الفتن
نعيش في زمن كثرت فيه الفتن وازداد فيه القيل والقال والتنازع على حظوظ الدنيا، بل والتقاتل عليها، ولم يكن للكلمة أي مكانة بسبب فوضى التصريحات التي لا تخلو من سب او طعن او كذب او غيرها من الامور الملازمة لزمن الفتن.
ومن رحمة الله بعباده ان جعل للناس ضوابط يسيرون عليها اذا كثرت الفتن. فأول هذه الضوابط أن يتأنى الانسان ولا يستعجل في الحكم على الحوادث التي تحصل، حتى يتأكد من صحة الكلام والموقف الصحيح فيه، ولا ينجرف مع التصريحات، قال عليه الصلاة والسلام «ما كان الرفق في شيء الا زانه وما نزع من شيء إلا شانه». وعلى المسلم أن يتخلق بالحلم والأناة ولا يغضب لما يقال أو يثار، فلا تحكم على شيء من تلك الفتن أو من تغير الحال إلا بعد تصوره؛ رعاية للقاعدة: الحكم على الشيء فرع عن تصوره. وهذه القاعدة رعاها العقلاء جميعا قبل الاسلام وبعده، ودليلها الشرعي عندنا في كتاب الله جل وعلا: قال الله جل وعلا: «ولا تقفُ ما ليس لك به علم»؛ يعني: أن الامر الذي لا تعلمه ولا تتصوره ولا تكون على بينة منه؛ إياك أن تتكلم فيه، وأبلغ منه أن تكون فيه قائدا، أو أن تكون فيه متبعا، أو تكون فيه حكما.
ومن الضوابط أن يتصف المسلم بالانصاف، ويبتعد عن الجور والظلم في اقواله وافعاله، كما قال الله عز وجل في محكم تنزيله «واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى» - (الأنعام). ويقول سبحانه «ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى» (المائدة:8).
ومن الضوابط التزام الجماعة، والمراد بالجماعة أي جماعة المسلمين المتمثلة بولي الأمر الحاكم في البلد، وهذه هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «عليكم بالجماعة، واياكم والفرقة» وذلك بالتزام السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، فالأمر ليس من أي احد من الناس انما هو من الله العزيز الجبار، قال تعالى «يايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم». وعلى المسلم خاصة اذا كثرت الفتن وازدادت ان يسلك طريق النجاة، وطريق النجاة من صنوف الفتن هو التمسك بكتاب الله وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
كما روي ذلك عن علي رضي الله عنه مرفوعا: تكون فتن كقطع الليل المظلم، قيل: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخير ما بعدكم، وفصل ما بينكم». الحديث. والمقصود أن الفتن فتن الشهوات والشبهات والقتال وفتن البدع، كل انواع الفتن - لا خلاص منها ولا نجاة إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أئمة الاسلام ودعاة الهدى.
فهو الطريق الوحيد الذي لا ثاني له والله المستعان.