مستشفى "البعارين" التخصصي.. اللهم لا حسد..!!
على بوابته الرئيسية ستُعلق لافتة مكتوب عليها (حرصاً على راحة البعارين يمنع دخول البشر)، وأخرى على البوابة المؤدية إلى صالة "كبار البعارين" مكتوب عليها (من هنا دخول المزايين)..!!
هذا هو مستشفى "البعارين" التخصصي الذي سيقام بتكلفة 60 مليون ريال، بحسب ما أُعلن عنه يوم الجمعة الماضي في (الوطن) على لسان مدير مركز أبحاث الإبل والمراعي بالجوف صلال الصلال.
وبحسب الأستاذ الصلال، فإنه ستتوفر في المستشفى صالة استقبال ـ وأعتقد أنها ستكون مقسمة إلى قسمين منعاً للاختلاط بين الجنسين ـ وغرف للتخدير والعمليات، وأخرى للتنويم ـ قد يخصص بعضها لفئة"vip"، وأسرة متحركة مجهزة برافعات خاصة لنقل الحيوانات داخل المستشفى، وغرف للنقاهة ـ ما حلمنا بها نحن البشر ـ وكذلك عيادات استشارية ـ فيما نكتفي نحن البشر بطبيب عام مع عدم يقيننا بصحة شهادته أو كونها مزورة ـ ومختبرات بقدرات عالية، ووحدة ألبان مجهزة بمحلب آلي، ومعمل بسترة حليب، ومختبر لفحص الحليب، ووحدة تصنيع ألبان. اللهم لا حسد..!!
صحيح أن إنشاء تخصصي "البعارين" ضمن مشاريع وزارة الزراعة، ولا علاقة لوزارة الصحة به. ولكن يبقى السؤال قائماً: أليس من باب أولى أن يوجه هذا الصرف إلى ما اتُفق اصطلاحاً على تسميتها بمستشفيات من ترميم وتحديث وتجهيز؟. أوليست صحة أكثر من 22 مليون نفس بشرية أولى بتلك الملايين من مليون رأس من الدواب؟. ألم نكتف من طلبات الاستجداء التي تملأ الصحف لأجل إيجاد سرير لمريض في مستشفى حكومي؟ ألم يحن الوقت بعد أن نوقف ظاهرة الهجرة إلى دول الجوار طلباً للعلاج؟.
لو كان هناك فائض عن حاجة المواطنين في الخدمات الصحية لاعتبرنا الأمر يصب في ناحية الرفق بالحيوان، وتكريما لموروث الآباء والأجداد.ولكن ماذا عسانا نقول ؟!
العجيب أن يأتي الشروع في إنشاء مستشفى "البعارين" التخصصي في الوقت الذي تعاني فيه وزارة الصحة "البشرية" عجزاً في الأدوية والمستلزمات الطبية بلغ نصف مليار ريال، وعجزاً آخر في أسرة المستشفيات بنسبة 20% مع الحاجة لتحديث الموجود منها، كما أن 30% من مستشفيات وزارة الصحة في مبان مستأجرة، في حين أن العمر الافتراضي انتهى لنحو 14% من مستشفياتها القائمة. وذلك كما في دراسة قامت بها لجنة استشارية استمرت لعدة أشهر، ونشرت الزميلة (عكاظ) خلاصة نتائجها على ظهر صفحتها الأخيرة بتاريخ 16 جمادى الأولى من العام الماضي. ولا أعتقد أن كل هذه القضايا قد تلاشت ما بين وقت خروج الدراسة المذكورة وكتابة هذه السطور، إن لم تكن تفاقمت بحكم أن النمو السكاني يتفوق على حجم الصرف على صحة الفرد.
أخشى أن تخرج علينا مستقبلاً مستشفيات تخصصية أخرى للأبقار كرد فعل لمرض "جنون البقر"، وكذلك للأغنام تحت ذريعة "الحمى القلاعية"، وقد تعترض الدواجن متهمة البشر بالتمييز والتحيز العنصري نحو الثدييات، وتطالب هي الأخرى بمستشفى تخصصي لـ"بنات المذّن" تحت ذريعة أنها هي الأخرى وقعت ضحية لمرض "أنفلونزا الطيور". وربما تتم المطالبة مستقبلاً بتحويل عدد من مستشفياتنا إلى "بيطرية" تخصصية..!!
مرة أخرى.. اللهم لا حسد.. اللهم لا حسد..!!