::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - عرض مشاركة واحدة - حديث الشيــــــخ !
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-07-2005, 11:03 PM   #14
 
إحصائية العضو







هند غير متصل

هند is on a distinguished road


افتراضي




( نهاية الجزء الثالث )

- ماذا تعني ؟
قال : ستقابلينه .
وشهقت وهي تضرب على صدرها وقالت :
- أنا ..؟ هنا ..؟!
وأجابها وهو يحثها على فهم ما يريد :
- نعم . نعم .. ستقابلينه .
وصرخت وهي تدفعه في صدره وتتراجع إلى الخلف :
- مستحيل .
قال وهو يؤكد :
- بل هذه فرصتك .
فأصرَّت وهي تتراجع :
- أبدًا . أبدًا ..
قال وهو يخفض صوته :
- ألم تكبتي له ؟
قالت : بلى .. ولكن ..
ولمعت عيناه ، فقاطعها قائلاً :
- اسأليه الآن ..
ولم تفهم ما يريد ، فأسرعت تقول له :
- ماذا أسأله .. ما الذي تريدني أن أسأله ؟
وأشار بيده وقال :
- ألم تكتبي له ترغبين في مقابلته .. وذكرت أن لديك مشكلة ؟
قالت : بلى ..
فصعق أبو محمود وقال حاثًا :
- اعرضيها الآن .. هذا أوانها .
ولكنها أشارت بيدها جازمة :
- ولكن ليست لديَّ مشكلة .
فضرب أبو محمود على المائدة وهو يتأفف وقال :
- المهم أن تقابلينه .. قولي له ..
وسكت قليلاً ، كأنه يريد أن يتذكر شيئًا ، ولكنه عاد فقال :
- لا تتكلمي على الإطلاق .
وسألته .. وقد تقارب ما بين حاجبيها :
- لا أتكلم .. حكيم هل أنت ..
فقاطعها ..
- قابليه .. قابليه فقط .. وأنا أدبر الأمر .
ثم أشار إليها فغادرة الغرفة . وخرج أبو محمود ، ثم عاد بعد قليل وهو يقد يسارًا أمامه ، ويرحب به ترحيبًا بالغًا ، ويتعذر عن تأخره .
ودخل يسار ، بسمت مهيب وعينين صافيتين ، ولحية تطوق وجهه فتبدوا عليه المهابة والجلالة والجمال ، وجلس في صدر المكان وقال :
- حدثني قبل أسبوعين سعيد بن منصور ، فذكر لي أن لديك رسالة بخط أبي حامد الغزالي كتبها لأحد تلاميذه جوابًا عن سؤاله .
وتغابى أبو محمود ، وهو ينظر إليه لا يحير جوابًا .. فأضاف يسار قائلاً :
- لقد ذكر لي أنَّها رسالة صغيرة ورثتها عن أبيك رحمه الله .
فهز أبو محمود رأسه وقال :
- لا أظن أن لدي مثل هذه الرسالة .
وسكت قليلاً ثم أضاف :
- سأنظر في الكتب ، لعلي أجدها .
وتوارى أبو محمود قليلاً ثم عاد يحمل كتـابًا كبيرًا ضخـمًا ، فتناوله يسار وأخذ يقلب صفحاته وقال :
- هذا كتاب إحياء الدين ، بخط الناسخ عماد الدين السمرقندي ..
ثم رفع رأسه وأخذ يوضح :
- إن الذي أريده .. رسالة صغيرة قليلة الصفحات عنوانها (( أيها الولد )) كتبها الغزالي رحمه الله لأحد تلاميذه .
فتبسم أبو محمود وقال متعذرًا :
- أنت تعلم إني لا أحجب عنك شيئًا مهما كان عزيزًا ..
ثم رجع إلى الوراء وقال :
- سأعود للبحث عنها مرة أخرى ..
وقبل أن يذهب ، وقف وقال بلهجة أقرب إلى الرجاء :
- إن هنا من يرغب في مقابلتك .. إذا سمحت ؟
فتبسم يسار وقال :
- ليتفضل ..
وتوارى أبو محمود مرة أخرى ، بينما استمر يسار يقلب صفحات الكتاب الكبير ، ويقرأ بعض التعليقات والحواشي التي دوَّنها بعض النساخ عليه .
ودخلت سرشير .. تمشي على أطراف أصابعها ، بثوب طويل أبيض رفراف ، وشعر أسود طويل مجدول ، وعينين كحيلتين ، ووجه كالورد ، دخلت وهي في حالة رغيبة رهيبة ، وخطوات مقبلة مدبرة ، ونظرة شهية حيية ..
دخلت سرشير .. حتى إذا توسَّطت الغرفة رفعت صوتها بالسلام .
ولم يكن يسار قد شعر بها وهي تدخل ، ولكنه عندما سمع صوتها رفع رأسه عن الكتاب ..
والتقت العينان .. عيناه المغسولتان بماء الوضوء ، بعينيها النجلاوين الكحيلين ، فغضَّ بصره وعاد ينظر في الكتاب المفتوح بين يديه وقال :
- ما الذي جاء بك ؟
فجلست مطرقة كأنها بين يدي مؤدب ، وقد تدلَّت الضفائر السوداء على صدرها ، وعقد اللؤلؤ احتضن جيدها ، والتفت الأسورة الذهبية بشوق حول معصميها.. وغطى الثوب الأبيض قدميها.
ثم رفعت رأسها ، تمنَّت لو نظر إليها ، لو عاد ينظر إليها مرة أخرى .. فقد رأت في صفاء عينيه ونظراته ، وفي وجهه الذي تزينه اللحية ، نورًا أخَّاذًا لم ترم مثله في وجوه الرجال الذين تعرفهم .
ودون أن يرفع رأسه عن الكتاب ، قال مرة أخرى :
- ما الذي جاء بك ؟
ولكنها لم تجب ، وبقيت تنظر إليه بخشوع .. كلا .. ما هذا بشرًا .. آه لو كان جميع الرجال مثل يسار ..
ونسيت المهمة التي جاءت من أجلها ، كانت تريد أن تأسره فإذا بها أسيرة بين يديه .. أسيرة دون أن يدري آسرها بها !!
وانتظر يسار أن تجيب ، وأراد أن ينهي المقابلة بأسرع وقت فقال :
- لقد ذكرت في رقعتك بأن لديك مشكلة ..
وبدت حزينة أسيفة ، كأنها ندمت على ما أقدمت ..
ورفع رأسه يريد حثها على الكلام فقال :
- ألا تريدين أن تتكلمي ؟
والتقت العينان مرة أخرى.. نظرة بريئة متسائلة، ونظرة حزينة لوجه فتاة كأنه وجه طفلة جميلة.
واستحثَّها يسار :
- تكلَّمي ..
ولكنها انفجرت بالبكاء ، واحتضنت وجهها بكفَّيها ، ثم أسرعت تغادر الغرفة .
ما الذي أبكى الجارية ؟ ما هي المشكلة التي تعاني منها والتي لم تستطع البوح بها ؟ ولماذا تريد أن تعرضها عليه دون غيره ، وهو لم يعرفها ، ولا سمع بها من قبل ؟!!
وانتظر أبو محمود ساعة ، ثم دخل وهو يحمل بيده الرسالة التي سأل عنها يسار ، وقال وهو يناوله إيَّاها :
- أهذه التي أردت ؟
وتناولها شاكرًا ، وأخذ يقلب صفحاتها ، وينظر فيها ثم رفع رأسه ينظر إليه بامتنان زائد وقال :
- إنها هي .. لا أدري كيف أشكرك .
وتبسَّم أبو محمود وهو يتصنع الخجل وقال :
- بل أنا الذي أشكرك .. لأنك تكرمت علينا بهذه الزيارة .
ونهض يسار وهو يشد على يد أبي محمود وقال :
- سأعيدها لك بعد يومين .
قال أبو محمود ، وهو يحتفل به ويوصله إلى الباب :
- أرجو أن تقبلها هدية ..
ثم أضاف :
- ليتك تزورنا كل يوم .
قال أبو الحسن الورَّاق : ومضى يسار إلى بيته ، وفي الطريق أخذ يفكر في أمر الجارية ، ماذا تكون هذه المشكلة التي أحزنتها وآلمتها وجعلتها لا تستطيع الكلام بها .. واستحضر صورتها الجميلة وهي تدخل ، وصورتها وهي تنظر إليه حزينة أسيفة ، وصورتها وهي تبكي .. إنه لم ير في حياته فتاة في مثل جمالها ، بروعتها ، بفتنتها .. لقد وقفت على دكان أبي على الأصفهاني ، وكلمته بالفارسية ، يا لعذوبة صوتها وروعة نغمتها ..
وقبل أن يصل إلى البيت ، تذكر حديث الشيخ ، ويوسف الصديق ، وخيَّل إليه كأنه يسمع الشيخ يحذره ، فأسرع الخطو .. وطرق باب بيته ، وفتحته أخته الصغيرة سناء .. ونظرت إليه بعينيها الصافيتين ، وجهها البدري ، وابتسامتها اللطيفة الهادئة .. وسألته ؟
- أين كنت إلى هذه الساعة ؟
فاحتضن وجهها الصغير بيديه ، ثم ربت على شعرها الكستنائي وقال :
- هل صليت العشاء ؟
ونفرت من تحت يده ، كما ينفر الطائر ، وقالت :
- نعم .
وشعر يسار لأول مرة ، أن قلبه قد تكدَّر قليلاً ، فأسرع يتوضأ .. ثم وقف يصلي


يتبع ...

 

 

 

 

 

 

التوقيع

    

رد مع اقتباس