أحمد الناصر بعيداً عن الشعر

علي الموسى
الحديث عن قامةٍ أدبية شمّاء هو حديث يكتنفه من المتعة والخطورة الشيء الكثير .
إذْ يلزم بمن يصمد لهذا الأمر جودة في الأداة ، وإحاطة بالوصف ، ومقدرة حسنة على التعبير والتكثيف .
فكيف هي اللذة والوعورة عند الحديث عن شاعر القرنين الشاعر أحمد الناصر الشايع ، وهو الذي اختصر الأمير فيصل بن خالد موهبته بتلقيبه بأمير شعراء المحاورة !
كما هو الحديث في مقدمتنا فإنّ الحديث عن الشاعر الكبير أحمد الناصر الشايع هو بمثل هذه الصعوبة في الحديث عن عماليق الفنون ، وعلى مثل تلكم اللذّة حين الحديث عن مميزي الأدب والشعر ؛ ولذا كان لزاماً على القلم أن تنكمش حروفه إلى ناحية منه ، وأن يلجأ إلى زاوية فيه ؛ فيكتفي بها ، ويأخذ استطاعته منها وطاقته عليها .
ولذا فلعلنا نقصر هذه الزاوية على التحدث عن أخلاق هذا الشاعر الكبير التي قد بهرت كثيراً من مُرتاديه ، وعن تواضعه الذي أعقبه محبةً مميزة لدى الجماهير الشعبية ، وكذلك بعض صفاته الشخصية التي أهلته بجدارة لأن يجمع ما بين الموهبة الشعرية ، والقبول الاجتماعي العارم .
من يجلس إلى شاعرنا الكبير فإنه يشعر بدفء روحي عجيب لا يدري عن سببه المباشر ولا ماهيته الغامضة ، إذْ يجد على الفور منه المباسطة والأريحية والتواضع والأخلاق الحسنة مع الصغير والكبير على سواء .
هذا الأمر عُرف عنه حتى في ميادين الشعر الحماسية وساحات المحاورة فلا يمانع عندما يطلب منازلته اي شاعر حتى لو كان في بداياته ، فأحمد الناصر الشايع مجبول على كريم القول ، وسماحة الخلُق في كل مكان يكون فيه أو يحل عليه .
ولذا أحبه الكثير من مجايليه وأصحاب صنعته الشعرية ، ولقي منهم الاتفاق والإجماع على استحسان موهبته وحضوره ؛ وما ذاك إلا بسبب انتقائه الشديد لألفاظه الشعرية ، وسلاسة منطقه العذب ، وانسياب أبياته العفوية ، واحترامه الواحد للآخرين .
امتاز شاعرنا بتواضعه الجم تجاه الصغير والكبير ، وسرعة تلبيته للمناسبات الاجتماعية المختلفة ، بالرغم من صعوبة هذا الأمر عليه ، خاصةً بعد زيارة الأمراض لجسده ، وتقدمه في سنه ؛ إلاّ أنه يُشارك المجتمع أفراحه وأتراحه بروح شابة محتسبة للأجر ، وحافظة لعهد الصحبة والزمان .
تجده في أتراح المجتمع يتقدم الناس في العزاء والمواساة ، بل ويسير على قدميه المثقلتين بعبق الزمان إلى المسجد والمقبرة والمنزل ، وهو يعلم في قرارة نفسه بأنّه معذور لشيخوخته ، وغير مؤاخذ لثقل ذلك عليه ، ولكنّها أريحية أحمد التي جُبل عليها ، وخُلقه الذي درج عليه .
تجده أيضاً في مناسبات الأفراح ، يتقدم المدعوين في التلبية والحضور ، بل وربما قام فقصّ شريط المحاورة بصوته وأبياته تنشيطاً للموجودين ، وإحياءً للحفل ، ومجاملة لأهله .
يأسرك بابتسامته العذبة الصادقة ، وحديثه العفوي المنساب ، وأريحيته الرحبة الواسعة ، فلا تملك إلاّ أن تحبه وتزداد في احترامه معاً . وهو مميز كذلك - على تقدم سنه - بأناقة هندامه ، وتفقد مظهره ، وبهاء مطلعه .
اشتهر بصوته النجدي النقي ، وبعذوبة هذا الصوت وحرارته واتقاده . ولذا كانت شيلاِت أحمد مطلوبة على الدوام .
ربما تضيق اللغة وينطوي الشرح عند الحديث عن عملاق الشعر الكبير ، ولكنها جُمل تنضوي تحتها مسيرة طويلة من الجمال ، والإبداع ، والشاعرية والاخلاق.
http://www.alriyadh.com/2011/01/21/article596783.html