هذرلوجيا
وثانية إبل الدواسر
سليمان الفليح

ذات مرة عين مدير شرطة (غير عربي الأصل) بمنطقة تكتظ بأبناء القبائل في إحدى بلادنا العربية وكان أول عمل قام به كأي مسؤول يعين بمنصب جديد هو أن يجتمع بأركان إدارته فجمع ضباطه وأخذ يناقش معهم المشاكل الأمنية التي تعاني منها المنطقة. فتحدث أحد الضباط عن السرقات، وتحدث ثان عن الكلاب الضالة التي تتواجد بكثرة في المنطقة والتي بعضها مصاب بداء (الهمل) التي تسبب كثيراً من الحوادث المرورية في الليل وتحدث رابع عن القطط التي تحمل الجرب. وهنا نهض المدير الهمام وقرع الطاولة بصلف قائلاً: اسمع جميع (زباط) كله (أزبح) كلب أزبح قط أزبح، جمل أزبح أي أذبحوا أي حيوان سائب تجدونه سواء كان كلباً أو قطاً أو جملاً على حدٍ سواء ثم نادى ضابط العلاقات العامة وقال له: صحافة أنشر (!!).
***وبعد نشر التصريح (الناري) للمدير النشط اجتمع شيوخ قبائل المنطقة وتوجهوا إلى الحاكم وقالوا له: اسمع يا حضرة الحاكم: لقد رويت هذه الأرض من دماء آبائنا وأجدادنا وأسلافهم بسبب الإبل وأن كل حروب القبائل في الزمن السالف كانت بسبب مراعي هذه الإبل ومواردها واليوم وفي آخر هذا الزمان يأتي (علج) وفي ظل حكمك العادل ليعامل إبلنا كما يعامل الكلاب والقطط فأما (تنقله أو نقتله) وضفوا عباءاتهم ونهضوا عائدين إلى مضاربهم.
***
هكذا هي أهمية الإبل بالنسبة للعربي كانت ولا تزال على طول الزمان. وقد سقنا هذه المقدمة (الكوميدية السوداء) بسبب نفوق (إبل الدواسر) التي تُعتبر من جياد الإبل العربية على الإطلاق كل ذلك بسبب جشع أو إهمال بعض تجار الأعلاف الرديئة -كالنخالة- التي لجأوا إلى استبدالها بالشعير نظراً لارتفاع سعره. والأمر المؤسف لا يتوقف عند هذا الحدّ (المحزن) بل أن وزارة الزراعة والطب البيطري والمختبرات والتحاليل والتفسيرات والتحاليل لم تقدم جواباً شافياً وافياً (يبرد) القلب عن هذه الكارثة التي هزّت وجدان الناس في طول هذا الوطن العزيز وعرضه، وصحيح أن خادم الحرمين - يحفظه الله - قد وجه بتعويض أصحاب الإبل النافقة وقد يشتري أولئك المتضررون إبلاً جديدة أو مستوردة لكنها لن تكون من فصيلة إبل الدواسر النادرة.
يبقى القول أخيراً إننا نأمل أن تتوصل الجهات المعنية بسرعة إلى هذا النفوق ومصدره و(مصدّره) وأن يصدر القضاء حكمه العادل في هذه القضية مهما كان نوع الجزاء والله رؤوف بالعباد.
شكراً
ابن فليح
ماقصرت على هالمقال