بسم الله الرحمن الرحيم
لَقيطِ بنِ يَعمُر بن خارجة الإيادي ، شاعر جاهلي فحل، من أهل الحيرة، وهو صاحب القصيدة التي مطلعها (يا دار عمرة من محتلها الجرعا)، وهي من درر الشعر، بعث بها إلى قومه، بني إياد، ينذرهم بأن كسرى وقومه " الفرس " يتحينون الفرصة لغزوهم ، والاستيلاء على بلادهم ، وينصحهم بالتأهب للعدو ، وأخذ الحيطة ، وعدم الانشغال بالملهيات .
وكما يقال : " التاريخ يُعيد نفسه " ، فمن المناسب أن توجه قصيدته إلى أهل السنة – حكامًا ومحكومين – في هذا الزمن الذي كشر فيه العدو الفارسي عن أنيابه ، مُظهرًا مطامعه ، متخفيًا خلف قناع شيعي مزيّف . وقد كان لقيط من كتاب كسرى المقربين ، وقد سقطت القصيدة في أيدي كسرى فيما بعد وقام بطلبه وجائه مرفوع الرأس لا يأبه بما سيحصل له لأنه انذر قومه من كارثة ستقع وقام كسرى بقطع لسانه وفيما بعد قتله.
يقول لقيط في قصيدة مليئة بالوصايا القيمة لقومه:
يا دارَ عَمْرَةَ مِن مُحْتَلِّها الجَرَعا
هاجَتْ لي الهَمَّ والأَحْزانَ والوَجَعا
ياقوم لاتأمنوا إن كنتمُ غيراً
على نسائكم كسرى وماجمَعا
يا أَيُّها الرَّاكِبُ المُزْجى على عجَلٍ
إِلى الجَزِيرَةِ مُرْتاداً ومُنْتَجِعا
أَبْلِغْ إِياداً، وخَلِّلْ في سَراتِهِمُ
إِنِّي أَرَى الرَّأْيَ، إِنْ لَمْ أُعْصَ قد نَصَعا
يا لَهْفَ نَفْسِيَ إِنْ كانَتْ أُمُورُكُمُ
شَتَّى، وأُحْكِمَ أَمْرُ النَّاسِ فاجْتَمَعا
أَلاَ تَخافُونَ قَوْماً لا أَبَا لَكُمُ
أَمْسَوا إِليكمْ كأَمْثالِ الدَّبا سِرَعا
لو أَنَّ جَمْعَهُمُ رامُوا بِهَدَّتِهِ
شُمَّ الشَّماريخِ مِن تَهْلان لانْصَدَعا
في كُلِّ يومٍ يَسُنُّونَ الحِرابَ لكم
لايَهْجَعُون إِذا ما غافِلٌ هَجَعا
لا حَرْثَ يَشْغَلُهُمْ بل لا يَرَوْنَ لهمْ
مِن دُونِ قَتْلِكُمُ رَيّاً ولا شِبَعا
وأَنتمُ تَحْرُثُونَ الأَرْضَ عن سَفَهٍ
في كلِّ ناحيةٍ تَبْغُون مُزْدَرَعا
وتُلْقِحُونَ حِيالَ الشَّوْلِ آوِنَةً
وتَنْتِجُونَ بدارِ القُلْعَةِ الرّبُعا
وتَلْبَسُونَ ثِيابَ الأَمْنِ ضاحِيَةً
لا تَجْمَعُون وهذا الجَيْشُ قد جَمَعا
مالِي أَراكُمْ نِياماً في بُلَهْنِيَةٍ
وقد تَرَوْنَ شِهابَ الحَرْبِ قد سَطَعا
وقَدْ أَظَلَّكُمُ مِن شَطْرِ ثَغْرِكُمُ
هَوْلٌ له ظُلَمٌ تَغْشاكُمُ قِطَعا
صُونُوا جِيادَكُمُ،واجْلُوا سُيُوفَكُمُ
وجَدِّدُوا للقِسِيِّ النَّبْلَ والشِّرَعا
واشْرُوا تِلادَكُمُ في حِرْزِ أَنْفُسِكُمْ
وحِرْزِ نِسْوَتِكُمْ لا تَهْلِكُوا جَزَعا
أَذْكُوا العُيُونَ وَراء السَّرْحِ، واحْتَرِسُوا
حتَّى تُرَى الخَيْلُ مِن تَعْدائِها رُجُعا
لا تُثْمِرُوا المالَ للأَعْداءِ إنَّهمُ
إنْ يَظْهَرُوا يَحْتَوُوكُمْ والتِّلادَ مَعا
هَيْهاتَ ما زالتِ الأَمْوالُ مُذْ أَبَدٍ
لأَهْلِها إِنْ أجِيبُوا مَرَّةً تَبَعا
قُومُوا قِياماً على أَمْشاطِ أَرْجُلِكُمْ
ثُمَّ افْزَعُوا، قد يَنالُ الأَمْرَ مَن فَزِعا
وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمُ، للّهِ دَرُّكُمُ
رَحْبَ الذِّراعِ، بأَمْرِ الحربِ مُضْطَلِعا
لا مُتْرَفاً إِنْ رَخاءُ العَيْشِ ساعَدَهُ
ولا إِذا عَضَّ مَكْرُوهٌ بهِ خَشَعا
مُسَهَّدُ النَّوْمِ، تَعْنِيهِ أُمورُكُمُ
يَرُومُ فِيها إلى الأَعْداءِ مُطَّلَعا
ما انْفَكَّ يَحْلُبُ هذا الدَّهْرَ أَشْطُرَهُ
يكُونُ مُتَّبَعاً يوماً ومُتَّبِعا
لا يَطْعَمُ النَّومَ إِلاَّ رَيْثَ يَحْفِزُهُ
هَمٌّ، يكَأدُ شَباهُ يَحْطِمُ الضِّلَعا
حتَّى اسْتَمَرَّتْ على شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ
مُسْتَحْكِمُ الرَّأْيِ لا قَحْماً ولا ضرَعا
عَبْلَ الذِّراعِ أَبِيّاً ذا مُزابَنَةٍ
في الحَرْبِ يَحْتَبِلُ الرِّنْبالَ والسَّبُعا
لقَدْ بذلتُ لكمْ نُصحي بِلا دَخَلٍ
فاسْتَيْقِظُوا إِنَّ خَيْرَ العِلْمِ ما نَفَعا
هذا كتابي والنَذيرُ لكم
لمن رأى رأيَه منكم ومن سَمِعا