التحذير من المغالاة في [ المهور ] والإسراف في [ حفلات الزواج ] !
سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من إخواننا المسلمين - وفقني الله وإياهم لما يحبه ويرضاه ، وجنبنا جميعًا الوقوع فيما حرمه ونهى عنه - آمين . سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أما بعد :
فقد شكا إلي العديد من أهل الغيرة والصلاح ما فشا في المجتمع من ظاهرة المغالاة في المهور ، والإسراف في حفلات الزواج ، وتنافس الناس في البذخ وإنفاق الأموال الطائلة في ذلك ، وما يقع في الحفلات غالبًا من الأمور المحرمة المنكرة ؛ كالتصوير واختلاط الرجال بالنساء ، وإعلان أصوات المغنين والمغنيات بمكبرات الصوت ، واستعمال آلات الملاهي ، وصرف الأموال الكثيرة في هذه المحرمات ، وكل ذلك مما أدى بكثير من الشباب إلى الانصراف عن الزواج ؛ لعدم قدرتهم على دفع تكاليفه الباهظة ، وإنما الجائز في الأعراس للنساء خاصة ضرب الدف والغناء العادي بينهن إعلانًا للنكاح ، وتمييزًا له عن السفاح ، كما جاءت السنة بذلك بدون إعلان ذلك بمكبرات الصوت ، وحيث إن الكثير من الناس يفعلون تلك الأمور المحرمة تقليدًا للآخرين وجهلاً بسنة سيد الأولين والآخرين رأيت كتابة هذه الكلمة ، نصحًا لله لكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، فأقول والله المستعان :
من المعلوم أن النكاح من سنن المرسلين ، وقد أمر الله ورسوله به قال تعالى : ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ . [ النساء : 3 ] الآية . وقال تعالى : ﴿ وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ . [ النور : 32 ] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ، وقال في حديث آخر : ( لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) .
وإن على المسلمين عامة وولاة أمورهم خاصة أن يعملوا على تحقيق هذه السنة ، وتيسيرها تحقيقًا لما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
وروى مسلم في " صحيحه " ، وأبو داوود والنسائي عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن قال : سألت عائشة رضي الله عنها كم كان صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !؟ قالت : ( كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا ، قالت : أتدري ما النش !؟ قلت : لا ، قالت : نصف أوقية ، فذلك خمسمائة درهم ) .
وقال عمر - رضي الله عنه - : ( ما علمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح شيئًا من نسائه ولا أنكح شيئًا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ) ، قال الترمذي : ( حديث حسن صحيح ) .
وقد ثبت في " الصحيحين " وغيرهما عن سهل بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج امرأة على رجل فقير ليس عنده شيء من المال بما معه من القرآن ، وروى أحمد والبيهقي والحاكم : ( أن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها ) .
ومع هذه السنة الواضحة الصريحة من أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفعله فقد وقع كثير من الناس فيما يخالفها كما خالفوا أمر الله ورسوله في إنفاق الأموال في غير وجهها ، فقد حذر الله في كتابه العزيز من الإسراف والتبذير فقال : ﴿ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ . [ الإسراء : 26 - 27 ] ، وقال سبحانه : ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ . [ الإسراء : 29 ] .
وأخبر - عز وجل - أن من صفات المؤمنين التوسط والاعتدال في الإنفاق فقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ . [ الفرقان : 67 ] ، وقال تعالى : ﴿ وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ . [ النور : 32 ] ، فأمر بإنكاح الأيامى أمرًا مطلقًا ليعم الغني والفقير وبين أن الفقر لا يمنع التزويج ؛ لأن الأرزاق بيده سبحانه وهو قادر على تغيير حال الفقير حتى يصبح غنيًا ، وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد رغبت في الزواج وحثت عليه ، فإن على المسلمين أن يبادروا إلى امتثال أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، بتيسير الزواج وعدم التكلف فيه ، وبذلك ينجز الله لهم ما وعدهم .
قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - : ( أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى ) ، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : ( التمسوا الغنى في النكاح ) .
فيا عباد الله : اتقوا الله في أنفسكم وفيمن ولاكم الله عليهن من البنات والأخوات وغيرهن ، وفي إخوانكم المسلمين ، واسعوا جميعًا إلى تحقيق البر في المجتمع ، وتيسير سبل نموه ، وتكاثره ودفع أسباب انتشار الفساد والجرائم ولا تجعلوا نعمة الله عليكم سلمًا إلى عصيانه ، وتذكروا دائمًا أنكم مسئولون ومحاسبون على تصرفاتكم كما قال تعالى : ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ . [ الحجر : 92 - 93 ] .
وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به ) ، وبادروا إلى تزويج أبنائكم وبناتكم مقتدين بنبيكم وصحابته الكرام والسائرين على هديهم وطريقهم ، واحرصوا على تزويج الأتقياء ذوي الأمانة والدين ، واقتصدوا في تكاليف الزواج ووليمته ، ولا تغالوا في المهور ، أو تشترطوا دفع أشياء تثقل كاهل الزوج ، وإذا كانت لديكم فضول أموال فأنفقوها في وجوه البر والإحسان ومساعدة الفقراء والأيتام .
وفي الدعوة إلى الله وإقامة المساجد فذلك خير وأبقى وأسلم في الدنيا والآخرة من صرفها في الولائم الكبيرة ، ومباهاة الناس في مثل هذه المناسبات ، وليتذكر كل من فكر في إقامة الحفلات الكبيرة وإحضار المغنين والمغنيات لها ما في ذلك من الخطر العظيم ، وأنه يخشى عليه بذلك أن يكون ممن كفر نعمة الله ولم يشكرها ، وسوف يلقى الله ويسأله عن كل ما عمل ، فليقتصد في ذلك وليتحرى في حفلات الأعراس وغيرها ما أباح الله دون ما حرم .
وينبغي لعلماء المسلمين وأمرائهم وأعيانهم أن يعنوا بهذا الأمر ، وأن يجتهدوا في أن يكونوا أسوة حسنة لغيرهم ؛ لأن الناس يتأسون بهما ويسيرون ورائهم في الخير والشر ، فرحم الله امرأ جعل من نفسه أسوة حسنة وقدوة طيبة للمسلمين في هذا الباب وغيره ، ففي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجره شيئًا ) . الحديث .
وأسأل الله أن يمن على المسلمين بالتوبة الصادقة والعمل الصالح والفقه في الدين والعمل بالشريعة المطهرة في كل شئونهم ، حتى تستقيم أمورهم وتصلح أحوالهم ويسعد مجتمعهم ويسلمون من غضب الله وأسباب عقابه ، والله الهادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
قال ابن عباس -رضي الله عنه - ( ان للحسنةِ ضياءًُ في الوجه , ونورًُ في القلب , وسعةً في الرزق , وقوة في البدن , ومحبةً في قلوب الخلق . وان للسيئةً سوادٌ في الوجه , وظلمةً في القلب , ونقصاً في الرزق , ووهن في البدن , وبغضةً في قلوب الخلق )