المقدمة الثانية : أن هناك فرقاً بين علم العقيدة ، وبين ما يجب معرفته في باب الاعتقاد .
فذانك شيئان :
أولهما علم العقيدة : وهو يشمل جميع ما يتعلق من قريب أو بعيد بالأركان الستة التي هي أركان الإيمان ؛ وقد جاء تبيانها في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وورد ذكرها في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي معروفة مشهورة : (الإيمان بالله ، والإيمان بالملائكة ، والإيمان بالكتب ، والإيمان بالرسل ، والإيمان باليوم الآخر ، والإيمان بالقدر) .
وهذا العلم يسمى بأسماء ، وينعت بنعوت عند الأئمة ؛ فمن أسمائه : علم التوحيد ، علم العقيدة ، علم الاعتقاد ، علم أصول الدين ، الفقه الأكبر فكلها أسماء لشيء واحد .
كما إن الأسد يسمى بالهزبر والليث وأسامة وغير ذلك ، فكذلك هنا ، وهذا معروف عند العرب أن الشيء إذا عظم وكبر وعلا كثرت نعوته ، وازدادت صفاته ؛ ولذلك الله عز وجل أسمائه غير محصاة ، ونعوته غير محدودة بحد معروف ؛ أي أن الله عز وجل أسمائه ليست محدودة على وجه محدود ، لكن لـه أسماء جعل عليها تكرمة ومنّة وفضل منه سبحانه وهي تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ، وإلا فأسمائه كثيرة كما هو معروف ؛ فكذلك علم العقيدة في ذلك .
وعلم العقيدة كغيره من علوم الشريعة فرض كفائي على الأمة الإسلامية ؛ أن ينتدب أناس أنفسهم لحفظ هذا العلم وفهمه والدراية فيه والتعمق في مبانيه ومعانيه ؛ لأنه من جملة العلوم الشرعية ؛ فكيف وهو أولاها وأعظمها وأعلاها ، وقد حكى جماعات أن هذا العلم على الفرض الكفائي ، ومن أولئك : النووي الشافعي يرحمه الله في مقدمته على المجموع شرح المهذب الموفق وابن قدامه في المغني في آخرين ، والشأن فيه مشهور .
أما الشيء الثاني : فهو ما لابد للمرء من معرفته في باب الاعتقاد ، أو بعبارة أخرى ما يجب على كل مسلم ومسلمة أن يعلمه في باب الاعتقاد . فهذا مقيد بقيدين عند الأئمة وأهل العلم :
القيد الأولى :
أن يكون في الأصول الستة المسماة بأصول الإيمان ، وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث ، ومنها الحديث المشهور عند العقائديين والفقهاء وأرباب السلوك : وهو حديث جبرائيل - عليه السلام - المخرج في الصحيحين ، وفيه أن النبي صلى اله عليه وسلم سأله جبريل عن الإيمان فذكر { الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره } الحديث .
القيد الثاني :
أن تكون تلك المعرفة موصوفة بصفتين :
الأولى : أن تكون يقينية ؛ فلو لم تكن يقينية فإن ذلك لا يقع الموقع المحكوم بوجوبه وفرضيته على الأعيان .
وأما الصفة الأخرى : فهي أن تكون مجملة ، أي الإجمال الذي يكفي في تحقيق فرض العين والواجب هنا ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى .