حقائق أردت طرحها للفائدة
الإسلام والكهنوت
* بلال محمود القصاص
هل في الإسلام رجال دين؟ ومن هم رجال الدين؟ هل هم أئمة المساجد والخطباء والوعاظ والأزهرون ؛أم هم كل من أطلق لحيته وقصر ثوبه وارتدى السروال والجلباب؛ أم هم العلماء الذين يفهمون الدين أكثر من غيرهم؟.
لقد عرفت الحضارات الاخرى في العصور القديمة ما يعرف بالكهنة، فكل من يعيش داخل المعبد هو كاهن وغيره من الناس فهم العامة الذين لايفهمون أمور عبادتهم كما يجب ويرتكبون المعاصي والآثام و هم العباد وعليهم أن يذهبوا كل فترة إلى المعبد لكي يقوم الكهنة بغفران ذنوبهم ويعودوا بعد ذلك إلى حياتهم الدنيوية مرة أخرى ليتكرر الأمر مرات ومرات.
ومع اعتراف الرومان بالمسيحية في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي ظهر ما عرف بالمسيحيين والوثنيين، فأي شخص لم يتم تعميده من قبل الكنيسة هو وثني مطرود من رحمتها ويجب عليه أن يذهب إلى الكنيسة ويعلن اعترافه بما ارتكب من ذنوب وآثام أمام رجالها، وتطور الأمر وظهر ماعرف بالرهبان "وهم فئة نذرت نفسها لعبادة الله وتركت الحياة الدنيا من أجل الآخرة".
ومن هنا بدأت ملامح ظهور ماعرف تاريخيا برجال الدين؛ ورجال الدين هم كل من يتبع الكنيسة سواء كانوا قساوسة أو أساقفة أو رهبان أو شماسة وفوق كل هؤلاء البابا.
وخلال القرنين السادس والسابع الميلاديين تطور المفهوم وحرم على كل من يقيم بالكنيسة الزواج ليصبح رجال الدين متفرغين للعبادة والذكر فقط، أما غير من يتبع الكنيسة فهو علماني اي من "رجال الدنيا" وهم مسيحيون أيضا ولكنهم لايتبعون الكنيسة في شئون حياتهم، بل إنهم لايؤمنون بكل ما تقوله الكنيسة من تعاليم ومفاهيم، وانقسم الناس إلى رجال دين وعلمانيين.
وهنا علينا أن نتساءل هل يوجد هذا المفهوم في الإسلام؟ أم أن الإسلام لايعترف بوجود هذه الفئة المسماه برجال الدين.
أعتقد أن هذا المفهوم ليس موجودا في الإسلام، لأن الإسلام ليس لديه فئة مخصصة لدنيا وأخرى للآخرة، فالمسلم يجمع بين الأمرين ويحاول التوفيق بينهما، يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا، يوفق بينهما ولا يجعل أحدهما يغلب على الأخر، والإسلام يوجد فيه نوعين اثنين فقط هما عالم وعابد، والنوعين يعبدون الله ويتقربون إليه بنفس الأمور والأركان، وليس للعالم سلطة على العابد في شئ بل كلاهما يتقرب إلى الله بنفس الأمور التعبدية، أما الدعاة والوعاظ وأئمة المساجد والخطباء فهم ينتمون إلى فئة العابد وليسوا علماء. وقد يكون من بينهم علماء اذا درسوا علوم الدين علي يد اساتذة وعلماء آخرين .
أما إذا أردنا تطبيق مفهوم رجال الدين على المسلمين، وجدنا أن كل المسلمين رجال دين،العامل في مصنعه، والفلاح في حقله، والموظف في شركته، والمدرس في مدرسته، والطالب في مدرسته أوكليته......إلخ، الكل رجال دين حتى على اختلاف أعمالهم وانتمائتهم، فليس الدين حكرا علي اي انسان ، وليست أمور الإسلام مخصصة لفئة دون أخرى،كما في الاديان الاخري لان أمور الدين ليست حكرا علي فئة معينة وليست مخصصة لكل من أطلق لحيته وقصر ثوبه ولبس الجلباب، وليست أمور الدعوة في الإسلام مخصصة لفئة دون أخرى، فالإسلام أوجب الدعوة على كل معتنقيه وهي تتم بطرق شتى ليس مجالها هنا، وبالتالي لا وجود لمفهوم رجال الدين او الكهنوت في الإسلام لان كل المسلمين رجال دين.
*باحث ومؤرخ