ربي ارحمهما كما رميانيصغيراً
محبك - أبو حنين-القصيم – عنيزة
( جريدة الجزيرة 5/12/1428هـ )
أمٌ وأبٌ..
اعذروني لم أستطع أن أضيف لهما ياء المتكلم!!
أتدرون لماذا لأني لا أعرفهما اسماً ولا شكلاً!!
أمٌ أقدمت على تلك الخطورة الشيطانية من أجل لذة عابرة وشهوة محرمة وعاقبة ذلك كله (ابن زانية!!) حملتني في رحمها تسعة أشهر وهي تتمنى موتي وتتحسب على أبي، وتدعو الله أن يستر عليها ولا يعلم أحدٌ بالأمر، وأنا في رحمها لا أشعر بالأمن مع العلم أني في رحم أمي!! ولكني قذفت في تلك الرحم المنتنة قسراً وكرهاً!! وكان أبي حينها لا يبحث عن أي شيء إلا الشعور بالسعادة المحرمة المؤقتة التي صلاحيتها تنتهي بخروج ذلك الماء المهين والضحية (أنا ابن زانية).
أماه... اعذريني إن عققتكِ أو دعوتُ عليكِ لأن الله يقول: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}أنتِ لم تربيني صغيراً بل رميتيني في مكان وأنت تخافين أن ينظر إليك أحد من الناس ولم ترحمي صرخاتي ولا بكائي ولا دموعي ولا وحدتي ولا ضياعي ولا حتى تغير اسمي في المجتمع إلى لقيط أو ابن زانية!! كيف تريدين مني أن أدعو لكِ كابن صالح وأنت جعلتني ضمن هامش المجتمع! أماه.. اعذريني أن قسوت عليكِ فلن أكذب على الله وأقول ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا! ولن يعذبني الله بسبب عقوق الوالدين لأنه ليس لي والدين بل لي دار أيتام وإخوة في نفس المصير. أما الجنة التي تحت قدميكِ فلا تظنين أني لا أبحث عنها ولا أريدها! بل إني أسعى إليها وأدعو الله أن يدخلنا إياها ولكن يا أمي أين أنت حتى أقبل قدميكِ؟!
ألا تعلمين يا أمي أني تزوجت من زوجة صالحة من نفس الدار، ورزقنا الله بنتاً عمرها الآن بضعة أشهر وبدأت تنطق كلمة (أب) وبعد حين سوف تنطق كلمة (أم) ولكني لن أرميها عند بوابة مسجد ولا قارعة طريق أتدرين لماذا؟ لأنها ابنتي ومن صلبي وهي قرة عين لي ولأمها الطيبة - إن شاء الله - ونحن الآن نرعاها بقلوبنا ونترقبها بأعيننا ونستمتع بكلماتها ونظراتها وابتسامتها، اعذريني يا أمي إن كنت قاسياً عليكِ قليلا! فلقد كنتِ أقسى من الحجر حينما رميتيني، لأن الحجر يهبط من خشية الله أما أنت!! فلقد هبطتِ ولكن ليس من خشية الله بل في مستنقع آسنٍ.. سامحك الله! ألا تعلمين يا أمي أني أتضايق جداً حينما يأتي موضوع عن بر الوالدين، ألا تعلمين أني أسرح في خيالي حينما نتناول تفسير آية تتكلم عن الوالدين أو حديث نبوي فيه فضل البر بالوالدين!! عفواً يا أمي إن كنت قاسياً.. وأخبركِ أني أسميت ابنتي (حنين) وكم كنت أتمنى أن أعرف اسمكِ!!
ولكني أطلقتُ عليها ذلك الاسم الجميل لأنه يحمل معنى أجمل وهو الحنان الذي قد لا تعرفينه!! ولكن يعرفك أكثر من خلال قسوتك حينما رميتيني على أعتاب ذلك المسجد، الذي كل عتبة فيه تعرفني وتُشفق عليَ وترحمني! أماه.. ماذا سوف أقول لابنتي حينما تلتحق بالمدرسة وتختلط بزميلاتها في الصف وتبدأ كل واحدة منهن تتكلم عن برنامجها في إجازة نهاية الأسبوع وأنهن يقضينه في الذهاب إلى جداتهن وخالاتهن وعماتهن ويجتمعن مع بعض!! هل أقول لها أنكِ مُتِ؟! وهل أقول لها أن خالاتكِ مُتنَ أيضاً؟! وهل أقول أن أعمامك ماتوا؟! أسئلة جداً مزعجة تجعل إجاباتها حياتي مُغلقة في الكذب والخداع، ولكن ما حيلتي أرجو الله أن يرحمني ويلطف بي وبأسرتي.. آمين.