. - إذن ابق واصعد فوق إحدى الشاحنات. كان هذا الحوار يصاحب بتمتمات لا نتبين منها إلا كلمات: الله، والجن، والعائلة، وخدمنا. وبما أن لكل شيء نهاية، فقد أمر فيلبي بجمع المعطف والبندقية وبقية الأغراض المنثورة على الرمال ووضعها فوق الشاحنات. لقد غادرنا المرشد غاضبا واختفى وحيدا خلف إحدى مرتفعات التلال. وكان فيلبي يسير خلف الشاحنة حتى يتأكد من عدم الإلقاء بأي شيء من المتاع من فوقها. لقد شرع الرجال في إظهار بعض العصيان، وبمجرد أن تبدأ الشمس في الطلوع يصبح الدين منقذا لهم. لقد حان وقت الصلاة، وقد التحق بهم فيلبي إلى حيث تنتهي الخلافات في الرأي، وخاصة عندما يقفون جنبا إلى جنب في اتصال أخوي وروحي. لقد حصل الاتفاق وقريبا ستنصب خيمتنا على بعد حوالي 12 كلم جنوب جبل يفيخ. وبعد ذلك بساعة كانت أنوار السيارة تقود مسفرا باتجاهنا حيث كان قد ذهب في رحلة دبلوماسية مع الأغراض المتنازع حولها. لكن كيف عرف مكان الخيام، أنا لا أعرف شيئا عن هذا، لكنه عثر عليها. لقد عاد حوالي الساعة الثانية صباحا بعدما قطع مسافة ستين كيلومتر عرف فيها أنواعا شتى من الغرق. وكان برفقته مرشدنا وهو يبتسم في وجهنا كما لو كان صديقا قديما لنا. وبعد الفجر بقليل نصبنا خيامنا على سفح جبل يفيخ الذي يعلو رأس خيمتنا بحوالي مئتي متر. وقد كتبت حينئذ باستسلام: إن اختيار المكان لا يعير أي اهتمام للعواصف. وبعد اصطيادنا لغزال ذكر طبعا احتفظت بجلده، لأنه كان أول غزال من فصيلة مريكا. تركنا الشاحنات في مكانها وتوجهنا لمعاينة أهم مجمع في نقطة تلتقي عندها أودية تثليث وبيشة والدواسر مشكلة في مجموعها عقدة مجمع نهري، وكانت غير مستكشفة. كان هناك سطح من صخور غنيس الصوانية التي تشبه حبلا غليظا بلفافاته الزرقاء والبيضاء، وفوقه طبقة من الرمل الأصفر اللون. كنا نجتاز قمم جبال الريانية التي تنخفض فجأة لتنصهر في مرتفعات بعض التلال. وفي سفوحها الجنوبية توجد العقدة الغوردية التي تقطعها. نحن الآن في المنخفض الواسع المعروف بالمختمية الذي تصب فيه المجاري الجديدة لوادي بيشة ورنية. وقد كان هذان الواديان سابقا بالإضافة إلى وادي تثليث يشكلان منبع وادي الدواسر الذي رأيناه في اللدام. أما اليوم. فإن وادي تثليث وحده هو الذي لا يزال يصب في وادي الدواسر. لقد أغلقت التلال الكثيرة والحديثة التكوين منخفض المختمية الذي أصبح يستخدم مضيقا منغلقا ومصبا في الوقت نفسه لوادي بيشة ورنية، حيث إن السيول الموسمية التي تمر بهذين الواديين لم تعد تصب في وادي الدواسر، وهو ما يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة في واحات اللدام والأنهار المجاورة. وفي العودة اجتزنا من جديد المنحنى الغربي لجبال الريانية فلاحظنا وجود آثار أعمال كبيرة وغريبة ترجع إلى فترة ما قبل التاريخ. وهي عبارة عن كيلومترات من الأسوار تلتقي بمرتفعات وذروات الجبال. تأخذ أحيانا شكل المذراة ذات أسنان ثلاث يصل طولها أحيانا إلى كيلومترات، لينتهي مضيقها بأشكال كروية من الجثوات. هذه الأعمال تنتشر في جميع جبال المنطقة، وهي ليست مسورة وليس بها أي نقش. يمكن أن يكون لها طابع ديني أو مأتمي، ولا شيء يدل على أنها ذات توجه عسكري أو رعوي أو مخصصة للصيد. التقينا بأحد البدو فأكد لنا الأسماء التي أعطانا إياها المرشد الذي كان مريضا بحنجرته. وقد لاحظنا أن البدو قد شرعوا في التخلص من عباءاتهم التقليدية تدريجيا، وبدءوا في ابتياع الملابس الأوربية المستعملة. كان أحدهم يرتدي قميصا أسود كتب عليه رمز P.W التي تعني أسرى حرب Prisoner of War، وقد سبق لي أن رأيت شاحنات كثيرة محملة بهذه الثياب، كانت توزعها منظمة الهلال الأحمر على اللاجئين في فلسطين، وهي المنظمة التي تعادل الصليب الأحمر. كانت الرمال تطير في أجواء السهل، كما تتطاير على الشواطئ في أيام العواصف قارسة أرجلنا التي كانت عارية إلى حد الركبتين. عدنا إلى المخيم عبر ثلاث نتوءات صخرية ذات اللون الأصفر المائل إلى لون العنب. كانت وجبة المساء جاهزة في الخيمة، لكنها كانت تنتفخ، أما قطع اللحم فكانت تصطك فيما بينها تحت ضغط الرياح. نام جاك خارج الخيمة نظرا لكثرة تحرك سريره بفعل الرياح، والشيء نفسه بالنسبة للإنجليزي فيلبي. أما أنا فقد فضلت النوم في ملاذ الخيمة وبداخلي أمل أن تذهب بها الرياح بعيدا حتى أعيش ملحمة طالما حلمت بتحقيقها. وفي التاسعة توجهنا جنوبا فمررنا بمنطقة من الجرانيت لها لون الخبز السكري، تعلو الهضاب بنحو 100 متر. واجهتها الشمالية عمودية تقريبا، ولا يعرف المرشد اسمها، لأنه كان مستعجلا على الذهاب بنا إلى مرتفع الستارة الذي كان يعرفه كثيرا. وبالصدفة اجتزنا أثر سيارة قيل لنا إنها سيارة أحد العاملين على الزكاة الذي كان يقوم برحلات طويلة من أجل تقييم أربعين رأسا من الجمل أو مئة رأس من الماعز. وكانت الأسعار المتواضعة التي يحددها تجعلني أرى في ذلك أثرا لرجل أوربي، لكنه أكثر تطورا في مجال استخلاص العوائد. كان المرشد يشير لنا إلى جبل جريدل على الطريقة البدوية، وهي طريقة سهلة وفاعلة في الوقت نفسه. كان يشير إلى الهدف بكفيه المشرعتين، بحيث لا يمكننا أن نتعرف منه على شيء إلا إذا وقفنا خلفه. وبعد التقاطنا بعض الصور لبعض أكوام الحجار الطبيعية المحيطة بمجمع صخري كثيف، اتجهنا إلى بئر العرجية التي كانت محفورة في صخرة على عمق 15 مترا. كان الوقت منتصف النهار، وكانت الرمال الدافئة تحرق أسفل أقدامنا العارية. لم تكن ألوان المرتفعات عشوائية، فقد كانت منحنيات خشم الطراد ذات لون يشبه الياقوت الأزرق. وبالقرب منها كنا نجتاز سهلا كثير التلال، حيث كان المرشد يسبقنا راجلا بحثا عن معبر ملائم للسيارة. وقد كانت كثبان الرمال وعرة، وخاصة بالنسبة للشاحنات. وبذلك وصلنا إلى قمة معتمة ومليئة بأحجار البازلت اسمها حويتان، حيث كنا أنا وجاك نعاين باستغراب دائرة واسعة من الحجر على شكل حظيرة للمواشي يصل قطرها إلى 35 مترا محاطة بسور سميك يصل طوله قامة الرجل وليس لها مدخل. ولم يكن ذلك إلا واحدا من مئات الأعمال التي تشبهه. وقد أذهلتنا هذه الأعمال الضخمة. وهنا تأتي الفرضية الإجبارية التي تقول: كانت المنطقة كثيرة السكان. وقد كانت شعاب الطيري التي نجتازها مستوية وسهلة للمشي فوقها مع كثرة وجود أشجار الطلح بها، لكن مشهدها أصبح موحشا بفعل تآكل قممها. وفي المساء حينما كنا نحيط بالنار كنا نتناقش حول هذا السؤال: أليس الاستكشاف نوعا من التهديم؟ أي تهديم المجهول. فالمجهول أيضا يعد شيئا. فمنذ الآن سيظهر اسم هذه المناطق على الخرائط. وستكون هذه المناطق تابعة للرجال الذين سيضعون عليها أصابعهم ناطقينها بالمقاطع نفسها. أما قبل هذا الوقت فيمكننا القول إنها "كانت توجد"ولا شيء أكثر من ذلك. كان هدفنا هو صعود شعيب الطيري الواقع بين قمة تحمل الاسم نفسه وجبل إذن، دون أن ننسى قمته المزدوجة النميص، والتي تظهر عالية كما لو أنها كانت ترضع النجوم. كانت الشعاب مفروشة بالحصى الأسود ويبرز من خلالها واد كثير العشب. لقد التحقنا بمجموعة من البدو، وكانت الوسام المكوية على أعناق جمالهم ترجف رجالنا. لقد كان هؤلاء البدو من فرقة قبلية أخرى، لكنها تنتمي لقبيلتهم نفسها: إنها قبيلة عتيبة. وقد بدأت الأخوة في القيام بدورها من خلال تبادل الأحاديث الودية. كان وسم هذه الفرقة يشبه عكازين صغيرين بدائيين، بينما كان وسم قبيلة رجالنا هو OOT، أما وسطا قحطان فيشبه حسب المرشد حرف Y. وكان يرفرف فوق رؤوسنا عديد من الكواسر (شوحة)، وهي تتنازع إحدى الجثث فيما بينها، وكان أحدها قد اقترب منا بمسافة خمسة عشر مترا. وعلى كوة مساحتها متر مربع كانت توجد بئر الطيرية ذات المياه العذبة التي يصل عمقها 12 مترا كان هناك ثلاث مجموعات من أفراخ الحجل تقف فوق الأشجار المشوكة ترفرف بأجنحتها ماسحة بها وجه حجر الجرانيت. لم يكن يوجد هناك أي نقش، سواء بسبب عدم وجود آبار في هذه المنطقة؟ أو لأن عبور هذا الشعاب كان وعرا. ومن المفروض أن يكون جبل ثربان قريباً من هذا المكان الذي يسمى بهذا الاسم والذي وجدناه مكتوبا في أحد النقوش التي شاهدناها في مريغان. وتجنبا للسير في الريق الأمس نفسه قررنا تغييره متجهين غربا، بين جبال الطيري وجبال مياص. أما الشعيب الذي كنا نعبره فيسمى شعيب البوق. وخلال عشرة كيلومترات سنعبر أسوأ ممر صادفناه منذ بداية الرحلة، حيث كانت الرمال تتطاير والرياح تصفر بين الأشجار ذات الشوك وفوق الأرض المغطاة بالحصى. كانت سرعة القافلة لا تتعدى ثلاثة كيلومترات في الساعة، وقد تمكنا من التغلب على هذه الصعاب بفضل تكاتف الجهود الجماعية بين جميع أعضاء الفريق. وبعد عبورنا إحدى العتبات وجدنا أمامنا مشهدا على شعيب واسع رملي يصل مداه خمسة عشر كيلومتر. كان أحمد، سائق إحدى الشاحنات قد عثر على عقرب كبير عندما كان بصدد اقتلاع حجرة كبيرة، فصاح فجأة: "عقربة". مخرجا هذه الكلمة بصوت مفزع خرج من بين مشفريه الغليظين. وكان رجالنا قد قتلوا من هذه العقارب ما بين ثمان أو عشر في شعيب مقيل الذي نزلنا منه في نهاية هذه المرحلة. كما كنا نعثر على عدد من هذه العقارب كل صباح تحت فراش الخيام، حيث كنا نتجنب لسعاتها خوفا من أذاها الذي لا يمثل في حد ذاته إلا ذكرى عادية. وفي الغد كانت السماء الملبدة بالغيوم تخفي فوقها نور الشمس، بالإضافة إلى الرياح العاصفة، لكننا كنا مع ذلك مسرورين بالعثور على طريق منخفضة تسمح لنا بالسير فوقها بسهولة. وفيما كنا نمر أحيانا ببقع من الرمل التي كانت تتناثر فوق الأرض؟ فإذا بالعواصف تنزل علينا من جبال جخجوخ. كان هدف فيلبي أن يتجه نحو بئر رغوة، التي كانت تبعد عنا بفرسخين جنوبا. وقد مكنتنا هذه المسافة القصيرة من تحديد نقطة التقاء وادي رنية وبيشة، وهو ما يعادل في أهميته، مع جميع التحفظات، اكتشاف الأعرابي لنقط التقاء نهر السين ونهر ألواز فيما لو كان هو الذي اكتشف فرنسا. وفي اتجاه الشرق كان يوجد مجرى واديين مندمجين مع بعضهما يسمى الفرشة. وهناك حركنا حوالي عشرين غزالا من مكانها. لم يكن سلوكها لطيفا، فبينما نحن نطارد المجموعة الأولى المؤلفة من أربعة غزلان، فإذا بها تمر وسط مجموعة أخرى على أساس أن يتحول انتباه الصياد إلى هذه الأخيرة فتتحرر الأولى من الصيد وتقع الثانية في الشرك. وبعد مطاردة في أرض مليئة بالأحجار اصطدنا واحدة منها، وكان هذا كافيا لنا رغم محاولة رجالنا مواصلة الصيد. وبعد التحاقنا بالشاحنة توجهنا شمالا، وعلى مرتفع جبل شثير شاهدنا بدويا يجري نحونا ليس بحثا عن الماء بل بحثا عن إحدى بهائمه التي كانت قد ضاعت منه. ومع الأسف لم يكن في إمكاننا مساعدته؟ لأننا لم نر شيئا. وفجأة صعد الرجال فوق الشاحنة وكانت أنظار الجميع متجهة نحو الاتجاه نفسه، وكم كانت خيبة أملنا عندما انشغلنا بهذا عن ثماني غزلان كانت تمر على بعد مئتي متر من القافلة. لقد غادرنا منطقة يوجد بها الكثير من الأعشاب التي تقتات منها الغزلان، وخاصة الرمض والحمض، وهي أعشاب قصيرة تأكلها الحيوانات كثيرا. فالرمض بعناقيده البيض جيد، وخاصة عندما ينضج وتصبح أزهاره بنفسجية اللون. وبعد تجاوزنا جبل الحوفيات عبر شعيب متسع، حيث إن مياه بئر مدقة الدافئة والمالحة لم تشجعنا على التزود بها. بعد ذلك وصلنا إلى مشهد خيالي، وكان الوقت ساعة غروب الشمس. كانت خيوط الشمس المتماسة فيما بينها مسلطة على سهل من الرمال الذي كان يسبح في ضباب خفيف. والصخور تبرز من بين كثبان الرمال كما لو كانت جزرا في خلجان الهند الصينية. وكان الأفق مزينا بتسعة وعشرين نتوءا صخريا تؤلف في مجموعها قمة جبل صلاصل. وفي اليوم التالي صاحبت مسفرا الأول للبحث عن مرشد جديد. قطعنا مسافة ثلاثين كيلومتر، اصطدنا خلالها غزالة، قادتنا إلى شعيب به جمال، وقد جعلتنا هذه الجمال نكتشف ثلاث أو أربع خيام مفرقة. فوقع اختيارنا على خيمة مناحي بن وهطان وهو من قبيلة سبيع. فوافق على مصاحبتنا مقابل مئة ريال، وذلك بعد ثلاث ساعات من الأخذ والرد واتخاذ الاحتياطات قبل السفر. وقبل سفره قام هو وزوجته بتوفير الأعشاب التي ستقدمها زوجته للبهائم خلال فترة تغيبه. لم يكن أي منهما يتخذ احتياطاته في قطع أغصان الأشجار، حيث كانا معا يسلطان ساطورهما على الشجرة كيفما اتفق. ر وعند دخولنا الخيمة جلسنا على فراش من شعر الماعز؛ لأن الخيمة نفسها لم تكن من وبر الجمال. لم يكن من الممكن أن نقف على طول قامتنا. لأن علو الخيمة لم يكن يتجاوز 1.20مترا من الأرض. بينما كانت الواجهة المعرضة للرياح مفتوحة، وهذا هو المدخل الوحيد الذي يمكن أن نلج منه الخيمة، وليس من الخلف. ورغم أننا قدمنا إلى هناك بالسيارة؟ فإنه كان لزاما علينا احترام تقاليد رعاة الجمل: لقد توقفنا على بعد حوالي مئة متر من الخيمة، ولم نقترب إلا بعد أن رآنا ساكنوها، ولكل مسافر الحق في قضاء ليلة مجانا تحت خيمة مضيفه، إلى غاية ثلاثة أيام، وبعدها يمكن للمضيف أن يسأل ضيفه عن وجهته وعن الخدمات التي يمكنه أن يقدمها له. وهذه القضية واضحة ومتعارف عليها عند جميع البدو. كنت قد لاحظت وجود مجموعة من الطنب مغروسة في الأرض، وفي رأس كل واحد منها حزمة من الأعواد المدفونة في التراب، إنه أسلوب ناجع لمقاومة العواصف العاتية. جاءتنا زوجة المرشد بحليب النوق الذي كنا نغمس فيه التمر، وبعد ذلك جاءتنا بالقهوة بالزنجبيل التي كنا نرتشفها فوق فراش شعر الماعز. وفي الجهة المخصصة للنساء داخل الخيمة كانت هناك قوبعة تقتات من الحب المنتشر قي الغرفة، حيث كانت تتعلق بقشرة صغيرة، وتقفز فوق أكياس الزاد المنزلي الأربعة مرفرفة بجناحيها حول الجدار لتقف بعد ذلك فوق كوب كان موضوعا فوق قربة الماء. في هذه الأثناء التحق بنا شاب بدوي قوي البنية. ومن الغريب أن ترى هؤلاء الناس الذين يعيشون في المكان نفسه ويرى بعضهم الآخر كل يوم يتبادلون التحية بالقبلات على الخدين ثلاث مرات مع ترتيل سيل من عبارات التحية دون أن يحدق الواحد منهم في ونجه الآخر وكأنهم لم يروا بعضهم منذ زمن طويل. ومباشرة بعد هذه الطقوس شرع المرشد في تقديم مجموعة من الأوامر التي يجب على هذا الشاب تنفيذها، كان يستمع إليه وفي يده بندقيته التي كانت فوهتها مصوبة نحو صدري، أكثر من ذلك؛ فإن مقبض هذا السلاح كان مزخرفا برأس غزال. وفي الأخير قال لنا مناحي أنا جاهز للسفر، ثم انصرف دون أن يتفوه بكلمة يودع بها النساء اللواتي كن متقرفصات حول النار. وبعد الزوال وصلنا المخيم الذي كنا قد نصبناه في سفح جبال الربد. في هذه الأثناء كان فيلبي وريكمان وجاك في تلال أبي الدفوف التي يبلغ علوها حوالي 120 مترا، وهي مشهورة بالمكان الذي تغني فيه الرمال. وفعلا فقد غنت لهم الرمال. كنت أتمنى أن أكون مع هؤلاء القراصنة الذين نجوا من صفارات إنذار الصحراء التي كان صوتها عبارة عن طنين مقطوع بشخير. ولإنهاء يومنا قررنا المرور ببئر سقمان. وكانت لنا إلى ذلك ثلاثة دوافع: تعبئة القرب بالماء، ومعاينة هذه البئر غير المعروفة لدينا، والبحث عن النقوش. لم يكن الطريق طويلا، وخلال عبورنا السهل مررنا بشعيب سقمان عبر فجاج بين جبلي غائر والغتوري. كان الفجاج يتجمع إلى أن أصبح عبارة عن مضيق يحيط بمرتفع الحمراء. وكانت هناك تقع البئر على كدية من الجرانيت الوردي. ورغم أنها ليست عميقة؟ فإن ماءها كان صافيا. كان مخيمنا عبارة عن علامات إنذار، المساء جميل تحت السماء الزرقاء، والبرد يقرس، والأقدام الحافية تنغرس في الرمال الناعمة، ونار المخيم تتلألأ في حلكة الليل، وكانت أصوات الرجال تصطدم ببعضها فيرجع لها صدى من الصخور. كان مدخل الخيمة المضيئة يشكل بقعة خضراء مخططة بحباله الفضية الخمسة. كانت الحرارة لطيفة: 18 درجة مئوية. بينما كان ميزان الحرارة قد وصل في منتصف النهار إلى 42 درجة خارج الظل، و 28 درجة في الظل. لقد تبين لنا أننا كنا في يوم 28 فبراير، وهو اليوم الذي انتهت فيه تأشيرة دخولنا إلى المملكة العربية السعودية. يوجد في اللباس العربي شيء من السهولة، إذ في إمكاننا أن نشمر أو نطلق الثوب بكل حرية، باستثناء الغترة التي لا يجب أن تنزل فوق الجبهة، كما أن جنباتها الممتدة على الكتفين يجب أن تكون متساوية. لقد باشرنا التقاط النقوش على جنبات البئر، فجمعنا منها فوق الستة، كانت من بينها بعض النقوش الحميرية. لم يكن ما جمعناه شيئا ذا بال. وقد عثر جاك على علامة تدل على وجود الماء نقشها بعض البدو على لوحة من الجرانيت. وكان الخروف المعد للوجبة القادمة يتبعني منذ ساعة تقريبا، كان يمشي خلف هذا الراعي الغريب الذي لا يمده بشيء يضعه في حنجرته كما كان معتادا. وبعد الانطلاق بقليل اجتزنا مجموعة من مئة جمل قادمة من السهل الذي جئنا منه بالمرشد. لقد شرعت السيارات في سحق المراحل الأخيرة من السفر، حيث كانت الشمس ترسل أشعتها على بعض النتوءات الصخرية التي تشبه أجزاء عارية من الدماغ، ومن بين مجموعة السناف المخروق كانت توجد واحدة قد مزقت الطبيعة قشرتها بفعل الانجراف العنيف الذي أصاب الصخرة. كانت مرتفعات نجد تزداد علوا منذ مغادرتنا نجران يتراوح علوها ما بين ألف متر وألف ومئتي متر. تأكدت لنا هذه القاعدة بعد مرورنا ببئر الضيرين التي لم تكن توجد بها أية نقوش، حيث كانت تستغل منها ثلاث حفر فقط من بين سبع، أما عمقها الذي يصل 12 مترا فيبدأ بشكل غريب، ويظهر أن إحدى سيارات الجيب كانت قد هوت فيه. كانت إحدى البدويات التي ترتدي اللون الأحمر تركب ناقتها بشموخ: وهما معا (هي وناقتها) مضافا إليهما أريكة من الحصى الأبيض كانوا يشكلون حقلا من الزهور. إنه مدخل إحدى المنحنيات الذي تكسرت رتابته ببعض نتوءات من جبال سلامة. توقفنا في منتصف هذا المنحنى لمعاينة سلسلة نتوءات صخرية طويلة لا يتجاوز طولها طول إحدى الحواجز. لكن اسم هذه النتوءات من الجرانيت الصلب بلون العنب لا يتلاءم مع اسم الزبدانيات الدال على الميوعة. لقد قتل بها رجالنا ثعبانا يصل طوله نصف متر، كان يندفع في جحر جربوع أسفل بعض النباتات. لقد أردنا خنقه بإشعال النار في الجحر، كان ذلك قبيل أن ينادي المؤذن للصلاة. كان المشهد غريبا. بينما كنت أنا وجاك نضرم النار في الهشيم، كان رجالنا يتيممون بالتراب نظرا لعدم وجود الماء أو قلته، ذاكرين الله. أما الثعبان فلم نره بعد ذلك. لقد كان مسموما، فكل ثعبان يعد خطيرا من قبل البدو. لكن الحقيقة أن أغلب الثعابين الصحراوية ليست كذلك. ومن بين الثعابين المسمومة في المملكة العربية السعودية نذكر الكوبرا والأفعى ذات القرن. واعتقادا من الحيوانات المحلية بأن هذا التوقف لم يكن كافيا فقد فاجأنا حيوان راتل وهو نوع من الحيوانات البطيئة المفترسة. لا ندري من أين كان يخرج وبمجرد أن يفلت من تحت الأقدام تراه يختفي في نفق حيث يستعيد نفسه. كان ريكمان يضع يده اليمنى دائما على طرف باب السيارة، تلك كانت طريقته في مواجهة ارتجاجات السيارة، وكانت هذه اليد قد اسمرت من الشمس، كما أن الرياح قد غيرت لونها، لدرجة يمكن معها القول إن هذه اليد أخذت عنوة هذا اللون من أجل أن تحارب الرجل الأبيض. كان مرشدنا مناحي بن وهطان هو البدوي الوحيد الذي شاهدته يأخذ قسطا من راحته على طريقة الشعوب البدائية في دلتا النيل العليا. يقف على طريقة مالك الحزين (طائر) على رجله اليمنى واضعا أخمص قدمه اليسرى فوق الركبة، وهو يقوم بذلك دون اعتماد على عصا أو أي شيء آخر يتكئ عليه. وهو نفسه الذي كان يحزم رأسه جيدا بغصن شجرة لين بدل العقال. ها هو ذا هدف هذه المرحلة، جبال حمام. وبمجرد أن بدأت الشمس ترسل أشعتها على الخيمة خرجت لاصطياد الحشرات. وكانت فروع الشجر الميتة الملقاة على الأرض هي المكان المناسب الذي يتجمع فيه النمل والعناكب، وحيث كانت الثعابين تجد في هذا غذاءها المناسب، ويظهر أنها هي كذلك تفضل هذه الأماكن. وقد كانت الرمال تشتمل أيضا على قطع صغيرة من الذهب وأحجار الميكا. أما فيلبي فكان يتسلق بصحبة المرشد أعلى قمة في جبال حمام. لقد ولد هذا الرجل سنة 1895 م، إلا أنه ما زال صغيرا بعد، وعندما كان ينزل من القمة كانت ترتسم على محياه ابتسامة عريضة، فأنا مستعد لتوقيع عقد بأي ثمن من أجل ضمان بقائي بهذه الحيوية عندما أبلغ سنه. كان يجب علينا أن نسير أكثر من 50 كيلومتر لنصل إلى بئر الهميجة، وقد قطعنا هذه المسافة عبر جبال أذقان ومنحنيات أبراق أو بصخور تعلوها الرمال. وقد وصلنا إلى مكان به أثر عجلات السيارة، ويحتمل أن تكون سيارة عامل الزكاة الذي التقينا به سابقا، كما قد تكون سيارات الأعراب الذين يبحثون عن الأعواد على بعد مئات الكيلومترات من مدينة الرياض. وقد استغل فيلبي مناسبة مرور بدويين ممتطيين جمليهما الأبيضين ليذكرنا بأن سكان منطقة نجد هم أكثر تشددا من سكان نجران. يجب إذن إخفاء آلات التصوير أكثر مما كنا في الجنوب. يوجد بالهميجة بئران، إحداهما بئر عادية تتبع لبدو عتيبة، والثانية ملكية خاصة، وهذا أمر استثنائي. وكان هذا الأخير محكم التنظيم تمتد منه ساقية مبنية بالأحجار، حيث إن الماء يصب إما في مورد أو يتوجه لسقي خمس نخلات مزروعة حديثا. لم تكن الهميجة راقية، لكن ضعف حركة التمدن في هذه المنطقة كانت مثيرة إلى حد ما. فإذا علمنا أنه كانت توجد به عمارة صغيرة فقط مؤلفة من دور واحد منحن، سنفهم أثر ذلك كله في رجل الصحراء. لقد قطعنا مسافة 650 كيلومتر منذ خرجنا من اللدام، فكانت هذه هي العمارة الوحيدة التي شاهدناها في طريقنا. لاحظنا تناقص الزيت من محرك السيارة بشكل خطير، فقررنا إرسال إحدى الشاحنات إلى محطة البنزين التي كانت على بعد 150 كيلومتر شمالا، حيث ستقطع طريق مكة- الرياض. فانطلقت الشاحنة بعد أن ضربنا موعدا مع السائق بعد الغد في جبال صبحا التي كان يعرفها المرشد. حولنا اتجاهنا نحو الشرق محتفظين بما دأبنا عليه في هذه الرحلة، أي السير في المناطق غير المكتشفة. لقد شاهدنا أمامنا غزالتين، لكن الأرض الوعرة أنقذتهما، وبذلك بقي حكم الإعدام ساريا على الخروف الذي كان يتوج الأمتعة فوق الشاحنة. وفي انتظار أن تنصب الخيمة كنت أشغل نفسي بنحت اسمي على لوحة من الجرانيت في هضبة أم عريف، حيث كنا قد نصبنا المخيم. ومن بعيد كان يلوح لنا لهيب نار متقدة تتراقص في العتمة. وكان جاك قد أشعل سيجارته مرة مستخدما الولاعة التي أصابته بحريق في يده مما أثار انتباه المتفرجين. ومن الغريب أن تسعة من رجالنا الأربعة عشر كانوا يجهلون ما هي الولاعة. أما ريكمان الذي كان قد فرغ لتوه من معركة قادها مع حقيبته فقد استقام متسائلا: - هل وصلت السفرة؟ والمقصود بالسفرة صالة الأكل، إذ يعلن وضعها على الأرض عن قرب موعد تناول وجبة الأكل. كانت الرياح عنيفة تلك الليلة. وكانت الأغراض والملابس قد غطتها طبقة رقيقة من الغبار. لكن يكفي أن ينفخ أحدنا عليها لنتخلص منها. ولهذا الغبار سلبيتان: أنه يتسرب إلى الأجهزة الحساسة، كما أنه يحدث بقعا على الملابس بعدما ننفضه من فوقها. وقد كان من الصعب الاغتسال بالقليل من الماء المتبقي في القرب والمخصص للشرب. قمنا بدورة كاملة نحو الشرق، متجهين صوب جبال حصاة قحطان. وفي السهل كان يوجد عدد من القطع المستديرة على شكل أطلال: بعضها مازال يبدو عليها أثر يدل على أنها كانت مأهولة، وهي في الغالب على شكل دائري ومحاطة بسوير علوه نصف متر تقريبا. فإما أن يكون قصرا أو غار الضب الأسمر الذي يبلغ طوله مترا، والذي لا يجب أن يستهان بضربات ذيله أو بعضاته، وكان بعض البدو ليأكلونه مع إعطاء الأفضلية للذيل. وعند مرورنا تسلقنا جبل أم رقيبة، وهو يتفق في الاسم مع جبل آخر كنا قد ذهبنا إليه قبل أسابيع. كانت قدماي حافيتين نظرا لاستهلاك حذائي، وكنت قد صدمت أحد أصابع قدمي من الأرض، وبذلك أصبحت أعرج، وكنت في انتظار أن تنتفخ، حيث أصبحت أتصور نفسي برجل مربوطة بالجبس. كانت الرياح تثير نقعا من الرمال، مما اضطرنا إلى إغلاق نوافذ السيارات رغم ارتفاع درجة الحرارة المفرطة. كان الغبار قد أخفى نتوءات الجرانيت المنتشرة في السهل. كما أنه أخفى عنا الخنادق والنباتات بلونه الأصفر. وكانت الحصوات التي تصطدم بإطار السيارات تذكرني بارتطام حبيبات الماء التي تتطاير من البحر لتصطدم بإطار السفينة. وفجأة قامت حركة استنفار بين الغزلان، فأسرعت السيارة لملاحقتها، وقد كانت وجوهنا المطلة خارج السيارة تمتلئ رمالا، وبعد المطاردة لم نحصد سوى حزمة من أشجار الحمض التي كانت تتقاذفها الرياح في السهل. وعندما تكون الرياح الرملية متوسطة؟ فإن الصحراء تكون في عيدها الجميل وخاصة في أيام البرد. وقد حضرت مرة مثل هذه الحالات عندما كنت مدعوا في العراق، في مثل هذه الحالات تتوقف الحياة، حيث يصبح المرء رغم أنفه عروسا متلفعا في شرنقة من الرمال. وفوق رؤوسنا كان هناك صقران يطاردان فرخا من الحجل دون اكتراث لمرور السيارة بالقرب منهما. كلما اقتربنا إلى الواجهة الغربية "حصاة قحطان " كنا نرى السهل المحجر الأبيض يتحول إلى بساط أخضر من الأعشاب الكثيفة. وكان مرتفعه متوجا بقمة عالية من نوع خاص اسمها رأس الطريف حيث أفلنا راجعين. دلنا طفلان على الطريق المؤدية إلى بئر حفيرة البدو، ومن حسن الصدف أن الرياح توقفت عندما بلغنا أحسن الأماكن التي رأيناها. كانت البئر على رأس كدية محاطة ببعض المجارف الوردية، المخططة باللون البنفسجي الذي يمتد على طول مجرى السيول. كانت أشجار السمر الكثيفة تشكل بقعة خضراء تطير فوقها مئات فراخ الحمام. كانت أفراخ الحجل والقطا تحوم حول البدو الذين كانوا يوردون بهائمهم بالبئر. إنه لمشهد سلمي في إطار وحشي. أما المياه فكانت عذبة، وفيما كان رجالنا يسحبون الماء من البئر التي يصل عمقها إلى 12 مترا، كنا نحن نبحث عبثا عن النقوش. وبعد مغادرتنا هذه البئر المثالية اتجهت القافلة شمالا عابرة جبال حصاة قحطان. كان سيرنا بطيئا نظرا لتعثرنا في الأعشاب الكثيفة والشعاب الوعرة. أما البدو، أطفال الصحراء العنيفون فكانوا يستغلون الأشجار الشوكية في المنطقة، يقطعونها ويخلعونها ويحرقونها بدون رحمة. ومن بين أساليبهم المتبعة، والممنوعة من قبل الحكومة، إضرام النار فيها. ومن غير المجدي أن يقال لهم إن هذا الأسلوب يأتي على كل الأعشاب. إنهم لا يغرسون أكثر مما نصب نحن الماء في البحر. وفجأة وجدنا أنفسنا في منطقة بدون أعشاب، حيث دخلنا منطقة بها سلسلة لا متناهية من التلال المتموجة والبيضاء، إنه نفود السرة. وقد قضينا ليلتنا في منحدر يقع بين كديتين من الرمال، في مرتفعات جبال التيس البعيدة. وحسب المرشدة فإننا كنا قد دخلنا منطقة سنسمع فيها أزيز الطائرات المتجهة من الرياض إلى جدة. حيث يتخذ الربابنة هذا المسلك تجنبا للطيران فوق مكة التي يمنع الطيران فوقها قطعيا. أيقظنا الذباب فجرا، لكن الجو الثقيل، والكثير العواصف كان يحجم من نشاطها العصبي. وبعد عشرين كيلومتر شرق مخيمنا، أي على سفح جبال شويمة كانت توجد هجرة يسكنها الإخوان، كان الملك يرغب في التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية، وهو ما كان يرغب فيه الإخوان كذلك وبإلحاح. وبما أن ابن سعود كان ينوي تمدين البدو ووضع حد للنزاعات القبلية، فقد تحقق له ذلك بإقناع الإخوان بالعيش في هجر لا يوجد بها تمايز قبلي. كانت توجد بالمملكة العربية السعودية حوالي مئتي هجرة من هذا النوع، وكان سكانها مخلصين للملك. كانت أمامنا مسالك للجمال وطريق تمر بها السيارات أحيانا تؤدي بنا نحو مضيق يؤدي إلى كدية محاطة بالهضاب، إنها قرية حفيرة. التي تتألف من حوالي أربعين منزلا بعضها مبني بالطوب وبعضها الآخر بالطين. ووسيلة عيشهم كما يظهر هي صناعة الفحم الخشبي، وهو ما يفسر لنا وجود طريق تعبره السيارات في هذه المنطقة. وبالفعل فقد كان يوجد هناك أكثر من مئة كيس أسود يصل حجمه إلى متر مكعب رافعة أهراماتها فوق الرمال الصافية. كنا نحن أول الأوربيين الذين يزورون هذه القرية وقد استقبلنا فيها بحرارة عكس ما كنا نتصور. ولو كنا جئنا قبل عشر سنوات من اليوم لكانت وضعيتنا سيئة. فقد سمحوا لنا بالتقاط صور الأماكن الفارغة من الناس سرا. كان الرجال يهتمون بنا كثيرا مع أنهم كانوا يتحفظون، وجوههم شاحبة، تبدو عليها علامات التعصب، وشفاههم رقيقة وعيونهم متقدة. وقد قمنا بالتتابع بزيارة المطوع أولا، ثم أردفناها بزيارة الأمير المحلي. ولهذا الأخير طريقة فظة في التعبير، ويرجع السبب في ذلك إلى عور في عينه اليسرى التي كانت قد ماتت فأصبحت بيضاء. وبعد تحية كل واحد منا بثلاث قبلات جلسنا في غرفة سقفها مكون من لوح الخشب الأسود. إن وجود نوع من الزخرفة الخاصة وسط الديوان يدل على أهمية المكان. وهي عبارة عن خط مؤلف من عدد من الثقوب المثلثة الشكل المرسومة في خط أفقي بأعلى الحائط تقوم مقام النوافذ. كان فيلبي يتجنب ذبح خروفين في مثل هذه المناسبات، فقد تخلص من هذا بدفع ثمنهما طالبا من الأمير توزيع لحمهما على فقراء القرية. لكنني ارتبت كثيرا من هذا الموقف: ألم نذبح بالأمس القريب عددا من الخرفان. وبعبارات اعتيادية طلب الأمير من فيلبي الذي كان يعلم بتأثيره أن يتوسط له لدى المسؤولين من أجل أن ينهي بناء مسجده بالقرية حتى يتمكن المطوع من تقاضي مرتب ثابت. وقد نقل فيلبي فعلا هذا الالتماس وأتصور أن الأمير سيكون مسرورا بهذا، لأن الأمر كان قد أعطي بتنفيذه. كانت الشاحنات تصل من الرياض بمعدل ثلاث أو أربع شاحنات في الأسبوع، كانت تأتي لتحمل الفحم الخشبي بعد أن تدفع ثمنه الذي كان يصل إلى مئة ريال لكل مئة وعشرين كيسا. دخلنا عبر الواجهة الشمالية لجبال البجادة. كان الجو غريبا، وكنا نتوقع أن تكون السماء صافية زرقاء فوق ضباب الرمال. كان الهدوء سائدا. وكانت الشمس المحرقة مسلطة على الأرض وعلى أكوام العواصف. أما الذباب فقد كان فرحا بهذا الجو الذي جعلني أعتقد أن النشأة المفاجئة للأجيال ليست شيئا خياليا. وفي اللدام وصلت لفيلبي حزمة من جريدة التايمز، وتبعا للتقاليد المتبعة فإنه كان يقرأ منها كل يوم واحدة، بينما كنت أتصفح عدد 30 نوفمبر لأتسلى بلعبة الكلمات المتقاطعة. ترى متى سينام فيلبي؟ الصحراء أنسب مكان للذين يريدون غسل ثيابهم وخاصة عندما تكون الرمال هادئة، وقد كنت غسلت بذلة النوم على الساعة السادسة مساء فجفت في الساعة الحادية عشرة ليلا. غادرنا المكان متجهين شمالا، نحو الرياض. وبعد عبورنا وادي السرة دخلنا في مرتفعات جبال الأنكير عبر سحب من الضباب الكثيف. كانت توجل بالسهل بعض الألواح الخضراء من الصخور المسطحة. كما كانت هناك بعض القبور ذات الشكلين الهندسيين الأسطواني والمثلث تجانبها بعض جحور الضبان التي تكثر بهذه المنطقة. كان رجالنا يدخنون تبغا نباتيا حملوه معهم من نجران، رائحة دخانه تشبه رائحة احتراق العشب. وعند عبورنا فجاجا واسعا بين جبل الأنكير شرقا وجبل صبحا غربا وصلنا إلى هجرة جديدة كان يسكنها الإخوان، وكان بها ثلاثون منزلا موزعة على أربع مجموعات قصيرة، ينحني بعضها إلى أقرب نقطة في الرمال. أما سكن الأمير فكان محاطا بحوالي ثلاثين نخلة. إن اسم أمير منتشر كثيرا في المملكة العربية السعودية: ابن الملك أمير، والمسؤول عن القرية مثل هجرة صبحا يطلق عليه أيضا أمير. استقبلنا هذا المسؤول بسحابة من دخان البخور، وبسيل من كلمات الترحاب الأخوي. وإذا كانت الابتسامة تفشل كما يقال، فقد كان لها هنا هدف نفسي، ذلك أن فيلبي قبل بعد ذلك مبتسما أن يصحب معنا أحد أبناء الأمير إلى الرياض. وكان هذا الولد بدويا وعليه سمات اللطف، وكان يرتدي معطفا جميلا. لقد قضينا ساعتين مع أعيان المنطقة ذوي السحنة الشاحبة، كنا خلالها ندخن معهم النرجيلة بكل أخوة، وأعتقد أنهم بعد ذهابنا سيتكلمون طويلا عن هؤلاء النصارى الذين جاؤوا إليهم لأول مرة. وتنفيذا للموعد الذي ضربناه للشاحنة فقد وصلت في وقتها المحدد حاملة معها الزيت. غادرنا المنطقة سالكين الطريق الذي يطلق عليه المرشد "طريق الخشب ". وقد صدقت هذه التسمية حينما رأيت كثيرا من أكياس الفحم الخشبي التي كانت تنتظر أن تحمل على الشاحنات. وبهذا الأسلوب. فإن المنطقة ستصبح عما قريب عارية. وبعد تجاوزنا بئر السعرانية وهضبة أبي سنون ذات القمم الأربع كنا قد تجاوزنا الخمسة آلاف كيلومتر. كانت الشمس متجهة نحو الغروب مشبهة صحنا أصفر في ضباب أغبش. كان عدد من الأشجار الميتة بشعيب الأرطاوي يجعلني أتذكر حلبة صراع في مساء هادئ. كان اللحم قد نفد منا، فتوقفنا عند إحدى البدويات التي كانت ترعى قطعة من الغنم. لكنها هربت، وبفضل تدخل ابن الأمير استطعنا أن نشتري منها رأسا من الغنم الذي أخذت مقابله من الريالات. كان المطر قد سقط قبل مدة قريبة، ولذلك كنا نشاهد العشب الأخضر يطل من الأرض حول بئر الأرطاوي. وفي المساء كان كثير من الفراشات تحوم حول المصباح. يحب العربي دائما استخدام أسلوب النداء عندما ينادي أحدا، ولذلك كنا نسمع المرشد ينادي دائما فيلبي قائلا: "يا شيخ، يا شيخ ". وفيما كنت أتأمل الدعامات الجميلة بأحد الابار، وانعكاس الماء الذي يقع على عمق ثمانية أمتار أخبرني جاك بموت ملك بريطانيا. لقد كان رجلا ملتزما، كما أن البدو كانوا يتكلمون عنه باحترام. كانت الشاحنة التي أرسلناها أول أمس قد حملت إلينا برقية من الملك ابن سعود، مستفسرا عن صحتنا ومستنفرا حراسه. وقد كان علينا أن نغادر منطقة نفود الدحي قبل هذا الوقت بزمان، فقد التبس الأمر على الملك بعدما علم بأننا نقوم بالكثير من الوقفات لجمع أكثر ما يمكن من المعلومات الجغرافية. وبعد عبورنا عددا من الشعاب المتتابعة التي تذكرنا بمضايق الغابات المفصولة بالسهول تمكنا من مشاهدة هجرة حلبان. وقد كنا نتوقع أن نجد بها نقوشا. علما بأن النقوش التي التقطناها من مريغان تشير إلى هذا الاسم، كما تخبرنا عن عدد من الغنائم التي كانت قد تجمعت فيها. وقد سمحت لنا معاينة ضواحيها بواسطة المنظار رفع اللبس عنها. ولتجنب زيارات المجاملة المتكررة قمنا بدورة حول الأربعين منزلا التي يتكون منها الحي والمنتشرة على جنبات مدخل وادي عصيل. وكانت سيارتنا قد رسمت دائرة بمرورها حول البيوت تحت أنظار النساء اللواتي كن ينظرن إلينا باندهاش من خلف أسقف بيوتهن المسطحة. وبعد عبورنا حوالي ستة أفرع من وادي عصيل ظهرت لنا جهة الغرب قمة جبل غرور العالية، التي تتخذها الطائرات المتجهة من الرياض إلى مكة نقطة عبور. يبعد هذا الجبل عن العاصمة بحوالي ساعة بالطائرة، وحتى نتأكد من هذا الأمر انتظرنا إلى حين عبور إحدى الطائرات لهذه الأجواء، حيث شاهدنا إحداها تطير شمال هذا الجبل. كانت تلك أول طائرة شاهدناها منذ انطلاق رحلتنا، كنا نشاهدها وكأنها تنزلق فوق قمة جبل دمخ. وهكذا وصلنا إلى آبار الركية الثلاث عن طريق شعيب يحمل الاسم نفسه. كانت هذه الآبار منثورة على منطقة ممتدة ذات لون أبيض ومحاطة ببيوت مهجورة. داخل واحد من هذه البيوت كان بدو عتيبة يجمعون الأعشاب اليابسة مغلقين بابه الذي كان على شكل كوة بصفائح من الحجر. إنها المرة الأولى التي شاهدت فيها البدو يتخذون احتياطاتهم لطوارئ المستقبل. خلال أربعة وعشرين كيلومتر كنا نعبر سهلا تابعا لهضاب نجد العليا، اسمه يوافق فعلا حاله: نجد العليا. مررنا بمجاري توزيع المياه التي كانت تتجه شمالا. ألا يمكن أن يكون هذا مجرد كومتين من التراب مسترسلتين بالتوازي وموصولتين بالحجر، إن تتبع هذا المسار سيكون مرهقا برتابته. ويظهر أنها مجرد سهل قليل الانخفاض. وفي الأخير وصلت البعثة إلى غايتها: جبال ماسل. لقد تغيرت طبيعة الأرض. كانت شعاب عروى المتتابعة بمجاريها ذات الرمال الناعمة وحافاتها المحفورة تؤدي بنا دائما إلى الغرق في الرمال. كما أن عددا من تجمعات أعشاب الرمض كانت تعثر بدورها السير. وللانتهاء من هذا نصبنا مخيمنا في شمال شعيب أبو سدر، بينما كانت توجد في جهة الغرب سلسلة من القمم والمرتفعات التي كانت تنال إعجاب الشيخ عبد الله (فيلبي)، لقد تعرفنا منها على الأسماء التالية: الشلوية، مجيرة، معيقل، قمة ماسل وبدن، عروان، موشميل، المدارة،...الخ. وفي يوم الغد عبرنا سهلا معشوشبا وعاريا من الأشجار، ومنه ذهبنا إلى واديين بهما حفر حادة الجوانب ورمال بيضاء كانت تتجمع تحت العجلات. وفي أثناء إحدى التوقفات قمت بانتزاع نبتة الطرثوث التي كان لونها ضاربا إلى البنفسجي، وهي ذات جذور طويلة تخرج فوق سطح الأرض بحوالي عشرة سنتيمترات، يأكلها البدو مخلوطة بالحليب المروب أو بالخبز. وعلى العموم من ذا الذي لا يأكلها لقطع حميته التي تتكون من الحليب وحده؟ كانت الرياح تطرب لفشلنا، إذ كنا نسمة نغم أناشيدها ينساب من بين صخور إحدى الشعاب حيث كانت القافلة تعاني من الغرق. وبعد قيامنا ببحث عن مخرج تمكنا من العثور على طريق جيدة تمر بمحاذاة قنوات توزيع المياه مارين بشعيب يقع بين نتوءات جبلي ماسل والجمح العالية. وبوادي ماسل مررنا بثلاثة رعاة بدو كانوا يرعون قطعان الغنم والجمال، وكانت طريقتهم في التعامل مع الأعراب السود المرافقين لنا تبرر قول المستكشف داوتي الذي قال: (إن اللون ذا السحنة الداكنة لا يروق للأعراب الذين تعودوا في بلادهم على اللون المائل إلى الحمرة منه إلى اللون الأسمر". وصلنا إلى أطلال قصر ماسل في أقل من فرسخ، وكان حطام هذا المجمع الذي يبلغ ثلاثين مترا، ويضم نحو خمسة عشر منزلا يدل على وجود بئر خربة بالقرب من هذه الأطلال. وهكذا يظهر أن بعض رسوم النقوش ستشرف مذكرة ريكمان. وفعلا فقد كانت توجد هناك حفرة بين الصخور بها نصف متر مكعب من الماء تقريبا، لونها أخضر وتقفز بها حشرات كثيرة تلوث هذه النعمة. إنها قطرة الماء الوحيدة التي يمكن أن يحصل عليها البدوي في هذا المكان في غياب وجود الآبار. لقد عثرنا على بعض النقوش قبل أن ينحرف الوادي جهة الغرب منتهيا في السهل. لكننا لن نبتعد كثيرا عن هذا المكان. وجدنا نقشين كبيرين منحوتين على الضفة الشرقية لوادي ماسل، وقبل قليل من نهاية هذا الوادي. كانت هذه النقوش التي وصفها فيلبي سابقا لا تزال تحتاج إلى اختبار مفصل. وخاصة النقش الثاني الذي يؤرخ بسنة 516 م، والذي كان منحوتا على نتوء مستدير يبلغ علوه ستة أمتار. كان الأول سهلا، حيث إنه كان يقع فوق مجرى الوادي بقليل، وهو مؤرخ ببداية القرن الخامس الميلادي. تجدر الإشارة إلى أن اسمي ماسل والجمح كانا مكتوبين على هذين النقشين. كان النقش الأول سهل القراءة، وهو يتحدث عن إحدى الحملات العسكرية التي من المحتمل أن تكون قد دارت في هذه المنطقة. بينما يتحدث النقش الثاني عن رحلة أحد الملوك السبئيين الذي كانت ترافقه بعض القبائل من جنوب الجزيرة العربية، والذي وضع فيها حدا لبعض التصرفات العنيفة لأحد الملوك الذي كان اسمه المنذر. وفي الساعة الثالثة كانت الشمس مساعدة لنا على التقاط الصور لهذه النقوش. وبدون أن نضيع الوقت هيأنا السلم للصعود، بينما كان ريكمان ينسخ. أما أنا وجاك فقد ذهبنا نجمع أكبر قدر من المعلومات حول النقش الذي كان منحوتا على علو ستة أمتار. وكانت هذه العملية تتطلب قليلا من المهارة. كان النقش على شكل مستطيل، وهو يظهر صغيرا إذا نظر إليه من الجهة البارزة والملساء فوق جرف يقارن طوله بطول منزل كبير. وفوق القمة كان خادمان وأحد الأعراب يمسكان بحبل. وبعدما تمنطقت بالحبل بدأت في الانزلاق نحو النقش، حيث قمت بالتقاط صورة له بإحدى يدي. وبعد ذلك تعلق جاك بالسلم فارتفع إلى مستوى النقش الذي قام بنسخه. أما بقية الرجال فكانوا يتأملون فينا مستلقين في الظل مشجعين بأصواتهم أو منبهين على الصعوبات التي كنا نعترضها. وقد ختمنا يومنا بجمع حوالي عشرة نقوش، جمعناها من المنحنيات المحيطة بالمكان. لقد انتهى كل شيء عندما غابت الشمس، وقد كنت فرحا بالتفرد بسطل من الماء الذي اغتسلت به. كان ميزان الحرارة يشير إلى 27 درجة في المساء. وعندما كنت جالسا حول النار أسفل النقوش سمعت الرجال يتحدثون عن الرياض التي كنا نقترب منها. إن فرحة دخولهم المدينة والريالات التي سيتقاضونها ستنسيهم بسرعة تعب مطاردة النقوش في الأدغال. وهكذا أصبح تفكيك الخيمة ينجز بسرعة كبيرة مصاحبا بالأغاني. وقد اجتزنا بسرعة سهل وطاة النوم المليء بالحمض. ورغبة منا في تجنب الطريق الذي سلكه فيلبي سابقا اتجهنا شرقا في تماس مع جبال الجد عابرين فجاجا واسعا من خلال جبال المفص. كان السهل الموالي كثير الارتجاجات، حيث كان كل عريش من الحمض معلقا فوق نجد من الرمال. وكانت الزوابع تتراقص أمامنا في غبار الرمال. وقد قطعت إحداها الطريق أمامنا، كانت عبارة عن أسطوانة من الغبار يصل علوها إلى ستين مترا، تنتهي بخليط من الأعشاب والرمال كان يسير في اتجاه الرياح. لقد بدأنا عبورها بارتطام بعض حبات الحصى مع إطار السيارة، وانتهينا منها بموجة من الرياح الدافئة. كنا نسير وسط هذه الزوابع أمام أعين بعض الأطفال والنساء ومعهم رجل وحمار كانوا كلهم واقفين أمام خيمتهم الفقيرة. وفي غياب وجود الحيوانات من هذه المنطقة فقد أصبح الحمار عضوا في هذه القبيلة التي تسمى الصلبة، فهؤلاء البدو الرحل يختلفون عن غيرهم بعدم امتلاكهم لأراض خاصة بهم. كان يجب عليهم أن يعيشوا على الحليب الذي يقدمه لهم جيرانهم البدو. ولذلك فإنهم يشتغلون كثيرا في إصلاح أغراض البدو مثل الأسلحة والقدور المعدنية في المخيمات التي يمرون بها. فهم يعبرون الصحراء والجبال بكل حرية، يدفعون إتاوات رمزية ويعيشون في هدوء. ورغم نشاطهم اليدوي ووضعهم الاجتماعي الضعيف، فإنهم يتمتعون بقدر من الاحترام، لأنهم صيادون مهرة عند الضرورة ومنهم المرشدون المتميزون. لم يكن أمامنا إلا بعض مسالك الجمال، ولذلك فلم يتمكن أحد منا من العثور على بئر العبسة، إذ لم يكن هناك ما يدل على وجودها باستثناء بعض الحفر التي يوجد بها ماء على عمق سبعة أمتار في وسط كومة سميكة من روث البهائم. وقد عثرت بهذه الحفر على أعز صديق لي في الصحراء وهو أبو بليق (نوع من العصافير التي تتغذى بالحشرات) بردائه الأبيض المفروش على أرضية لونه الأسود. لقد توقفت السيارات بعد ذلك فوق سطح من الأحجار الرسوبية ذات اللون المائل إلى الحمرة، أسفل جزيرتين صخريتين مسطحتين، هاتان الجزيرتان تعدان جزءا من جبال صفراء الدميثيات. كان هناك قبر ضخم فوق المرتفع، والكل كان داخل دائرة من الأحجار الطبيعية التي يبلغ قطرها 32 مترا. تمتد هذه المنطقة إلى التخوم الغربية لنفود السر Al Sirr، وهي عبارة عن لسان من الرمال يمتد على مئات الكيلومترات، كانت تستخدمه السيارات التي تذهب من مكة إلى الرياض. وفي وسط السهل الذي سيقودنا إلى بئر الشعيبية كانت توجد شجرة يبلغ علوها ثلاثة أمتار، كانت تتحرك فوق الأرض كما تتحرك طائرة من الورق ذات الشكل المثلث. وكان هناك أيضا هيكل عظمي لجمل ميت، جففته الشمس فتحول إلى عظام نخرة، ولا نتصور أن هذا الجمل كان قد مات عطشا، لأن البئر لا تبعد عن هذا المكان بأكثر من نصف ساعة. لقد وجدنا كذلك حيوانات وبعض البدو من بينهم امرأتان ترتديان ثيابا جميلة ومتسعة. كانت ضفة هذه البئر المحاطة بالحجر الطبيعي مبنية بقطع من الحجر المقلم بشكل عميق وأملس. فكيف لم تفكر الأجيال الماضية في الحركات البسيطة وفي الأغاني الرتيبة التي كانت ترافق الرحل في عبوديتهم الدائمة: الماء؟ نقول هذا الكلام نثرا لأن البساطة الرعوية تنتقل بسرعة من الشعر إلى الحقيقة، نقول هذا لأننا كنا ندفئ القهوة على نار أشعلناها من روث البهائم. وعبر سهل صهيد اقتربنا من نفود السر الذي تشكل تلاله حزاما بنفسجيا، منخفضا تتخلله سرابات. ونظرا لكثرة الحصى الغليظ بها ولوعورة أرضها فقد تركنا المرشد يبحث عن نقطة سهلة تمكننا من الاقتراب منها. وقد عثر فعلا على نفود محاط بمسالك لا بأس بها، حيث توجد ممرات تجبرنا على السير فيها، والتي إن حدنا عنها كان يمكننا أن نتوقع أي شيء. وبعد عدة محاولات أجلنا الحل إلى اليوم التالي مفضلين نصب الخيام فوق مرتفع إحدى الهضاب التي ما زالت تخفيها صفوف من القمم الأكثر منها علوا. سأنام فوق الرمال أسفل التلال "التي يظهر أنها طحنت في إحدى مطاحن سان جاك "، كما كتب بروست عندما كان يتحدث عن قطعة من الحلوى. لقد اختارت إحدى الحشرات السود أذني لتختبئ فيها، يطلق عليها أبو جلة وهو ذكر منحدر من روث الجمل. بينما كانت أنثاه تتعلق بكرة من الروث التي دفعتها نحو ثقب في أعماق الأرض، وهناك ستتكفل الطبيعة بالباقي. كنت مستعجلا على الذهاب بينما لم أكن قد التقطت صورة جماعية للفريق بأكمله حسب التقاليد التي تنتهي بها كل رحلة. لكنني قمت بهذا صباحا رغم اعتراض بعض أعضاء الفريق. وفي الطرف الجنوبي لنفود السر الذي لم يعد سوى مجرد مضيق حاد، سرنا فيه أقل من عشرة كيلومترات مهتدين بأثر عجلات سيارة كانت قد مرت منه حديثا. وبعد عبورنا بعض المنحنيات التي كان يصعب على السيارات تسلقها بلغنا مضيق المروت الذي يقع على ألواح من الصخور الرسوبية الرمادية اللون والمتنطعة التي كانت ترحب بنا بسهولة السير فوقها. كان بعض القحطانيين والعتيبيين يوردون حوالي مئة جمل من بئر حويتة يوقفونها بصوت وي- وي حاد، أو يطاردونها بصوت هوتش- هوتش الرخو. وقد وافقت إحدى الفتيات الصغيرات على التقاط صورة لها، وكانت متلفعة في خرقة بالية، وهي تقف في مواجهة الرياح القوية.- كنا نتسلق هضبة الذيبي، وهي امتداد متقدم للجرف المحيط بسهل المروت شمالا. وفوق قمتها الموحدة وجدنا دائرة من الحجر يصل محيطها إلى 72 متراً، وهي عبارة عن صف طويل من الحجارة التي تواصل امتدادها على أكوام الحجر الأخرى إلى غاية الهضبة المجاورة. أما المرشد فكان اختلى بنفسه ودخل قي صمت مطبق، وقد رفض إعطاءنا المعلومات التي طلبناها منه. ترى هل يتعلق أمره بسوء مزاج أم بجهله لما نطلب منه؟ فمن الذي يمكنه أن يخبرنا بما يجري في رأس البدوي؟ لقد أثار هذا الموقف شيئا من الارتباك، ولذلك فقد أصبح لزاما علينا الذهاب على غير هدى، وبعد أن قطعنا طريقا كانت تعبره السيارات سرنا في اتجاهين متعاكسين بهدف العثور على بئر خلايج التي نصبنا مخيمنا بالقرب منها، وقد اصطدنا فرخين من القطا التي كانت قد جاءت للشرب من البئر وقت الغروب. كانت الشمس الذهبية تغرق في سماء ذات لون إسمنتي أزرق، وكان القمر يثقل الخطى جهة الشرق صاعدا في السماء. ورمال نفود قنيفذة تعكس لمعان جمال كواكبها التي غالبا ما كانت تؤله في الأزمنة الغابرة. كان مسفر الثاني قد ذهب إلى خيمة أحد البدو لعلاجه من الزكام بكيه على صدره. لكن في هذا المساء أنا الذي سيعالجه من الزكام المزمن، وكذلك من احتراق متصدئ في جسده. ومن منتصف الليل إلى الساعة الثانية صباحا كنا نمسح العاصفة بثوب خيمتنا، كما تمسح مرايات كوخ متنقل، وقد أصبح للخيمة واجهتان، واحدة مقعرة والأخرى محدودبة، بينما كان العماد المركزي يتحرك إلى حد كنا نعتقد معه أنه سيتكسر. وكانت قطع الأوراق- ير في السماء، كما كانت إحدى علب المصبرات تقفز فوق الفراش. وقد ارتدينا ملابسنا على أساس أن هذه الرياح ستستمر إلى الغد. وقد جاء فيلبي ليطلع على أحوالنا، فوجدنا نتحرك فوق أسرتنا غير الثابتة. هل ستطير الخيمة أولا تطير؟ ولو كنا نلعب لعبة الحمام الطائر لكنت استسلمت رافعا يدي فيما يتعلق بالخيمة. كان جاك قد خرج للنوم خارج الخيمة، فقد تغلب داخله خوفه على إخلاصه لمبدأ ابن الأخ. وفي الصباح استيقظ كل واحد منا متدبرا حاله وبسرعة نسينا هذا الحدث. لم تسقط الأمطار على هذه المنطقة منذ سنتين، والهياكل العظمية المنتشرة هنا وهناك تشهد على المجاعة التي كانت سائدة. وباتباعنا لطريق شاحنات نقل الخشب وصلنا نفود قنيفذة عبر تلال الرمال التي كانت مليئة بشجيرات من أعشاب الثمام. كانت السيارات تغرق فيها دون إعارة الاهتمام لما يجري تحتها إلى أن تصل عجلتاها إلى الطبقة الصلبة منها. في هذه الأثناء اجتزنا شاحنة فوقها 15 رجلا معلقين فوق كومة من الفحم الخشبي. تبادلنا معهم بعض عبارات التحية لكن كل واحد منا كان يخشى الغرق في الرمال التي لا تتمكن قوة الرجال أن تزحزح منها السيارة الغارقة إلا بمقدار الديسيمتر. وأخيراً خرجنا من هذه النفود عبر إحدى المضايق. وبينما كنا نعبر جبالا صفراً من الشمس مررنا بمنطقة بها طبقة خفيفة من الوحل القديم التي كان لونها قد أصبح أبيض كالملح، تحت ثأثير سنوات الجفاف. وعبر ضباب بلون الرصاص كنا نتخيل سلسلة جبال طويق التي قطعنا جهتها الجنوبية على امتداد حوالي مئة كيلومتر، وهي عبارة عن مجارف عالية رمادية اللون وسط سهل يولي فيه كل جرف ظهره للآخر، وتقفا على سيقان منتفخة تشبه سيقان أبي الهول. وفجأة عثرنا على طريق بها آثار المشي. إنه أكبر محور طرقي يقطع المملكة العربية السعودية، لأنه يربط بين الخليج العربي والبحر الأحمر، مرورا بجدة ومكة والرياض ومراكز النفط. ها نحن نصل إلى مخرج الصحراء حيث دخلنا في العالم المعروف. وقد توقف سائق إحدى السيارات ليسألنا عن جهة قدومنا. وبدون تمييز أجابه رجالنا: (من الربع الخالي). ثم أردفوا قائلين: (نحن بدون دخان). وبغتة قدم لهم هذا الرجل الغريب كل ما كان يملك من السجائر، مشفقا عليهم من حالهم تلك. كانت الرياض تبعد بمئة كيلومتر شرقا. وبعد ذلك بقليل تجاوزنا العديد من السيارات كما أننا كنا نلتقي بالعديد منها. كانت الطريق تمتد على طول وادي حنيفة الذي يمر بالقرى وواحات النخيل والأراضي الزراعية. وبين هذه القرى توجد قرية العيينة. كلما اقتربنا من العاصمة كنا نشاهد تكاثر السواني ذات العجلات التي تحدث صريرا. وجدران الدعم التي تحيط بجانبي مجرى الوادي على شكل قناة. ثم من بعد ذلك طواحين الهواء بأجنحتها المعدنية التي تشهد على التأثير الأمريكي. كانت الثلاثون كيلومتر الأخيرة تمثل نجاحا جميلا. الكثافة السكانية والحضرية ناجحة، تقريبا كانوا كلهم تابعين للعائلة الملكية، كما أن الأرض تضاعفت قيمتها. وقد خرجت قافلتنا من وادي حنيفة كما تنهض الجمال والحيوانات من قعودها. كانت أشجار النخيل تتموج مع نسيم المساء، وكانت أنوار قصر ولي العهد تتلألأ. كما أن مضخات الماء التي تشتغل بالديزل ترسل مياهها إلى الحدائق الأميرية، فيما كان يوجد أحد الأعمدة التي بها نور يضيء إحدى الخيام السود التي تسكنها عائلة بدوية. دخلنا العاصمة من إحدى الطرق المسفلتة المحاطة بأعمدة التلفون. نمنا تلك الليلة على قماش كان موضوعا فوق طاولة عليها شوكات الأكل ونحن جالسون على أريكة. وفي المضاف الذي كان يتمدد به ضيوف الملك استلمنا مراسلاتنا التي أعادت اتصالاتنا بالعالم. كان معنا اثنا عشر ألف نقش حميري أغنينا بها (متن النقوش السامية) وعددها يضاعف محتوى القسم المخصص لنقوش الجزيرة العربية القديمة. لقد قطعنا مسافة 5448 كيلومتر، قطعنا أكثر من 2000 كيلو متر منها في الآفاق المجهولة. أرسلنا برقية إلى بلجيكا نخبرهم فيها بانتهاء الرحلة بنجاح تام. إن الحنين إلى إحدى المغامرات التي انتهت يمثل ذخيرة للذكريات التي ستبدأ. العماني يتبع الجزء الأخير
|
||
|
08-05-2005, 02:38 AM | #2 | ||||
|
لا هنت يالعماني على هذا الموضوع
|
||||
|
08-05-2005, 03:20 AM | #3 | ||
|
بيض الله وجهك يابومبارك علي الموضوع
|
||
|
09-05-2005, 11:19 PM | #5 | ||||||
|
لاهنت يالعماني على هالموضوع وبيض الله وجهك
|
||||||
|
10-05-2005, 05:39 PM | #6 | |||||||||||||
|
لا هنت أخوي العماني... أخيرا وصلنا الى الجزء المميز (عن وادي الدواسر) .... بيض الله وجهك....
|
|||||||||||||
|
22-05-2005, 10:43 PM | #8 | ||
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
|
||
|
08-06-2008, 05:09 PM | #9 | ||
|
رد: رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(9-وادي الدواسر)
يعطيك العافيه على ما قدمته
|
||
|
09-06-2008, 01:41 PM | #10 | ||
|
رد: رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(9-وادي الدواسر)
لاهنت على المجهود وبيض الله وجهك ,,,
|
||
|
18-06-2008, 12:25 AM | #11 | ||||||
|
رد: رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(9-وادي الدواسر)
الله لا يهينك يالعماني على الموضوع وبيض الله وجهك
|
||||||
|
18-06-2008, 03:24 AM | #12 | ||
|
رد: رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(9-وادي الدواسر)
اخوي هايف العماني
|
||
|
11-08-2008, 02:37 AM | #13 | ||||||
|
رد: رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية(9-وادي الدواسر)
رائــــع ماقدمت
|
||||||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قبيلة الدواسر ومحاولات التأليف عنها | مسفر بن محمد الشرافي | :: قسم تاريـخ قــبـيـلة الــدواسـر :: | 40 | 29-05-2012 02:11 PM |
التغطية المصورة لحفل المسابقة الشعرية الأولى لموقع قبيلة الدواسر الرسمي | الإداره | :: قسم المسابقة الشعرية السنوية للموقع الرسمي لقبيلة الدواسر :: | 17 | 11-12-2010 11:09 PM |
التغطية المصوّرة لحفل إفتتاح مبرة قبيلة الدواسر الخيريّة بدولة الكويت. | الإداره | :: قسم اللقــاءات والفعاليات والتغطيات الخاصة:: | 16 | 22-11-2010 09:44 AM |
التغطية الـمصّورة للحـفل الثـاني لموقع الدواسر الرسمي برعاية الغرره | الإداره | :: قسم اللقــاءات والفعاليات والتغطيات الخاصة:: | 29 | 18-08-2007 06:40 PM |
إعلانات نصية |
منتديات صحيفة وادي الدواسر الالكترونية | |||