لست الاول ولن أكون الاخير الذي يتحدث في موضوع حرية المرأة، ولكنني لن أقف هذه المرة في صف أحد الفريقين المتناحرين، لا المؤيدين ولا المعارضين، ولكي أكون محايداً فعلاً سأحاول أن أتجرد من مشاعري الذكورية ومعتقداتي الخاصة وأطرح عني رجولة أبي وحضن أمي وعاطفة زوجتي وحنان ابنتي.
منذ نعومة اظافري وأنا أسمع أمي تسدي النصح لاختي بأن الشهادة الدراسية هي «سلاح البنت» في مواجهة تحديات الحياة واتقاءً لمستقبل قد يكون قاسياً في اغلب الاحوال، ومرت السنوات وتخرجت أختي وتزوجت وأنجبت وهي الآن على وشك أن تصبح جدّة ولم ينقذها هذا السلاح حتى في أيام المحن والازمات لأنه ببساطة شديدة سلاح ورقي صنع في مدارسنا العربية التي لا تجيد صنع اي شيء، وظل سلاحها الفعال الكامن في شخصيتها وعقلها وأسرارها المكنونة قابعاً في غمده.
ولنسأل أنفسنا ما المقصود بحرية المرأة؟ هل يقصد بها حريتها في تعليمها أو عملها أو تصويتها أو ترشيحها أو اختيار شريك حياتها أو افتراقها عن شريك حياتها أو حتى في قيادتها للسيارة أو حريتها في كل ما سبق؟.
أعتقد ان حرية المرأة هي كلمة حق يراد بها باطل أطلقها رافعو لواء العولمة وهم اشد مؤيدي حرية المرأة وهم انفسهم اصحاب المد الرأسمالي الحديث الذي لا يعترف بالعواطف والظروف الخاصة ويمتص دماء الجنس البشري دون ان يفرق بين رجل وامرأة في تعامله ودون النظر لاي اعتبارات اخرى، ويجرف في طريقه من لا يستطيع التحمل والتأقلم مع متطلبات العصر وتحديات العمل. وبحكم تكوين المرأة النفسي الرهيف والجسماني الرقيق وفي ظل وجود بيت وزوج واولاد وحمل ورضاعة و...و...الخ، استطيع ان اجزم انها لن تستطيع ان تدور في تلك الماكينة التي لا ترحم ولا تعترف بمثل هذه الظروف وكأن حرية المرأة اصبحت تعني تعذيبها في أتون هذا المعترك الملتهب.
وحتى اذا انطلقت المرأة وقررت الدخول في هذه المعمعة وذلك في محاولة عنترية منها لاثبات الذات، فعليها حينئذ ان تختار السير في طريق الاشواك والدخول في ترس العمل والانتاج الذي لا يرحم في محاولة منها لاثبات الذات والتحدي وفي تلك الحالة لابد ان كيان البيت والاسرة سوف يتأثر وفي الاغلب سيتقوض وتصبح المرأة هنا اشبه بمن باع نفسه للشيطان مقابل ان يكفر بالقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد وربما يتخلص منها الشيطان عندما يجد صيداً آخر يستطيع ان يسحبها الى تلك التفاحة المسمومة والمسماة بـ «حرية المرأة». وفي النهاية الاسرة والابناء هم من سيدفعون فاتورة هذه النزعة التحررية، لانها ببساطة لن تقبل ان تستسلم ان تعود للوراء او تتراجع عن الحرية المزعومة بعد ان حققت ما يسمى بـ «استقلال الذات» و«الاحساس بالكيان» و«تحقيق الشخصية» و... و... الخ من الالفاظ الرنانة التي تستهوي اذن اي امرأة.
اذن هل المطلوب هو بقاء المرأة في المنزل؟ الاجابة لا.. -رغم ان عدم وجود اي عيب في بقائها في بيتها - ولكن اذا كان خروجها للتعليم فقط وليس للعمل، ويكون الهدف هو صالح المجتمع وليس صالح المرأة فقط في تحقيق ذاتها وحريتها بشكل قد يضر المجتمع، فخروج المرأة للعلم اشبه بضرب عصفورين بحجر واحد العصفور الاول هو انعكاس تعليمها على اولادها من خلال متابعتهم في دراستهم وافادتهم قدر ما تستطيع وبالتالي تنتج لنا جيلاً مصنوعا جيداً في بيئة جيدة والعصفور الثاني ان تترك المجال لهذا الجيل لكي يترجم ما تعلمه منها الى انجازات لنفسه ولوطنه أما دخول المرأة معترك التعليم بهدف اقتناص وظيفة مرموقة فهو هدف شخصي لها، وخروج المرأة للعمل في ظل وجود طابور طويل من الرجال العاطلين عن العمل فهو ايضاً هدف شخصي لها وحدها ولا ينظر لمصلحة المجتمع بل وتكريس لظاهرة البطالة عند الرجل وهو في النهاية اما زوجها او ابنها اللذان ينشدان فرصة للعمل، وبالتالي اصبحت في هذه الحالة كمن اضاع كل العصافير التي على الشجرة برمية خاطئة فلا هي راعت زوجها وعلمت اولادها في البيت ولا هي تركت لهم فرصة للعمل خارج البيت.
... خلاصة القول، المرأة لديها الكثير لكي تصنعه لاسرتها التي هي نواة المجتمع فان هي احسنت رعاية زوجها وتربية ابنائها فقد تصنع امة عظيمة نحن في أمسّ الحاجة اليها الان، وهل هناك اعظم من صنع مستقبل امة؟
مـــبـــاركــ الـــحــــجــــاج الــــخــــيــــيــــلاتــ