بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد ابن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين
إخواننا أعضاء وزوّار ومرتادي الموقع الرسمي لقبيلة الدواسر
يسرنا في هذا اليوم أن نطرح بين أيديكم هذا اللقاء مع أحد أعيان ووجهاء قبيلة الدواسر العريقة بدولة قطر الشقيقة ، هذا اللقاء الذي أجرته صحيفة الوطن القطرية مع سعادة السفير عبدالله بن فلاح بن عبدالله بن ناصر الدوسري (المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة بجنيف والقنصل العام لدى الإتحاد السويسري وسفير دولة قطر لدى جمهورية النمسا) حيث تحدث عن طفولته وشبابه في الدوحة ومرحلة دراسته في أميركا وجوانب كثيرة من حياته الدبلوماسية الحافلة
ضيف اللقاء : سعادة السفير عبدالله بن فلاح الدوسري
سعادة السفير عبدالله بن فلاح بن عبدالله بن ناصر الدوسري لهو يعتبر أحد أعيان قبيلة الدواسر بدولة قطر لما يملكه من وجاهةٍ ومحبةٍ لدى أبناء قبيلة الدواسر بدولة قطر الشقيقة وكافة القطرين عامة ، عمل وكابح منذ نعومة أظفاره حتى حقق ما يصبوا إليه من مناصبٍ عليا في الحكومة القطرية حيث إنه لم يكلف بعمل إلا وقد أداه على أكمل وجهٍ يذكر ، وإنه ليعتبر من السفراء القطريين الذين أثبتوا نجاحاً منقطع النظير من خلال عملٍ إستمر عدة عقود ، حيث بدأ حياته الدبلوماسية التي حلم بها منذ نعومة أظفاره في نيويورك ، ثم تنقل لعدة سنوات بين باكستان وبلجيكا اللتين حقق فيهما الكثير من الإنجازات الدبلوماسية لبلده ، قبل أن ينتهي به المطاف حالياً مندوبا دائما لدى الأمم المتحدة بجنيف وقنصلاً عاماً لدى الإتحاد السويسري
سعادة السفير عبدالله بن فلاح بن عبدالله بن ناصر الدوسري ولد في منطقة النصرانية ودرس الإبتدائية في مدرسة العوينة قبل أن يكمل دراسته الإعدادية والثانوية في مدرستي الدوحة وقطر والإستقلال ، وكما درس العلوم السياسية في بورتلاند أوريغن بالولايات المتحدة الأميركية وتخرج منها ، بعدها توجه إلى العمل في الخارجية بعد تخرجه مباشرة حيث عمل بادارة الشؤون السياسية لمدة سبعة أشهر قبل أن يصدر قرار نقله إلى دلهي ، وكما إستُبدِل قرار النقل إلى دلهي بالنقل إلى نيويورك التي عمل بها عامين قبل أن يعود إلى الخارجية وتحديدا دائرة الشؤون القنصلية ، وكما نقل أيضاً إلى باكستان التي عمل فيها دبلوماسياً وقنصلاً عاماً وسفيراً في فترات متفاوته قبل أن يعين سفيراً في بلجيكا وأخيراً في سويسرا ، وإن سعادته ليعتبر أول سفير عربي يكرم في بلجيكا طوال 25 عاماً رغم أنه لم يكن قد أكمل المدة القانونية لإستحقاق التكريم وهي عامان من العمل في بلجيكا ، وكما يمارس سعادته عدة هوايات ولكن الهواية الأعز على قلبه هي السفر والتنقل بين الدول وإكتشاف أماكن جديدة.
لا نطيل علكم إخواننا أعضاء وزوّار الموقع الرسمي لقبيلة الدواسر العريقة ، نترككم مع فارس هذا المتصفح ألا وهو
سعادة السفير عبدالله بن فلاح بن عبدالله الدوسري
سعادة السفير عبدالله بن فلاح بن عبدالله الدوسري
اجرى اللقاء وطرح الأسئلة :
الأستاذ أيمن قدومي - جريدة الوطن
الحوار
س : أولا سعادة السفير نود منك أن تقدم نفسك .. من هو عبدالله فلاح الدوسري ؟
ج : أنا شاب قطري درست المرحلة الابتدائية في العوينة وهي قرية تبعد 55 كيلومترا جنوب الدوحة .. وفي تلك الفترة كانت الحياة بدائية ففي مرحلة الدراسة الابتدائية لم تكن توجد كتب وكنا نكتب دائما على اللوح.. وفي الحقيقة فان مدرسة العوينة التي درست فيها المرحلة الابتدائية كانت أول مدرسة بنيت في تلك المنطقة ولكن بكل أسف باتت هذه المدرسة اليوم مهجورة رغم أنها خرجت من الطلاب من هو الان سفير ومن هو برتبة لواء وغيرها من المراتب المتقدمة في الدولة.
وأنا من هنا أدعو خريجي مدرسة العوينة للقيام بجمع تبرعات لاعادة ترميم المدرسة وإعادة الحياة اليها .. وهذه المدرسة كانت مختلطة حتى الصف الثالث الابتدائي .. ولأننا كنا نسكن في منطقة النصرانية وهي منطقة الأباء والأجداد فقد كان من الصعب علينا الانتقال من منطقتنا إلى الريان ولذلك فقد درست المرحلة الإعدادية في مدرسة قطر وبعد ذلك انتقلنا إلى الدوحة الثانوية لمدة 3 أشهر ثم فتحت مدرسة الاستقلال الثانوية وبالتالي انتقلت إلى الاستقلال وتخرجت فيها عام 1975 ومن ثم توجهت إلى أميركا لدراسة العلوم السياسية.
س : سعادة السفير قبل الحديث عن فترة الدراسة الجامعية والإنتقال إلى أميركا أود أن تحدثنا عن مرحلة الطفولة والمراهقة بشيء من التفصيل ؟
ج : حياة الطفولة كانت قاسية لأنني لم أستمتع كما كان الحال خلال المرحلة الإعدادية ثم فترة الانتقال إلى الدوحة .. فالإنسان في الدوحة بوسعه رؤية الأسواق والمحلات والإستمتاع بملاعب كرة القدم أما في القرية فقد كانت المدرسة للتعليم فحسب .
وبالطبع فان مرحلة الدراسة الإعدادية والثانوية هي مرحلة المراهقة وقد استمتعنا بها بشكل كبير .. فقد كنا مشاغبين وكان هناك مدرسون شديدين علينا ويقومون بمعاقبتنا من خلال الضرب أو إحضار ولي الأمر وكانوا يقولون لنا إن هذا لمصلحتنا .. وبالفعل فقد وجدنا إن هذا كان بالفعل لصالحنا .
وأذكر أنني التقيت أستاذاً كان قد درسني الفلسفة منذ 20 عاما في جنيف .. جاء لرؤيتي بعدما علم أنني دبلوماسي هناك فقلت له أتذكر عندما كنت شديدا معنا وكنت تقول إن هذا لمصلحتنا .. اليوم أنا اشعر إنه لولا شدتكم معنا لما كنا وصلنا إلى المناصب التي نتبوأها اليوم .
س : هل كانت الحياة رغم قسوتها في ذلك الوقت أفضل وأمتع .. سعادة السفير ؟
ج : نعم .. الحياة كانت أمتع والتواصل بين الناس كان يتم ببساطة .. وعلى سبيل المثال كان جميع سكان قطر من مواطنين ومقيمين تجمعهم مدرسة واحدة هي قطر في المرحلة الإعدادية .. أو الدوحة في المرحلة الثانوية وبالتالي فقد كنت تجد أن هناك فرقا في السن أي إنك كنت تجد الطلاب بين عمر 13 و20 عاما في فصل واحد .
إذن الحياة كانت بالفعل أفضل وكذلك التعليم .. فعندما كنا في الصف الرابع كنا نملك القدرة على كتابة الرسائل حيث كان يأتينا الأباء ويطلبون منا كتابة رسالة فكنا نفعل ذلك بأسلوب جيد وخط جميل أما الآن فقد ينهي الطالب المرحلة الثانوية دون أن تتمكن من قراءة خطه .
س : هل أفهم من كلامك سعادة السفير أنك تفتقد القيم الأصيلة التي كانت سائدة في الماضي ؟
ج : دون أدنى شك .. فهذه القيم لم تعد قائمة مثلما كانت .. وأنا اذكر انه في الماضي لم يكن باستطاعتنا الجلوس في منتصف المجلس بل كنا نجلس على الأطراف وحتى في المسجد لا نستطيع أن نقف لأداء الصلاة حتى تكتمل الصفوف ويأخذ كبار السن أماكنهم .. أما اليوم فيأتي الشباب وصغار السن ويجلسون على الكراسي وعندما يأتي الأكبر سناً لا يجدون من يعطيهم مكانه .
لقد علمنا أباؤنا والأجداد هذه القيم وأنا أتمنى أن نحافظ عليها .. ورغم وجود هذه القيم في بعض الأحيان إلا إنني ألاحظ أنها بدأت بالذوبان مع التقدم وما يسمى بالحضارة .
س : خلال فترة دراستك الإعدادية والثانوية .. هل كنت تتمنى أن تتجه للعمل في المجال الدبلوماسي أم إن الأمر تم بمحض الصدفة ؟
ج : منذ الصغر وأنا أحلم بان أكون دبلوماسياً فقد كنت مولعاً بالناصرية وعبد الناصر وكان هناك عبدالله السلال والشعارات التي ترافقت مع تلك الفترة .. وأنا لا أريد الإيحاء بأننا كنا مشبعين بالسياسة ولكن أذكر انه عندما كان يخطب عبد الناصر كان الناس جميعا يتحلقون حول الراديو للإصغاء إلى خطابه .
وبما أن أكثر مدرسينا كانوا من الفلسطينيين والسوريين في ذلك الوقت فقد كان القضية الفلسطينية هي همهم في تلك الفترة ونقلوا هذا الهم لنا من خلال العملية التعليمية .
ورغم أننا لم نكن نعي جميع جوانب هذه القضية في تلك الفترة إلا أن فهما ترسخ لدينا خلال المرحلة الجامعية ووصلنا إلى درجة بتنا معها نميز بين الفصائل الفلسطينية .. وقد كنت أنا وبعض زملائي نميل إلى الجبهة الشعبية وجورج حبش وذكر أنه خلال فترة كانت مواقفنا لا تتفق مع مواقف فتح أو مواقف حزب البعث ، بل إننا في تلك الفترة قدنا مظاهرات وتعرضنا في إحدى المرات إلى الاعتقال .
س : أين أعتقلت سعادة السفير ؟ وماذا كان السبب ؟
ج : تعرضت للسجن في اوريغن بالولايات المتحدة فقد خرجنا في مظاهرة ضد موشيه دايان وحدثت مواجهة .. وأيضاً خلال الإحتفال بالذكرى الثلاثين لقيام إسرائيل وكون إسرائيل ضمن منطقة الشرق الأوسط فقد تم تنظيم إحتجاج بعد وضع علم إسرائيل على خريطة الشرق الأوسط في الكلية التي كنا ندرس بها والتي كانت تضم طلابا من جميع دول المنطقة .
وبالفعل جرى إعتصام شارك فيه طلاب من دول عربية وأفريقية إضافة إلى طلاب أميركيين وإيرانيين وتم إعطاؤنا مهلة لإنهاء الإعتصام لكننا لم نمتثل وبالتالي أصبحنا رهن الاعتقال وتم أخذنا إلى الشرطة وقمنا بدفع كفالات ليسمح لنا بالخروج كما قمنا بتعيين محامين وأخذت هذه القضية 6 أشهر إلا أن القاضي طلب منا أن نعترف بأننا مذنبون حتى يعفي عنا .. وفي النهاية اعترفنا بأننا كنا مذنبين !
س : سعادة السفير كيف تصف الإنتقال من الأجواء التي كنت تعيشها في العوينة والدوحة إلى الولايات المتحدة .. هل كان الإنتقال صعباً في تلك المرحلة ؟
ج : توجهت للولايات المتحدة لدراسة العلوم السياسية خاصة وإن هدفي كان الإلتحاق بوزارة الخارجية .. وأستطيع أن أقول لك إن نحو 40 % من السفراء الآن هم من خريجي جامعة بورتلاند .. وهناك أيضاً وزراء لازالوا يزاولون أعمالهم أيضاً من خريجي بورتلاند .. وعودة إلى سؤالك فقد إستفدت من مرحلة الدراسة في أميركا بشكل كبير من جهة الإعتماد على النفس فعندما سافرت لم تكن هناك أجهزة موبايل أو هاتف أو خدمات الإنترنت بمعنى إنني كنت مقطوعاً عن قطر .. وعندما كنت أود الحديث مع عائلتي كان يتوجب علي أن اتصل بهم لأقول لهم إنني سأعاود الاتصال بعد ساعتين أو 3 ساعات حرصاً على وجود أكبر عدد منهم .. وكنا في بعض الأحيان نرسل رسائل مع كل من نعرف إنه مسافر إلى قطر .
وفي تلك الفترة لم يكن بالإمكان السفر إلى قطر بسهولة فالموعد الوحيد الذي كان بوسعنا فيه زيارة قطر هو أعياد الميلاد .. وبالتالي فلم يكن بوسعنا زيارة قطر كعام إلا مرة أو مرتين على أكثر تقدير
بطبيعة الحال كان يتوجب عليّ أن أتأقلم مع هذه الحياة الجديدة وأتعود على الإعتماد على النفس خاصة إنني إنتقلت من مجتمع محافظ له عاداته وتقاليده إلى مجتمع منفتح لا يملك الكثير من القيم التي تشكل جزءً من ثقافتنا مثل قيم الأسرة على سبيل المثال .
س : بعد أن أنهيت دراستك الجامعية في اوريجن وعدت إلى الدوحة هل بادرت فوراً إلى الإلتحاق بوزارة الخارجية ؟ أم إنك كنت متردداً بين عدة وظائف ؟
ج : عندما عدت إلى قطر في الثمانينات كان هناك جهاز يشبه جهاز الخدمة المدنية يعنى بالتوظيف فقمت بالتسجيل كخريج جديد وعرض عليّ العمل في أكثر من وزارة إلا أن ميلي إلى العمل الدبلوماسي ووجود بعض الأصدقاء دفعني إلى الالتحاق بالخارجية مباشرة وأول إدارة عملت بها كانت إدارة الشؤون السياسية .. وبعد ذلك بسبعة أشهر صدر قرار نقلي إلى دلهي .. وصدر قرار أخر بنقل سيف مقدم البوعينين إلى نيويورك .. ولأن سيف لم يكن يرغب بالذهاب إلى نيويورك وأنا لم أكن أرغب بالذهاب إلى دلهي فطلبت منه أن نقوم بالتبادل وطلب مني مهلة عله يعثر على مكان أخر ولكن بعد 3 أيام اتصل بي وأبلغني موافقته وبالفعل أبلغنا المسؤولين في الوزارة وتمت الموافقة .. وبالفعل توجهت إلى نيويورك وكان أول سفير أول معه هو سعادة السفير جاسم جمال وفي تلك الفترة لم تكن قطر كما هي اليوم .. بمعنى أنه لم يكن علينا عبء كبير في العمل .. وأنا من خلال هذا الحوار أود أن أوجه تحية إلى سعادة السفير جاسم جمال الذي تعلمت منه الكثير والذي كان أخاً وزميلاً .
وبعد عام ونصف العام على وجودي في نيويورك عدت إلى قطر في إجازة وقررت العائلة أن أتزوج وكوني أكبر الأولاد ونزولاً على رغبة والديّ رحمهما الله قبلت أن أقدم على هذه الخطوة وتمت الخطوبة وقررت إنني لا أستطيع الذهاب إلى نيويورك .
فرجعت إلى قطر وعملت في الإدارة القنصلية مع سعادة السفير إبراهيم النصر وهذا الرجل أدين له بفضل كبير ، فمن خلاله شاركت في عدة مؤتمرات سواء كان ذلك في الصين أو تونس أو الهند ومصر واستطعت أن أصقل قدراتي من خلال هذه المؤتمرات ، وأنا أوجه له تحية هو الأخر إن أتيحت له الفرصة لقراءة هذا اللقاء وأقول له «ما قصرت» وأتمنى أن أرد لك جزءً ولو يسيراً من أفضالك .
س : أين كانت المهمة الأولى لك بعد العودة من نيويورك إلى الدوحة ؟
ج : تم نقلي إلى باكستان عام 1988 ولأنها من البلدان الصعبة فإن الدبلوماسي الذي يعمل هناك يحتاج إلى خلق الكثير من العلاقات وتطوير نفسه لأن باكستان تضم أحزاباً سياسية وإسلامية عديدة ورغم عدم صعوبة الحصول على المعلومة هناك إلا انه يتوجب على الدبلوماسي أن ينسج شبكة علاقات مع الجميع .
ولذلك اعتبر تلك الفترة بداية العمل الأساسي بالنسبة لي .. والعلاقات التي نسجتها من خلال الوسط الدبلوماسي والاجتماعي في إسلام أباد جاءت بنتائجها في المستقبل لأنني خدمت في باكستان 3 مرات .
عندما كنت في إسلام أباد شهدت أول انتخابات جرت هناك وفازت بها بي نظير بوتو وبعد حوالي عامين أقالها الرئيس غلام إسحاق خان تحت عنواين الفساد وعين نواز شريف ثم أصبحت هناك علاقة شخصية تربطني مع هذا الشخص .. وفي تلك الفترة تم نقل السفير عتيق البدر وأصبحت قائما بالأعمال ومن خلال هذا المنصب بات لي تواصل مباشر مع نواز شريف والطبقة السياسية في تلك الفترة .
وأذكر أن نواز شريف كان يحب القهوة القطرية وفي إحدى المرات وبينما كنا في حفل استقبال سألني إذا كان ممكناً أن يبعث خادمه إلى منزلي ليتعلم عمل القهوة القطرية فقمت أنا بإرسال متطلبات القهوة من بن وهيل ودلة وفناجين مع خادم يعمل لدي وبقي أسبوعاً وهو يدرب العامل في منزل شريف .
وكان أول ضيف تذوق تلك القهوة هو الأمير متعب بن عبدالله الذي تفاجأ بالقهوة القطرية .. وعندما سأله عن كيفية حصوله على تلك القهوة أبلغه نواز شريف بما حدث .
بعدها تم نقلي إلى بلجيكا وعملت هناك 6 سنوات تقريباً والعلاقات القطرية - البلجيكية في ذلك الوقت لم تكن متطورة بل كانت عادية .. ثم صدر نقلي إلى ديوان عام الوزارة وبقيت 9 أشهر في مكتب معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية ثم صدر قرار نقلي إلى كراتشي قنصلاً عاما .
وفي تلك الفترة كانت الأوضاع السياسية صعبة جداً .. ففي عام 1999 كان الخلاف بين المؤسستين العسكرية والسياسية قد ظهر للعلن ورغم أنني كنت قنصلاً عاماً إلا إنني كنت أكتب تقارير سياسية .. وما تنبأت به في العديد من التقارير حصل بالفعل لأنني توقعت أن المؤسسة العسكرية لن تصبر طويلاً على ما تقوم به الطبقة السياسية ورئيس الحكومة نواز شريف .. وخلال إحدى المرات حضر معالي الشيخ حمد بن جاسم في زيارة لمقابلة نواز شريف وكان واضحاً أن معاليه كان يملك جميع المعطيات التي تحدثت عنها من الأساس ولذلك فقد إمتدح جهودي وأبلغني إنني متابع جيد .. وفي وقت لاحق أبلغني معاليه انه سيرسلني سفيراً إلى إسلام أباد وهذا ما حدث فعلاً .
بالطبع كانت لديّ علاقات في إسلام أباد منذ عام 1988 ولاحقاً خلال وجودي في كراتشي إستطعت بناء علاقة مع حاكم السند الذي أصبح وزير داخلية في أول حكومة لبرويز مشرف وبالتالي هذا الرجل سهل لي مهمتي هذا فضلاً عن علاقاتي مع الأحزاب السياسية والدينية .
س : سعادة السفير أفهم من كلامك إن تلك الفترة كانت مفيدة للغاية من الناحية العملية والدبلوماسية وأضافت الكثير إلى خبراتك ؟
ج : أنا لا أريد أن أقول إنني نجحت لأن هذا بشهادة المسؤولين فقد كانوا مرتاحين لعملي في باكستان ، فتقاريري كانت صحيحة في الغالب لأني كنت أستقيها من مصادر موثوقة وبالتالي فإن المعلومات التي كنت أملكها كانت دقيقة .
وكما سبق وإن قلت فإن وزير الداخلية في حكومة برويز مشرف الأولى إستقبلني رغم أن العرف الدبلوماسي يقول إنني لا أستطيع أن أقابل وزراء قبل تقديم أوراق تقديم أوراق اعتمادي إلى رئيس الجمهورية .
فهذا الوزير إتصل بي وقال لي إما أن أحضر إليه وإما أن يأتيني بنفسه .. وطلب مني الحضور دون رفع العلم على السيارة وبالفعل قمت بزيارته وطلب مني آن ذاك أن اعتبره مثل والدي .. وأن أعلمه إذا إحتجت أي شيء .
وفي الحقيقة فقد قدم لي هذا الوزير الكثير من الخدمات التي لا أستطيع الإفصاح عنها لأنها من أسرار المهنة .. ولكنه كان عوناً لي في مهمتي .
س : ما المحطة التالية بعد باكستان سعادة السفير في مسيرتك الدبلوماسية ؟
ج : بعد باكستان عدت إلى بلجيكا مرة أخرى .. بمعنى إنني توجهت في بداية عملي إلى باكستان ثم نقلت إلى بلجيكا ثم عدت إلى باكستان للعمل في مهمتين مختلفتين قبل أن أعود إلى بلجيكا ثانية .. وأذكر إنني عندما ودعت برويز مشرف قال لي .. سعادة السفير لنا لقاء أخر بعد 3 أو 4 سنوات .. فقلت له إنني لا أعتقد ذلك فسألني عن السبب مذكراً إياي بأنني إعتدت التنقل بين باكستان وبلجيكا طول 15 عاماً .. المهم إنني ذهبت إلى بلجيكا ولم يكن لبروكسل سفارة في الدوحة في ذلك الوقت ولذلك كانت لدي عدة أولويات في ذلك الوقت .. أهمها افتتاح سفارة لبلجيكا في الدوحة وترتيب زيارة لسمو الأمير للبرلمان الأوروبي .. وخلال عام ونصف العام عملنا على تحقيق هذه الأهداف وبعد وصولي بستة أشهر إفتتحت بلجيكا سفارة لها بالدوحة .. وفي ذلك الوقت كان معي الرجل الثاني في السفارة وهو الآن سفيرنا في بلجيكا الشيخ مشعل بن حمد بن محمد آل ثاني .. وقد كان عاملاً مساعداً في النجاح ولا أستطيع أن أهضمه حقه .. لقد إستطعت أنا والشيخ مشعل أن نقنع البلجيك بافتتاح سفارة لهم في الدوحة وهم بالمناسبة يشعرون الآن بالأسف لأنهم لم يفتتحوا السفارة قبل ذلك بوقتٍ طويل
كما إستطعنا ترتيب زيارات متبادلة على أعلى مستوى توجت بزيارة حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى إلى بلجيكا .. ثم سعينا لترتيب زيارة لسمو الأمير للبرلمان الأوروبي .. وعند توجيه مثل هذه الدعوة يجب أن توافق جميع الأحزاب ويجب أن يكون الشخص المدعو متميزاً بالعديد من الأمور وأن يكون قدم الكثير من الإنجازات على صعيد الديموقراطية وتطوير التعليم ودعم السلام الدولي وغيرها .. وبالفعل قاموا بدراسة الأمر ثم أبلغونا إنه من دواعي الشرف لديهم دعوة سمو الأمير للقيام بزيارة وإلقاء كلمة في البرلمان الأوروبي وتمت هذه الزيارة بتاريخ 15 نوفمبر 2006 .
وفي الحقيقة كان هناك بعض التخوف في البداية لأن بعض النواب إعتادوا على مقاطعة خطابات الرؤساء كما حدث مع أكثر من رئيس من بينهم شيراك .. ولكن سمو الأمير قوطع بالتصفيق .. وقد تصادف ذلك اليوم مع بدء بث قناة الجزيرة باللغة الانجليزية ولا شك أن هذا الأمر كان له دور في إبراز الدور الذي يلعبه سمو الأمير في دعم حرية الإعلام والرأي .
س : هل ندمت على شيء ما طوال فترة عملك في السلك الدبلوماسي سعادة السفير ؟
ج : لا ، فقد خدمت بلدي بأفضل ما يمكن في بلجيكا أو باكستان ولم أشعر يوماً ما بالندم .. فأنا لا أدّعي الكمال ولكن أستطيع القول أنني خدمت بلدي بكل ما أستطيع .
س : حسناً سعادة السفير .. من بلجيكا إنتقلت إلى جنيف .. حدثنا قليلا عن مرحلة عملك هناك ؟
ج : بعد أن إنتقلت إلى جنيف كانت قطر قد إنتخبت لعضوية مجلس حقوق الإنسان ومن محاسن الصدف أن مدة العضوية تحدد بالقرعة بين سنة و3 سنوات وقد شاء الحظ أن تحصل قطر على 3 سنوات وهو ما يعني أن مهمتنا ستكون أكبر .. فحقوق الإنسان اليوم هي الموضوع الرئيسي في العالم كله .. فعندما تتم مهاجمة دولة أو كيل المديح لها فان حقوق الإنسان تكون المعيار الرئيسي .
وكما تعلم فان معظم المنظمات الدولية موجودة في جنيف ومن خلال خبرتي أقول إن العمل في نيويورك لا يوازي نصف العمل الذي يتم في جنيف ولكن الأضواء مسلطة على نيويورك بشكل أكبر بسبب وجود مجلس الأمن والجمعية العامة .
س : سعادة السفير حدثنا عن عائلتك وكيفية تأقلمها مع عملك الذي يتطلب الإنتقال بشكل دائم من مكان إلى أخر ؟
ج : أسرتي صغيرة وتتكون من زوجتي وولدين وبنت .. وأكبر الأولاد أنهى دراسته من بريطانيا وهو الآن ملازم في الداخلية وتزوج منذ فترة .. أما زوجتي فعندما رافقتي للخارج الجامعة لم تمنح فترة تفرغ الأربع سنوات .. فإما أن تعود إلى الدوحة وإما أن تلغى وظيفتها وكوننا من اصحاب المرتبات (قالها مبتسماً) فاضطررنا أن تعود زوجتي إلى الدوحة وعاد معها باقي أفراد العائلة .
س : هل كان التنقل بحد ذاته متعبا للأسرة ؟
ج : بالطبع .. فالإنتقال إلى باكستان عام 1988 كان صعباً للغاية حيث لم تكن توجد قنوات فضائية ولا وسائل إتصال مثل ما هو الحال اليوم .. وفي بلجيكا كان الطقس وظروف الحياة هناك والعادات والتقاليد .. ولكن لا يوجد للدبلوماسي أي خيار فأولادي كانوا يرغبون في العيش مع أبناء أخوالهم وعمومتهم في الدوحة ولذلك عندما كان يحين موعد السفر كانت تحدث نقاشات كثيرة لأنهم كانوا يرغبون في البقاء هنا .. وبالتالي فان الدبلوماسي يجد نفسه أمام خيارين إما أن يبقي عائلته في الدوحة ويعيش لوحده أو أن يجبرهم على الإنتقال معه .. وبالطبع فان معظم زملائي في الخارجية يدفعون ضريبة الغربة .. بالطبع مع مرور الوقت تأقلمنا جميعا على هذه الحياة .. إذ أننا لا نجتمع كثيرا إلا في الصيف حيث يأتون عندي لمدة شهرين متواصلين .
وقد اعتدت قضاء شهر رمضان عندهم ولكن خلال السنوات الخمس الأخيرة لم أتمكن من ذلك بسبب طبيعة العمل .. ولله الحمد فان هذا الوضع لم يؤثر على دراسة الأولاد كون زوجتي مدرسة وبالتالي قامت بدور الأب والأم في نفس الوقت حيث إستطاعت أن تربي الأولاد وقامت بأفضل ما هو مطلوب منها .. ولعلي حملتها أكثر مما تحتمل .. فقد كانت تتحمل مسؤولية أكثر مني .. ولله الحمد إحتفلنا جميعا بزواج أول أولادنا وإبنتي في الجامعة كما ذكرت وإبني الأصغر على أعتاب الثانوية .
س : سعادة السفير هل تمكنت من تطوير بعض الهوايات خلال فترة عملك الدبلوماسية ؟ أم إن العمل أخذ معظم وقتك ؟
ج : الهواية التي تمكنت من الحفاظ عليها هي السفر .. فأنا أستمتع بقيادة السيارة لمسافات طويلة .. أما الهوايات الأخرى مثل السنوكر والبلياردو فلم أعد أتمكن من ممارستها بسبب طبيعة العمل .. فهناك دائماً حفلات إستقبال ودعوات على العشاء وأصبح معظم السفراء لا يلبون دعوتك للعشاء إذا لم تلب دعواتهم وبالتالي أنت مضطر لتلبية هذه الدعوات رغماً عن أنفك في بعض الأحيان .
أما عن السفر فإنني أركب السيارة وأقودها بين الدول الأوروبية ولا توجد لدي مشكلة في القيادة لمدة 7 أو 8 ساعات متواصلة .. وكما تعلم لا توجد بين الدول الأوروبية جمارك أو حدود .. وأفضل قهوة يمكن أن تحصل عليها في محطة الوقود وكذلك بالنسبة للطعام .
س : سعادة السفير كدبلوماسي لا بد أن تمر عليك مواقف تكون غير متوقعة أو تتسم بالطرافة .. فهل ثمة حادثة معينة يمكن أن ترويها لنا ؟
ج : هناك الموقف الذي رويته لك أنفاً مع برويز مشرف الذي إعتقد أنني سأعود حتما إلى باكستان لأنني عملت طول فترة عملي الدبلوماسي متنقلاً بين باكستان وبلجيكا .
وهناك موقف أخر في بروكسل .. فعندما وصلت إلى بلجيكا لم يكن أي سفير عربي قد كرم منذ 25 عاماً .. ولكن جلالة ملك بلجيكا تكرم ومنحني وساما وعادة هذا الوسام لا يمنح إلا لإعتبارات معينة .. ولكن السفراء العرب الأخرين باتوا يسألونني ( ما هذا الحظ؟؟ ) فتكريمي جاء بعد عام ونصف فقط على تعييني رغم أن القانون يشترط مرور عامين .. لقد كان لدي موعد مع الملك لمنحي الوسام وفي نفس اليوم وبينما كان يستحم إنزلقت قدمه وكسرت ونقل إلى المستشفى .. وبدل أن أحصل منه على الوسام .. تم إرساله إلى السفارة فكنت أمازح السفراء بشكل دائم وأقول لهم (عيونكم حارة .. قولوا ما شاء الله .. بسببكم لم يتمكن الملك من منحي الوسام) .
س : ما هي الضريبة الأكبر التي يدفعها السفير في حياته جراء غربته وتنقله المستمر وما هو الجانب الإيجابي في أسلوب الحياة هذا ؟
ج : دعني ابدأ بالقول إنني كونت رصيداً هاماً في حياتي .. فعندما يتكلم الناس عن أرصدتهم المالية فإنني أكون فخوراً بالرصيد الإجتماعي الذي أملكه ليس في قطر بل خارج حدودها .. فلدي علاقات شخصية مع أصدقاء في جميع أنحاء العالم وأنا على تواصل دائم معهم وعلاقتي معهم لم تنقطع بإنتهاء العمل .. ولكن بالنسبة للضريبة الأكبر التي ندفعها فهي الغربة .. فنحن الغرباء في الوطن .. لأنني عندما أعود إلى قطر أشعر إنني غريب ولا أعرف المسؤولين في الوزارات ولا أستطيع أن أنجز معاملة بسهولة لأنه ليس لي علاقات معهم .. و90% بالمصالح لا تنجز بالشكل الذي تأمله لأنه لا توجد لديك علاقات شخصية هنا .. هذه ضريبة ندفعها .. فنحن دائماً بعيدون عن الأهل ويكبر أولاد العم ويتزوجون وأنت بعيد عنهم وقد لا تعرف بعضهم في بعض الأحيان !
[line]
لمن أراد رؤية اللقاء عبر الصحيفة المحلية فعليه النقر على الرابط التالي :
http://www.alduwasser.org/meeting2/abdullafalah.jpg
[line]
وفي ختام هذا اللقاء ، فإنه ليسر إدارة الموقع الرسمي لقبيلة الدواسر العريقة أن تتقدم بخالص الشكر والتقدير لسعادة السفير عبدالله بن فلاح بن عبدالله الدوسري على رحابة صدره وقبوله لإجراء هذا اللقاء مع سعادته ؛ حيث عرفنا من خلال هذا اللقاء بأمور كثيرة عنه منذ نعومة أظفارة وحتى وقتنا الحالي ، مقدرين وشاكرين لصيحفة الوطن القطرية إجرائها هذا اللقاء مع سعادته
(
صوت قبيلة الدواسر)
منتدى قبيلة الدواسر الرسمي
www.alduwasser.org/vb
20-03-2009, 04:39 AM
عبر الموقع الرسمي لقبيلة الدواسر العريقة سعادة السفير عبدالله بن فلاح الدوسري يتحدث عن حياته الشخصية والدبلوماسية
رد: عبر الموقع الرسمي لقبيلة الدواسر العريقة سعادة السفير عبدالله بن فلاح الدوسري يتحدث عن حياته الشخصية والدبلوماسية
العرض العادي
