كنا في مدرسة الوليد بن عبدالملك الإبتدائية .. ودخل علينا
الأستاذ عبدالله الجلعود الله يذكره بالخير ونظر في وجيهنا بتمعن .. ثم قال : أنا أدري
أن فيه طلاب من صفكم يلعبون البرجون اللي هي المصاقيل ..والعكوس بعد المدرسة
لكن هاه أبي منكم بكرة تجيبون العكوس والبرجون اللي عندكم.
رجعنا لبيوتنا ولم يخطر ببالنا أن نخفي ما لدينا .. بل حملنا
كل شيء في اليوم التالي وقدمناه برؤوس مطأطأة لسيادة المعلم ..ويالفرحتنا فقد تقبلها
منا وسامحنا على فعلتنا الشنعاء .. ومرت الأمور بسلام.
ما كان يدفعنا للإعتراف بالبرجون والعكوس أمام المعلم لا يتعلق بالأمانة .. والأخلاق بقدر
ما كان يتعلق بهيبة المعلم .. وبقناعة لدينا هي أن المعلم يعلم كل شيء .. يعلم ما يجري
داخل بيوتنا.. ويعلم ما يجري حتى في الصين .. في زمن لم يكن هناك شبكة إنترنت
والتلفزيزن أبيض واسود ومافيه الا غصب واحد.
كان المعلم رجلاً شديد المهابة .. وكان له قيمة كبيرة في المجتمع
وعندما يحل في مكان ما .. كان الناس يحتفون بمقدمه .. ولم يكن يبخل على الناس بعلمه
الخارق.. طبعا هكذا كنا نراه ونتصوره.
أما هذه الأيام يقف المعلم خجولاً في ذكرى يوم المعلم .. يبكي على
الأطلال والأمجاد الغابرة .. ونسمع بيوم المعلم سماعا فقط .. تلك الشمعة التي تحرق نفسها
من أجل أن تضيء الدرب للآخرين .. والكل يتحدث عن هيبة المعلم المفقودة .. وحقوقه
المنقوصة .. وعزوف الكثيرين عن هذه المهنة النبيلة .. وتمرد الطلاب على المدرسين
ووصل بعضها إلى حالات اعتداء يتعرض لها المعلم من الطلاب وأهاليهم.
يعزو الكثيرون أسباب ذلك إلى تأثيرات التلفزيون والإنترنت على الأطفال
ففي الماضي كانت البساطة هي السائدة .. وكان المعلم .. بعلمه وشخصيته .. أسطورة خارقة
أما الآن فالأساطير كثيرة .. من فنانين ورياضيين وبوكيمونات .. غير أن الصورة لا تبدو بهذه
القتامة في العالم الغربي المتقدم .. حيث لا يزال المعلم يحظى .. إلى حد معقول .. باحترام
المجتمع وأولياء الأمور والطلبة .
أتدرون مالسر في ذلك ؟
السر في ذلك هو القانون .. الذي يؤمن به الجميع .. ويلتزم به
الجميع .. ويطبق على الجميع فالطالب في الولايات المتحدة .. على سبيل المثال .. يتعرض
لحظر اقتصادي من الأهل .. وحظر اجتماعي من المدرسة ..وازدراء من محيطه .. إن هو
أساء للمعلم .. من أجل ذلك إذا كان من الصعب علينا إعادة العجلة لتدور مجددا في الزمن
الجميل .. يمكننا ببساطة وضع قوانين لحماية المعلم داخل الصف وخارجه.. لنرد له
اعتباره المفقود.
بقلم /
جمال الفقير
18ذو القعدة32