--------------------------------------------------------------------------------
تؤكد الاكتشافات الأثرية التي تتوالى على وجود كمية هائلة من الآثار المدفونة في السعودية تحتاج إلى الجهود الكبيرة من قبل الجهات المختصة والمواطنين لمتابعتها سعياً إلى إسقاط الضوء على بعض فترات زمنية لم توثق في الكتب وندرت الآثار المنتمية إليها.
ولعل الكهف الأثري الذي اكتشفه الشاب السعودي ناصر بن عبدالله الجماعين الدوسري (22 عاماً) منذ أيام بين تلتين في موقع الحشة بالجابرية (130 كلم شمال شرق وادي الدواسر) يدل على ضرورة التحرك في كل مكان واستنفار كل الطاقات لاكتشاف الكنوز التاريخية في البلد الذي كان مهداً للحضارة العربية القديمة, والذي انطلقت منه رسالة الإسلام إلى جهات الأرض, كي نرد على المشككين بتراثنا وتاريخنا العريق في المكان.
هواية الصيد لدى ناصر قادته إلى حفرة في الأرض يبلغ عمقها حوالي 3.5م, ثم تمتد تحت الأرض بموازاة السطح لمسافة تتجاوز 2 كلم, وتشير المنحوتات الصخرية إلى عمر يقدر بمئات السنين, كما عثر داخل الكهف على سيف أثري معدني منقوش عليه أبيات شعرية لعنترة بن شداد وسروج ومواد أخرى متنوعة.
ومن خلال الوصف والحديث عن الاكتشاف, تحركت "الوطن" مع ناصر إلى الموقع وقامت بتصويره وأخذ المعلومات منه عن طريقة وصوله إليه ومشاهداته في ظلمات الكهف. وقال إنه أثناء خروجه باكراً منذ أيام بسيارته الجيب اكتشف في الصحراء فوهة الكهف, فهاله بعد قاعه والفتحات العديدة لكنه اقترب بسيارته وربط حبلاً طويلاً ونزل مع مصباح ضوئي حاملاً للاحتياط سلاحه الشخصي (الساكتون) خوفاً من وجود أي شيء داخل الكهف. وبعد مسير 1 كلم وازدياد الظلام, عاد ناصر إلى الخروج دون أن يكمل وفي قناعته أن ثمة شيئاً ما في الأعماق تحت الأرض سيجده لو تابع طريقه.
وكانت محاولة ناصر الثانية مع خاله المدرس مرزوق بن عامر الدوسري الذي رافقه في اليوم التالي وتقدم في الكهف لمسافة تزيد عن 2 كلم, ليرى على ضوء مصباحه سروج خيل قديمة بالية, والسيف مائل ومستند على الجدار في جانب الكهف, كما عثر على أحجار كثيرة متراكمة, وفي طريق العودة وعند مرحلة الصعود فوجئ بفتحة أخرى تقود إلى كهف آخر فوق سابقه لكنه منخفض لا يستطيع المرء أن يمشي فيه واقفاً وبداخله عظام متناثرة وكتابات منحوتة لم يتمكن ناصر من قراءتها أو التعرف على كاتبها.
ويقول ناصر إنه بعد عودته إلى المنزل وانتشار الخبر بين الناس جاءه أكثر من شخص عارضاً عليه شراء السيف بمبالغ كبيرة لكنه رفض بيعه. وقد وصف أحد الخبراء من كبار السن السيف بأنه قديم جداً من خلال تفحصه للحديد والنصاب, كما أنه من النوعية الجيدة لكونه مرناً ينثني بسهولة, وأضاف أن الموقع الذي وجد فيه السيف وهو "الحشة بالجابرية" دارت فيه معارك قديمة كما سمع عن آبائه وأجداده.
ويرى ناصر ضرورة توجه وكالة الآثار والمتاحف إلى المكان للإطلاع عليه وكشف أسراره التي توحي بأمور كثيرة يمكن أن يستنتجها خبراء الآثار عبر المنحوتات الرائعة وطريقة تنظيم المسارات الغريبة داخل الكهف, وكذلك أسلوب نحت الدور العلوي منه.
إلى ذلك رأى أكثر من شخص من كبار السن أن السيف يعود إلى القرون الوسطى مستدلين بالموقع القديم الذي لا يسكنه أحد ولا يستخدم في شيء واستغربوا وجود تلك الفتحة في ذلك المكان غير المأهول, فمن جهته رأى المسن عبدالله محمد الجماعين الذي تجاوز المئة من عمره أن الموقع معروف لدى قبائل الدواسر من خلال المعارك التي دارت فيه منذ مئات السنين, ورأى آخر أن عثور الشاب ناصر على السروج المحطمة والحصى من أحجام مختلفة يدل على استخدامها كوسادات للنوم من قبل مرتادي الكهوف.
يذكر أن ناصر اعتاد المكوث من 4 إلى 7 أيام في الصحراء حاملاً ما يحتاجه من الماء والتمر وغيرهما وهو مصمم على الاستمرار في هوايته وربما اكتشف مزيداً من الآثار التي تخدم تراث هذا البلد.
المصدر جريدة الوطن السعودية