رواية الشيخ محمد الموسى (كاتب الشيخ ) لليوم الأخير في حياة الامام ابن باز
المصدر : جوانب من سيرة ابن باز - (1 / 386)
قال : وفي يوم الأربعاء 26/1/1420هـ أخذ سماحته ضحى ذلك اليوم قسطاً من الراحة؛ لأنه لم ينم في الليلة التي قبلها.
وبعد الظهر كنت أنا(محمد الموسى مدير مكتب الشيخ وهو الراوي لتلك الجوانب) والدكتور محمد الشويعر، والشيخ عبدالرحمن ابن عتيق في مكتب البيت، فخرج علينا الشيخ أحمد، وقال: الوالد جالس داخل المنزل؛ لعلكم تأتون إليه؛ لأنه يرغب في عرض ما لديكم من المعاملات عليه، فحضرنا عنده جميعاً وكان معنا_أيضاً_ابناه عبدالله وعبدالرحمن، فلما جلسنا إليه وجدناه مرتاح البال، منشرح الصدر، فاستبشرنا كثيراً وحمدنا الله على سلامته.
وقال لنا: لقد تأملت موضوع السفر كثيراً، واتفقت أنا والأبناء على أنه يذهب بعضهم إلى أمريكا، ويعرض التقارير على المستشفيات المشهورة هناك، ويؤخذ رأيهم، وبعد ذلك ننتظر ماذا يختار الله لنا.
وهكذا كتب الله لسماحة الشيخ أن لا يغادر البلاد أبداً، وألا تُجْرى له أي عملية جراحية طيلة حياته.
وبعد ذلك سأل عن أخبار ذلك اليوم، وكان الدكتور محمد الشويعر معه صحف ذلك اليوم فاستعرضها عليه، وقرأ النشرة الإخبارية، ثم شرعنا بقراءة ما معنا من المعاملات من طلاق وغيره، وأخذت أتناوب مع معالي الدكتور محمد، فقرأنا عليه في تلك الجلسة ما يقارب خمساً وعشرين معاملة، وبعض المعاملات تبلغ ثلاث صفحات أو أكثر أو أقل، ويقدر مجموع ما قرأناه ثلاثين صفحة أو تزيد، خصوصاً وأن الدكتور محمد سريع القراءة، حسن العرض، فأجرى سماحته عليها اللازم.
وبعد ذلك سأل سماحة الشيخ عن الساعة فقلنا: الساعة الآن الثالثة إلا خمس عشرة دقيقة؛ فقال: تغدوا مع الضيوف، وأنا سوف أجلس بعد المغرب للناس؛ فقمنا للضيوف، واستبشرنا بذلك، وبشرنا الناس بسلامة الشيخ،
ثم أصبح الناس يتناقلون البشرى بسلامة الشيخ، ومن قدر على المجيء حضر إلى الطائف، ومن لم يقدر اتصل بالهاتف.
وبعد صلاة المغرب جاء الناس إلى منزل سماحته، واكتظ بهم المجلس، وانتظموا للسلام عليه وهم على أحر من الجمر؛ شوقاً لرؤياه، ثم جاء سماحته إلى المجلس على العربة يقوده ابنه الشيخ أحمد، ودخل على الناس قادماً من طريق غير طريقه المعتاد؛ حيث دخل المجلس من طريق الغرفة التي يوضع فيها الطعام، وربما كان ذلك بتوجيه منه؛ حتى لا يراه الناس وهو يسير على العربة؛ فيتكدروا، ولما اقترب من المجلس ترجَّل من العربة، وسار على قدميه؛ ليريهم أنه بخير وعافية.
ثم دخل المجلس مبتسماً يتهلل وجهه بشراً، وسكينة، وسروراً؛ فقلنا: هذا هو شيخنا كأنه في شبابه؛ فلما أقبل على الناس ألقى عليهم السلام، وحياهم، وأخذ مكانه في المجلس، فبدأ الناس يسلمون عليه أرسالاً تلو أرسال، وكل من سلَّم عليه خرج من المجلس؛ حيث لم يبق مكان للجلوس من كثرة الناس.
وبعد ذلك جلست عن يساره، والشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز عن يمينه، وبأيدينا جملة من المعاملات من طلاق وغيره كالعادة، وبدأنا عرضها عليه، والناس لا يزالوا يتوافدون، والهاتف يرن بين الفينة والأخرى.
وبعد عشر دقائق من جلوسه تحسس سماعة الهاتف وعلى غير عادته رفعها ووضعها جانباً؛ حتى يتوقف رنين الهاتف، ثم أقبل على الحاضرين، وقال: كيف حال الإخوان، الله يستعملنا وإياكم فيما يرضيه، الله يتوب على الجميع، ثم دعا لهم، وأطال الحديث والدعاء، وتوصية الناس بتقوى الله، والتمسك بالكتاب والسنة.
وبعد ذلك أرجع سماعة الهاتف إلى وضعها الأول، وبدأ يرد على المتصلين، ويستمع إلى عرض المعاملات، والناس في تلك الأثناء يواصلون السلام عليه، وبلغ مجموع ما قرأنا عليه في ذلك المجلس ثمان معاملات، وبعض المعاملات أحالها على اللجنة، وبعضها إلى المكتب.
وبعد أن سمع الأذان أجاب المؤذن كعادته، ثم سلم على الحاضرين، وودعهم ودخل بيته.
وفي تلك الليلة عشنا أسعد ليلة مرت بنا في الطائف، بعد أن رأينا سماحة الشيخ على هذه الحال.
ولما دخل إلى بيته جلس مع أسرته وبعض أقاربه الذين قدموا للسلام عليه من الرياض والمدينة، حيث مكث معهم إلى الساعة الثانية عشرة، وهو في أنس، وسرور، وراحة بال تامة، ثم انصرفوا عنه؛ لينام، فأخذ يذكر الله ويسبحه.
يقول ابنه الشيخ أحمد: =وجلست معه بعد ذلك حتى الساعة الواحدة والنصف، وسألني عن الساعة، فأخبرته، فقال: توكل على الله، نَمْ، وصلى ما شاء الله أن يصلي، واضطجع على فراشه، والوالدة كانت جالسة عنده.
ولما كانت الساعة الثانية والنصف جلس×وضحك، ثم اضطجع، وبعد ذلك ارتفع نفسه، وحشرج صدره، وحاولت الوالدة أن تنبهه، ولكنه لا يرد.
وبعد ذلك جئت إليه أنا وإخوتي، واستمر على هذه الحال، فاتصلنا بمستشفى الملك فيصل، فأرسلوا سيارة إسعاف، وحُمِل سماحته إلى المستشفى، وعند حمله فاضت روحه إلى بارئها+.
أما أنا فقد بتُّ تلك الليلة في منزل سماحته، فلما استيقظت مع أذان الفجر، وإذا بأحد الموظفين واقف يبكي، ويحوقل، ويقول: إن سماحة الشيخ متعب جداً، وقد طُلب له سيارة إسعاف.
وبعد ذلك بقليل جاءت سيارة الإسعاف ورأيتهم يحملون سماحته فذهبت إلى المسجد لصلاة الفجر والأسى يكاد يقطع قلبي، وقد ترجح عندي أن سماحته سيفارق الحياة.
وبعد أن عدت إلى المنزل اتصلت بالأخ صلاح الدين عثمان أمين مكتبة الشيخ عبر الهاتف الجوال؛ لأنه كان مع أبناء الشيخ، لما نقلوه إلى المستشفى، فلما كلمته لم يستطع الرد من البكاء فأيقنت أن سماحته قد توفي.
وبعد وقت قصير جاء أبناء سماحة الشيخ إلى المنزل، وأفادوا بأن والدهم قد فارق الحياة، وكان ذلك قبيل فجر الخميس 27/1/1420هـ.
( ملحوظات عجيبة على سماحة الشيخ في آخر أيامه)
لقد لحظت على سماحة الشيخ في أيامه الأخيره ملحوظات عجيبة غريبة منها:
1_ أنه منذ شهر رمضان كان كأنه يستعد لفراق هذه الدنيا؛ حيث كان يكثر من ترداد كلمات معينة كقوله: الله يحسن لنا الختام، الله يتوب علينا، ويميتنا على الإسلام.
2_ وأنه قد أوفى كل ما يتعلق بذمته.
3_ وأنه قد سامح كل من لديه حق لسماحته، من ديون أو غير ذلك.
4_ وأنه كان حريصاً كل الحرص على إنجاز كل ما لديه من الأعمال، والمعاملات وغيرها، ونرى عليه الفرح بما ينجز من المعاملات، وقضاء حاجات الناس.
5_ وأن ذاكرته تزداد، وتقوى.
6_ وأن خلقه وطيب نفسه، وانشراح صدره، وقوة تحمله لا أقول كان على مثل ما كان عليه، بل كان أكثر وأعظم مما عليه من الخلق، وطيب النفس، وانشراح الصدر، وقوة التحمل.
7_ وأنه لما كان في المستشفى في أيامه الأخيرة لم يكن يهمل أي رسالة تأتيه برغم شدة وطأة المرض عليه، حتى إن أحد الناس أرسل إلى سماحته رسالة أبان خلالها عن عظيم محبته ومحبة الناس لسماحته، ودعا له دعوات عظيمة، وبَلَّغه دعوات الناس له.
فرد عليه سماحته بجواب مناسب له، حيث ضمنه شكره، والدعاء له بالتوفيق، وسؤال الله أن يميته وإياه على الإسلام.
8_ وأنه كان لا يلهيه المرض عمن حوله؛ فكان لا يترك أحداً ممن كانوا معه إلا ويسأله عن أهله، وعن أولاده، وعن أحوالهم، ويقول لهم: عساكم تتصلون على أهليكم، خصوصاً وأن بعض من في الطائف مع سماحته كان أهلوهم في الرياض.
9_ وكذلك الآتون إليه يسألهم عن أحوالهم، وعن أحوال المسلمين.
10_ وأنه لم يترك سنة من السنن الراتبة القبلية والبعدية، ولم يترك ذكراً من الأذكار، أو سنة من السنن التي كان يقوم بها إبان صحته.
ولقد تقصَّدت مراقبته في أيامه الأخيرة في صلاته؛ فكان يجافي بين عضديه، ويجلس في مصلاه بعد الصلاة ليأتي بالأذكار، وإذا سلم عليه أحد وهو يؤديها أشار إليه أن انتظر قليلاً.
بل لقد شاهدته يطبق سنن الصلاة كاملة يوم الثلاثاء 25/1/1420هـ أي قبل وفاته بيومين، وقد لفت انتباهي عنايته بتطبيق السنة.
11_ ولما دخل المستشفى في 20/1/1420هـ بعد أن أنهكه المرض، وفتك بجوفه، وأَنْحَل جسمه كنا نراه أحياناً يضع يده على موضع الألم، ومع هذا لا تراه يشكو إلى أحد، ولا يظهر أنه يعاني من شدة المرض.
بل تراه كلما استعاد نشاطه وأعطيت له المغذيات والمهدئات بدأ يستقبل عرض المعاملات وهو على سريره إما وهو مستلقٍ على ظهره أو جنبه.أهـ.
رحم الله الشيخ عبد العزيز بن باز ورفع درجته في الجنان .
حيْن يتعـمد الآخرون فهمك بطريقة خآطئة , لا ترهق نفسك بالتبرير! فقط أدِرْ ظهرك و استمتعْ بالحيآة ..
سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر