الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
إن مما نتميز به نحن المسلمون عن غيرنا من الأمم تعاوننا على البر والتقوى ومحبة الخير لبعضنا وسعينا في اقتراح أفضل السبل للرقي ببلادنا وتطوير تعليمنا وسائر جوانب حياتنا
ومن هذا المنطلق أحببت التعليق على ما تواترت به الأخبار وصرح به مصدر مسئول في الإدارة العامة لتعليم البنات بجدة منذ فترة من (سماح الوزارة للمدارس الأهلية بالمرحلة الابتدائية بمدارس البنات بتسجيل الطلاب المستجدين في الصفوف الأولية ـ أول،ثاني،ثالث ـ بالدراسة في مدارس البنات)
هذا السماح الذي أذنت به الوزارة في سابقة لم يشهدها التعليم في بلادنا من قبل، لذا فأود بيان مافي قرار الدمج من مآخذ وسلبيات ، فأقول مستعيناً بالله :
أولا: لقد نصت المادة (155) من السياسة العامة للتعليم على مايلي : يمنع الاختلاط بين البنين والبنات في جميع مراحل التعليم إلا في دور الحضانة ورياض الأطفال.
كما نصت المادة ( 5 ) من لائحة تنظيم المدارس الأهلية على مايلي :أن تظم أحد الجنسين فقط ويستثنى من ذلك رياض الأطفال وفقا للنظم المتبعة في المدارس الحكومية..فما الذي نسخ هاتين المادتين؟!
ثانيا: لقد كانت ولا تزال تجربة المملكة في فصل البنين عن البنات تجربة ناجحة أثنت عليها المنظمات الدولية (المنصفة) فقد جاء في تقرير الوفد الأوروبي من هيئة اليونسكو أثناء اطلاعهم على تجربة تعليم البنات في المملكة – ما نصه – [إن تجربة تعليم البنات لديكم نموذجية وفريدة ولولا الحرج في اختلاف نمط الحياة الأوروبية لقلنا إن هذه الصبغة الأنسب لتعليم وتربية الفتاة حتى في أوروبا]
فكيف يقولون عنها تجربة نموذجية وفريدة وبعض مسئولي التعليم لدينا يقولون إنها غير ناجحة !؟ .
كما أجمع قناصل دول مجلس التعاون الخليجي عند زيارتهم لمدارس عبد الرحمن فقيه النموذجية بمكة المكرمة على نجاح التجربة السعودية في مجال التربية والتعليم بفصل البنين عن البنات وأن يتولى المعلمون تدريس الطلاب وتتولى المعلمات تدريس الطالبات ، واعتبر قنصل الكويت لدى المملكة علي سليمان الهيفي ( أن تخصيص معلمين للبنين ومعلمات للبنات في مجال التربية والتعليم أحد أسباب نجاح العملية التعليمية وقال : إن بعض المدارس في دولة الكويت اختارت المعلمات لتدريس طلاب المرحلة الابتدائية، لكنه بعد التجربة اتضح فشل هذا النهج وعاد كثير من أولياء الأمور يختارون المدارس التي يدرس فيها معلمون رجال الطلاب مكاناً لإلحاق أبنائهم (الذكور) .[صحيفة المدينة 9/6/1430]
ثالثا:لا يزال عقلاء الغرب – الذي يعتقد بعضنا نجاحه في كل شيء- لايزالون يقررون (أهمية اعتبار فروق الجنس بين الطلاب والطالبات) كما في التقرير الصادر عن الأكاديمية الوطنية للعلوم في أمريكا الذي كان بعنوان (هل الجنس ذو أهمية )؟ وكذلك أثبتت الدراسات الغربية فشل المدارس المختلطة مقابل المدارس غير المختلطة .
جاء في كتاب( مكانك تحمدي): أن وزارة التربية السورية أوفدت الأستاذ/ أحمد العظمة في رحلة علمية إلى بلجيكا ، وفي زيارة لمدرسة ابتدائية جميع من فيها بنات سأل عن سبب ذلك، فقالت مديرة المدرسةقد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية ) ص242
رابعا: لا يخفى على من سبر واقع الصبية والفتيات في السنوات الأخيرة من سرعة بلوغهم وتفتح أذهانهم واتساع مداركهم وميل كل جنس للآخر في سن مبكرة فقد تابعت يوماً أطفالاً(4-7) سنوات ولاحظت أن طفلاً(6)سنوات وطفلة(5)سنوات يحاولان الابتعاد عن بقية الأطفال ويختفيان عنهم ،وتابعتهما حتى ذهبا إلى إحدى الغرف واضطجعا بجوار بعض والتحفا بشرشف!! مما يؤكد وجود (الميل) من كل منهما للآخر حتى في هذه السن ، ولو لم يصل للعلاقة العاطفية الآن .
قال القاضي بن لدنسي في كتابه (تمرد النشء الجديد) إن الصبية قد أصبحوا يراهقون قبل الأوان ومن السن الباكرة جداً يشتد فيها الشعور الجنسي (ك.المرأة المسلمة ص 245)
وقال د. أديت هوكر في كتابه (القوانين الجنسية ): إنه ليس من الغريب الشاذ أن بنات سبع أو ثمان سنين منهن من يخادن الصبية وربما تلوثن معهم بالفاحشة .
خامسا: لقد ذكر سماحة الشيخ /عبد العزيز بن باز رحمه الله مآخذ على تدريس النساء للطلاب في المراحل الأولية ومنها :1- أن ذلك فتح لباب الاختلاط فيما بعد الصفوف الأولية .
2- أن الرجال أصبر على تعليم البنين وأقوى عليه وأفرغ له من المعلمات.
3- أن من المعلوم أن البنين في هذه المرحلة يهابون المعلم الذكر ويحترمونه ويصغون إلى مايقول أكثر وأكمل.
4- أن الطالب في هذه المرحلة يحتاج إلى أن يُربى على أخلاق الرجال وشهامتهم وصبرهم وقوتهم
وقد حذر سماحته من تدريس المعلمات للبنين في الصفوف الأولية وقال إن كل من له أدنى علم بالأدلة الشرعية وبواقع الأمة في هذا العصر من ذوي البصيرة يدرك مافي الاختلاط في التعليم من المفاسد الكثيرة والعواقب الوخيمة التي أدركها من فعل هذا النوع من التعليم في البلاد الأخرى) ك. الفتاوى الجامعة ج3
لذا فدمج طلاب الصفوف الأولية (بنين وبنات) في بلادنا يترتب عليه مايلي:
1- الخروج بسياسة التعليم والفصل بين الجنسين إلى غير مسارها الصحيح الذي سارت عليه هذه البلاد منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله إلى وقتنا هذا ولا يشك عاقل أن ماكانوا عليه خيراً مما نحن عليه اليوم فيما يخص هذا الجانب.2
- تهميش الشريعة الإسلامية التي تحكم بها دولتنا بعدم سؤال أهل العلم وهم الذين قال الله عنهم (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) عن حكم الدمج ،وعدم الأخذ بفتاواهم وقد بلغت كبار المسئولين وصغارهم ذكورهم وإناثهم!، وأخذ آراء من لايدركون العواقب الوخيمة والمفاسد الكبيرة المترتبة على مايرونه (الآن ) هيناً ، ولو سأل المسئولون أهل العلم بالشريعة بل وعلماء النفس و الاجتماع لاستراحوا وأراحوا...... ولكن الله المستعان ؟؟!
3- عدم الاعتبار بتجارب من سبقنا وتجرع آثار الاختلاط السيئ وكأن الوزارة تقول :لابد أن نجرب كما جربوا لنذوق ماذاقوا ثم بعد ذلك نضع ضوابط للتعلق بين الأطفال وتوابعه ونحدد عقوبات لما يترتب على ذلك !!أونخفف من الآثار السيئة أونبرر ونغمض أعيننا ونصم آذننا أو نقول :لابد من وجود سلبيات بسيطة أونسفه رأي من يحذر أو......( وإن غداً لناظره قريب)
4- أن الوزارة صمّت آذانها عن ثناء العالم الغربي (المنصف) ومنظمة اليونسكو على تجربة المملكة في فصل البنين عن البنات وإجماع قناصل دول مجلس التعاون على نجاح تجربة المملكة في الفصل بين الجنسين في التعليم، بل وزعم بعض مسئوليها ـ هداهم الله ـ أن الفصل الذي قامت عليه رئاسة تعليم البنات غير ناجح ؟! وأن الدمج الحالي إصلاح وتقدم ومواكبة للعالم ولون من ألوان الرقي بالتعليم ؟!! وصدق الله إذ قال :{أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً}
5 ـ انخفاض نسبة الإبداع بين الطلاب وكذلك روح المنافسة. تقول د.كارلس شوستر وهي خبيرة تربية ألمانية [إن الاختلاط يلغي استعلاء روح المنافسة بين التلاميذ] .
وقد جاء في دراسة بريطانية ألمانية [ارتفاع إبداع الطلاب في المدارس الغير مختلطة ] . وجاء في إحدى توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي 1397 هـ مانصه ( لا علاقة للاختلاط بالتقدم العلمي والتكنولوجي ،ومن خلال شهادات الغربيين أنفسهم فأمريكا مثلا لديها 180 جامعة وكلية غير مختلطة) .
6 ـ الاختلاط في الصفوف الأولية لا يجوز لأنه خطوة تتبعها خطوات ولو بعد حين ـ كما في جميع الدول التي بدأت بالابتدائي ـ!!كما قال سماحة الشيخ /عبد العزيز ابن باز رحمه الله أعلاه , وكما قال الشيخ / بكر أبو زيد رحمه الله (الاختلاط في رياض الأطفال: هذه أولى بدايات الاختلاط خارج البيوت، وإذا كان الاختلاط في المضاجع بين الأولاد ـ وهم أخوة ـ داخل البيوت بإشراف آبائهم مما نهى عنه الشرع فكيف به خارج البيوت مع غياب رقابة الوالدين؟؟!)
ويقول الشيخ / صالح الفوزان حفظه الله :إن العلماء عندما جعلوا رئاسة خاصة بتعليم البنات إنما هو محافظة على الإناث منعا للاختلاط ، وإن عزل الإناث عن الذكور هو منهج الإسلام الذي لايجوز مخالفته ، وإن منع الاختلاط في المدارس هو ماسار عليه ولاة الأمور ومما امتازت به هذه البلاد عن غيرها.(صحيفة حرف )
ويقول الشيخ /سعد الخثلان حفظه الله :الاختلاط في المرحلة الابتدائية لا يجوز ،ودعا فضيلته للاعتبار بالدول التي بدأ الاختلاط فيها بالصفوف الدنيا، وأن هذا الأمر هو لكسر الحاجز النفسي ثم يتعداه لما بعدها.
ويقول الشيخ / علي الطنطاوي رحمه الله :إن أصول العقائد ..وبذور العادات ..ومبادئ الخير والشر ..إنما تغرس في العقل الباطن للإنسان من حيث لايشعر في السنوات الخمس أو الست الأولى من عمره، فإذا عودنا الصبي والبنت على الاختلاط فيها ألا تستمر هذه العادة إلى السبع والثمان ؟ثم تصير أمرا عاديا ينشأ عليها الفتى وتشب عليها الفتاة فيكبران وهما عليه،وهل تنتقل البنت في يوم معين من شهر معين من الطفولة إلى الصبا في ساعات معدودات؟حتى إذا جاء ذلك اليوم حجبناها عن الشباب؟!!(كتاب ذكريات الطنطاوي )
ومما ذكر أعلاه يتبين أن قرار الدمج خاطئ بكل المعايير (الشرعية والتعليمية والتربوية والاجتماعية والنفسية وغيرها)
وعلى هذا فكل من ساهم باقتراح هذا الدمج أو أقرّه أو شارك في تطبيقه فعليه وزر ما سيترتب عليه من إقامة علاقات بين الصبية والصبايا وتعلق بعضهم ببعض (مما يلاحظ من ارتياح ثم إعجاب ثم تعلق) مما تدل عليه النظرات والعبارات والكلمات!ثم مايتبع ذلك من أضرار أخلاقية ونحوها أو ـ لاسمح الله - مواصلة دمج الصفوف العليا لأنه قد ساهم في( سن سنةً سيئة حرمها الشرع ـ كما في فتاوى العلماء بناء على ماتجر إليه من مفاسد ـ ورفضتها تقاليد وعادات المجتمع وحذّر منها العقلاء )
قال صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ؛ من غير أن ينقص من أجورهم شيء , ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده , من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) رواه مسلم
وقبل الختام أقول:أسأل الله القادر أن يشرح صدور مسئولي التربية والتعليم رجالا ونساء لإدراك مخاطر هذا الدمج حاضرا ومستقبلا وأن يستجيبوا لنداءات الغيورين والناصحين من العلماء وطلبة العلم وعموم المواطنين (فقد قال أحد مسئولي وزارة التربية والتعليم أنه زارهم أكثر من(60) وفدا من أنحاء المملكة لاستنكار قرار الدمج !! وإني لأتساءل أليس لهؤلاء قدر ولمطالبهم قيمة وهم يستشهدون بأقوال العلماء وسياسة التعليم والتربويين وأصحاب التجربة في هذا الجانب ونحوهم في أضرار الدمج ومفاسده؟ ولكن كما قال القائل :
لاتسل فكم سؤال عظيم *** مات في مهده ومات الجواب
ختاما: يجب ألا يخاطر بمستقبل الأجيال التربوي والتعليمي بهذه السهولة وباجتهادات فردية وقناعات شخصية ممن يملكون مثل هذا القرار الخطير.والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
عبدالرحمن بن رشيد الوهيبي