المقدمة:
مما لاشك فيه ان للانسان عقلاً يسعى من خلاله إلى الكشف عن حقائق الأمور والإلمام بمختلف المظاهر والظواهر . الامر الذي دعاه الى إيجاد وسيلة مثلى يشبع من خلالها فضوله ويشفي بها غليله فكان لابد من ظهور ما يسمى بالألة الإعلامية أو وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأصنافها . وفي هذا الاطار فإن الثورة الإعلامية أو تكنولوجيا الإعلام التي يشهدها العالم قد قلبت كل الموازين وأضحى الإعلام ركيزة أساسية في بناء الدولة بل بات يعتبر من مقومات ورموز السيادة الوطنية ، بحيث صارت أول خطوة في إنجاح أي إنقلاب لابد من الإستيلاء على مقر التلفزة والإذاعة مما يؤكد دور ومكانة وأهمية هذا الأخير والحديث هنا عن الانقلاب من باب اظهار اهمية الاعلام في بناء الدولة ليس الاّ ، حيث أن زمن الانقلابات اصبح في خبر كان . ولان "الإعلام أداة فاعلة ومنظومة متكاملة " ، فلا بد من تفعيل ادائه لترسيخ بناء الدولة وترسيخ الثوابت الوطنية لديها ولدى مواطنيها .
استراتيجية الاعلام الحربي لتحقيق الامن الوطني للدولة :
يعتبر الاعلام بوسائله المتطورة ، اقوى ادوات الاتصال العصرية التي تعين المواطن على معايشة العصر والتفاعل معه . كما اصبح للاعلام دور مهم في شرح القضايا وطرحها على الرأي العام من اجل تهيئته اعلاميا ، وبصفة خاصة تجاه القضايا المعنية بالامن الوطني . ويجئ القرن الحادي والعشرون حاملا معه عصراً جديداً ، عصراً فيه الكلمة الاولى للاعلام في ظل ثورة الاتصال والمعلومات ، تلك الثورة التي لن تتوقف مع استمرار عملية الابتكار والتغيير . ولقد ادت هذه الثورة الى احداث تطور ضخم في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ، وجعلت السماء مفتوحة تسبح فيها الاقمار الصناعية لتمتد رسالة الاعلام الى ارجاء المعمورة ، وليصبح العالم قرية الكترونية صغيرة .والواقع ان الاعلام في العصر الحديث ، اصبح جزءاً من حياة الناس ، كما ان بناء الدولة اقتصاديا ، واجتماعيا ، وسياسيا ، يتطلب الاستعانة بمختلف وسائط ووسائل الاعلام ، بل ان مشروعات التنمية لا يمكن ان تنجح الاّ بمشاركة الشعوب وهو امر لا يتحقق الاّ بمساعدة الاعلام .
وترتبط السياسة الاعلامية بالاوضاع السياسية ، والاقتصادية ، والامنية ، والاجتماعية ، والحربية ، بمعنى ان الاعلام يرتبط بقوى الدولة الشاملة ومن ثم فهو يسعى بطريق غير مباشر لتحقيق الامن الوطني ، من خلال التغطية الاعلامية ومن خلال الاسهام في بناء المواطن وتحصينه ضد أي غزو اعلامي او فكري معاد ٍِِ . كما يقوم الاعلام بدور مهم في تنمية الوعي السياسي لدى المواطنين واستيعابهم لما يدور على الساحة الداخلية ، حيث يتناول القضايا الوطنية التي تؤثر في قدرات الدولة السياسية ، من خلال الشرح والتحليل لهذه القضايا وتعريف المواطن بأسبابها واسلوب التعامل معها .
فالاعلام الحربي كفرع متخصص له دور مهم في بناء الامن الوطني للدولة وفي تخطيط استراتيجيتها ، وهو دور يقوم على اساس التفاعل مع التحديات والتهديدات الموجهة للامن الوطني ، ومن اجل تأكيد استراتيجية الدولة في مواجهة هذه التحديات ، بل اصبح للاعلام الحربي دور مؤثر في مواجهة مشاكل وقضايا المجتمع من خلال الاسهام في مناقشة هذه القضايا وايجاد الحلول المناسبة لها ، بل وله رسالة مهمة في مواجهة الغزو الفكري والثقافي المعادي الذي يستهدف النيل من وحدة الوطن . ويبرز دور الاعلام الحربي بشكل واضح ، وقت الحرب ، من اجل مواجهة الدعاية المضادة والحرب النفسية .(1)
الثالوث الاعلامي :
خلال إستقباله وفدا من رابطة الدراسات الاعلامية، أكد رئيس الوزراء العراق السابق أبراهيم الجعفري أهمية الاعلام في بناء الدولة والمجتمع بالقول ( تكمن من خلال الثالوث الاعلامي متمثلا بالمعطي الاعلامي والمتلقي المواطن والوسيط الخبر وهذا ما يؤكد الدور الفاعل للاعلامي في تولي مسؤولية توعية وتثقيف المواطن." ويضيف ايضا القول ان ("الاكاديمية قد تمنحك شهادة علمية معينة وقد تعطيك أسرار المهنة من الناحية الحرفية لكن لا تستطيع ان تمنحك البعد الوطني المطلوب والثروة القيمية التي تـُستمد من مبادئ السماء ومن أعرافنا وتقاليدنا ولكن البعد الاخلاقي في شخصية الاعلامي هي مسألة أساسية لانه يجب أن يضع وطنه الهدف ويصر على أن يكون وطنيا بمعنى أن لا يميل الى مجموعة دون اخرى ولا يقبل أن يكون ثمنه مكافأة مادية او شهرة اعلامية على حساب هذه الحرفة المقدسة."( 2)
ان الإعلام يواجه تحديات الاحترافية والمهنية والأخلاق والقيادة والتخطيط الاستراتيجي والدراسات والبحوث. وهذا يعني أنه يجب التركيز على التكوين الأكاديمي الفعال والمنهجي وكذلك التعليم المستمر والتنسيق ما بين جهات التكوين والتدريب والمنظمات والمؤسسات المختلفة للاستجابة لاحتياجات ومتطلبات سوق العمل.
وفي ذلك يقول :د.محمد قيراط لجريدة البيان الشارقية : ( لقد حان الوقت للانتقال من مرحلة الكم إلى مرحلة الكيف لاستيعاب الدور المحوري للإعلام والعلاقات العامة في دعم بناء المجتمع والفرد والأمة ودعم صانع القرار.
ويعد الإعلام حجر الزاوية في تهيئة الأجواء اللازمة والضرورية لحركة التنمية الشاملة في المجتمع حيث أنه يعمل على توفير البيانات والمعلومات للعامة والمتخصصين ما تعلق منها بحركة الاستثمار،و المجالات الاقتصادية المختلفة،والقوانين، وإجراءات إنهاء المعاملات، وأخبار الأسهم والبورصات وأسعار صرف العملات... الخ.
كما يعّرف الإعلام بالحركة الاقتصادية في الدولة والعالم. ومن أهم وظائف الإعلام الاقتصادي نشر الوعي والثقافة الاقتصادية في المجتمع كالتعريف بالقوانين والتشريعات والإجراءات التنظيمية حتى يستطيع الفرد أن يعرف حقوقه وواجباته. من هنا يأتي الدور الاستراتيجي للإعلام الاقتصادي في التنمية الشاملة وفي ربط رجال الأعمال والاقتصاد والمؤسسات ببعضها البعض وبالمستهلكين والمتفاعلين مع حركة التنمية في المجتمع.
ان الإعلام لم يعد ترفا أو شيئاً كمالياً بل أصبح واقعاً وضرورة لا يمكن للناس أن تستغني عنه".. ويرى الدكتور "حامد طاهر" نائب رئيس جامعة القاهرة أنه لكي يسهم الإعلام العربي في بناء وحماية العقل العربي فلا بد من الجمع بين الأصالة والمعاصرة، معتبرا أن حدوث التوازن بينهما سيحرس العقل العربي ويحميه.
اذن لابد من اخذ دور السلطة الرابعة في الحسبان في بناء الدولة وتطوير المجتمع . وان المتتبع لمجريات الامور والاحداث بمختلف صنوفها وانواعها في العالم يعرف جيداً في النهاية ان كل ذلك لم يتأت الا بعمل كبير وجهد دؤوب يتجسد في ترسانة إعلامية ضخمة من تلفزة وإذاعة وصحف بين يومية وأسبوعية وشهرية .
وفي ذلك يؤكد د.محمد قيراط ايضا : ( ان وسائل الإعلام تؤدي دورا محوريا في حياة الفرد والأسرة والمنظمة والمجتمع، وفي بناء الدول والحضارات والمجتمعات، وهي بذلك تسهم في التنشئة الاجتماعية وفي تشكيل الرأي العام والذاكرة الجماعية للمجتمع. كما أنها تؤدي دورا استراتيجيا في التنمية المستدامة بمختلف مجالاتها وقطاعاتها ).(3)
وفي هذا الاطار ايضا قال اللواء توفيق الطيراوي رئيس جهاز المخابرات العامة، رئيس المجلس الاستشاري للأكاديمية الفلسطينية للعلوم الأمنية، في حديث نقلته صحيفة ( دنيا الوطن ) ( إن للإعلام دورا أساسيا في وضع وبناء أسس الدولة المستقلة، وأن للإعلام دورا محوريا في تطوير وازدهار واستقرار المجتمعات الإنسانية ). (4)
الإعلام والحوار:
فيما خرجت الدكتورة ثريا البدوي -مدرسة العلاقات العامة والإعلان- في جمهورية مصر العربية في دراسة لها عن "الإعلام وحوار الثقافات في مصر"، في أن الأداء الإعلامي المرتبط بالأحداث التي تمس الحوار مع الآخر -الداخلي أو الإقليمي أو الدولي- لا يفعل الحوار بين الثقافات في المجتمع المصري، إذ يرتبط بالتوجهات الأيديولوجية للمفكرين والمثقفين، وكذلك بالصورة المختزنة لديهم عن الآخر.
وعرضت "ثريا" تجربة تعامل الإعلام الحكومي المصري مع جماعة الإخوان المسلمين في أحداث "طلبة الأزهر" وبعض القضايا الإقليمية والدولية مثل الصراع السياسي في لبنان بين حكومة السنيورة وحزب الله، وقضية إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، وقارنت أداء الإعلام الحكومي بالإعلام الخاص الذي دعا إلى الحوار المحلي والإقليمي، وإلى التفاهم والتقارب الخارجي، بعيدًا عن فكرة الحوار أو الصدام، أما الإعلام الحزبي فوقف في منطقة وسط بين الإعلام الحكومي والخاص.
الإعلام والسلم الأهلي
ويؤدي الاعلام دوراً بارزاً في تعزيز السلم الأهلي في المجتمعات حيث يساهم مساهمة فعالة في ارساء دعائم الامن والاستقرار في أي بلد من البلدان من خلال الافكار والرؤى التي يتم تناولها وطرحها في وسائل الاعلام ، كما جاء ذلك في دراسة للدكتور حسين أبو شنب -من كلية الإعلام جامعة فلسطين والتي اجراها على عينة من مجتمع النخبة الفلسطينية في المجالات المختلفة حول أهم معوقات السلم الأهلي.(5 )
دور الإعلام في التفاوض:
يلعب الإعلام دوراً مهما في عملية التفاوض ويمكن تحديد هذا الدور في النقاط التالية: الإعلام كمصدر للمعلومات: فقد أكدت البحوث الميدانية أن الإعلام هو المصدر الأساسي للقادة السياسيين والدبلوماسيين وكل من لهم صلة بالعملية السياسية في المجتمع، ويقدم الإعلام لأطراف التفاوض رؤية أولية للأطراف المشاركة في عملية التفاوض.
الإعلام كأداة: يعد الإعلام أداة من أدوات خلق رأي مساند أو معارض للقضية محل التفاوض أو لطرف من أطراف التفاوض، حيث يلعب دوراً مهما في مجال خلق رأي عام مساند أو معارض لقضية يدور حولها التفاوض وخلق اتجاهات معارضه أو مؤيدة للقضية محل التفاوض أو لأحد أطراف التفاوض.
الإعلام أداة للتفاوض: يمكن استخدام الإعلام كأداة من أدوات التفاوض بأحد الصور التالية:
الصورة الأولى: استخدامه كأداة من أدوات الضغط:
1. ويتم ذلك من خلال تسريب بعض الأخبار والمعلومات التي يود أحد الأطراف أو لا يرغب في نشرها قبل التوصل الى الاتفاق النهائي.
2. من خلال تقديم إخبار كاذبة تمثل إحراجاً لأحد الأطراف المعنية في عملية التفاوض.
3. تسريب أخبار عن التوصل إلى نتائج قبل نهاية التفاوض.
الصورة الثانية: استخدام الإعلام كأداة لفرض موقف معين على أحد الأطراف وذلك من خلال دفعه إلى تبني موقف سياسي معين.
الصورة الثالثة: استخدام الإعلام كأداة من أدوات التلاعب بالمواقف وذلك من خلال تجاهل هذه الحقائق وطرح آراء ومعلومات وأفكار جديدة.
كما هناك إستراتيجية يعتمد عليها التفاوض الدولي عند التعامل مع الإعلام أثناء الأحداث، ونكتفي هنا بذكرها كمفاهيم دون التعرض لتفاصيلها ، وهي:
1. إستراتيجية تجاهل الإعلام.
2. إستراتيجية الاهتمام بالإعلام.
3. إستراتيجية التعتيم الإعلامي والضغط على الإعلاميين.
الإعلام والسياسة الخارجية:
تحاول الدول من خلال وسائل الإعلام الدولية وكافة وسائل الإعلام المتاحة والملائمة التأثير على الرأي العام الأجنبي لكسب تأييده لقضاياها وتبحث الدبلوماسية النشطة عن التأييد غالباً خارج الحدود القومية وبهذا يرتبط الإعلام بالدبلوماسية جيداً.
ولعل التطور المستمر للمكاتب الإعلامية للدول المختلفة في الخارج يظهر بشكل جلي أهمية الإعلام والدعاية السياسية والتسويق السياسي على حد سواء في خدمة سياسات الدول الخارجية وخدمة أهدافها الدبلوماسية وعّبر الوزير الأمريكي "دين رسك" عن أهمية الدور الإعلامي في خدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية بقوله " لا غنى عن الإعلام للسياحة الخارجية للولايات المتحدة . ( 6)
الإعلام والصحة :
وتتوصل دراسة للدكتور عثمان العربي -المدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب، جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية- عن استخدام الشباب في بلاده لوسائل الإعلام، في مجال الوعي الصحي إلى أن أهم الوسائل الإعلامية التي يستخدمها الشباب مصدرًا للثقافة والمعلومات الصحية هو التليفزيون ثم الصحف اليومية ثم الإنترنت.
أما الدكتور عبد الرحمن محمد الشامي -أستاذ مساعد الاتصال بكلية الإعلام جامعة صنعاء في اليمن- فقد أكد أهمية دور الاعلام وخاصة التليفزيون التنموي بعامة، ورسالته في معالجة المشكلات الصحية التي تعاني منها البيئة.(7)
دور الأعلام في تدعيم الأمن وإدارة الحكم :
وفي دراسة لباحثين بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ، هما جيمس بوتسل ويوست فان دير زفان، يقول بوتسل: " تنص النظرية التقليدية على أن تأتي عملية إرساء الإعلام المستقل في مركز جهود تدعيم الأمن وإدارة الحكم والتنمية بعد الأزمات والحروب". "لكن نتائج أبحاثنا تشير إلى أنه، عندما تكون الدولة ضعيفة والعملية السياسية غير مستقرة وفاقدة للشرعية، ينبغي أن يكون الهدف الأولي لمنح المساعدة هو دعم بناء دولة قائمة بوظائفها."(8)
ولاننا ندرك جيدا حجم المسوؤلية الملقاة على عاتق الاعلام بإعتباره يعبر عن أمال وتطلعات أي شعب ، كما وانه وسيلة من وسائل الكفاح وذراع من أذرع النضال ، فان الاعلام الحر والنزيه تكون الحقيقة غايته والموضوعية أسلوبه في الاداء. ولما كان الاعلام بهذه الاهمية فلابد ايضاً للحكومات من مراجعة كاملة وإصلاح شامل لهذا القطاع من خلال رسم إستراتيجية إعلامية تأخذ في الحسبان تطوير المحتوى والمادة الإعلامية ، وإدخال وسائل إعلامية حديثة , وكذلك مراعاة التغييرات والمستجدات الأقليمية والدولية وإطلاق العنان لحرية التعبير والصحافة .
ويبقى هذا مرهونا بتوفر الأرادة السياسية الحقيقية لاية حكومة ، حيث حينها يمكن الحديث عن إعلام في مستوى التحديات ويرقى إلى تطلعات وحاجيات المرحلة ، وعلى أية حال فإننا في زمن لايرحم والبقاء فيه للحجة والبرهان وقوة الإقناع أي إنتهاج أسلوب الملموس والمحسوس ومن لم يسلك هذا السبيل فذهابه ادراج الرياح حتمية لامناص منها .
وتؤدي الكلمة دوراً مهماً في بناء المجتمع وان توظيفها بالشكل الذي يريده الكاتب قد يؤثر سلباً او ايجاباً في ذلك حسب عملية التوظيف تلك. وفي ذلك يقول وزير الاعلام اليمني حسن احمد اللوزي - ليس هناك ماهو أشد وطأة على الفكر والثقافة والإعلام وعلى الحياة الاجتماعية بشكلٍ عام من سوء توظيف الكلمة حين تستخدم في الهدم للبناء وفي تصوير الحياة على غير حقيقتها وفي تحميلها معاني ومدلولاتٍ متناقضة مع الشواهد القائمة والمعاشة في حياة الإنسان فرداً كان أو مجتمعاً أو دولة.. هذا الانحياز إلى الخراب.. والتخريب في الكتابات الشوهاء يضر بالقيم العليا السامية أكثر من إضرار الأفعال المادية التي تقوم بها الجوارح أو تمارسها الوظائف وتكون خارجة عن النظام والقانون لأنها سهلة المواجهة من الدولة وداخل المجتمع حيث تكون الإرادة قوية وكل الأدوات والوسائل القانونية واضحة وكلها قادرة على التصدي لكل الأعمال الشريرة والأفعال المجافية للحق والتصرفات الخارجة عن القانون، غير أنه بالنسبة للكلمة ولارتباطها بجوهر نبض الحرية بالنسبة للإنسان والمجتمع تكون المواجهة مشوبة بالحذر خشية المساس بحرية التعبير..(9 )
لقد برزت وسائل الإعلام الحرة حول العالم كإحدى أهم قوى النضال من أجل تحويل الأنظمة المنغلقة على نفسها والقمعيّة إلى مجتمعات منفتحة ومنتجة. يجري هذا التحول باتجاه الديمقراطية والأسواق الحرة بشكل جدي عبر العالم، وعلى الأخص منذ نهاية الحرب الباردة.
و تؤدي وسائل الإعلام المستقلة دورين رئيسيين: دور "الرقيب الحارس" على الحكومات، ودور توعية الناس حول القضايا التي تؤثر في حياتهم.
فقبل مئتي عام، وصف الرئيس الاميركي توماس جفرسون هذا الأمر على أحسن وجه قائلا: "الضمانة الوحيدة قبل أي ضمانة أخرى هي الصحافة الحرة". وفي سنة 1823، قال جفرسون: "إن قوة الرأي العام لا يمكن مقاومتها عندما يُسمح لها بالتعبير بحرية. فالاضطراب الذي تحدثه يجب الامتثال لها. وهو ضروري لكي تبقى المياه صافية." (10)
وكان الإعلام من الأمور المهمة للدعوة والدولة الاسلامية، فهو ليس مصلحةً من مصالح الناس تتبع إدارة مصالح الناس، بل إن موقعها مرتبط مباشرةً مع الخليفة كجهاز مستقل، شأنه شأن أي جهاز آخر من أجهزة الدولة.
إن وجود سياسة إعلامية متميزة تعرض الإسلام عرضاً قوياً مؤثراً، من شأنه أن يحرِّك عقول الناس للإقبال على الإسلام ودراسته والتفكر فيه، وكذلك يسهِّل ضم البلاد الإسلامية لدولة الخـلافة. هذا فضلاً عن أن كثيراً من أمور الإعلام مرتبط بالدولة ارتباطاً وثيقاً، ولا يجوز نشره دون أمر الخليفة. ويتضح ذلك في كل ما يتعلق بالأمور العسكرية، وما يلحق بها، كتحركات الجيوش، وأخبار النصر أو الهزيمة، والصناعات العسكرية. وهذا الضرب من الأخبار يجب ربطه بالإمام مباشرة ليقرر ما يجب كتمانه، وما يجب بثه وإعلانه.
وتبرز اهمية الاعلام في الحكم الاسلامي كما جاء ذلك في الكتاب والسنة .
أما الكتاب فقوله تعالى:{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[083:004]. وموضوع الآية الأخبار.
وأما السنة فحديث ابن عباس في فتح مكة عند الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وفيه: «وقد عميت الأخبار على قريش، فلا يأتيهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدرون ما هو صانع». ومرسل أبي سلمة عند ابن أبي شيبة وفيه: «ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: جهزيني ولا تعلمي بذلك أحداً، ... ثم أمر بالطرق فحبست، فعمى على أهل مكة لا يأتيهم خبر». وحديث كعب المتفق عليه في غزوة العسرة وفيه: «ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد غزوة إلا ورّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حرّ شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً وعدواً كثيراً، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد». وحديث أنس عند البخاري «أن النبي صلى الله عليه وسلم، نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذها سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم».
ومن تطبيقات الراشدين لهذا الحكم ما رواه ابن المبارك في الجهاد، والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب «أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام، وقد تألب عليه القوم، فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد، فإنه ما ينـزل بعبد مؤمن من منـزلة شدة إلا جعل الله له بعدها فرجاً، ولن يغلب عسر يسرين، و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[200:003]. قال فكتب إليه أبو عبيدة: سلام عليك أما بعد، فإن الله يقول في كتابه:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}[020:057] الآية، قال فخرج عمر بكتابه، فقعد على المنبر، فقرأه على أهل المدينة، ثم قال: يا أهل المدينة، إنما يعرِّض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد».
ومما يلحق بالأخبار العسكرية أخبار المفاوضات والموادعات والمناظرات التي تجري بين الخليفة أو من يستنيبه وممثلي دول الكفر. ومن أمثلة المفاوضات ما جرى بينه صلى الله عليه وسلم، وبين مندوبي قريش في الحديبية، حتى استقر الاتفاق على بنود الصلح. ومن المناظرات المباشرة مناظرته صلى الله عليه وسلم، لوفد نجران والدعوة إلى المباهلة. ومناظرة ثابت بن قيس وحسان لوفد تميم بناء على أمره صلى الله عليه وسلم، ، وغيرها. وكل هذا كان علنياً ولم يكن منه بند سري.
وإنه وإن كانت الأنواع الأخرى من الأخبار ليست ذات مساس مباشر بالدولة، وليست مما يتطلب رأي الخليفة المباشر بها، مثل الأخبار اليومية، والبرامج السياسية والثقافية والعلمية، والحوادث العالمية، إلا أنها تتداخل مع وجهة النظر في الحياة في بعض أجزائها، ومع نظرة الدولة للعلاقات الدولية؛ ومع ذلك فإن إشراف الدولة عليها يختلف عن النوع الأول من الأخبار.
وعليه فإن جهاز الإعلام يجب أن يحوي دائرتين رئيسيتين:
الأولى: عملها في الأخبار ذات المساس بالدولة، كالأمور العسكرية والصناعة الحربية، والعلاقات الدولية الخ.
ويكون عمل هذه الدائرة المراقبة المباشرة لمثل هذه الأخبار، فلا تذاع في وسائل إعلام الدولة أو الخاصة إلا بعد عرضها على جهاز الإعلام.
والثانية: مختصة بالأخبار الأخرى، وتكون مراقبتها لها غير مباشرة، ولا تحتاج وسائل إعلام الدولة، أو وسائل الإعلام الخاصة، أي إذن في عرضها.
ترخيص وسائل الإعلام:
لا تحتاج وسائل الإعلام إلى ترخيص، بل لكل من يحمل تابعية الدولة الإسلامية أن ينشئ أية وسيلة إعلام: مقروءة أو مسموعة أو مرئية. ولا يحتاج إلا إلى (علم وخبر) يعلم جهاز الإعلام عن وسيلة الإعلام التي أنشأها.
وهو يحتاج، إلى إذن في نشر الأخبار ذات المساس بالدولة التي ذكرناها سابقاً. وأما الأخبار الأخرى فينشرها دون إذن مسبق بها.
وفي جميع الحالات يكون صاحب وسيلة الإعلام مسؤولاً عن كل مادة إعلامية ينشرها، ويحاسب على أية مخالفة شرعية كأي فرد من أفراد الرعية. ( 11)
الخاتمة :
تحتل وسائل الإعلام في كل الاوقات مكانة متميزة انطلاقا من طبيعة وظائفها وتأثيرها على الانسان (كفرد او مجتمع او كدولة )، حيث اصبحت دول العالم المتطورة في عصرنا الحاضر تعتمد على ثلاث اركان رئيسة في بنائها إلا وهي (السياسة والاقتصاد والإعلام) ومما ضاعف تأثير وسائل الإعلام على بناء شخصية الانسان هو تداخل وظائفها مع جميع طبقات المجتمع لما تقدمه من معلومات عبر مساحات كبيرة وعلى مدار الساعة من خلال مختلف وسائلها سواء ان كانت مسموعة كالراديو او مقروءة كالصحف والمجلات او مرئية كالقنوات الفضائية وتسهم هذه الوسائل في بناء القناعات والاتجاهات والمعتقدات عند الفردوكذلك التأثير على التنشئة الاجتماعية التي تؤثر بدورها على بناء الانسان الفكري والاجتماعي والنفسي. وتختلف وسائل الإعلام من حيث تأثيرها على الانسان فهي اما ان تكون بطريقة مباشرة من خلال برامج ذات اتجاهات واضحة يفهمها المتلقي كماهو موجود في برامج الاذاعات الدينية او يكون تأثيرها بطريقة تراكمية عبر الامتداد الزمني الذي يسهم بدوره برسم صورة عن الاشياء والاشخاص من حولنا وكذلك التأثير في اتجاهاتنا وسلوكنا حيال الواقع المحيط بنا.
.
المصادر:
1- الاعلام الحربي / موقع موجتل .
2 - وكالة عين في 2008-05-26 .
3- الشارقة جريدة البيان في 2008-12-04 .
4- صحيفة دنيا الوطن الفلسطينية في 8- 6- 2008.
5- مؤتمر الإعلام وبناء العقل العربي الـ13 في القاهرة.
6 – بحث للدبلوماسي السعودي مطلق بن سعود المطيـــري - وزارة الخارجية، سفارة خادم الحرمين الشريفين في القاهرة ) .
7- (مؤتمر كلية الإعلام المصرية الدولي الثالث عشر، للفترة من (8 مايو حتى 10 مايو 2007) .
8- الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير العدد 28 (18 يوليو 2006).
9- وزير الاعلام اليمني حسن احمد اللوزي / موقع الوزارة في 20-مارس-2007.
10- ( مقال لفريدريك دبليو. شيك - نائب مدير، الوكالة الأميركية للتنمية الدولية / حرية الصحافة في 18 أيار/مايو 2008 ).
11- الإعلام من كتاب أجهزة دولة الخلافة - منتدى الناقد الاعلامي / في 9 كانون الاول 2008 .