اليزيدية
التعريف :
جماعة من الغلاة يرجعون الى اصل مجوسي ادعّو الاسلام بعد المجوسية واعتقدوا بألوهية يزيد بن معاوية واضافوا اليه آلهة اخرين عكفوا على عبادتهم، وفي القرن السادس الهجري اشتهر بينهم الشيخ عدي بن مسافر الاموي واسس طريقته العدوية، وكان اليزيديون اول من اعتنقها وانما سموا باليزيدية لانهم كانوا يعتقدون بصلاح يزيد اعتقاداً بلغ حد التأليه.
عوامل الظهور :
ـ نشأت هذه الفرقة في بلاد كانت بعيدة عن العلم والتحضر والمراكز الدينية والعلمية، وقد ذكر الباحثون انها بدأت انطلاقتها في جبال حلوان ثم في جبال هكار من كردستان.
ـ كانت الطائفة اليزيدية تدين بالديانة المجوسية وظلت معتزلة عن الاقوام الاخرى الا ان انتشار الاسلام وارتفاع رايات الفتوحات الاسلامية جعلهم يتظاهرون امام الفاتحين بعقائدهم الاسلامية، وعلى مر التأريخ جاءت الاجيال فخلط ابناؤها بين المعتقد الاول البائد ومظاهر من المعتقد الجديد المقتبس فكانوا ضعافاً في كلا المعتقدين.
ـ تولى قيادة الفرقة رجال حكموا آراءهم واتبعوا اهواءهم فأضلّوا الناس بالبدع والخرافات وتظاهروا بالزهد والتعفف وكثرة المجاهدة فقصدهم الناس وتأثروا بهم حتى غلب الرأي اليزيدي في حلوان وسنجار والاطراف الحدودية من العراق وايران وتركية وسورية.
النشأة والتطور :
ـ طرحت الفرقة اليزيدية آراءها في ظل ظروف واجواء هادئة سياسياً وفكرياً استغلتها لصالحها وجذبت البسطاء من الناس اليها وبالاخص سكان الجبال والرحل واهل القرى والقصبات وأغوت خلقاً كثيراً منهم.
ـ استطاع الشيخ عدي بن مسافر الأموي بانتحاله شخصية لها طابع القدسية والزهد والتسامح ان يشق طريقه في الدعوة الى فرقته ونحلته وروّج لنفسه بنشر الكرامات والسجايا التي تناقلها انصاره واتباعه حتى صاروا يغالون فيه بما لا يوافق الشرع والعقل وينقادون لآرائه ومعتقداته.
ـ تولى زعامة الطائفة اليزيدية بعد عدي بن مسافر رجل من قبيلته وهو الشيخ حسن شمس الدين الملقب بالبصري حيث قادهم نحو الفساد والزيغ واعادهم الى معتقدهم القديم المجوسية وما توارثوه من اجدادهم واسلافهم.
الافكار والمعتقدات :
تميزت الطائفة اليزيدية عن غيرها من الفرق بتدوين معتقداتها وبرامجها العبادية والمذهبية في كتابين مقدسين عندهم هما : كتاب (الجلوة) وكتاب (مصحف رش)، ويمكننا ان نلخص معتقداتهم بما يلي :
ـ اعتقدوا بصلاح يزيد بن معاوية حتى قالوا : بألوهيته وقدسيته.
ـ تكتموا في اظهار معتقداتهم تكتماً شديداً.
ـ قالوا : بغلبة قوة الخير (و هو الله) على قوة الشر (و هو الشيطان) فطردته من سلطان الملكوت.
ـ تجنبوا التـلفـظ بكلمة فيها حرف من حروف كلمة (الشيطان) وبصورة خاصة حرف (الشين) منها، واذا قال احدهم كلمة (الشيطان) متعمداً حلَّ قتله.
ـ يطمسون ما ورد في القرآن من كلمات لا تناسب اذواقهم كالتعوذ واللعنة والشيطان بوضع قطعة شمع عليها.
ـ ليس لهم صلاة عامة بل هناك طقوس خاصة بهم ويتوجهون الى مطلع الشمس عند الشروق والى مغربها عند الغروب فيلثمون الارض ويعفرون وجوههم بالتراب ويقرأون بعض الادعية وهي خليط من اللغة العربية والفارسية والكردية.
ـ الصوم عندهم على قسمين، صوم العامة : وهو (صوم يزيد) الثلاثاء والاربعاء والخميس الاول من شهر كانون الاول وصوم الخاصة : وهو عبارة عن ثمانين يوماً يصومها رجل الدين.
ـ الزكاة يدفعونها كل سنة الى شيخهم وتسمى عندهم الرسوم.
ـ يحجون حجاً خاصاً بهم كل عام في مراسم خاصة الى مرقد الشيخ عدي بن مسافر والذي لا يوفق لأداء الحج فهو كافر.
ـ الشهادة عندهم بالطريقة التالية : « اشهد واحد الله، سلطان يزيد حبيب الله ».
ـ قالوا بتناسخ الارواح.
ـ حرموا الزواج بين الطبقات (أي الطبقات المصنـفـة ضمن معتقدهم بين فئات الطائفة) وجوزوا الزواج من ست نساء.
ـ حرموا اكل الخس واللهانة (الملفوف) والقرنابيط وبعض الخضراوات، وحرموا من اللحوم لحم الخنزير والسمك على اختلاف انواعه ولحم الغزال، كما يحرم على الشيخ وتلامذته اكل لحم الديك احتراماً لالههم (طاووس ملك).
ـ حرموا حلق الشارب او استئصاله بالمقص غير انه يستحب تخـفـيفه اما اللحية فيجوز فيها ذلك.
ـ حرموا تعلم القراءة والكتابة مطلقاً وجوزوا التعلم لعائلة واحدة من سلالة الشيخ حسن شمس الدين الملقب بالبصري.
ـ حرموا على اليزيدي ان يتغيب عن بلده اكثر من سنة فاذا اضطر الى ذلك غير باغٍ حرمت عليه زوجته.
ـ اعتقدوا ان الحمام والمرحاض من ملاجئ الشيطان في نظر المسلمين فلا يدخل اليزيدي مرحاضاً ولا يغتسل في حمام.
ـ حرموا على اليزيدي النظر الى وجه المرأة غير اليزيدية ومداعبة المرأة التي حرمتها الشريعة عليه من جنسه.
ـ حرموا الزواج وتعمير البيوت في شهر نيسان.
ـ حرموا على اليزيديين دخول مساجد المسلمين ومدارسهم الدينية التي يذكر فيها اسم الله، لانه اذا سمع المصلي يتعوذ من الشيطان وجب عليه ان يقتله فوراً أو ينتحر فان لم ير سبيلاً الى ذلك صام اسبوعاً وقدم ضحية للطاووس.
ـ حرموا على اليزيدي البصاق على الارض والانسان والـحيوان لما في ذلك من رمز الاهانة لطاووس (ملك الشيطان).
ـ حرموا على اليزيدي قص اظافره والاغتسال من الجنابة واستخدام فرسه او حصانه لحمل الاثقال، وحرموا عليه الاستنجاء بعد قضاء الحاجة ولا يجوز له ان يبول وهو واقف وألا يلبس سرواله وهو جالس.
ـ قالوا : يؤثم اليزيدي اذا مدّ رجله امام جليسه.
ـ حرموا على الفقراء والكواجك ـ وهم احدى طبقات المجتمع اليزيدي ـ النوم على السرير.
ـ حرموا الاشتغال يوم الجمعة.
ـ عندهم اعياد خاصة هي : عيد رأس السنة الميلادية وعيد المربعانية والقربان والجماعة وعيد يزيد، ولهم ليلة تسمى السوداء حيث تطفأ الانوار وتستحل المحارم وتستباح الخمور.
ـ طبقات الطائفة اليزيدية هي :
الاولى : من الروحانـيـين احدهما : زمني وهو الذي يرتقي نسبه الى يزيد بن معاوية وهو مير شيخان أي امير الشيخان، والاخر : ينتمي الى سلالة فخر الدين ويلقبونه بابا شيخ يعني الشيخ الكبير.
والثانية : الفقير وهو الناسك المتعبد وله لباس خاص يسمونه خرقة الفقير.
والثالثة القوال : وهو الحادي أي مرتل الاناشيد الدينية.
والرابعة : الكواجك : وهم طائفة من العوام يتميزون بلباسهم الابيض ونطاقهم الصوفي الاسود او الاحمر وظيفتهم اكتشاف مصير الموتى ان كان خيراً أو شراً والاتصال بعالم الغيب لمعرفة الحال والاستقبال.
والخامسة : المريدون : وهم عوام الناس من اليزيدية وقد فرضت عليهم الطاعة العمياء ودفع الزكوات وهولاء يتزاوجون فيما بينهم ولا يحق لهم مصاهرة الفئات الاخرى.
ابرز الشخصيات :
1 ـ عدي بن مسافر الاموي.
2 ـ صخر بن مسافر ابو البركات.
3 ـ عدي بن ابي البركات ابو المفاخر.
4 ـ شمس الدين ابو محمد الحسن بن عدي (الملقب بـ) تاج العارفين.
5 ـ الشيخ حسن ابن ابي المفاخر.
الانتشار ومواقع النفوذ :
ـ ينتشر اليزيديون في المناطق الشمالية الشرقية من الموصل وعلى الحدود العراقية السورية وديار بكر وماردين وجبل الطور وبالقرب من حلب حول كلس وعينتاب وفي بعض البلدان الارمينية على الحدود بين تركية وروسية وحول تفليس وباطوم وينتمي معظمهم الى الجنس الكردي.
احداث ووقائع :
ـ حدثت حرب طاحنة في عام 652 هـ بين اصحاب الشيخ عدي بن مسافر، واصحاب بدر الدين اللؤلؤ صاحب الموصل، كان سببها ان بدر الدين كان يطالب اولاد الشيخ عدي بدفع الاموال فثقل عليهم ذلك واطلقوا السنتهم فيه فأرسل طائفة من عسكره إليهم فقاتلوهم قتالاً شديداً فانهزمت الاكراد العدوية، وقتل منهم جماعة كثيرة واسروا منهم جماعة، فصلب بدر الدين مئة منهم، وذبح مئة وامر بتـقطيع اعضاء اميرهم وتعليقها على ابواب الموصل، وارسل من نبش قبر عدي بن مسافر واخرجه وأمر بحرق عظامه.
ـ يتناقل الموصليون حادثة تاريخية وقعت ليزيدية الشيخان في حدود سنة 1247 هـ خلاصتها ان هنالك عداوات قديمة بين امير اليزيدية علي بك وبين رئيس قبيلة الالقوشيين علي آغا البالطي وكان الامير يتربص الدوائر بغريمه للفتك به، فدعاه ذات يوم الى داره في « قرية باعذرا » بحجة ان يختن ولده في حجره ليتخذ منه (كريفاً) ـ أي اخاً وهي عادة ما زالت موجودة في الموصل حتى يومنا هذا ـ في حياته فاجابه البالطي على الفور بحيث انطلت عليه الحيلة وكان بصحبته خمسة من رجال حاشيته دون ان يفكر في العواقب، فما كاد المقام يستقر به في دار الامير اليزيدي حتى فاجأه جماعة الامير وفي ايديهم سيوفهم البتارة فقتلوه وثلاثة من اصحابه وهم في ضيافة الامير واستطاع الشخصان الباقيان ان يفلتا من الغدر باعجوبة.
من ذاكرة التاريخ :
1 ـ كان اليزيديون يمتنعون عن الخدمة الفعلية في الجيش العثماني لأسباب دينية تمنعهم من ذلك في اعتقادهم « منها الاضطرار الى لبس الازرق، والدخول الى المرحاض » وهما من اشد مظاهر الكفر في معتقدهم، والعيش بين جنود مسلمين يتوقع تعوذهم من الشيطان، او لعنتهم اياه عمداً أو بلا عمد، وغير ذلك من الاعمال التي ينفرون منها، فكانوا يدفعون بدلاً نقدياً كاليهود والنصارى. ولكن حكومة عبد الحميد ارادت ان تجبرهم على التجنيد الفعلي، كما كانت تفعل مع سائر الفرق الاسلامية كالنصيرية والاسماعيلية والدروز، وغيرهم، فأرسل لارشادهم نقيب ديار بكر الحاج مسعود بك فلم ينجح حتى استنجد بالحاكم العسكري وهوالفريق عمر وهبي باشا الذي منح صلاحيات واسعة لاجل قمع العصاة فاستطاع عمر وهبي باشا دخول الموصل سنة 1308 هـ واخضاعهم وتهذيب افكارهم. وقد جندتهم الحكومة العراقية الحالية في عهد صدام حسين واشتركوا اشتراكاً فعلياً في الجيش وفي الحروب التي خاضتها القوات العراقية في ايران والكويت وفي قمع الانتفاضه.
2 ـ كان قد حصل نزاع في قضاء سنجار بين اهالي قريتي رمبوسي شمالي، وإجمة اسلام، ادى الى قيام اهالي القرية الاولى بنهب قسم من اغنام اهالي القرية الثانية، وعندما بلغ الحادث قائم مقام القضاء السيد يونس عبد الله خرج فوراً الى محل الحادث للتحقيق واسترداد الاغنام المنهوبة غير انه فوجئ باطلاق النار عليه وهو في الطريق مما ادى الى قتله مع شرطيين من مرافقيه وعلى اثرها قامت الحكومة بارسال قوة لتأديبهم، ولكن رؤساءهم انتهزوا فرصة وجود وزير الداخلية في الموصل، فحضروا وعرضوا عليه طاعتهم وولاءهم، وتعهدوا في الوقت نفسه بتسليم المجرمين والغرامات المفروضة عليهم، وباشروا فعلاً بتنفيذ هذا العهد اذ دفعوا القسط الاول من الغرامة. وهكذا حسمت القضية، وعادت الامور الى حالتها الطبيعية في جبل سنجار.
خلاصة البحث :
ـ اليزيدية جماعة من الغلاة اصلهم من المجوس تظاهروا باعتناق الاسلام وقالوا بصلاح يزيد بن معاوية حتى عدوه الهاً وقدسوه، وفي القرن السادس اشتهر بينهم الشيخ عدي بن مسافر واسس طريقته العدوية.
ـ نشأت الفرقة اليزيدية في جبال حلوان ومن ثم في جبال هكار من منطقة كردستان في اجواء بعيدة عن العلم والتحضر.
تظاهروا بالاسلام حينما وصلت رايات الفتح الاسلامي وعلى مر الاجيال مزج ابناؤهم بين الدين الجديد ومظاهر من المعتقد الاول البائد (المجوسية).
ـ ازداد انحراف الفرقة حتى اصبحت تقدس يزيد بن معاوية والشيطان معاً.
ـ لديهم كتابان مقدسان (الجلوة) (و مصحف رش).
ـ قالوا بتناسخ الارواح وغلبة قوة الخير (الله) على قوة الشر (الشيطان). والصوم عندهم على قسمين، والزكاة يدفعونها كل سنة الى شيخهم وتسمى عندهم الرسوم، والشهادة عندهم ان يقولوا (اشهد واحد الله)، (سلطان يزيد حبيب الله). وحرموا اكل الخس واللهانة والقرنابيط ولحم الخنزير والسمك على انواعه ولحم الغزال وحلق الشارب وتعلم القراءة والكتابة والنظر الى وجه المرأة غير اليزيدية والزواج وتعمير البيوت في شهر نيسان ودخول مساجد المسلمين ومدارسهم التي يذكر فيها اسم الله، والبصاق على الارض.
برزت بينهم شخصيات تبنت زعامة الفرقة امثال عدي بن مسافر الاموي وصخر بن مسافر وعدي بن ابي البركات وشمس الدين ابي محمد وغيرهم.
انتشرت آراء الفرقة ومعتقداتها في حلوان وسنجار والموصل وعلى الحدود بين العراق وسورية وتركية وفي ديار بكر وماردين وتفليس وباطوم وينتمي معظم اتباعها الى الجنس الكردي.
المصادر :
1 ـ الامين، شريف يحيى، معجم الفرق الاسلامية، (بيروت ـ لبنان، دار الاضواء، ط1، 1406 هـ. ق ـ 1986 م.)، الحسنى، عبد الرزاق، اليزيديون في حاضرهم وماضيهم، (صيدا، لبنان، مطبعة العرفان، 1968 م)، أحمد تيمور، اليزيدية ومنشأ نحلتهم، (القاهرة ـ مصر، المطبعة السلفية، ط1، 1347 هـ. ق).
2 ـ العزاوي، عباس، تاريخ اليزيدية وأصل عقيدتهم (بغداد ـ العراق، 1935 م) .
3 ـ الحنبلي، محمد، قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر.
4 ـ الدملوجي، صديق، اليزيدية، (الموصل ـ العراق، 1949 م).
5 ـ جورج حبيب، اليزيدية بقايا دين قديم (بغداد ـ العراق، 1978 م)، سامي سعيد الاحمد، اليزيدية احوالهم ومعتقداتهم (بغداد ـ العراق، كلية الاداب، 1971 م).
6 ـ ابن الفوطي، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المئة السابعة (بغداد ـ العراق، 1351 هـ. ق 1932 م).
7 ـ محمد امين زكي، خلاصة الكرد وكردستان (بغداد ـ العراق، مطبعة صلاح الدين، ط2، 1961 م).
8 ـ القس سليمان صائغ، تاريخ الموصل (القاهرة ـ مصر، المطبعة السلفية، 1342 هـ. ق ـ 1923 م).
9 ـ عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية (بيروت ـ لبنان، مطبعة دار الكتب، ط4، 1394 هـ. ق ـ 1974 م).