الحج فضله ومنافعه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه كلمة مختصرة عن الحج: فضله ومنافعه وشيء من أحكامه:
1- متى فرض الحج
فرض الحج على الصحيح سنة تسع من الهجرة، وهي سنة الوفود التي نزلت فيها سورة آل عمران وفيها قول الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97].
2- حكم الحج
الفرضية، وهو من أركان الدين، ودليله ما سبق من الآية الكريمة، وكذا جاء في السنة ما يدل عليه.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» [رواه البخاري(8) ومسلم (16)].
3- هل يجب الحج على الفور؟
نعم هو على الفور، ودليله ما سبق من الآية الكريمة، وهو الأصل في الأوامر الشرعية، ومن السنة ما يدل على هذا الحكم:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيّها النّاس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا» [رواه مسلم (1337)].
- عن ابن عباس رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أراد الحج فليتعجل فإنّه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة».
[رواه أبو داود (1732) دون قوله «فإنه قد .. »، وابن ماجه (2883) وأحمد (1836)] .
وفي رواية عند أحمد (2864): «تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له».
وكلا الروايتين تحسن إحداهما الأخرى، انظر (إرواء الغليل) للألباني (4 / 168)].
وذهب الشافعية إلى أنّه على التراخي لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم، أخره إلى سنة عشر ، لكن يجاب عليه:
أ- بأنّه لم يؤخره سوى سنة واحدة، وهؤلاء يقولون يؤخر إلى ما لا حد له!
ب- وأنّه أراد صلى الله عليه وسلم أن يطهر البيت من المشركين وحجِّ العراة.
ج- وأنّه قد شُغل صلى الله عليه وسلم بإسلام الوفود الذين تعاقبوا على المدينة لإعلان إسلامهم.
انظر (الشرح الممتع) للشيخ ابن عثيمين (7 / 17، 18).
4- والحج يجب مرة واحدة في العمر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «أيّها النّاس إنّ الله عز وجل قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلتُ نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال : ذروني ما تركتكم فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» [رواه مسلم (1337)].
5- فضله
وقد جاء في فضل الحج أحاديث كثيرة، ومنها:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور» [رواه البخاري (26) ومسلم (83)].
والحج المبرور معناه:
1. أن يكون من مالٍ حلال.
2. أن يبتعد عن الفسق والإثم والجدال فيه.
3. أن يأتي بالمناسك وفق السنة النبوية.
4. أن لا يرائي بحجه، بل يخلص فيه لربّه.
5. أن لا يعقبه بمعصية أو إثم.
_ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «مَن حجَّ لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري (1449) ومسلم (1350)] .
_ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة» [رواه البخاري (1683) ومسلم (1349)].
_ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : قلتُ يا رسول الله: ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: «لكُنّ أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور»، فقالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم . [رواه البخاري (1762)].
_ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. وأنّ الحج يهدم ما كان قبله» [رواه مسلم (121)].
_ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» [رواه الترمذي (810) والنسائي (2631)]. والحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في (السلسلة الصحيحة) (1200).
_ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم» [رواه ابن ماجه (2893)].
والحديث حسن، حسَّنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (1820).
6- منافع الحج
قال الله عز وجل: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28].
والمنافع: دنيوية ودينية.
أما الدينية: فلتحصيل رضوان الله تعالى، والعودة بمغفرة الذنوب جميعاً، وكذا الأجور العظيمة التي لا توجد إلاّ في تلك الأماكن، فالصلاة في المسجد الحرام - مثلاً - بمائة ألف صلاة، ولا يوجد طواف ولا سعي إلاّ في تلك الأماكن.
ومن المنافع ولقاء المسلمين، والوقوف على أحوالهم، ولقاء أهل العلم، والاستفادة منهم، وطرح المشكلات عليهم.
وأمّا المنافع الدنيوية: فمنها التجارة، وسائر وجوه المكاسب الناشئة والمتعلقة بالحجّ.
7- أمّا حِكَم الحج وما فيه من آثار على النفس
لأداء مناسك الحج فضائل متعددة وحِكَم بالغة من وُفِّق لفهمهما والعمل بها وفق لخير عظيم، ومنها :
- سفر الإنسان إلى الحج لأداء المناسك، يتذكر سفره إلى الله والدار الآخرة، وكما أنّ في السفر فراق الأحبة والأهل والأولاد والوطن؛ فإنّ السفر إلى الدار الآخرة كذلك.
- وكما أنّ الذاهب في هذا السفر يتزود من الزاد الذي يبلِّغه إلى الديار المقدسة، فليتذكر أنّ سفره إلى ربّه ينبغي أن يكون معه من الزاد ما يبلِّغه مأمنه، وفي هذا يقول الله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197].
- وكما أنّ السفر قطعة من العذاب فالسفر إلى الدار الآخرة كذلك وأعظم منه بمراحل، فأمام الإنسان النزع والموت والقبر والحشر والحساب والميزان والصراط ثم الجنّة أو النّار، والسعيد من نجَّاه الله تعالى.
- وإذا لبس المُحْرم ثوبي إحرامه فلا يذكر إلاّ كفنه الذي سيكفن به، وهذا يدعوه إلى التخلص من المعاصي والذنوب، وكما تجرد من ثيابه فعليه أن يتجرد من الذنوب، وكما لبس ثوبين أبيضين نظيفين فكذا ينبغي أن يكون قلبه وأن تكون جوارحه بيضاء لا يشوبها سواد الإثم والمعصية.
- وإذا قال في الميقات "لبيك اللّهم لبيك" فهو يعني أنّه قد استجاب لربّه تعالى، فما باله باقٍ على ذنوب وآثام لم يستجب لربّه في تركها ويقول بلسان الحال: "لبيك اللّهم لبيك" يعني: استجبت لنهيك لي عنها وهذا أوان تركها؟
- وتركه للمحظورات أثناء إحرامه، واشتغاله بالتلبية والذكر، يبين له حال المسلم الذي ينبغي أن يكون عليه، وفيه تربية له وتعويد للنفس على ذلك، فهو يروض نفسه ويربيها على ترك مباحات في الأصل لكن الله حرمها عليه ها هنا فكيف أن يتعدى على محرمات حرمها الله عليه في كل زمان ومكان؟
- ودخوله لبيت الله الحرام الذي جعله الله أمناً للنّاس يتذكر به العبد الأمن يوم القيامة، وأنّه لا يحصله الإنسان إلاّ بكد وتعب، وأعظم ما يؤمن الإنسان يوم القيامة التوحيد وترك الشرك بالله، وفي هذا يقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام:82].
وتقبيله للحجر الأسود وهو أول ما يبدأ به من المناسك يربي الزائر على تعظيم السنة، وأن لا يتعدى على شرع الله بعقله القاصر، ويعلم أنّ ما شرع الله للنّاس فيه الحكمة والخير، ويربي نفسه على عبوديته لربّه تعالى، وفي هذا يقول عمر رضي الله عنه بعد أن قبَّل الحجر الأسود: " إنّي أعلم أنّك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنّي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلُك ما قبلتك ". [رواه البخاري (1520) ومسلم (1720)].
- وفي طوافه يتذكر أباه إبراهيم عليه السلام، وأنّه بنى البيت ليكون مثابة للنّاس وأمناً، وأنّه دعاهم للحج لهذا البيت، فجاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودعا النّاس لهذا البيت أيضاً، وكذا كان يحج إليه موسى ويونس وعيسى عليهم السلام، فكان هذا البيت شعاراً لهؤلاء الأنبياء وملتقىً لهم، وكيف لا وقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام ببنائه وتعظيمه.
- وشربه لماء زمزم يذكره بنعمة الله تعالى على النّاس بهذا الماء المبارك والذي شرب منه ملايين النّاس على مدى دهور طويلة ولم ينضب، ويحثه على الدعاء عند شربه لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم «أن ماء زمزم لما شرب له» [رواه ابن ماجه (3062) وأحمد (14435)] وهو حديث حسن حسَّنه ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد) (4 / 320).
- ويذكّره السعي بين الصفا والمروة بما تحملته هاجر أم إسماعيل وزوجة الخليل عليه السلام من الابتلاء ، وكيف أنّها كانت تتردد بين الصفا والمروة بحثاً عن مُغيث يخلصها مما هي فيه من محنة وخاصة في شربة ماء لولدها الصغير - إسماعيل -، فإذا صبرت هذه المرأة على هذا الابتلاء ولجأت لربّها فيه فأن يفعل المرء ذلك أولى وأحرى له، فالرجل يتذكر جهاد المرأة وصبرها فيخفف عليه ما هو فيه، والمرأة تتذكر من هو من بنات جنسها فتهون عليها مصائبها.
- والوقوف بعرفة يذكر الحاج بازدحام الخلائق يوم المحشر، وأنّه إن كان الحاج ينصب ويتعب من ازدحام آلاف فكيف بازدحام الخلائق حفاة عراة غرلا - غير مختونين - وقوفا خمسين ألف سنة؟
- وفي رمي الجمار يعوِّد المسلم نفسه على الطاعة المجردة ولو لم يُدرك فائدة الرمي وحكمته، ولو لم يستطع ربط الأحكام بعللها، وفي هذا إظهار للعبودية المحضة لله تعالى.
- وأمّا ذبح الهدي فيذكّره بالحادثة العظيمة في تنفيذ أبينا إبراهيم لأمر الله تعالى بذبح ولده البكر إسماعيل بعد أن شبَّ وصار مُعيناً له، وأنّه لا مكان للعاطفة التي تخالف أمر الله ونهيه، ويعلمه كذلك الاستجابة لما أمر الله بقول الذبيح إسماعيل {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102].
- فإذا ما تحلل من إحرامه وحلَّ له ما حرمه الله عليه، رباه ذلك على عاقبة الصبر، وأنّ مع العسر يسراً، وأن عاقبة المستجيب لأمر الله الفرح والسرور وهذه فرحة لا يشعر بها إلاّ من ذاق حلاوة الطاعة، كالفرحة التي يشعرها الصائم عند فطره، أو القائم في آخر الليل بعد صلاته.
- وإذا انتهى من مناسك الحج وجاء به على ما شرع الله وأحب، وأكمل مناسكه رجا ربّه أن يغفر له ذنوبه كلّها كما وعد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «مَن حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري (1449) ومسلم (1350)]، ودعاه ذلك ليفتح صفحة جديدة في حياته خالية من الآثام والذنوب.
- وإذا رجع إلى أهله وبنيه وفرح بلقائهم ذكره ذلك بالفرح الأكبر بلقائهم في جنة الله تعالى، وعرَّفه ذلك بأنّ الخسارة هي خسارة النفس والأهل يوم القيامة، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15].
نسأل الله أن يوفقنا لطاعته وبلوغ بيته والقيام بفرائضه وصلى الله على نبينا محمد.
منقول ....من طريق الأسلام...