ليست حياتنا الدنيا فحسب
د . عائض القرني
سعادة الآخرة مرهونة بسعادة الدنيا , وحق العاقل
أن يعلم أن هذه الحياة متصلة بتلك , وأنها واحدة
الغيب والشهادة , والدنيا والآخرة , واليوم وغد .
وظن بعضهم أن حياته هنا فحسب , فجمع فأوعى
وتشبت بالقاء , وتعلق بحياة الفناء , ثم مات ومآربه
وطموحاته ومشاغله في صدره .
نروح ونغدو لحاجاتنا [] وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته []وتبقى له حاجة ما بقي
أشاب الصغير وأفنى الكبير [] كر الغداة ومر العشي
إذا ليلة أهرمت يومها [] أتى بعد ذلك يوم فتي
وعجبت لنفسي والناس من حوليك آمال بعيدة
أحلام مديدة , وطموحات عارمة ونوايا في البقاء
وتطلعات مذهلة , ثم يذهب الواحد منا ولا يشاور
أو يخبر أو يخير .
{ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس
بأي أرض تموت }.
وأنا أعرض عليك ثلاث حقائق :
الأولى : متى تظن أنك سوف تهدأ وترتاح وتطمئن
إذا لم ترض عن ربك وعن أحكامه وأفعاله وقضائه
وقدره , ولم ترض عن رزقك ومواهبك وما عندك !
الثانية : هل شكرت على ما عندك من النعم والأيادي
والخيرات حتى تطلب غيرها , وتسأل سواها ؟! إن
من عجز عن قليل , أولى أن يعجز عن الكثير .
الثالثة : لماذا لا نستفيد من مواهب الله التي وهبنا
وأعطانا , فنثمرها , وننميها , ونوظفها توظيفاً حسناً
وننقيها من المثالب والشوائب , وننطلق بها في هذه
الحياة وعطاء وتأثيراً .
إن الصفات الحميدة والمواهب الجليلة , كامنة في
عقولنا وأجسامنا , ولكنها عن الكثير منا كالمعادن
الثمينة في التراب , مدفونة مغمورة مطمورة , لم
تجد حاذقاً يخرجها من الطين , فيغسلها وينقيها
لتلمع وتشع وتعرف مكانتها .