بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=171771&hi
مشاعره متدفقة واهتماماته كثيرة ..
مبارك العماري .. ذاكرة البحرين الشعرية
يدونها يوسف محمد:
ليس باحثاً وشاعراً ومهتماً بالتراث فقط، بل هو بحر عميق يحمل بداخله معلوماتٍ ورواياتٍ وقصصاً ومواويلَ وأشعاراً. أفنى حياته بين الكتب والمراجع يغوص بين سطر وآخر؛ ليبحث عن معلومة أو ليبلغ مفهوماً جديداً. شاعر قدم الكثير إلى الساحة الفنية حتى استطاع بإبداعه أن يكون أحد ابرز الشعراء في البحرين ويشار إليه بالبنان في هذا المجال. باحث استطاع أن يثري الساحة بالكثير من الكتب والإصدارات القيِّمة التي أخذت من صحته وماله ووقته، إلا أن حسه الوطني وعشقه للتراث جعله يواصل العمل في هذا المجال، متخطياً كل العقبات والحواجز التي تعوق عمل المبدع. إنه الإنسان والرجل الذي يجتمع الكل على حبه وتقديره لما يحمل من قلب كبير يكبر عشقه للشعر. إنه باختصار مبارك العماري الباحث والشاعر والمحب للخير لجميع الناس، والذي يعد ذاكرة البحرين في مجال الشعر والموال.
البـدايـــة ..
هو مبارك عمرو محمد العماري الدوسري وُلد في مدينة المحرق العام ,1948 وتربى في منزل والده الكائن في فريج العمامرة، فعاش مبارك طفولته وهو فاقد لحنان الأب، فقد تُوفي والده وهو في الرابعة من عمره، وقبلها تُوفي عمه وهو في الثانية من عمره، فتكفل برعايته وتربيته جده لأمه جبر بن مبارك العماري وخاله خليفة بن جبر العماري. طفولته كانت هادئة، فهو تربى في بيت كبير يضم العائلة الكبيرة، وكان أغلب أفرادها نواخذة غوص، وكان لعائلته مجلس مقره منزلهم يرتاده كل أطياف المجتمع من كبار القوم والشخصيات البارزة إلى عامة الناس، وكان يحرص على التواجد في المجلس والاستماع إلى أحاديثهم والاطلاع على تجاربهم ما أثر ذلك كثيراً على شخصيته وتكوينه الفكري منذ الطفولة، وقد ختم مبارك القرآن الكريم على يد المطوعة (حصة الجميري)، وانتظم بعد ذلك للدراسة بالمدرسة التحضيرية التي تسمى الآن مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية، ثم أكمل المرحلة الإعدادية بمدرسة الهداية الخليفية، وحصل على الثانوية العامة من مدرسة المنامة الثانوية (القسم التجاري) العام,1965 ثم التحق مباشرة بإدارة الجمارك في 21 يوليو/تموز من العام نفسه، فشغل وظائف إدارية عدة، كان آخرها وظيفة رئيس التفتيش الجمركي حتى أحيل إلى التقاعد المبكر في يناير/كانون الثاني العام .2003
دور الأسرة في ذائقته الشعرية..
تربى مبارك في بيت يحيطه الشعر من كل ناحية، فجميع أفراد عائلته يتعاطون ويتعاملون بالشعر، فمنهم من ينظمه، ومنهم من يحفظه، ومنهم من يتذوقه، فوالدته كانت تحفظ الشعر وتنظمه، وخالته كانت شاعرة متميزة تحفظ وتنظم الموال، أما والده، فقد كان شاعراً وعمه كذلك، وجده لأمه تميز بشعره وتميزه في صياغة المواويل، وخاله كان ينظم الشعر، الهزلي وجميع المحيطين به من متذوقي الشعر، فكان أغلب مرتادي مجلس والده من الشعراء وحفظة الموال، فأثر هذا الجو الأسري كثيراً عليه، فأصبح الشعر جزءا من حياته اليومية، ويتذكر مبارك أنه لاشعورياً أخذ ينظم الشعر عندما يرغب في طلب شيء، فحين يذهب إلى بيت خالته، وكان وقتها لا يتجاوز الخامسة من عمره، يردد عليها شعراً ملحناً (يا خالتي سويلي شاي .. على حليب من بيتنا)، وكانت ترد عليه شعراً ويجيبها بأبيات، إضافة إلى ذلك كان مبارك مهتماً بالقراءة والمطالعة بنهمٍ منذ صغره، وكان يستمع إلى المذياع ويتابع الأحداث ويعمل على تحليل المواقف، ونما الشعر معه، وكان ينظم قصائده ولا يعرضها إلا على أحمد بن حسن العماري، وكان ذلك في العام 1963 الذي كان يقيِّم محاولاته ويقدم له النصح ويرشده إلى الأسلوب الصحيح في نظم القصائد، ولم تمضِ سنة واحدة حتى تمكن مبارك من الشعر، واستطاع أن يطور وينمي من أدواته الشعرية، إلا أن أغلب القصائد كانت تكتب وتحفظ دون أن يطلع عليها أحد.
رسالة من مجهول
في بداية الستينات لم يكن هناك اهتمام بالشعر النبطي بالقدر الكافي، فقد تُوفي أغلب الشعراء الكبار المعروفين في هذا المجال، أمثال الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، وحسين بن مشرف، ولحدان الكبيسي، وغيرهم من الشعراء المعروفين، وظلت في تلك الفترة أسماء محدودة، مثل الشيخ خالد بن محمد آل خليفة، وحسن بن صالح الرويعي تنشر لهم بعض القصائد في الصحف، إلا أنه لم تكن هناك محاولات شبابية جديدة ظهرت في هذا المجال، فكتب مبارك إلى جريدة الأضواء رسالة وعنوانها باسم مستعار يطلب منهم الاهتمام بالشباب ودعم التجارب الشبابية الجديدة في مجال الشعر النبطي، واقترح عليهم أن تكون هناك مساحة متخصصة لعرض القصائد، إلا أن طلبه لم يؤخذ به إلا بعد فترة، وبدأت جريدة الأضواء تهتم بنشر بعض قصائد الشعراء الشباب، منهم إبراهيم سليمان السبيعي، وعبدالله بوغمار اللذين برزا في تلك الفترة، ولعل هذه المبادرة هي التي دفعت مبارك للاهتمام والإشراف على الصفحات الشعرية في عدد من الجرائد؛ دعماً للشباب.
مبارك ونكسة 67
حاله حال كل الشباب في ذلك، فقد كان مبارك من المتحمسين للقومية العربية بشكل كبير، وكان لا همَّ له إلا الوضع العربي والقومية العربية وأخبار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وأصبح صديقه المقرب المذياع الذي لا يفارقه أبدا، ففي كل ليلة يحيطه من المذياع أربعة يستمع إلى الأخبار، ويتابع آخر المستجدات وهو ينتقل من محطة إلى محطة، والحماس يعتليه والثورية تكبر معه في كل يوم حتى أنه كان ينظم ''المارشات'' العسكرية و''الشيلات'' الوطنية، وهو يمشي متنقلاً من مكان إلى آخر، وليس له حديث سوى الأحداث العربية وما يجري فيها، وكان التفاؤل يغلبه بشكل كبير حتى أنه قد نظم قصيدة (النصر) في تلك الفترة وحفظها لتكون جاهزة يلقيها بعد إعلان النصر، إلا أن النكسة التي حلت على الأمة العربية في حرب 67 أنكست كل أحلامه ومشاعره وخابت كل آماله وطموحاته، وأصيب بصدمة كبيرة حتى جعلته يهجر الشعر لمدة 14 عاماً، حيث يقول لم أجد ما يدفعني للشعر، فقد (انتكست مشاعري مع النكسة)، وأصبت بخيبة أمل كبيرة.
المسابقة التي ساهمت في ظهوره
في العام 1979 أعلن في الصحف المحلية عن دعوة الشعراء للمشاركة في (مسابقة ولي العهد للقصيدة النبطية)، وفي تلك الفترة كان مبارك عائداً من سنغافورة، والحنين للوطن دفعه أن ينظم قصيدة في حب الوطن هناك، فاقترح عليه المقربون منه للمشاركة في هذه المسابقة من خلال هذه القصيدة، وبالفعل تقدم لها وفاز بالمركز الأول كأفضل قصيدة نبطية، لتكون هذه الجائزة البداية الحقيقة لانطلاق مبارك في عالم الشعر، وبدأ منذ ذلك الوقت في نشر قصائده، ونال شهرة كبيرة واهتماما من جانب القيادة التي توسمت في مبارك الباحث والشاعر المتميز، وأوكل إليه الإشراف والعمل على طباعة ديوان (روضة الشعر) الذي طبع للمرة الأولى العام 1956 في عهد المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، وتم إعادة طباعته أكثر من مرة، حيث لم تكن النسخ واضحة، إلا أن مبارك عمل جاهداً في تقديم وجمع هذا الديوان بالصورة المشرفة، واستطاع أن ينجز هذه المهمة بكل اقتدار حتى طبع الجزء الأول العام ,1980 والجزء الثاني العام ,1982 وتم تكليفه بالإشراف على قسم التراث والأدب الشعبي في الديوان منذ ذلك الوقت.
عطاء غير محـدود.. علاقته بالأغنية
في العام 1964 وأثناء عمله بإدارة الجمارك تكونت له علاقة صداقة مع الفنان محمد حسن الذي كان يقدم اللون الغنائي الشعبي المحبب، وكان يتردد في ذلك الوقت على إدارة الجمارك، والفنان محمد حسن معروف بتقديمه للألوان الغنائية التراثية، وكان مبارك ينظم على هذه الألحان بعض القصائد الغنائية، إلا أن أول عمل ظهر للنور هي أغنية (الأسمراني باع قلبي)، والطريف في الأمر أن هذه الأغنية قد كتبت في الستينات، إلا أنها بثت العام 1980 بعد فوز مبارك بالمركز الأول في مسابقة القصيدة النبطية وظهور اسمه شاعراً، ويوجد لدى الفنان محمد حسن الكثير من النصوص الغنائية التي كتبها مبارك في تلك الفترة، إلا أنه محتفظ فيها منذ ذلك الوقت، وقدم مبارك الكثير من النصوص الغنائية الوطنية والعاطفية، حيث تعاون مع عدد من الفنانين، منهم الفنانون أحمد الجميري، إبراهيم حبيب، يعقوب بومطيع، محمد البكري، سيد مكاوي، عارف الزياني، صالح الحريبي، على الجميري، محمد عمر، أحمد سيف، حبيب الدويلة، ومبارك نجم.
علاقته بمحمد بن فارس!
أثناء عمل مبارك في تجميع الموال وقصائد الشعر والبحث في التراث وقع بين يديه العام 1984 (مخطوط يحتوي على مجموعة أشعار تغنى بها محمد بن فارس)، فبدأت الفكرة في تجميع هذه القصائد وطباعتها، إلا أنه كان يبحث في البداية عن اسم شعراء هذه القصائد من المخطوطات ومَنْ الرواة الذين عاصروا محمد بن فارس، إلا أنه وجد نفسه أمام تحدٍّ كبير، فالموضوع بدأ يكبر والمعلومات بدأت تنضج أكثر، وأدرك أنه أمام سيرة مبدع وليس فنان فحسب، فقام بإنجاز بحث متكامل عن الفنان محمد بن فارس، واستطاع أن يجمع معلومات وصوراً لم تنشر من ذي قبل، وقدم ملامح من فكره وسيرته وإبداعه وإمكاناته الفنية، كما قام بتحليل ألحانه وقصائده، وأصدركتابا من جزءين بعنوان (محمد بن فارس أشهر من غنى الصوت في الخليج العربي)، وقد استغرق العمل في هذا الكتاب 7 سنوات حتى خرج إلى النور العام ,1991 وقد نال مبارك على هذا البحث جائزة ولي العهد للبحوث العلمية في مسابقة مركز البحرين للدراسات والبحوث العام .1990
إصداراته
طوال مشوار الأستاذ مبارك في الجمع والبحث والعمل الميداني والاهتمام بالتوثيق التراث والشعر والموال، فقد قدم الكثير من الكتب والدواوين التي أثرت المكتبة، وساهم في جمع العديد من الأشعار والمواويل، ومن أبرز إصداراته (أشعار لحدان بن صباح الكبيسي 1981)، (وديوان عبدالوهاب بن خليفة آل خليفة 1985)، ديوان (جني السنين1989)، من (قصائد العرضة 1988)، ديوان (الوسمي 1989)، ديوان (الدراري شعر عمار بن سلطان العماري 1993)، (ديوان عبداللطيف بن فارس 1995)، (محمد بن فارس أشهر من غنى الصوت في الخليج) من جزءين ,1991 (زهيريات الضويحي 1999)، (على ضفاف اليرموك، شعر محمد أبو هاني 2000)، (ديوان الشيخ خالد بن محمد آل خليفة 2001)، (مغناطيس الأفراح 2002)، (العقد المصنف من أشعار حسين آل مشرف2005)، (الوجد السري من أشعار ارحمه الدوسري 2006)، كما صدر له سلسلة من شعراء الموال في البحرين طبع منها خمس مجموعات، إضافة إلى ذلك، فإن لديه عدداً من الكتب الجاهزة للطبع.
إسهاماته
قدم الأستاذ مبارك الكثير من البحوث والدراسات الخاصة في مجال الأدب والشعر والفنون، كما قام بإلقاء العديد من المحاضرات في هذه الجوانب، وقام بنظم وإلقاء الشعر في الكثير من المناسبات الوطنية المختلفة، كما شارك في أمسيات شعرية ومثَّل البحرين محافل ثقافية والشعرية متعددة، كما ساهم في إنجاح العديد من المهرجانات والملتقيات الثقافية والشعرية. ويعد مبارك من مؤسسي جمعية الشعر الشعبي في البحرين وجمعية رعاية العرضة البحرينية، كما أنه عضو في العديد من المجالس واللجان والمهرجانات التي تُعنى بالأدب والثقافة والتراث، وأعد وقدم العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، منها برنامج (صور شعبية)، و(نسايم الريضان)، ويشرف حالياً على عدد من الصفحات الشعرية، كما له أبحاث مبتكرة كثيرة في موضوعات مختلفة تتعلق بالتراث الشعبي.
تكريمه
حصل الشاعر والأستاذ مبارك العماري على العديد من الجوائز والأوسمة والدروع وشهادات التقدير، إلا أن أبرزها حصوله على وسام الكفاءة من الدرجة الأولى من جلالة الملك المفدى، وحصل على جائزة العمل الوطني، كما أنه حاز على المركز الأول في المسابقة الشعرية الأولى لمجلة اليمامة العام ,1980 والمركز الأول في مسابقة (مرآة الأمة) ,1982 كما تم تكريمه من ضمن رواد المحرق العام .1996
إضافة إلى حصوله على العديد من الجوائز وشهادات التقدير للدور الكبير الذي لعبه ويلعبه في هذا المجال. وكل ما ذكر آنفا يمثل غيضاً من فيض من سيرة الأستاذ مبارك العماري الذي قدم لهذه الأرض، وتراث البحرين الكثير.
12-08-2009, 09:57 PM
مبارك بن عمرو العماري .. ذاكرة البحرين الشعرية
العرض العادي
