أرخى الليل سدولة ومضى شطرة الاول ولازلت أتململ على فراش نومي الوثير بعد اليوم عمل شاق .. وفجأة خطرهاجس في داخلي وشدني صوت من اعماقي ..انتبه فأنت مراقب !!
أفزعني وضوح الصوت وأقض مضجعي توالي الأفكار وتحيرت من امري ..
حاولت ان امسك خيوط النوم الواهية وتقلبت على جنبي الاخر فإذا بالهواجس والخواطر تتوالى
وإذا بحديث القلب يسري في ليل مظلم .. انتبه انت مراقب !!
استرجعت شريط يومي كاملا وتأملت امسي فإذا بي لم أقم بأي نشاط يوحي بالريبة والشك
ولست صاحب توجه تاله العيون ..
قرات ذلك اليوم بدقة وتأملتها بعناية .. فإذا بها جلسة مه الزوجة .. ثم مع الاصحاب في أمسية لادخل فيها لا من رقيب ولا من بعيد لأمور تدعو أن أوضع تحت المراقبة !!
أعدت صفحات عام مضى فإذا بي من قائمة رعاع الناس لاناقة لي ولا جمل ..
همي كله منصرف نحو حياتي وتدبير شئوني والبحث عن لقمة عيشي !! قلبت صفحات الماضي
سنوات مضت حتى وصلت لمرحلة الدراسه الجامعية ,وساورني بعض الشك ربما قلت وربما تحدثت .. طال ليلي وسريت مع رحلة عمر طويلة غالبت فيها النوم وغلبني الأرق حتى انتهى الصراع قبيل الفجر فنمت نومة المضطرب ,واخذت الاحلام تتوالى على مخيلتي فإذا بي مقيد في غرفة موحشة تحت التحقيق ..
ونال جسمي بعض الاثر وصحوت فزعا على صوت الجلاد .. أعترف !!
رميت بردائي وقفزتمن فراشي ووقفت على قدمي .. تحسست جسمي وتأملت المكان !!
فإا بي في غرفتي ويداي طليقتان ولا أثر للسلاسل والأغلال ! !
أنصت استمع فإذا الهدوء يلف المكان بضوء خافت يدعو الى النوم ولكن الهاجس صاحبني الى الصباح ! ! أنت مراقب !
استيقضت على عجل وأدرت مفتاح السيارة وانطلقت بي بين مئات من الطوابيرالمتجهة إلى
أعمالهم .. سرت إلى أقرب طريق أعتدته وعندما استوقفتني إشارة المرور فإذا بها تومئ إلي
بصلف وغرور ونظرة غريبة ..
انتبه لمن خلفك وانظر من على يمينك .. تأملت .. سيارات من أنواع شتى ولكن احدهم اعتدل في جلسته عندما رآني .. واذا بالهاتف في داخلي ينبهني .. انتبه إنه هو .. فأنت مراقب !
دلفت إلى مكتبي وسلمت على الزملاء وارتفعت أصواتهم على غير عادة .. أما سمعت الاغنية الفلانية إنها رائعة وذات جمال في اللحن وعذوبة في الصوت ! ! وكان ردي باهتا ..
ثم عرج أحدهم على اذاعة خارجية فإذا بي افتح فمي مدهوشا وهو يسألني عن رأيي فيها ..
تبعثرت الكلمات على لساني وحاولت ان اجمعها بكل قوة لأعيد اتزاني ..
لكن تعثر الجواب وأحسست ان احدهم أمسك بطرف لساني وهزه بقوة .. احذر انتبه .. فأنت مراقب !
الكلمة محسوبة وربما تلقيك في زنزانة مظلمة شهورا وسنوات والجلاد ينتظر هناك .. فإياك إياك!!
مضى يومي قلقا كئيبا وعندما هويت على كرسي في صالة منزلي لحضت زوجتي ماأصابني من شرود واضطراب فأشارت أن نذهب الى نزهة برية في مكان قريب .. على غير العادة أجبتها بنهم هربا مما أصابني .. وما ان القينا الرحال في تلك الروضه الخضراءلاح من بعيد طيف بدأ يظهر
شيئا فشيئا فإذا سيارة بيضاء قد رأيتها من قبل حتى اذا قاربواوكانوا على مرمى النظر تنادو
بنصب خيمتهم بجوارنا .. صرخ هاجسي من جديد ألم أقل إنك مراقب ..
هاهم يعدون العدة لاصطيادك ! !
في طريق العودة وكنت في سماع مايزيل سحابة يومي الكئيب .. فاذا بالخبر القاتل يأتي من خلف
البحار .. اعتقال عشرة أشخاص بعد متابعه طويلة من الامن .. تحسست قطرات من العرق تملأ
ساحة جبهتي بغزارة .. وانصت لما تبقى من أخبار فإذا الكون فوق بركان من الاغتيالات والانفجارات وطرقني صوت الانفجار .. ربما تتهم أنك دبرت الانفجار وشاركت فيه !!
عند اقرب محطة على الطريق الصحراوي وقفت متلهفا لقطرة ماء بارده تزيل عطشي ..
فأذا البائع يشير إلي أنها هنا في الثلاجة المقابلة ..
وإذا بمن جلس وغطى وجهه بصحيفة صدرت منذ شهور وظل يسترق النظر إلي بعينين صفراوين
بارزتين أرهقهما السهر والمتابعة .. قلت : هذا احدهم .. وتجرعت ماء بطعم الحنظل أو أشد..
دخلت منزلي حائر الذهن مشتت الأفكار فتناولت سماعة الهاتف لاحدث أخي بما جلى لي وبتوقعي لاعتقال قريب .. ولكن أعدت سماعة الهاتف .. واسترجعت ذاكرة حديث المجالس ..
فالهواتف مراقبة والاحصاء يشمل الهمسة والبسمة والكلمة والاشارة .. فأقسمت أن لا اتحدث
في الهاتف مطلقا حتى تنجلي الكربة وتنقشع الغمة .. وتذكرت أصواتا ووتشويشا في الهاتف
سمعته مساء البارحة فأيقنت أنه من استراق السمع ..
وأقسمت لما تذكرت ذلك أني مراقب وبدقة ولا مجال للهروب والمراوغة !!
تطاولت بي الساعات بين هم وحقيقة .. وبدت شعيرات بيضاء تعلو فوق رأسي فظننت أنها من
تلك الايام .. للخلوص من سواد الدنيا وظلمتها قررت أن أذهب الى مكان آمن ؟!
وتساءلت بلهفة :أين المكان الآمن في ظل المراقبة الدقيقة ؟!
عندها أتى الجواب نقرات بأصبع غليظ على هامتي .. أفق من سباتك واستيقظ من رقدتك
فالامة كلها مراقبة لست وحدك ! !
ورغم كل ذلك لم يبق لي دار آمنه الا ذلك الفئ الجميل والظل الظليل .. توضأت وأزلت ارهاق
السهر وسحابة الوهم القاتل بقطرات ماء عذبه طاهرة هجرتها زمنا طويلا غفلة وسفاهة ...
أسرعت الخطا الى المسجد فإذا المراقبة الدائمة والاحصاء الشديد {مايلفظ من قول إلا لديهِ رقِيب عتيد}
واذا بالسجلات الطويلة محصى فيها مثاقيل الذر {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}
واذا المعلومات لايمكن أخفاؤها .. {يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور}
وافزعتني النهاية المحترمة ((فريق في الجنة وفريق في السعير ))
أفقت من الغفلة فالمراقبة ليست وليدة أسبوع بل هي منذ بداية العمر .. منذ أن صرخت صرختي
الاولى ووطئت قدمي الثرى .. هي رقابة طويلة مستمرة لاتكل ولا تمل إلى أن أوسد في قبري ..
إنها رقابة عجيبة محصى فيها القول والفعل بل وحتى وسوسة النفس وخلجات الصدر ..
{ولقد خلقنا الانسان ونعلم ماتوسوس بهِ نفسه}
هدأت الاصوات وخرجت من المسجد بخطى واثقة وطمأنينة في النفس وسعادة في القلب متأملا
الكون وعظمة خالقه.. علمت أني مراقب وأيقنت أني متابع حتى أوسد في قبري ..
اطلقت بصري نحو سيارة بيضاء واقفة بجوار المسجد كانت تفزعني من قبل ..
اشحت وجهي وقلت معاتبا نفسي : أين أنت يامن تخاف مراقبة الدنيا .. وهي رؤىومنامات
وتراكم معلومات وخيوط روايات ..
وتنسى مراقبة العليم الخبير !
أضاء نور الايمان بين جوانحي وترددت كلمة عذبة كنت أخشاها زمنا مضى وهي اليوم
حبيبة الى قلبي تؤانس وحشتي وتنير دربي ..
انتبه فأنت مراقب
اتمنى ان ينال على اعجابكم كتاب قرأته فأحببت أن تقرأوه
تقبلو تقديري وإحترامي ..