الفائدة ( 2)
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن قوله ( لا غيبة لفاسق ) وما حد الفسق ورجل شاجر رجلين احدهما شارب خمر او جليس فى الشرب أو آكل حرام او حاضر الرقص او السماع للدف او الشبابة فهل على من لم يسلم عليه اثم ؟؟؟
فأجاب
اما الحديث فليس هو من كلام النبى ولكنه مأثور عن الحسن البصرى أنه قال اترغبون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه يحذره الناس
وفى حديث آخر من القى جلباب الحياء فلا غيبة له
وهذان النوعان يجوز فيهما الغيبة بلا نزاع بين العلماء
أحدهما ان يكون الرجل مظهرا للفجور مثل الظلم والفواحش والبدع المخالفة للسنة
فاذا أظهر المنكر وجب الانكار عليه بحسب القدرة كما قال النبى ( من رأى منكم منكرا فلغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان ) رواه مسلم
وفى المسند والسنن عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه انه قال ايها اذا اهتديتم
( وانى سمعت رسول الله يقول ( ان الناس اذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك ان يعمهم الله بعقاب منه )
فمن أظهر المنكر وجب عليه الانكار وان يهجر ويذم على ذلك فهذا معنى قولهم القى جلباب الحياء فلا غيبة له بخلاف من كان مستترا بذنبه مستخفيا فان هذا يستر عليه لكن ينصح سرا ويهجره من عرف حاله حتى يتوب ويذكر امره عى وجه النصيحة
النوع الثانى
ان يستشار الرجل فى مناكحته ومعاملته أو استشهاده ويعلم انه لا يصلح لذلك فينصحه مستشاره ببيان حاله كا ثبت فى الصحيح ان النبى قالت له فاطمة بنت قيس قد خطبنى ابو جهم ومعاوية فقال لها ( أما ابو جهم فرجل ضراب للنساء وأما معاوية فصعلوك لا مال له )
فبين النبى حال الخاطبين للمرأة فهذا حجة لقول الحسن اترغبون عن ذكر الفاجر أذكروه بما فيه يحذره الناس فان النصح فى الدين أعظم من النصح فى الدنيا فاذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نصح المراة فى دنياها فالنصيحة فى الدين أعظم .
واذا كان لرجل يترك الصلوات ويرتكب المنكرات وقد عاشره من يخاف ان يفسد دينه بين أمره له لتتقى معاشرته
واذا كان مبتدعا يدعوا والى عقائد تخالف الكتاب والسنة أو يسلك طريقا يخالف الكتاب والسنة ويخاف ان يضل الرجل الناس بذلك بين أمره للناس ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله
وهذا كله يجب ان يكون على وجه النصح وابتغاء وجه الله تعالى
لا لهوى الشخص مع الأنسان مثل ان يكون بينهما عداوة دنيوية أو تحاسد أو تباغض أو تنازع على الرئاسة
فيتكلم بمساويه مظهرا للنصح وقصده فى الباطن الغض من الشخص واستيفاؤه منه
فهذا من عمل الشيطان و ( انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى )
بل يكون الناصح قصده ان الله يصلح ذلك الشخص وان يكفى المسلمين ضرره فى دينهم ودنياهم ويسلك فى هذا المقصود ايسر الطرق التى تمكنه .
ولا يجوز لأحد ان يحضر مجالس المنكر باختياره لغير ضرورة كما فى الحديث انه قال
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر )
ورفع لعمر بن عبد العزيز قوم يشربون الخمر فامر بجلدهم فقيل له ان فيهم صائما فقال ابداوا به اما سمعتم الله يقول
( وقد نزل عليكم فى الكتاب ان اذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره انكم اذا مثلهم )
بين عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ان الله جعل حاضر المنكر كفاعله ولهذا قال العلماء اذا دعى الى وليمة فيها مكر كالخمر والزمر لم يجز حضورها وذلك ان الله تعالى قد أمرنا بانكار المنكر بحسب الامكان فمن حضر باختياره ولم ينكره فقد عصى الله ورسوله بترك ما امره به من بغض انكاره والنهى عنه
واذا كان كذلك فهذا الذى يحضر مجالس الخمر باختياره من غير ضرورة
ولا ينكر المنكر كما امره الله هو شريك الفساق فى فسقهم فيلحق بهم ))
( 28/219)