ولد "محمود غنيم" عام 1901م في قرية "مليج" وهي إحدى قرى محافظة المنوفية، وتفتَّحت عيناه على خضرة الريف وهدوئه ونقائه وقيمه فتأثر بهذه الطبيعة البكر، فكانت بمثابة رافد من روافد الأصالة والانحياز إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وقد نشأ في أسرة يحترف أفرادُها مهنتَي الزراعة والتجارة، وهي من أكثر المِهَن شيوعًا في الريف المصري.
بدأ محمود غنيم حياته التعليمية- شأنها شأن الكثيرين من عمالقة الأدب والفكر المسلمين في القرن العشرين- في الكُتاب، وحفِظ القرآن الكريم، ثم نهل من علوم العربية والعلوم الشرعية، وبعد مرحلة الكتَّاب التحق وهو ابن الثالثة عشرة بالمعهد الأحمدي الأزهري بطنطا، وظل به أربع سنوات، ثم التحق بمدرسة القضاء الشرعي، وقد ظل فيها أعوامًا ثلاثة، وقبل أن يحصل على شهادتها تم إلغاء دراسته بها، لكنَّه لم يقف عند هذا الحد، فإلتحق بأحد المعاهد الدينية ونال منه الشهادة الثانوية، وبعد ذلك التحق بمدرسة دار العلوم، وكان ذلك عام 1925م، وتخرَّج فيها عام 1929م.
له الكثير من القصائد التي تحتوي على المباديء الإسلامية ولكن لعل من أشهرها وأجزله القصيدة التالية:
مالي وللنجم يرعاني وأرعـــاه
أمسى كلانا يعافُ الغمـضَ جفـناه
لي فيك يا ليل آهـــاتٌ أرددها
أُواه لو أجدت المحـــزون أُواه
لا تحسبني محـبًا أشتكــي وصبًـا
أهون بما في سبيل الحب ألقـاه
إني تذكرت والذكـرى مــؤرقــةٌ
مجدًا تليدًا بأيدينــا أضعنـاه
ويْح العروبة كان الكون مسرحها
فأصبحت تتـوارى فــي زوايــاه
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ
تجده كالطير مقصوصًا جناحاه
كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفها
وبات يحكمنا شعب ملكناه
هـل تطلبون من المختار معجزةً
يكفيه شعبٌ من الأجداث أحياه
من وحَّد العرب حتى صار واترهم
إذا رأى ولدَ الموتور آخاه
وكيف ساس رعاة الشاة مملكةً
ما ساسها قيصرٌ من قبل أو شاهُ
ورحَّب الناس بالإسلام حين رأوا
أن الإخاء وأن العدل مغزاه
يا من رأى عمرَ تكسوه بردته
والزيتُ أدمٌ له والكوخُ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقًا
من بأسه وملوكُ الروم تخشاه
هي الشريعة عين الله تكلؤها
فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
سل المعالي عنا إننا عربٌ
شعارنا المجد يهوانا ونهواه
هي العروبة لفظٌ إن نطقت به
فالشرق والضاد والإسلام معناه
استرشد الغربُ بالماضي فأرشده
ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه
إنّا مشينا وراء الغرب نقبس من
ضيائه فأصابتنا شظاياه
بالله سل خلف بحرالروم عن عرب
بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا
فإن تراءت لك الحمراء عن كثبٍ
فسائل الصرح أين المجد والجاه
وانزل دمشق وخاطب صخر مسجدها
عمّن بناه لعل الصخر ينعاه
وطف ببغداد وابحث في مقابرها
علّ امرأً من بني العباس تلقاه
أين الرشيد وقد طاف الغمام به
فحين جاوزَ بغداد تحداه
هذي معالم خرس كل واحدة
منهن قامت خطيبًا فاغرًا فاه
الله يشهد ما قلَّبت سيرتهم
يومًا وأخطأ دمع العين مجراه
ماضٍ نعيشُ على أنقاضه أممًا
ونستمد القوى من وحيِ ذكراه
إنِّي لأعتبرُ الإسلام جامعة
للشرق لا محض ديـنٌ سـنَّهُ الله
أرواحنا تتلاقى فيه خافقة
كالنحل إذ يتلاقى في خلاياه
دستوره الوحي والمختار عاهله
والمسلمون وإن شتّوا رعاياه
لاهُمَّ قد أصبحت أهواؤنا شيعًا
فامنن علينا براعٍ أنت ترضاه
راعٍ يعيد إلى الإسلام سيرتُه
يرعى بنيه وعين الله ترعاه